ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة النحو والتصريف وأصولهما (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   ﺇﻋﻼﻡ ﺍﻟﺤﺼﻴﻒ ﺑﻌﻠَّﺔ ﺍﺳﺘﻌﺼﺎﺀ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=13975)

صالح سعيد النائلي 27-08-2017 11:57 AM

ﺇﻋﻼﻡ ﺍﻟﺤﺼﻴﻒ ﺑﻌﻠَّﺔ ﺍﺳﺘﻌﺼﺎﺀ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ
 
ﺇﻋﻼﻡ ﺍﻟﺤَﺼِﻴﻒ ﺑﻌِﻠَّﺔ ﺍﺳﺘِﻌﺼﺎﺀ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ 1
نسيم بلعيد
من صفحته على الفيسبوك
--------------
ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔُﻀﻼﺀ ﺑﺼﺪﻭﺭ ﻃﺒﻌﺔٍ ﺟﺪﻳﺪﺓٍ ﻟـ ‏« ﺷﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﻑ ‏» ، ﻋُﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﺃﺣﺪُ ﺍﻟﺪﻛﺎﺗﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓِﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺤﻮ، ﻓﻘﻠﺖُ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻖُ ﻋﻠﻰ ‏« ﺷﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﻑ ‏» ﺇﻣَّﺎ ﺃﻥ ﻳُﻌﻠِﻲَ ﺍﺳﻢ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻭﻳَﺮﻓﻊَ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻻﺧﺘِﺼﺎﺹ ﻭﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏَ ﺣﻘَّﻪ ﻭﻣُﺴﺘﺤَﻘَّﻪ، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳَﻨﺤﺪﺭَ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﺗُﺤﻤَﺪُ ﻋﺎﻗﺒﺘُﻪ ﺇﻥ ﺃﺧﻞَّ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﻷﻣﺮَﻳﻦ ﺃﻭ ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎً، ﻓﺒﺎﺩﺭﺕُ ﺇﻟﻰ ﺳﺆﺍﻟِﻪ ﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔِ ﺩﻋﺎﺋﻢ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﻭﻣﺎ ﻋﻠَّﻘﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﺘَﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﺻَﻮَّﺭ ﻟﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺃﻟﻔﻴﺖُ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔَ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻌﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳَﻜﺘُﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً، ﻣﻊ ﺃﻥَّ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻤﻼﻭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣِﻦ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗَﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﺷﻢَّ ﺭﺍﺋﺤﺔَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ . ﺛﻢ ﺍﻃَّﻠﻌﺖُ ﻋﻠﻰ ﺻﻔَﺤﺎﺕٍ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﺄﺩﺭﻛﺖُ ﺃﻧﻬﺎ ﻃﺒﻌﺔٌ ﻟﻠﺘِّﺠﺎﺭﺓ ﻻ ﻏﻴﺮُ .
ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻛﺜﺮَ ﻃُﻠَّﺎﺏ ﺯﻣﺎﻧِﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﻭﺻُﻌﻮﺑﺘِﻪ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝِ ﻋﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﻃﺒﻌﺎﺕ ﻛُﺘﺒﻪ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﻴﻦ ﻛُﺘﺐ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻭﻛُﺘﺐ ﺍﻟﻌﺼﺮﻳِّﻴﻦ، ﻭﺧَﺼَّﻨﻲ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ - ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃَﺣﺴﻨﻮﺍ ﺍﻟﻈﻦَّ ﺑﻲ - ﻟِﻤﺎ ﺍﻟﺘﻤَﺴﻮﻩ ﻣﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻻﻃِّﻼﻉ ﻋﻠﻰ ﺃُﺻﻮﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ، ﻓﺮﺃﻳﺖُ ﻣِﻦ ﺍﻟﻼﺯﻡ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝَ :
ﻋِﻠﻢُ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﻛﺒﺎﻗﻲ ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳُﻤﻜﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞُ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡُ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﻟﺘﻔﻮُّﻕ ﻓﻴﻪ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﻣﺴﺎﺋﻠَﻪ ﺃﻗﻞُّ ﺗﺸﻌُّﺒﺎً ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﺤﻮِ ﻣﺜﻼً، ﻓﺮﺟﺎﺀُ ﺍﻟﻈﻔﺮِ ﺑﻬﺎ ﺃﻗﺮﺏُ، ﻭﻣﺎ ﺍﺷﺘﺪﺕْ ﺻﻌﻮﺑﺘُﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻝ ﺃﻭ ﺍﻹﺑﺪﺍﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻤﺮﻳﻦ ﻭﻧﺤﻮِ ﺫﻟﻚ ﻗﻠﻴﻞٌ ﻓﻲ ﺟَﻨﺐ ﻣﺎ ﺍﺷﺘﺪَّﺕ ﺻﻌﻮﺑﺘُﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﻨﺤﻮ ﻭﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﻏﻴﺮِﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻋُﻠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴَّﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻤُﺴﺘﻨﻜَﺮ ﺍﻟﺘَّﺤﺎﻣﻲ ﻋﻨﻪ ﻭﺗﺮﻛُﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺎﺩُ ﻳﺤﺘﺎﺟُﻪ ﺇﻻ ﻣﺜﻞُ ﺍﺑﻦ ﺟﻨﻲ ﻣﻤﻦ ﺧﺎﺽ ﻓﻲ ﻏﻮﺍﻣﺾ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ، ﻭﺃَﻧِﺲ ﺑﻤﺎ ﺍﺳﺘَﻮﺣﺸﺖْ ﻣﻨﻪ ﻧُﻔﻮﺱ ﺃﻗﺮﺍﻧِﻪ، ﺇﻻ ﺃﻥَّ ﺃﻋﻈﻢَ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﻊُ ﺍﻟﻨﺎﺱَ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻠِﻪ ﺃﻣﺮﺍﻥ :
ﺃﺣﺪُﻫﻤﺎ : ﻋﺪﻡُ ﺗﻤﻜُّﻦ ﺍﻟﻤﺼﻨِّﻔﻴﻦ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺻِﻴَﺔِ ﻣﺴﺎﺋﻠِﻪ، ﻭﺳﺒﺐُ ﺫﻟﻚ ﻳﺮﺟﻊُ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺭﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﻛُﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏٍ ﻛﺜﻴﺮﺓٍ؛
ﻣﻨﻬﺎ : ﻧُﺪﺭﺓُ ﺍﻟﻤﺸﺎﻳِﺦ ﺍﻟﻤﺘﻤﻜِّﻨﻴﻦ ﺍﻟﻤﺄﺧﻮﺫِ ﻋﻨﻬﻢ؛ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌِﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻧﺤﺪﺍﺭٍ ﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧَﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮَ، ﻭﻻ ﺗَﻜﺎﺩ ﺗﻈﻔﺮُ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﺘﺼﺮﻳﻔﻲٍّ ﻳُﺤﺴِﻦُ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺴﺎﺋﻞِ ﺍﻟﻔﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎً ﺃﻭ ﺗﺪﺭﻳﺴﺎً، ﻓﻼ ﻋﺠﺐَ ﺃﻥ ﻳﻈﻞَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢُ ﻓﻲ ﻧُﻘﺼﺎﻥٍ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳُﺘﺪﺍﺭَﻙ .
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺍﻧﺼِﺮﺍﻑُ ﺍﻟﻤُﺤﺼِّﻠﻴﻦَ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤُﻌﺎﺻﺮِﻳﻦ ﺑِﺪَﻋﻮﻯ ﺳُﻬﻮﻟﺔِ ﻋِﺒﺎﺭﺗِﻬﺎ ﻭﻳُﺴﺮِ ﻣﺴﺎﺋِﻠﻬﺎ، ﻫﺎﺟِﺮﻳﻦ ﻛُﺘﺐَ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪِّﻣﻴﻦَ ﻣﻊ ﺃﻧﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔُ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻏﺎﻳﺔٌ، ﻭﻟﻢ ﻳَﻌﻠﻢ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻤﺎ ﻳَﻘﺮﺅﻭﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻِﺮﻳﻦ ﻣُﺨﺎﻟﻒٌ ﻟِﻤﺎ ﺍﺳﺘﻘﺮَّ ﻋﻨﺪ ﺃﺋﻤﺔِ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻦ، ﻭﻣَﻦ ﻋَﻠِﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔَ ﺗﺒﺠَّﺢ ﺑﻜﻮﻥِ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮِ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﻮﺍﺏ، ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖِ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝُ ﻭﻋَﻠﺖِ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ﻭﺍﺧﺘﻠﻂ ﺍﻟﺤﺎﺑﻞُ ﺑﺎﻟﻨﺎﺑِﻞ .
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﻛﺜﺮﺓُ ﺍﻟﺘﺼﺤﻴﻔﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜُﺘﺐ ﺍﻟﺼﺮﻓﻴَّﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻗﻠَّﻤﺎ ﺗﺠﺪُ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳَﺴﺮُّ ﺍﻟﻌﻴﻦَ ﺷﻜﻼً ﻭﺿﺒﻄﺎً، ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻝُ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻣﻦ ﻳﺪٍ ﺇﻟﻰ ﺃُﺧﺮﻯ ﻛﻔﻴﻞٌ ﺑﺈﺑﻌﺎﺩ ﺍﻵﺧِﺮ ﻋﻤَّﺎ ﺃَﺭﺍﺩﻩ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﻛﻼﻣِﻪ . ﻭﺍﻧﻈﺮ ﻣﺜﻼً ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻝ ﺻﺎﺣﺐ ‏« ﺷﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﻑ ‏» : ‏( ﻓﻠﻮ ﺃُﺑﺪِﻟﺖ ﻫﻤﺰﺓُ ﺃَﻓْﻌَﻞَ ﻫﺎﺀً، ﻛﻬَﺮَﺍﻕَ ﻓﻲ ﺃَﺭﺍﻕَ، ﺃﻭ ﻋﻴﻨﺎً ﻛﻌَﻨْﻬَﻞَ ﺍﻹﺑﻞَ : ﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﺃَﻧْﻬَﻠَﻬَﺎ، ﺃﻱ : ﺳَﻘﺎﻫﺎ ﻧَﻬَﻼً، ﻟﻢ ﺗُﺤﺬﻑ ‏) . ﺍﻫـ ﻓﺈﻥ ‏( ﻋَﻨﻬَﻞ ‏) ﻫﺬﺍ ﻣﻊ ﺗﻜﺮُّﺭﻩ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ – ﻭﺑﻌﻀُﻬﺎ ﻗﺪ ﻃُﺒﻊ ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ ﻗﺮﻧَﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ - ﻟﻢ ﺗَﻨﻄﻖْ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﻻ ﺗَﻌﺮﻓُﻪ ﻓﻲ ﻛﻼﻣِﻬﺎ .
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮَ ﺩﻛﺎﺗﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗَﺪﻓﻊُ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻛﻞِّ ﺻﻮﺏٍ ﻭﺣﺪَﺏٍ ﺇﻣﺎ ﻏﻴﺮُ ﻣﺨﺘﺼِّﻴﻦَ ﺑﻌﻠﻮﻡِ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺃﺻﻼً، ﻭﺇﻣﺎ ﻣﺨﺘﺼُّﻮﻥ ﺑِﻌِﻠﻢ ﺁﺧﺮَ ﻏﻴﺮِ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﻛﺎﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﺍﻟﻨﺤﻮ ﺧﺎﺻﺔً .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺨﺘﺺُّ ﺑِﻐﻴﺮ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﻓﺄﻣﺮُﻩ ﻇﺎﻫﺮ، ﻭﺃﻣﺎ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻤﺨﺘﺺِّ ﺍﻟﺒﺘﺔَ ﻓﺮﺟﻞٌ ﺩﺭَﺱ ﺍﻟﻄﺐَّ ﺃﻭ ﺍﻟﻬﻨﺪﺳﺔَ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺃﻓﻨﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻏَﻴْﺴﺎﻥَ ﺷﺒﺎﺑِﻪ ﻭﺍﺑﻴﺾَّ ﻓَﻮْﺩﺍﻩ، ﺑﺪَﺍ ﻟﻪ ﺭﺃﻱٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌُﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻓﻔَﻌَﻞ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻪ ﻳﺒﺤﺚُ ﻣﺪَّﺓَ ﺳﻨﺘَﻴﻦ ﺃﻭ ﺛﻼﺙٍ ﻓﻲ ﺷﻲﺀٍ ﻻ ﻋﻼﻗﺔَ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺼﺮﻑِ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺟﺰﺋﻴﺔٍ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻨﻪ ﻻ ﻗﻴﻤﺔَ ﻟﻬﺎ، ﻫﺬﺍ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳَﺪﻓﻊِ ﺍﻟﻤﺎﻝَ ﻟﻤَﻦ ﻳﺒﺤﺚُ ﻧﻴﺎﺑﺔً ﻋﻨﻪ ﺑﺴﺒﺐِ ﺿﻴﻖ ﻭﻗﺘِﻪ ﻭﻛﺜﺮﺓِ ﺃﺷﻐﺎﻟِﻪ، ﺛﻢ ﻳَﺪﻋﻮﻙ ﻓﺠﺄﺓً ﻟﺤﻀﻮﺭ ﺣﻔﻞِ ﺗﺨﺮﺟِﻪ ﺩﻛﺘﻮﺭﺍً، ﺛﻢ ﻻ ﻳَﻠﺒﺚُ ﺃﻥ ﻳُﻌﻴَّﻦَ ﻣﺪﺭِّﺳﺎً ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔٍ ﻛﺒﻴﺮﺓٍ ﺑﺄُﺟﺮﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔٍ ﻣُﻘﺎﺑﻞَ ﺳُﻮﻳﻌﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻷُﺳﺒﻮﻉ، ﻻ ﺗُﺴﻤِﻦ ﻭﻻ ﺗُﻐﻨِﻲ ﻣﻦ ﺟﻮﻉ، ﻭﻳَﻨﻔﺘﺢُ ﻟﻪ ﺇﺛﺮَ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﺏُ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﻣِﺼﺮﺍﻋَﻴﻪ، ﻓﻴَﻠِﺠُﻪ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻦُ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤﺮُﻩ ﻓﻲ ﻋِﻠﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻀﻊُ ﺳﻨﻴﻦَ ﻻ ﺗَﻜﻔﻲ ﻟِﺘُﺠﻠِﺴَﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬﺍً ﻋﻨﺪ ﺃﺣﺪ ﻋُﻠﻤﺎﺋﻨﺎ ﺍﻟﺴﺎﺑِﻘﻴﻦ .
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺃﻥ ﻋِﻠﻢ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﻛﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌُﻠﻮﻡ، ﻻ ﻳﺠﻮﺯُ ﺃﻥ ﻳَﺨﻮﺽَ ﻓﻴﻪ ﺇﻻ ﻣَﻦ ﺃُﻭﺗﻲ ﻣﻨﻪ ﻧﺼﻴﺒﺎً ﻭﺍﻓﺮﺍً، ﻓﻼ ﻳﺘﻜﻠَّﻢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺸﺘﻐﻞُ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻹﻋﺮﺍﺏ ﻭﺇﻥْ ﺑﻠﻎ ﻓﻴﻪ ﻣﺒﻠﻎَ ﺳﻴﺒﻮﻳﻪ، ﻭﺃَﻭﻟﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﺪﻡُ ﺗﻜﻠُّﻢ ﺍﻷﺩﻳﺐ ﻭﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻭﺍﻟﺒﻼﻏﻲ ﻭﺃﺷﺒﺎﻫِﻬﻢ ﻓﻴﻪ، ﻭﻣﺎ ﺗَﻔﻌﻠُﻪ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺎﺕ ﻣِﻦ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺗﺪﺭﻳﺲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻷﻣﺜﺎﻝِ ﻫﺆﻻﺀ ﻻ ﻳﺠﻮﺯُ ﻭﻻ ﻳﺼﺢُّ ﺃﻳًّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﺪَّﻭﺍﻋﻲ، ﻭﻫﻮ ﻣِﻦ ﺗﻀﻴﻴﻊ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳَﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻲِّ ﺑَﻠﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟِﻢ، ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖُ ﺫﺍﺕ ﻣﺮَّﺓٍ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺃﺣﺪَﻫﻢ ﻳُﺪﺭِّﺱ ‏« ﺷﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﻑ ‏» ﻷﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣِﻦ ﺍﻟﺤِﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠُّﻢ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺑﻤﻜﺎﻥٍ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﺳﺄﻟﺘُﻪ ﻋﻤَّﺎ ﻣﻌﻪ ﻣِﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﺃﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺍﺳِﺒﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺎﺩَّﺗﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻵﻥ ﻳُﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﺘﻤﻜُّﻦ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﻷﺧﺬَ ﺑِﻨﺎﺻﻴﺘِﻪ، ﻓﻠﻤَّﺎ ﺃﺣﺲَّ ﻣﻨﻲ ﺇﻧﻜﺎﺭَ ﺗﺪﺭﻳﺴﻪ ﻟﻌِﻠﻢٍ ﻻ ﻳُﺤﺴِﻨﻪ ﻭﺍﺳﺘِﻌﻈﺎﻣﻲ ﻟﺬﻟﻚ، ﺃَﺧﺒﺮﻧﻲ ﺃﻧﻪ ﻳُﺤﻘﻖ ﻟﻤﺪﻳﺮ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛُﺘﺒﺎً ﺧﺎﺻَّﺔً - ﻳَﺴﺘﺤﻮِﺫُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪُ ﻭﺗُﻄﺒﻊ ﺑﺎﺳﻤِﻪ - ﺩُﻭﻥ ﺃُﺟﺮﺓٍ، ﻓﻲ ﻣُﻘﺎﺑﻞ ﺗﺪﺭﻳﺲِ – ﺑﻞ ﺗَﻀﻴﻴﻊِ – ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤُﺴﻠِﻤﻴﻦ، ﻭﺃﻇﻨُّﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞُ ﻓﻮﻕ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻟِﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛُﻨَّﺎ ﻧَﺪﻓﻌﻬﺎ ﻟِﺘﻠﻚ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻَّﺔ، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤُﺸﺘﻜﻰ .
ﻭﺍﻷﻣﺮُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺃﻥَّ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒَ ﻭﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻗﺪ ﺍﻋﺘَﻮَﺭﻫﻤﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡَ ﻣﻦ ﺍﻷﻏﺮﺍﺽِ ﺍﻟﻔﺎﺳِﺪﺓِ ﻣﺎ ﺃﺧﺮﺟﻬﻤﺎ ﻭﻋﻄَّﻠَﻬﻤﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﻊِ ﺍﻟﻄَّﻠَﺒﺔ، ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺭﺕ ﺑﻌﺾُ ﻛﺘﺐِ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﻛﺎﺳﻤِﻬﺎ ﺻﺎﺭﻓﺔً ﻟِﻤَﻦ ﺍﻃَّﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘِﻔﺎﺩﺓِ ﺑِﻤﺎ ﺍﺣﺘَﻮﺕْ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺿﻌﻒِ ﺍﻷُﺳﻠﻮﺏ ﻭﺭﻛﺎﻛﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮِ ﻭﺳُﻮﺀ ﺍﻟﺼَّﻨﻌﺔِ ﻭﻗُﺒﺢ ﺍﻟﻮَﺿﻊِ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺑُﻬﺎ ﻻ ﻳَﺤﻔِﻠُﻮﻥ ﺑﺠﻤﻴﻊِ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏُ ﻳُﺒﺎﻉ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻭﻳُﺪِﺭُّ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺮﺑﺢَ ﺍﻟﻔَﻴﻨﺔِ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔَﻴْﻨﺔ، ﻓﺄَﺻﺒﺢ ﻫﻤُّﻬﻢ ﺗﻜﺜﻴﺮَ ﻣﺎ ﻳُﺤﻘِّﻘﻮﻧَﻪ ﻭﻳُﺆﻟِّﻔُﻮﻧﻪ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻫﺪﻡٌ ﻟِﻤﺎ ﺑَﻨﺎﻩ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞُ ﻣﻦ ﺍﻟﻔُﺤﻮﻝ، ﺑﻞ ﺑَﻌﻀُﻬﻢ ﻳَﻌﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻃَﻠﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻓﻴَﺪﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣِﻤﺎ ﺗَﺸﺘﻬﻲ ﻧﻔﺴُﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎﺕ ﺍﻟﻤَﻨﺸُﻮﺩﺓ، ﻓﻴُﻌﻤِﻠﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻗﻼﻣَﻬﻢ ﻓﻴﻪ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻮﻯ ﺍﻟﻜِﺘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻗِﻪ ﺃﻣﺮَّ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺣﺴَﺐ ﻣﺎ ﻳَﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﻭﻗﺘُﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻣَﻸﻩ ﺑﺎﻟﻤﺆﺗﻤَﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨَّﺪﻭﺍﺕ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤُﺸﺎﻭَﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺠَﻠَﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﺣﻼﺕ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷَﺧﻮﺍﺕ، ﺛﻢ ﺗﺒﺠَّﺢ ﻭﻃَﺒَﻌﻪ ﺑﺎﺳﻤﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀٌ ﻳُﺬﻛَﺮ ﻣِﻦ ﺭَﺳﻤﻪ، ﻭﺭُﺑَّﻤﺎ ﻛُﻮﻓﺊ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻣُﻨﺢ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺩﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﻓَﺨﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻧﺤﻮَ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻮﻻ ﻣﺎ ﺃﺧﺬﺗُﻪ ﻋﻠﻰ ﻧَﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻌﺮُّﺽ ﻷﺷﺨﺎﺹ ﺑﺄﻋﻴﺎﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮُّﺩﻭﺩ ﺍﻟﻌِﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺼِّﺮﻓﺔ ﻟَﺴﻤﻴﺖُ ﻟﻚ ﺃُﻧﺎﺳﺎً ﻣﻨﻬﻢ، ﻭﻣَﻦ ﻣﺎﺭﺱ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻭﺍﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻋَﻠِﻢ ﺻﺤَّﺔَ ﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ .
ﻓﻴَﻨﺒﻐﻲ ﻟِﻠﻌﺎﻗﻞ ﺍﻟﺤﺬﺭُ ﻣﻦ ﻛُﺘﺐِ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤُﻜﺜِﺮﻳﻦ؛ ﺇﺫ ﻗَﻠﻤَّﺎ ﻳَﻨﺠﻮ ﺗﺄﻟﻴﻒٌ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺷَﻬﻮﺓِ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺎﻩ، ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻳﺖُ ﺑِﻌﻴﻨﻲ ﻣَﻦ ﻳﺘﻌﻤَّﺪ ﺫﻟﻚ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻲ ﺳﺄﻟﺖُ ﺑَﻌﻀﻬﻢ – ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ - ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺣﻘَّﻘﻪ ﻫﻮ ﺃﺣﺪُ ﺃﻋﻤِﺪﺓ ﻓﻦٍّ ﻣﻦ ﻓُﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺍﺳﺘَﻔﺴﺮﺕُ ﻣﻨﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺗَﺸﻮﻳﻬﻪ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ ﺿﺎﺣﻜﺎً ﻭﻗﺎﻝ : ‏( ﻫﺬﺍ ﺗﺨﻠﻴﻂ ﺷﻴﺨﻲ ‏) . ﻭﻣِﻦ ﺛَﻢَّ ﺃﻳﻀﺎً ﺗﻜﺜُﺮ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻫﺎﻡُ ﻓﻲ ﺗﺂﻟﻴﻒ ﻫﺆﻻﺀ، ﻭﻣَﻦ ﺳَﻠِﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻣِﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ ﻭﺍﻷﻏﻼﻁ ﻻ ﺗَﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑِﻪ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎً ﻟﻤﺴﺄﻟﺔٍ ﺃﻭ ﺗﺪﻗﻴﻘﺎً ﻓﻲ ﻣُﻌﻀِﻠﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳُﻜﺮِّﺭ ﺑﻌﺾَ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻣَﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻣﻊ ﻗُﺼﻮﺭِ ﻋﺒﺎﺭﺍﺗﻪ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺋِﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑِﻘﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻛﺮﻩَ ﺍﻷﺋﻤﺔُ ﻣِﻦ ﺍﻟﻤُﺤﺪِّﺛﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮِﻫﻢ ﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒَ ﻟِﻤَﻦ ﻗﺼَّﺮ ﻋﻦ ﺑُﻠﻮﻍ ﻣَﺮﺗﺒﺘِﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺇﻣَّﺎ ﺃﻥ ﻳَﺘﺸﺎﻏﻞَ ﺑِﻤﺎ ﺳُﺒِﻖ ﺑﻪ، ﺃﻭ ﺑِﻤﺎ ﻏﻴﺮُﻩ ﺃَﻭﻟﻰ، ﺃﻭ ﺑِﻤﺎ ﻟﻢ ﻳَﺘﺄﻫَّﻞْ ﺑﻌﺪُ ﻻﺟﺘِﻨﺎﺀ ﺛَﻤﺮﺗِﻪ، ﻭﺍﻗﺘِﻨﺎﺹ ﻓﺎﺋﺪﺓِ ﺟَﻤﻌِﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻻﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : ‏( ﻻ ﻳَﻨﺒﻐﻲ ﻟِﺤَﺼﻴﻒ ﻳﺘﺼﺪَّﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻨﻴﻒٍ ﺃﻥ ﻳﻌﺪﻝَ ﻋﻦ ﻏﺮﺿَﻴﻦ : ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳَﺨﺘﺮﻉَ ﻣﻌﻨﻰ، ﺃﻭ ﻳُﺒﺪِﻉَ ﻭﺿﻌﺎً ﻭﻣﺒﻨﻰ، ﻭﻣﺎ ﺳِﻮﻯ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻮﺟﻬَﻴﻦ ﻓﻬﻮ ﺗَﺴﻮﻳﺪُ ﺍﻟﻮَﺭَﻕ، ﻭﺍﻟﺘَّﺤﻠﻲ ﺑِﺤِﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴَّﺮَﻕ ‏) .
ﻭﻟْﻨﺨﺘِﻢ ﺑﺬﻛﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔٍ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﻣَﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘَّﺼﺮﻳﻒ، ﻭﺷﺮﺣِﻬﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺑِﻀﻌﺔ ﺃﺳﻄُﺮ، ﺛﻢ ﻧُﺮﺩﻓُﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ - ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ – ﺑﺄﻗﻮﺍﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺼﻨِّﻔﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ؛ ﻟِﺘﻌﻠَﻢَ ﻣﻘﺪﺍﺭَ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨَﻠَﻞ ﻭﺍﻟﺘﺨﺒُّﻂ، ﻭﻟِﺘُﺪﺭِﻙ ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺮَ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﺨﻄﺐَ ﺟﻠﻴﻞ .
ﺃﻗﻮﻝ : ﺫَﻛﺮ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﺃﻥ ﻣِﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ‏( ﺃَﻓْﻌَﻞ ﻭﻓَﻌَّﻞ ‏) ﺍﻟﺴَّﻠْﺐَ ﻭﺍﻹﺯﺍﻟﺔَ، ﻧﺤﻮ : ‏« ﺃَﻋْﺠَﻤْﺖُ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏَ ‏» ﺃﻱ : ﺃﺯﻟﺖُ ﻋُﺠﻤﺘَﻪ، ﻭﻗﺮَّﺩﺕُ ﺍﻟﺒﻌﻴﺮَ ﺃﻱ : ﺃﺯﻟﺖُ ﻗُﺮﺍﺩَﻩ، ﻭﻓﺴَّﺮ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪِّﻣﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺸﻲﺀ ﺻﺤﻴﺢ ﺻﺮﻳﺢ، ﻛﻘﻮﻝِ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺮﺿﻲ : ‏( ﺃﻱ : ﻟِﺴﻠﺒِﻚ ﻋﻦ ﻣﻔﻌﻮﻝِ ‏« ﺃَﻓﻌَﻞ ‏» ﻣﺎ ﺍﺷﺘُﻖَّ ﻣﻨﻪ، ﻧﺤﻮُ : ﺃﺷﻜﻴﺘُﻪ : ﺃﻱ : ﺃﺯﻟﺖُ ﺷﻜﻮﺍﻩ ‏) ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﺐُ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ‏« ﺃَﻓْﻌَﻞَ ‏» ، ﻟِﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﺭﻛﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﺳﺘﺮﺍﺑﺎﺫﻱ ﻓﻲ ‏« ﺷﺮﺣِﻪ ‏» : ‏( ﻭﺧﺎﻣﺴﺎً : ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻠﺐ، ﺃﻱ : ﻹﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋِﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻣَﻌﻨﻰ ﻣَﺼﺪﺭِ ﺍﻟﺜُّﻼﺛﻲ ﻧﺤﻮ : ‏« ﺃَﺷْﻜَﻴْﺘُﻪ ‏» ؛ ﺃﻱ : ﺃﺯﻟﺖُ ﺷِﻜﺎﻳﺘَﻪ ‏) . ﺍﻫـ ﻭﻣﻊ ﻭُﺿﻮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺷﻮَّﻫﻬﺎ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻘَّﻖ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻨﻴﻞِ ﺷﻬﺎﺩﺗﻪ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﻫﻜﺬﺍ : ‏( ﺃﻱ : ﻹﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ - ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﺜﻼﺛﻲ - ﻧﺤﻮ : ... ﺇﻟﺦ ‏) .
ﻭﺍﻟﺤﺎﺻﻞُ ﺃﻥ ﻓﺎﻋِﻞَ ﺻﻴﻐﺔِ ‏( ﺃَﻓْﻌَﻞَ ‏) ﺃﻭ ‏( ﻓَﻌَّﻞَ ‏) ﻳَﺴﻠُﺐ ﻋﻦ ﻣﻔﻌﻮﻟِﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘُﻘَّﺖ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺼﻴﻐﺔُ، ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻴﻞ : ‏( ﻣَﺮَّﺽ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ ﺯﻳﺪﺍً ‏) ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ : ﺳﻠﺐَ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐُ ﺍﻟﻤﺮﺽَ - ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺍﺷﺘُﻖَّ ﻣﻨﻪ ‏« ﻣَﺮَّﺽ ‏» - ﻣِﻦ ﺯﻳﺪ ﻭﺃﺯﺍﻟَﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ‏( ﺟﻠَّﺪ ﺍﻟﺒﻌﻴﺮَ ‏) : ﺇﺫﺍ ﺃﺯﺍﻝ ﺟِﻠﺪَﻩ، ﻭ ‏( ﻗﺬَّﻯ ﻋﻴﻦَ ﻓﻼﻥٍ ‏) : ﺇﺫﺍ ﺃﺯﺍﻝ ﻗَﺬﺍﻫﺎ .
ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻹﺯﺍﻟﺔ، ﻓﺎﺣﻔﻈْﻪ ﺟﻴﺪﺍً ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳَﺴﻠﺒَﻪ ﻣﻨﻚ ﻭﻳُﺰﻳﻠَﻪ ﻣﺎ ﺃﻧﻘُﻠﻪ ﻟﻚ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺃﺻﺤﺎﺑِﻨﺎ ﺍﻟﻌﺼﺮﻳِّﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻲ ﺍﻵﺗﻲ.
ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ.ًََّ

صالح سعيد النائلي 04-09-2017 03:24 PM

إعلام الحَصِيف بعِلَّة استِعصاء التصريف (2)
--------------
تقدَّم في المقال السابق أنَّ أهل التصريف قد ذكرُوا في معاني (أَفْعَلَ) و(فَعَّلَ) السلبَ والإزالة، وهو معنى مشهور مُتداوَلٌ في كتب اللغة والتفسير والحديث والفقه وغيرها، ومما جاء منه في كلام العرب من الصيغة الأُولى قولُهم: «أشكيتُه»: أي: أزلتُ شَكواه، وفي حديث خبَّاب رضي الله عنه عند مسلم: «شَكَونا إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم الصلاةَ في الرَّمضاء، فلم يُشْكِنا» أي: لم يُزِل شَكوانا؛ و«أعجمتُ الكتابَ»: أزلتُ عُجمتَه - أي: إبهامَه - بِنقط ما يُنقَط، وإِهمال ما يُهمَل؛ و«أعذرتُ فلاناً»: أزلتُ عُذرَه، وفي حديث البخاري: «أَعذَر الله إلى امرئٍ أَخَّر أجلَه حتى بلغ سِتين سنة»، أي: أزال عُذره فلم يَبقَ له اعتذارٌ حيث أَمهَله هذه المدَّةَ ولم يَعتبر، ومثلُه في المثل: (أَعذَر مَن أَنذر)؛ و«أَعتبتُه» أي: أزلتُ عِتابَه، ومنه قولُ عمرَ بن أبي ربيعةَ المخزومي:
بِـنَفسِيَ مَـن أَشـتكِي حُـبَّه ... ومَن إنْ شَكا الحُبَّ لم يَكذِبِ
ومَـــن إنْ تَـسـخَّـطَ أَعْـتَـبْـتُه ... وإنْ يَــرَنِـي سـاخِـطاً يـعـتِبِ
أي: إن تسخَّطَ عليَّ أرضيتُه وأزلتُ سببَ عَتْبِه؛ و«أَقذَيْتُه» أي: أزلتُ القَذى عن عَينه، وقيل: ألقيتُه فيها، وقيل: هو من الأضدادِ؛ و«أخفرَ الرجلَ»: إذا نقض عهدَه وذِمامَه، قال ابنُ الأثير في «النهاية» (2/52-53): والهمزةُ فيه للإزالة، أي: أزال خِفارتَه. اهـ وهي: الأمان، وقيل: الذمَّة. ومِن ذلك أيضاً «أَعربَ الشيءَ»: إذا أزال عَرَبَه وهو فسادُه، وفي قولٍ أنَّ الإعراب في النحو مأخوذٌ منه؛ لأنه يُزيل فسادَ التِباس بعض المعاني بِبَعض؛ وكذا «أفرحه الشيءُ أو الدَّينُ»: أَثقَله، أي: أزال فَرَحَه، أَنشد أبو عُبَيدة لِبَيهسٍ العُذْرِيّ:
إذا أَنـتَ لـم تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمانةً ... وتَحمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الوَدائعُ
ويُقال: استَصرَخني فأَصرَختُه، أي: أَغثتُه، أي: أَزلتُ صُرَاخَه؛ و«أقسَط فلانٌ»: إذا أزال عن نَفسه القَسْطَ وهو الجَوْرُ، أي: الظلمُ؛ وقيل في قوله تعالى: {إن الساعةَ آتيةٌ أَكاد أُخفِيها}: إن المعنى: أُزيل عنها خَفاءَها أو خِفاءَها، وهو سترُها؛ الأول مصدرُ خَفِيَ، والثاني بمعنى الغِطاء.
وقالُوا مِن الصيغةِ الثانية: «قَرَّدتُ البعيرَ» أي: أزلتُ قُرَادَه، و«جَلَّدتُه» أي: أَزلتُ جِلْدَه بِالسَّلخ، و«قَذَّيتُ عينَه»: أزلتُ قَذاها، وفيه مذهبان آخَران كما في «أَقذيتُ»، ولكن المشهور أنَّ الأول لِلتعدية وهذا للسلب؛ ومنه أيضاً: «شمَّتَ العاطسَ»، وأصله: إزالةُ شماتة الأعداء عنه بالدُّعاء له بالخير؛ و«جَزَّعَ فلاناً»: أزالَ جَزَعه، ومنه الحديثُ: «لَمَّا طُعِن عُمر جَعل ابنُ عباسٍ رَضي الله عنهما يُجَزِّعُه» قال ابن الأثير: أي: يَقول له ما يُسَلِّيه ويُزِيل جَزَعَه، وهو الحزنُ والخَوف. اهـ، ومن أمثلة سيبويه: «مرَّضه» أي: قام عليه ووَلِيَه في مَرضه وداواه لِيَزُولَ مَرضُه؛ ويُقال: «قَلَّحَ الرجلَ والبعيرَ»: إذا عالج قَلَحَهما، وهو صُفرةٌ تَعلو الأسنان؛ و«طَنَّيتُ البعيرَ»: إذا عالجتُه مِن طَناه، وهو لُزوقُ الطِّحال بالجَنب من شِدَّة العطش؛ وجاء من معنى السلب في التنزيل قولُه تعالى: {حتى إذا فُزِّع عن قُلوبهم} قال أبو حيان في «البحر»: أي: أُطِير الفَزعُ عن قُلوبهم، وفَعَّلَ تأتي لِمَعانٍ منها: الإزالةُ، وهذا مِنه. اهـ وحُمل على الإزالة أيضاً قولُه تعالى: {قال لا تثريبَ عليكم اليومَ}، وقولُه: {وحَرِّض المؤمنين}.
والمقصود أن أمثلةَ النوعين كثيرةٌ، وإنما أضربتُ عن بَعضها خوفَ الإملالِ، إلا أن أكثرَ تمثيل المتقدِّمين لـ«أَفْعَلَ» كان بـ«أَشْكى وأَعْجَم»، ولـ«فَعَّلَ» بـ«قَرَّدَ وجَلَّدَ وقَذَّى»، وربما مثَّلوا بغيرهنَّ، وعلى كلٍّ فأمثلتُهم كلُّها صحيحةٌ لا مَطعنَ فيها؛ أما العصريُّون فلم يَهتَدِ أكثرُهم للصواب في هذا الموضع؛ فمثَّلوا بما لا يصحُّ التمثيلُ به؛ إما لِعدم فَهمهم حقيقةَ السلب أصلاً، وإما لِعدم تحقُّقِها فيما مثَّلُوا به لِنُكتة لَطيفةٍ خفيَتْ عنهم.
فمِمَّن أخطأ في فهمِ معنى السلب الدكتورُ عبد اللطيف الخطيب - حفظه الله - وعبارتُه في كتابه «مختصر الخطيب في علم التصريف» (ص55): (السلب والإزالةُ: فزَّعتُه: أزلتُ فزعه، صوَّب الخطأ). اهـ فأصاب في الأول حين أَخذه من القرآن العظيم واقتفى فيه مَن سبَقه، وأخطأ في الثاني حين اجتهد فيه؛ لأن مُقتضى القاعدة أن يكونَ معناه: أزال الصوابَ، إلا أنه إنما أراد به: أزال الخطأ كما هو ظاهرٌ، وكما صرَّح به حين كرَّر مثالَه هذا في كتابِه الآخَر المسمى «المستقصى في علم التصريف»، فقال (1/322): (ومنه صوَّب الخطأَ أي: أزالَه بِذكر الصحيح). اهـ ويَلزم من صنيعِه هذا أن يكون أكثرُ ما جاء على (فَعَّلَ) من بابِ السلب والإزالة؛ لأنك تَقول مثلاً: (عدَّلتُه، وزيَّنتُه، وعلَّمتُه، وكثَّرتُه، وقدَّمتُه، وكسَّرتُه)، ومعناها: أزلتُ اعوجاجَه، وقُبحَه، وجهلَه، وقِلَّتَه، وتأخرَه، والتِئامَه، وهكذا إلى ما لا يكاد يُحصى كثرةً. وهذا خطأ غريبٌ من مِثلِه.
ومنهم الدكتورُ محمود عكاشة في كتابه «البناء الصرفي في الخطاب المعاصر»، وعبارتُه (ص31): (نحو: قشَّر: أزال القشرة، نظَّفه: أزال قَذَاه ... إلخ)، فأخطأ كسابِقِه. وله في هذا الكتاب غرائبُ.
ومنهم الحسين السباعي في كتابه «القبس الصرفي»، قال (ص61): (أشفى المريضَ أي: أزال عنه المرضَ). اهـ فأخطأ أيضاً. وقد نقلتُ قديماً عبارتَه هذه في شرح «الشذا» فقلتُ: (ومِن عجيب ما قرأتُ هذه الأيام قولُ بعضهم مُمَثِّلاً لهذا المعنى في كتابٍ له جعَلَه كالشَّرح على «اللامية»: أَشْفَى المريضَ، أي: أزال عنه المَرَضَ. اهـ، وهذا يدلُّ على أنَّ النظر في المطوَّلات واجبٌ قبل التَّأليف، وأمَّا أن تقرأ كتاباً مختصَراً -كهذا الذي نشرحه- ثم تتصدَّى للتأليف أو التَّدريس فلا). اهـ
ومِن الغرائب في هذا الباب قولُ صاحب «نزهة الطرف» عند كلامه على معاني (أَفعَل) (ص50): (السلب نحو: أَدْمَيتُ الرجلَ: بمعنى ضربته حتى سال منه الدم، ونحو: أَبْكَيتُ عمراً: بمعنى ضربته فبكى، الإزالة نحو: أقْشَرْتُ الفاكهةَ: إذا أزلت قشرتها)، ثم قوله في معاني (فعَّل) (ص54): (السلبية نحو: نَقَّيْتُ الحبَّ: إذا أزلتُ منه الشوائبَ، ونحو: قَشَّرْتُ الفَاكهةَ). اهـ وكتابُ «نزهة الطرف» هذا قد نقلتُ عنه مسألةً فيما مَضى في مقالي المسمَّى «مِن عبث المعاصرين»، وهذا الذي نقلتُه هنا الآنَ أيضاً ضربٌ من العَبث، ولا سيَّما قولُه: (أَقشرتُ).
وعدَّت الباحثةُ عائشة قشوع في كتابها «الأبنية الصرفية في السور المدنية» (ص35) ستةَ أفعال من بابِ (أفعلَ) الذي للسَّلب والإزالة، ومنها «أَبرأ وأَخفى وأَعمى»، فكأنَّ المعنى عندها: أزالَ المرض والظهورَ والبَصر. على أنني لا أفهم كيف لم تَعُدَّ نحو: «أَمات وأَضلَّ وأَهان» في هذا الباب – وجعلتْها للتعديةِ - مع أنها بمعنى سلبِ الحياة والهدايةِ والكرامةِ؟ بل لا أفهم كيف جعلتْ «أخفى» المكررَ (11) مرَّةً لِلتعديةِ وللسلب في الوقتِ ذاتِه؟ ولها غرائبُ أكبرُ من هذه في رسالتها التي نُوقشت وأُجيزتْ في جامعة النجاح بنابلس، ولو تعرَّضتْ لِلسُّوَر المكيةِ أيضاً لتضاعفتِ تلك الغرائب.
وقالت الباحثة بن ميسية رفيقة في رسالتها للماجستير واسمها «الأبنية الصرفية ودلالاتها في سورة يوسف عليه السلام» (ص142): (ومِن بين ما مثَّل معنى السلب والإزالة «أُبرِّئ» ... فإنها تدلُّ على محاولة إزالة التهمة عن النفس ... إلخ كلامها). ولو تعرَّضتْ لغير سورة يوسفَ عليه السلام لأتتْ بالعجائب.
فإن قيل: يَنبغي أن لا يُعدَّ منها الرسائل الجامعية؛ إذ إنها إنما صُنِّفتْ قبل التخرج في أوقات الطلب، قلتُ: كلَّا، بل الخطأ فيها أشنعُ؛ لأنه قد اجتمع على النظر فيها ومراجعتِها ومناقشتِها بضعةُ دكاترةٍ، وإجازتُهم لها دليلٌ على إقرارِهم لِما فيها، اللهمَّ إلا أن يُكْذِبَ بعضُ هؤلاء نفسَه فيَعترِفَ بأنه لم يقرأ الرسالةَ، وأنه أكلَ مال الطالب والجامعةِ بالباطلِ.
وأما مَن أخطأ من جهة التمثيل فقط - فأَدخل في السلب ما ليس منه لِنكتةٍ خَفِيَتْ عنه - فكثيرون، وعلى رأسِهم الحملاوي رحمه الله في «شذا العرف»، ذلك أنه مثَّل لـ«فعَّل» بقوله: («جَرَّبْتُ البعيرَ»، و«قَشَّرْتُ الفاكهةَ»)، وقد قلَّد في ذلك شيخَه الحسين المرصفي رحمه الله في «الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية» (1/132).
أما «جرَّبَ» فلم أرَ مَن قال: إنه بمعنى الإزالة، والمعروف مِن كلام العرب أنه مِن التَّجربة، فالظاهرُ أنه من مُخترعات المرصفي التي نبَّهتُ على بعضِ ما فيها في غير هذا الموضع.
وأمَّا «قشَّر» فظاهرُه أنه من معنى الإزالة، ولِأجل ذلك لا يكادُ يَخلُو كلامُ عصريٍّ عن التمثيل به، ودُونك أكثرَ من أربعين موضعاً صرَّح فيها أصحابُها بذلك:
فمِن هؤلاء: الدكتورةُ نجاة الكوفي في كتابِها «أبنية الأفعال دراسة لغوية قرآنية» (ص39-40)، والدكتورة أشواق النجار في كتابها «دلالة اللواصق التصريفية في اللغة العربية» (ص235)، والدكتورة سميرة حيدا في رسالتها الصغيرة التي لم تَكد تخرج فيها عمَّا في «شذا العرف» واسمُها «علم الصرف لبنات وأسس» (ص14)، وعبد المجيد الغيلي في كتابه «المعاني الصرفية ومبانيها» (ص61)، إلا أنه أَمعن في الخطأ حين جعل (جَرَّبَ) و(قَشَّر) من باب نفي الصفة بإزالةٍ أو تجنبٍ، مع أن المنفيَّ فيهما ليس بصفةٍ؛ والدكتور أحمد درويش في مقاله المنشور منذ بضعة أيامٍ على موقعِ مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية بعنوان: «فاعلية الصرف في تفسير القرآن»، وأبو زياد البُحَيري في كتابه «الإنباء بشرح متن البناء» (ص52)، والأستاذ الدكتور صلاح السيد في كتابه «محاضرات في الصرف» (ص55)، وراجي الأسمر في كتابه «المعجم المفصل في علم الصرف» (ص279)، وعلي أكبر شهابي في كتابه «أصول الصرف» (ص25)، ومبارك بخيت في رسالته للماجستير المسماة «الأفعال الثلاثية والرباعية المزيدة دراسة صرفية ...» (ص112)، ويوسف أفتيموس وسعيد شقير في كتابهما «طيب العرف في فن الصرف» (ص220)، وعبد الحميد عبد الواحد في كتابه «بنية الفعل قراءة في التصريف العربي» (ص113)، والحسين السباعي في «القبس الصرفي» (ص62)، والمعلم رشيد الشرتوني في كتابه «مبادئ العربية» (ص20)، ومحمد أمين الهرري في «مناهل الرجال» (ص83)، والدكتور عبد القادر عبد الجليل في كتابه «علم الصرف الصوتي» (ص236)، والدكتور شعبان صلاح في كتابه «تصريف الأفعال في اللغة العربية» (ص49)، والدكتور علي أبو المكارم في كتابه «التعريف بالتصريف» (ص90)، والدكتور هادي نهر في «الصرف الوافي دراسات وصفية تطبيقية» (ص280)، والدكتور إيميل يعقوب في «معجم الأوزان الصرفية» (ص161)، والأستاذ فخر الدين قباوة في «تصريف الأسماء والأفعال» (ص114)، والأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله في «دروس التصريف» (ص74)، وكذلك في تكملة «شرح ابن عقيل» في تصريف الأفعال (4/263)، والأستاذ عبد الخالق عضيمة رحمه الله في «المغني في تصريف الأفعال» (ص133-134)، وسليمان فياض في «الحقول الدلالية الصرفية للأفعال العربية» (ص72)، والدكتورة صباح الخفاجي في رسالتها للدكتوراه واسمها «الأبنية الصرفية في ديوان امرئ القيس» (ص311)، وبن ميسية رفيقة في «الأبنية الصرفية ودلالاتها في سورة يوسف عليه السلام» (ص113)، والدكتور محمود سليمان ياقوت في كتابه «الصرف التعليمي والتطبيق في القرآن الكريم» (ص93)، وزاد على أَمثلتِه شيئاً ما سَمعنا به من قبل، وهو قولُه: (والإزالةُ هاهنا يدلُّ عليها الفعلُ الذي تم تَقديرُه لِلتوصل إلى المعنى وهو «أَزال»). اهـ، ويوسفُ الطريفي في «الوافي في قواعد الصرف العربي» (ص46)، وزاد عليه (قلَّمت أظفاري)، والخطأُ فيه أشدُّ من «قشَّر» كما سيأتي، وزاده أيضاً على «قَشَّرَ» الأستاذُ حاتم الضامن في كتابه «الصرف» المقرر في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي (ص55)، ومثلُهما الدكتور عبده الراجحي في «التطبيق الصرفي» (ص35)، ومثلُهم جماعةٌ منهم: الدكتور سميح أبو مغلي في كتابه «علم الصرف» (ص85)، والدكتور مسعد زياد في كتابه «الوجيز في الصرف»، والدكتور صالح الفاخري في «تصريف الأفعال والمصادر والمشتقات» (ص131)، والدكتور رمضان عبد الله في كتابه «الصيغ الصرفية في العربية في ضوء علم اللغة المعاصر» (ص49)، والدكتور كرم زرندح في «أسس الدرس الصرفي في العربية» (ص45)، والدكتور علي بهاء الدين بوخدود في «المدخل الصرفي» (ص32)، والدكتور جمال عبد العزيز في كتابه «قواعد الصرف» (ص95)، والأستاذ الدكتور يحيى عبابنة في «الصرف العربي التحليلي نظرات معاصرة» (ص123)، ومثلُهم أيضاً ياسين الحافظ في كتابه الذي راجعه وقدَّمه له الدكتور محمد علي سلطاني واسمُه «إتحاف الطرف في علم الصرف» (ص46)، والشيخ أحمد الحازمي - وفَّقه الله - في شرحَيه الصوتيَّين على «متن البناء» و«نظم المقصود».
ثم إني أقولُ وبالله التوفيق: لم يذهب أحدٌ من المتقدِّمين – فيما أذكُر – إلى ما ذهب إليه العصريُّون من جعلِ «قشَّر» من بابِ السلب والإزالة، وقد أشرتُ فيما كتبتُه على «شذا العرف» منذ أكثرَ من عقدٍ من الزمان إلى أنه ليس مِن هذا الباب، وعبارتي هناك: (... ثم إنَّ «قَشَّرَ» ذاك وإن كان مسموعاً ليس من الإزالة في شيء؛ لأنَّ معنى الإزالة موجودٌ في «قَشَرَ» المخفَّف، والتضعيفُ إنما أفاد المبالغة ليس إلا). اهـ وأنا أزيدُها وُضوحاً هنا في المقال الآتي إن شاء الله تعالى، فترقَّبه! فإني أحسبُه يُفِيدك.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 04:38 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ