ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   هل قال المتنبي شعراً في مدح عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟ (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=14061)

عامر الرقيبة 19-10-2017 08:59 PM

هل قال المتنبي شعراً في مدح عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟
 
هل قال المتنبي شعراً في مدح عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟

إنّ مدح الصحابي الجليل أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب شرفٌ للشاعر المادح لا يفوقه إلا شرف مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأنّ المتنبي (303 هـ - 354 هـ) كان مالئ الدنيا وشاغل الناس في زمنه فإننا نرجّح أنّ بعض المتزيّدين والوضّاعين المتعصبين لمذهبهم حاولوا أن ينحلوا له مديحاً لهذا الصحابي الجليل من أجل أن يسوّقوا عقيدتهم من خلاله . ومكانة عليّ السامية عند جميع المسلمين في غُنية عن انتحالات الكاذبين . وليس غايتنا في هذه المراجعة نفيَ علويّة المتنبي أو إثبات العكس أو البحث في عقيدته وإنما نحاول تتبّع المصادر التي أوردت ذلك الشعر في مدح عليّ بن أبي طالب ومناقشتها للوصول إلى حقيقة الأمر.
وقبل مناقشة المقاطع الشعرية التي نُسبت للمتنبي أحببت أن أذكر أنها لم ترد في أي شرح من شروح ديوانه المطبوعة على كثرتها باستثناء قطعة واحدة وردت في كتاب ( معجز أحمد ) وهو منسوب لأبي العلاء المعرّي وصحة هذه النسبة غير مقطوع بها عند بعض المحققين . نعم أورد هذه المقاطع بعضُ محققي هذه الشروح ولكن ليس في متونها وإنما أفردوا لها ملحقاً بالزيادات التي تُنسب للمتنبي وأشار بعضهم الى مظانّها من كتب الأدب والتاريخ. وورودها في بعض كتب الأدب القديمة منسوبة الى المتنبي وعدم إيرادها من قبل شرّاح ديوانه على كثرتهم وخصوصاً القريبين من عصره لا يمنحنا الاطمئنان بصحة نسبتها للمتنبي ، وعليه فلا بدّ من اخضاعها للتحقيق العلمي للوقوف على حقيقة الأمر.

المقطع الأول بيتان :
وتركتُ مدحي للوصيّ تعمداً *** إذ كان نوراً مستطيلا شاملا
واذا استطال الشيء قام بنفسه *** وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا


أوردهما المستشرق الألماني فريدرخ ديتريصي المعلّم في المدرسة الكلية البرلينية ( ت 1903 م ) في ذيلٍ جَمَع فيه أشعار المتنبي التي لا توجد في ديوان المتنبي وألحقه بنشرته لشرح الواحدي (ت 468 هـ) ولم يذكر أي مصدر لهذين البيتين !
وأوردهما ابراهيم اليازجي في كتاب أبيه ناصيف اليازجي ( ت 1871 م ) ( العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب ) الذي هذبه وأكمله ولكنه لم يذكر أي مصدر لهذين البيتين !
وأوردهما عبد العزيز الميمني الراجكوتي ( ت 1978 م ) في كتيّبه ( زيادات ديوان شعر المتنبي ) نقلاً عن كتاب ( سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ) لابن نباتة المصري ( ت 768 هـ ) وكتاب ( نسمة السحَر فيمن تشيّع وشعَر ) ولم يذكر الميمني اسم مؤلف نسمة السحر واكتفى بقوله : لبعض متأخرة الزيديين اليمانيين وأشار إلى أنه استخرجها من نسخة خطيّة في حيدرآباد . ونقل منه قوله (آخر شعر قاله وقد عوتب في تركه مديح أهل البيت سيما أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : ...) واسم مؤلف (نسمة السحر) يوسف بن يحيى الحسني الصنعاني ( ت 1121 هـ ) .

المناقشة:

قال الميمني بعد ذكر المصدرين ( وأرى البيتين نحلهما بعض الشيعة له ) وذكر حجّته في ذلك عندما قارن بين قول صاحب نسمة السحَر : (آخر شعر قاله وقد عوتب .... ) مع ما ورد في بعض شروح المتنبي القديمة أنّ علي بن حمزة البصري مضيف المتنبيء ببغداد قد كتب عنه القصيدة الكافيّة ، وهي آخر شعره ، في واسط قبل قتله بأحد عشر يوماً.
وبالاضافة الى ما قاله الميمني فقد وجدتُ حجة أخرى تدلّ على أن هذين البيتين منحولان للمتنبي وهي أن صاحب (نسمة السحَر في ذكر من تشيّع وشعَر) برّر ادراج المتنبي في كتابه فقال : ( وأخبرني العلامة أبو محمد أحمد بن ناصر بن محمد بن عبد الحق الآتي ذكره إن شاء الله تعالى عن والدي رحمه الله تعالى أن أبا الطيب كان يتحقق بولاء أمير المؤمنين علي عليه السلام تحققاً شديداً وأن له فيه عدة قصايد سماها العلويات وإنما حُذفت من أكثر نسخ ديوانه لشدّة العصبيات في المذاهب فلذا ذكرتُه ) ثم قال بعد قليل : ( ورأيت في بعض أخباره أن آخر شعر قاله وقد عوتب في تركه مديح أهل البيت سيما أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : وتركتُ مدحي للوصيّ تعمّداً ....البيتين ) وهذا تناقض فاضح فلو فرضنا أن خبر القصايد العلويات التي حُذفت بسبب العصبيات المذهبية خبر صحيح فكيف يصحّ أن يقول المتنبي : وتركتُ مدحي للوصيّ تعمّداً ؟! وعلى العكس من ذلك لو فرضنا أنّ هذين البيتين قد قالهما المتنبي فعلاً فيلزم من ذلك أن كل ما عداهما في مدح عليّ غير صحيح النسبة للمتنبي ومن ضمنها تلك القصايد العلويات التي أشار إليها صاحب نسمة السحر لأنّ معنى البيتين إذا صحّت نسبتهما للمتنبي يدلّ على أن المتنبي لم يمدح عليّاً في غيرهما.
أما ابن نباتة المصري فاكتفى بقوله : ( وله أشعار لم تدخل في ديوانه مثل قوله : وتركت مدحي للوصي تعمداً .... ) ولم يذكر أيّ مصدر في اعتماده لهذا القول مما يقلل كثيراً من قيمته وخصوصاً أن الذي يفصل بينه وبين المتنبي أربعة قرون. ومع إنني لا أنكر احتمال وجود أشعار لم تدخل في ديوان المتنبي كما قال ابن نباتة ولكنني لا أظنّ أنّ هذين البيتين من ضمنها للأسباب التي ذكرناها آنفاً.

المقطع الثاني ثلاثة أبيات :
يا سيف دولة ذي الجلال ومن له *** خيرُ الخلائف والأنام سميُّ
أوما ترى صِفين كيف أتيتها *** فانجابَ عنها العسكرُ الغربيُّ
فكأنّه جيشُ ابن حربٍ رُعته *** حتى كأنّك يا عليُّ عليُّ


أوردها المستشرق ديتريصي في ذيل الزيادات الذي ألحقه بنشرته لشرح الواحدي وذكر في الهامش أن الثعالبي ( 350 هـ – 429 هـ ) ذكر هذه الأبيات في ( يتيمة الدهر ) .
وأوردها الدكتور عبد الوهاب عزام في (زيادات الديوان) الذي جمعه اعتماداً على مجموعة من المخطوطات اختار منها أصلين في تحقيقه وجاء في مقدمة هذه الأبيات : ( وقال فيه – أي في سيف الدولة – وهو في حرب صفين وجاءه وفي يده حربة فقال : قل شيئاً وإلا قتلتك فقال أبو الطيب بديهاً : ... ) وذكر في الهامش أن هذه القطعة ليست في الأصل الثاني الذي اعتمد عليه في تحقيق الديوان وهي نسخة كُتبت سنة 601 هـ .
وأوردها أيضاً عبد العزيز الميمني في ( زيادات ديوان شعر المتنبي ) ومصدره في ذلك (يتيمة الدهر) للثعالبي .
وجاء في يتيمة الدهر ( حدّث أبو عبد الله الحسين بن خالويه ، قال : لما كانت الشام بيد الاخشيد محمد بن طغج سار اليها سيف الدولة فافتتحها وهزم عساكره عن صفين فقال له المتنبي : الأبيات الثلاثة )
وبالاضافة الى هؤلاء فقد وجدتُ :
1. الأبيات الثلاثة في كتاب ( معجز أحمد ) وهو شرح لديوان المتنبي منسوب ! لأبي العلاء المعرّي ( ت 449 هـ ) كما نوّهنا سابقاً ، وابتدأ بقوله : ( وقال أيضاً فيه بديهاً : يا سيف دولة ذي الجلال .... )
2. البيت الثاني والثالث في كتاب ( معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ) لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ) وقال فيه : ( وفي هذا الموضع – أي صفين – هزَم سيفُ الدولة عليّ الحمداني الإخشيد محمد بن طغج وتملّك الشام ، وقال الشاعر في ذلك : ....) ولم ينسب البيتين للمتنبي !
3. الشطر الثاني من البيت الثالث فقط ( حتّى كأنك يا عليّ عليّ ) في كتاب ( الأفضليات ) لعلي بن منجب بن سليمان، أبي القاسم، تاج الرياسة، ابن الصيرفي (المتوفى: 542هـ) وقال قبله ( ويكون من باب قول الآخر : ) في سياق كلامه عن تجنيس المماثلة أو تجنيس اللفظ والخط. ولم ينسب هذا الشطر للمتنبي وإنما اكتفى بقوله : قول الآخر !

المناقشة:

لو نظرنا إلى تواريخ وفيات مؤلفي هذه المصادر لوجدنا أن أقدمهم صاحب ( يتيمة الدهر ) ثم ( معجز أحمد ) ثم ( معجم ما استعجم ) ثم ( الأفضليات ) . اثنان منهما لم ينسبا الأبيات للمتنبي وإنما لشاعر آخر لم يسمّياه . وهذا عندي يزيد من نسبة احتمال أن الأبيات ليست للمتنبي. وقد يعكّر على هذا القول اعتراضٌ بأنّ عدم ذكر المؤلف لاسم الشاعر لا يدلّ بالضرورة على أن الأبيات ليست للمتنبي . وهذا صحيح لو كان الشاعر مغموراً وذكره خاملاً بين الناس وأما المتنبي فلا أظنّ أحداً من المصنفين استشهد ببيت من أبياته إلا وقد ذكر اسمه. وقد عددت في كتاب ( معجم ما استعجم ) أربعة وعشرين موضعاً أوبلداً وردتْ في شعر أبي الطيب المتنبي ذكرها صاحب الكتاب مستشهداً عند كلّ بلد بشاهدٍ شعريّ وذاكراً أنه لأبي الطيب. فلو فرضنا جدلاً أن هذه الأبيات للمتنبي فلماذا أهمل مصنف الكتاب اسمه عند موضع صفين بالذات واكتفى بقوله ( وقال الشاعر في ذلك ) ؟ ونفس الشيء يقال مع صاحب كتاب (الأفضليات).
والسبب الثاني الذي يجعلنا نشكّ بنسبة الأبيات للمتنبي هو القصة التي رافقت الأبيات الثلاثة فقد ذكر الثعالبي في اليتيمة أن المتنبي قال هذه الأبيات عندما انتصر سيف الدولة على الإخشيد محمد بن طغج فاستولى على الشام بعد أن كانت بيده . وعند مراجعة أحداث تلك الفترة في كتب التاريخ سندرك استحالة كون المتنبي قائل هذه الأبيات ، ذلك لأنّ الإخشيد محمد بن طغج مات سنة 334 هـ وسجل لنا التاريخ أن أول لقاء بين المتنبي وسيف الدولة كان سنة 337 هـ . وقد حصر الباحثون وشرّاح الديوان القصائد السيفيات ما بين سنة 337 هـ وسنة 346 هـ . ويضاف إلى ذلك أن كتب التاريخ اتفقت على أن الوقائع بين سيف الدولة والاخشيد حدثت في سنة 333 هـ ، مرّةً في حمص انتصر فيها سيف الدولة ، ومرّةً في قنّسرين ولم ينتصر فيها أحد ، ثم مات الاخشيد سنة 334 هـ أو 335 هـ ولم تذكر كتب التاريخ وقعة بين سيف الدولة ومحمد بن طغج في موضع صفين !
وقد يعترض علينا من يقول أن الثعالبي ( ت 429 هـ ) وابن خالويه ( ت 370 هـ ) ثقتان فالجواب هو أنّ الثعالبي لم يسمع من ابن خالويه مباشرة ولو سمع مباشرة لقال حدّثني والمحققون في الأسانيد يفرّقون بين لفظة حدّثني ولفظة حدّث التي فيها تصريح بعدم السماع مباشرة. إذن نفهم من هذا أن الثعالبي أخذ هذا الخبر من مجهول وأسند هذا المجهول خبره الى ابن خالويه ! فيكون هذا الخبر مرجوحاً لضعفه مقارنة ً بالأخبار التي أجمعت عليها كتب التاريخ والتي أشرنا إليها آنفاً.
ويقال نفس الشيء لما أورده صاحب كتاب ( معجز أحمد ) الذي فنّد نسبته لأبي العلاء المعري الباحث محمد بن عبد الله العزام في سلسلة بحوث نشرها في مجلة عالم الكتب. وأيّاً كان فمؤلف ( معجز أحمد ) لم يذكر مصدر الخبر أيضاً بل ولم يذكر القصة التي ذكرها الثعالبي وإنما اكتفى عند شرح عبارة (العسكر الغربي) في البيت الثاني بقوله (جيش الاخشيد ، فهزمتَه) . فلماذا لم يذكر القصة بالرغم من تميّز كتاب ( معجز أحمد ) عن غيره من الشروح بأنه أكثرها إيراداً لأخبار المتنبي ويتميّز أيضاً بالمقدمات الطويلة قبل القصائد ؟ ولعلّ الجواب على هذا السؤال تكشفه العبارة التي صدّر بها خبر الأبيات حيث قال ( وقال أيضاً فيه بديهاً ... ) وهي تواطئ عبارة ( فقال أبو الطيب بديهاً ... ) التي وردت في نهاية القصة مع الأبيات الثلاثة التي وضعها الدكتور عبد الوهاب عزام في ( زيادات الديوان ) ، ولكن القصة هنا تختلف عن قصة الثعالبي وهي : ( وقال فيه وهو في حرب صفين وجاءه وفي يده حربة فقال : قل شيئاً وإلا قتلتك فقال أبو الطيب بديهاً : ... ) . إنّ سيرة المتنبي مع سيف الدولة والكبرياء التي أظهرها أمامه في أول لقاء معه في مجلسه عندما اشترط عليه عدم الوقوف عند انشاد الشعر واشترط عدم تقبيل الأرض أمامه وقبول سيف الدولة لشروطه تجعلنا نشكّ بصحّة هذه القصة السخيفة ، وربّما لم يذكرها صاحب كتاب (معجز أحمد) لعدم اقتناعه بصحتها أيضاً ، وهي تذكّرنا ببعض القصص المنحولة لأبي نؤاس مع هارون الرشيد وخصوصاً تلك التي يهدده فيها بسيفه ليقول شعراً. وأكاد أجزم أنّ هذه القصص نبعت من كنيفٍ واحد !

المقطع الثالث أربعة أبيات :
إني سألتك بالذي *** زان الامامة بالوصي
وأبان في يوم الغديــ *** ـــر لكل جبار غوي
فضلَ الامام عليهمو *** بولاية الربّ العلي
إلا قصدتَ لحاجتي *** وأعنت عبدكَ يا علي


أوردها رسول كاظم عبد السادة و كريم جهاد الحساني في كتابهما ( موسوعة شعراء الغدير ) المستدرك على كتاب الغدير للأميني.
وأشارا في الهامش إلى المصدر الوحيد لهذه الأبيات وهو ( بغية الطلب في تاريخ حلب ) لابن العديم ( ت 660 هـ )

المناقشة :

المؤلفان لم ينقلا من كتاب ابن العديم إلا الأبيات. ولا شكّ أن من يقرؤها سيتبادر إلى ذهنه سؤال : مَنْ يخاطب المتنبي في هذه الأبيات؟ هل هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، أم سيف الدولة الحمداني واسمه عليّ ؟
سأنقل هنا سياق الكلام بأكمله من كتاب بغية الطلب . قال ابن العديم :

(وقرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيّـل به تاريخ أبي سعيد بن يونس، وذكر فيه من دخل مصر من الغرباء فقال: أحمد بن الحسين بن الحسن الكوفي الشاعر، أبو الطيب، يُعرف بالمتنبي، رحل من مصر سراً من السلطان ليلة النحر سنة خمسين وثلاثمائة، ووجه الاستاذ كافور خلفه رواحل الى جهات شتى، فلم يلحق.
أنشدنا علي بن أحمد المادرائي قال: كتب أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في حاجة كانت له بالرملة:

إني سألتك بالذي ... زان الامامة بالوصي
وأبان في يوم الغدير ... لكل جبار غوي
فضل الإمام عليهم ... بولاية الرب العلي
إلّا قصدت لحاجتي ... وأعنت عبدك يا علي

قال: وكان يتشيع، وقيل: كان ملحدا، والله أعلم.
قلت: وسنذكر في ترجمة طاهر بن الحسن بن طاهر حكاية عن الخالديين تدل على أن المتنبي كان مخالفا للشيعة. ) إهـ

ونفهم من هذا النص الأمور التالية :

1. أنّ هذه الأبيات نقلها ابن العديم من كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي وهو كتاب بحكم المفقود كما قال محقق كتاب بغية الطلب.

2. أنّ الذي نسب الأبيات إلى المتنبي هو علي بن أحمد المادرائي فمن هو هذا المادرائي؟ وهل المخاطَب المقصود في البيت الرابع سيف الدولة واسمه علي أم الإمام علي بن أبي طالب؟ وأيّاً كان فمن الواضح أن الأبيات تدلّ على تذلّل المتنبي وتخضّعه إلى حدّ العبودية للممدوح.

3. ومن الواضح أيضاً أن ابن العديم يورد كلّ ما تقع عليه يده من أخبار المتنبي حتى وإن تناقضت وتضاربت دلالات هذه الأخبار. ومجرد ايراده لخبر ما لا يعني بالضرورة أنه يصدّقه بدليل أنه بعد أن نقل أبيات المتنبي التي نسبها له المادرائي والتي تدلّ على أنّ المتنبي كان من غلاة الشيعة وَعَد بأنه سيذكر لاحقاً ما يدلّ على أن المتنبي لم يكن شيعياً.


بعد بحث طويل لم أقف على ترجمة لعلي بن أحمد المادرائي فهو مجهول عين لا يمكن أن نطمئن لأي حكم في نقولاته حتى نعرف عن حاله. وربما هو والد أبي بكر محمد بن علي بن أحمد بن رستم المادرائي الكاتب وزير أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون كما ذكره السمعاني في كتاب الأنساب والله أعلم.

ولكن أثناء بحثي في شروح ديوان المتنبي وجدتُ قصةً ربما تتواطأ مع قصة المادرائي في جزئية واحدة فقط وهي أنه (كتب في حاجة كانت له بالرملة) وما عدا ذلك فالفرق بين القصتين كالفرق بين الثرى والثريا ! والقصة التي وجدتها في شروح الديوان هي أن المتنبي كتب الى كافور يستأذنه في المسير الى الرملة لتنجز مالٍ له بها وإنما أراد أن يعرف ما عنده في مسيره ولا يكاشفه ، فمنعه من الخروج وقال له : نحن نوجه لك من يقبضه فقال :

أتَحلِفُ لا تُكلِّفُني مَسِيراً ... إلى بَلَدٍ أُحَاوِلُ فِيهِ مَالا
وأَنتَ مُكلِّفِي أَنبَى مَكَانَاً ... وأَبعَدَ شُقَّةً وَأَشَدَّ حَالا
إذا سِرنَا عَنِ الفُسطَاطِ يَومَاً ... فَلِّقني الفَوَارِسَ والرِّجالا
لِتَعلَمَ قَدرَ مَنْ فَارَقتَ مِنِّي ... وَأَنَّكَ رُمتَ مِن ضَيمِي مُحالا


فشتّان بين هذه الأنفة والكبرياء التي تملأ روح الشاعر هنا وهو يخاطب أمير مصر والشام والحجاز واليمن وبين التخضّع والتذلّل إلى حدّ العبودية للممدوح ! هل من سبيل إلى الجمع بين هذين الموقفين المتناقضين؟

وأخيراً نختم بحثنا بتساؤل ٍ يحتاج إلى جواب علمي دقيق لا نملك الوصول إليه ! هذا السؤال أثاره عندي بيتُ شعر ٍ للمتنبي في قصيدةٍ هجا بها كافورَ بعد أن تمكّن من الهروب من مصر وهو في سياق قوله :

وماذا بمصر من الضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا
بها نبطيٌّ من أهل السواد ... يدرّسُ أنسابَ أهل الفلا


قال الواحدي في شرحه : (يريد بالنبطيّ السواديّ وهو أبو الفضل بن حنزابة وقيل أبو بكر المادرائي النسّابة وإنما يتعجب لأنه ليس من العرب وهو يعلّم الناسَ أنسابَ العرب) إهـ
وسؤالنا هو : هل ثمّة علاقة بين أبي بكر المادرائي هذا وبين قصة علي بن أحمد المادرائي التي تجبرنا سيرة المتنبي على عدم تصديقها ؟

عامر الرقيبة 20-10-2017 02:14 PM


الأستاذ العلامة منصور مهران
شكراً جزيلاً على تشجيعك لنا وبارك الله فيك




جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 09:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ