ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   التعليقات شرح الشوقيات (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=12468)

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 23-11-2015 12:30 AM

التعليقات شرح الشوقيات
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فإن الشعر ديوان العرب، فيه التاريخ والعِبْرَه، والمثَلُ السائرُ والحكمه،
وهو كلام كالكلام؛ فحسَنُهُ حسنٌ وقبيحُهُ قبيحٌ، ولما كانت الأمة عزيزةً كانت لغتها عزيزة (وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لغات) ولما هانت .. هانت لغتُها وضعف شِعْرُها ونثرُها حتى صرنا إلى زمانٍ أهلُهُ بغير لغتِهم يفخرون وبمن تشبث منهم ببعض لغتِهِ يسخرون ويضحكون فإنا لله وإنا إليه راجعون.

هذا وإني قد نشأتُ على حُبِّ الأدب وتعلقتُ منه بسبب، وأنفقت عمرا في تتبع دواوينه ومصنفاته، والقصير من كتبه ومطولاته، وما كان أسعدني حين أقف على فهم بيت من الشعر، وكم ذا أصابني من همٍّ حين أقرأ ما لا أدري معناه، وإن كنت أجد له بالذوق حسنا وبهاءً،
وقد كان يُكْثِرُ من وَجْدِي ما كنت ألقاه من قلة المراجع وضيق ذات اليد وشُحُّ الأصحاب بما عندهم خوفا من أنْ أبزهم في العلم! فكانوا يكنزون الكتب
بل كان أحدُهم ممن كان يملك مكتبة تناظر دار الكتب يُصَرِّحُ بلسانه أنه يريد أن يجعل مكتبته مكتبةً عامَّةً للناس يقصدها طلاب العلم وينهلون منها طمعا في الثواب وابتغاء لما عند الله، زعم، ثم بدا له أن يستعيض عن ذلك بوضع بعضها في المسجد الذي نصلي ونطلب العلم فيه، وفعل! فانقضضتُ عليها انقضاضا آكلُها أكلا، وكنت امرءا نهِمًا يأخذه للكلام المكتوب سُعَارٌ،
وكان فيما وضعه: رصف المباني للمالقي، وشرح بانت سعاد لابن هشام فانكببتُ عليهما ثم أخذت أحدثه عن بديع ما فيهما وأنهما قد سدَّا عندي ثغرة كانت تؤرقني ووو الخ
فما هو إلا أن هاجه ما قلت وأرقه ما ذكرت فقام بجمع الكتب
فقلت له: لمَ تفعل ذلك؟! ألست تريد الأجر والثواب؟! ألستَ قلتَ كذا وكذا؟! ولكن لسان الحال غير لسان المقال،
فطلبت منه أن يتركها شهرا واحدا أو أسبوعا فأبى،
فطلبت أن يأخذها كلها ويترك لي رصف المباني وبانت سعاد فأبى، فأخبرتُه أني أعلم أنه لا يريد غيرهما فلم يعبأْ، فطلبت منه أن يأخذهما ويترك الباقي فأبى، والله المستعان.

وإنما قصصتُ ذلك لأقول: إن ديوان شوقي كان مما يهمني ويوقع الحزن في نفسي ألا أجدَ له شرحا
بل كنت لا أجد الديوان نفسه إلا بأن أذهب إلى دار الكتب فأقرأ فيه،
وكم كان فرحي عظيما حين اشتريتُ الجزء الثاني من الديوان من بائعي الكتب القديمة بسور الأزبكية ولم أكن أصدق أن ديوان شوقي معي في البيت أقرأ فيه متى شئت،
ولكن كان ينغص عليَّ عدم وجودد معجم ولو صغيرا لأبحث عن معاني الكلمات حتى أفهم بعض المعنى أو أقترب من فهمه.
كان ما كان، ثم وقع في نفسي أن أكون أنا شارح الشوقيات وأبو عذرتها، وابن بجدتها
ثم قلت لنفسي أنى هذا؟! قد مات شوقي منذ أكثر من خمسين عاما ولم يجرؤ أحد أن يتعرض لِمَا تريد أن تتعرض له، وإنما حسبُه مقالةً يكتبها أحدهم أو كتابا لا يضطره للوقوع في مزالق المعاني ومضايق العبارات بل يكتب ما فهمه من بعض القصيدة أو القصائد وما لم يفهمه لا يتعرض له،
وأما شرح الشوقيات بيتا بيتا وذِكْرُ معنى كل بيت فهذا مما لا يكاد يطاق ولا يستطاع ولا بشق الأنفس.

ثم لم يتركني هذا الهاتف فكانت تمر الأيام والشهور فأنسى ذلك ثم يهتف بي هاتف من داخلي: متى ستشرح الشوقيات؟ فلم أجد بدا من قراءة ما وقع تحت يدي من كتب تساعدني على ذلك منها كتب تحدثت عن شوقي مثل: شوقي شاعر العصر الحديث لشوقي ضيف والمتنبي وشوقي دراسة ونقد وموازنة للأستاذ عباس حسن صاحب النحو الوافي، واثنى عشر عاما فى صحبة أمير الشعراء لـ (أحمد عبد الوهاب أبو العز) ثم كتب التاريخ المعاصر، وأكثر ذلك كنت أقرؤه في دار الكتب بطنطا ثم وقعت على مجلة فصول في العدد الخاص بشوقي وحافظ فقرأتها كلها حتى ما فيها من كلام للأعاجم المستشرقين وأشباههم،
ثم لما وقعت على كتاب (تحفة الرائي للامية الطغرائي) وهو شرح للامية العجم قلت: هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يشرح بها ديوان شوقي.
ثم وقع في نفسي أن أطلب من شيخنا د. محمد بن عبد المعطي حفظه الله أن يقوم هو بذلك، فهو يقينا أقدر مني على ذلك، وكان وقتها ما زال في مرحلة الدكتوراة، وكنت أظنه سيفرح بهذا ولكني وجدته استصعبه واستعظمه، فعاودني الهاتف والهاجس السابق الآني واللاحق: قم أنت بشرح الشوقيات!!
ثم أخذتنا الدنيا بما فيها، فذُهِلْتُ عما كنت فيه
فلما كانت رحلتي الأولى إلى بلاد الحجاز بعد أن صرتُ طبيبا وتخلصتُ من عبءِ الدراسة الطبية إلا قليلا عاودني هذا الهاتف ثانية بأن أشرح الشوقيات (لنفسي طبعا) ولكني كنت مشغولا بدراسة أصول الفقه وبكتاب (أنوار البروق للقرافي) وببعض كتب البلاغة
ثم قلت في نفسي: سأبدأ بقصيدة صعبة جدا فإن استطعت تجاوزها شرحت باقي الديوان وإلا فلا،
فبدأت بقصيدة شوقي العينية التي مطلعها:

ضمي قناعَك يا سعادُ أو ارفعي *** هذي المحاسنُ ما خُلِقْنَ لِبُرْقُعِ


والتي عارض بها عينية ابن سينا في النفس التي مطلعها

هبطتْ إليك من المحل الأرفع *** ورقاءُ ذاتُ تَعَزُّزٍ وتَمَنُّعِ


ولا أدري الآن على وجه الدقة من أين جاءتني هذه القصيدة، وأغلب ظني أني كتبتها حين كنت في مصر وأخذتها معي لأنظر هل أستطيع أن أشرحها أو لا؟
ولكن اعترضني شيء آخر وهو عدم وجود أي مراجع معي لا الديوان ولا أي معجم ولا أي كتاب تاريخي ولا غيرها، كنت وقتها أهتم بالعلم الشرعي وبعلم البلاغة،
ثم استعنت بالله وقمت بالبدء في شرحها على ما تيسر عندي من مخزون لغوي
وبما يمكنني أن أستشفه من المعنى بنفسي وإن كانت المفردةُ غريبةٌ لا أعرف معناها أو لا أتيقنه ثم استعنت بتطبيق قواعد البلاغة على القصيدة بيتا بيتا وكان معي حاشية البيجوري على السمرقندية وكتاب آخر معاصر في علم البديع فساعداني جدا على حل كثير من ألغاز هذه القصيدة المُحَيِّرَة.

ثم دارت الأيام وضاع ما كتبته أو هو في حكم الضياع، ولله الأمر.

ثم إني كتبت منذ سنوات قريبة قليلا في شرح الشوقيات، لما صارت الكتب متاحة لطلاب العلم على الشبكة، بدون مَنٍّ ولا أذى، فهنيئا لرافعي الكتب الأجر والثواب إن شاء الله، المهم أني بدأت بكتابة شرح موسع على الشوقيات أذكر فيه اللغة (معاني الألفاظ) ثم الإعراب ثم المعنى العام ثم بعض ما في البيت من علوم البلاغة الثلاثة،
ثم توقفت عن ذلك نظرا لطول المشروح ولضعف الهمم غالبا عن مثل ذلك ولضيق الوقت عنه أيضا،

فإذا علمت أن عدد أبيات الشوقيات (11320) بيتا، وأن الشوقيات المجهولة تبلغ (4700) بيتا، وأرجوزة دول العرب وعظماء الإسلام تبلغ (1365) ووصل شعره المسرحى (6179) بيتا فأنى تجد الوقت للشوقيات المعلومة وحدها دون الباقي؟! فعدلت إلى طريقة هي أقسط من ذلك وأعدل وذلك بأن أقتصر على ذكر معنى اللفظة الغريبة ثم ذكر معنى البيت ولا أزيد ولكنى ربما أطلت فى شرح المعنى ليتضح جدا.

ولما بدأت هذه المرة بدأت بأول قصائد الديوان لأشرحه قصيدة قصيدة، ولكني توقفت كثيرا بسبب المخالفات العقدية الكثيرة التي وقفت عليها وهممت بطرح الديوان ثم قلت في نفسي: فهل نترك الديوان للحداثيين وإخوانهم من العلمانيين فهلا أتممتَ ما بدأتَ ونبهتَ على ما وقفتَ عليه من هذه المخالفات العقدية،

ثم توقفت بسبب ما أنا بصدده مما هو أهم يقينا ولكن لعلي أعود إلى الديوان لاحقا إن قدَّرَ الله ذلك

فإلى أن ييسر الله لنا ذلك -إن شاء- رأيت ألا أترك ما كتبته حبيس الأوراق أو حبيس الوورد لا سيما وقد ضاع ما كتبته في الأوراق من شرح القصيدة العينية، وتلف ما كتبته في الوورد من الشرح المطول، ولم يبق إلا ما كتبته من الشرح المختصر هذا، وقد سميته التعليقات شرح الشوقيات.

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني به وكل راغب في الخير، وأن يجعله ذخرا لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وألا يجعله حجة عليّ إنه ولي ذلك والقادر عليه

وهذا أوان الشروع في المقصود

صالح العَمْري 23-11-2015 11:50 AM

وهذا أوان شروعنا في الفرح والسرور بما تُسْدون وتُلحِمون، وإنا إليه لفي شوق.
اقتراح:
أن يُقتصد في الألوان لأنها تُتعب العين وتشتت التركيز، فيُلوَّن ما يُراد تمييزه عن غيره لأهميته أو لإظهار ما فيه من الخطأ ونحو ذلك، والأمر إليكم.

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 25-11-2015 05:10 PM

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
وبعد
فقد كنت أعلم أن من السباقين إلى التشجيع على البدء في هذا الموضوع والاستمرار فيه أستاذنا أبا حيان صالحا العمري لما له من سوابق في الفضل وحرص على الآداب ومعرفة بهذا الفن، فجزاه الله خيرا وجزى الله خيرا كل من شجع على البدء في هذا الموضوع سواء بزر الشكر أو المشاهدة
وأسأل الله عز وجل أن يكون الشرح على القدر المأمول منه وألا يخيب ظن من ينتظره
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 26-11-2015 11:03 PM

( كبار الحوادث فى وادى النيل )


مناسبة القصيدة: اختير شوقي للذهاب لجنيف على أن يكون هو المندوب عن الحكومة المصرية لحضور المؤتمر الدولي المنعقد هناك في سبتمبر 1894م وكان عمره آنذاك (26 عاما) فكتب قصيدته هذه وقدمها لهذا المؤتمر فألقيت هناك، ذكر فيها تاريخ مصر على مَرِّ العصور منذ بدء التاريخ حتى عصره، فلمَّا قام بجَمعِ ديوانِه افتتحه بهذه القصيدة واختارها لتكون عنوانه.
وربما يكون لهذا دلالات نفسية؛ كأنه يريد الإشارة إلى تمكنه من ناصية الشعر وقدرته على كتابة قصيدة بهذا الطول وعلى هذا البحر، ومنها أن يريد الإشارة إلى مكانته من الأمير باختياره في هذه السن المبكرة لتمثيل مصر في مؤتمر دولي، ومنها غير ذلك.
وقد أردت بالتنبيه على ذلك الإخبار عن أن صنيعه هذا يحتاج إلى شرح وبيان؛ لأن هذه القصيدة ليست أول قصائده ولا أفضلها ولا أطولها، فليتأمل.

اللغة

(كبار): ككِتَاب: عِظَام، جمع كبيرة أى عظيمة.
(الحوادث): جمع حادثة والمراد نِوَبُ الدهر وما يحدث منه.
( وادي ): الوادي: كل مَفْرَج بين الجبال والتلال والإكام سمى بذلك لسيلانه يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً.
( النِّيل ): نهر مصر حماها الله.

المعنى

هذه قصيدة ذكر كبار الحوادث التى وقعت في وادي النيل.
__________________________________________________ _____________________

1 - هَمَّتِ الْفُلْكُ وَاحْتَوَاهَا الْمَاءُ *** وَحَدَاهَا بِمَنْ تُقِلُّ الرَّجَاءُ
اللغة

(هَمَّ): هَمَمْتُ بالشيء أهُمُّ هَمًّا، من باب رَدَّ، إذا أردته ونويته وعزمت عليه.
(الفُلْكُ): السفينة واحد وجمع يذكر ويؤنث.
(احتواها): حَوَى الشيء حَيّا وَحَوايَةً، واحتواه، واحتوَى عليه: جَمَعَهُ وأَحْرَزَهُ.
(حَداها): حَدَا الإِبِلَ وحَدَا بِها يَحْدُو حَدْواً وحِـُدَاءً ممدود زَجَرَها خَلْفَها وساقَها.
(تُقِلّ): أَقَلَّ الشيءَ يُقِلُّه، واستقلَّه يستقلُّه، إِذا رفعه وحمله، وأَقَلَّ الجَرَّة أَطاق حملها.
(الرجاء): الرَّجَاءُ من الأَمَلِ نَقِيضُ اليَأْسِ.

المعنى


موضوع القصيدة كما علمت هو ذكر الأحداث التاريخية التي وقعت في هذه البقعة (وادي النيل)،
وقد زعموا أن أول التاريخ المعروف للناس اليوم هو الطوفان فما بعده، فلذا بدأ شوقي بوصف الطوفان؛ فذكر أن الطوفان لما بدأ وفُتِحَتْ أبوابُ السماء بماءٍ منهمر وفُجِّرَتْ عيونُ الأرض، وكان نوح – عليه السلام –ومن معه من المؤمنين في السفينة وكذا سائر المخلوقات التى أمره الله تعالى أن يحملها معه، كانت السفينة على اليابسة، فبدأ الماء يسرى تحت جوانبها شيئا فشيئا؛ فبدأت تتحرك وتتمايل كأنها تَهُمُّ بالحركة، وكثر الماء جدا حتى صار يحيط بها من جميع جوانبها: فماء السماء من فوقها وعن جوانبها، ثم يجتمع مع ماء الأرض من أسفلها فهذا قوله (واحتواها الماء).
وكان الرجاء كحادى الإبل -الذى يحدوها هى وراكبيها بالغناء فيَتَلَهَّوْنَ عن بعض مشقة الطريق– كان هذا الرجاءُ فى أن يكشف الله هذه الغمة وينجيَهم منها هو الذى يهون عليهم هول الموقف الذى هم فيه

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 28-11-2015 12:05 PM

اقتباس:

(الحوادث): جمع حادثة والمراد نِوَبُ الدهر وما يحدث منه.
نبهت إحدى الأخوات هنا
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=44616
على أن هذا خطأ عقدي أعني قوله: "وما يحدث منه" وهو كما قالت، وعلى ذلك فالصواب "وما يحدث فيه"

محمد محمد مقران 28-11-2015 10:02 PM

همت الفلك واحتواها الماء

ضُبط "همت" في أكثر نسخ الديوان حتى القديمة منها بتشديد الميم، كأنه من همّ يهُمّ -كما ذكرتم،
ولكن الصواب فيما أرجّح أنه بتخفيف الميم، مِن هَمَى يَهمِي بمعنى سال يسيل، وهو في الأصل مِن فِعل الماء، ونسبته إلى السفينة مجاز،
كقولهم: فاضت عيني بالدمع، وأصل المعنى: فاض الدمعُ مِن عيني.

وكقول الشاعر:
.................... وسالت بأعناق المطيّ الأباطحُ
والأصل: وسالت أعناقُ المطي في الأباطح.

وقوله:
سالت عليه شِعابُ الحي حين دعا ... أنصارَه بوجوه كالدنانير

وإنما استعمل الشاعران كلمة "سال" للدلالة على السرعة والخفّة والانسياب،

وهذا هو المعنى الذي أراده شوقي فيما أحسب، فيكون خطأ من النساخ.

وبارك الله في جهودكم.
.

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 29-11-2015 06:43 PM

أحسن الله إليك
وبعد

اقتباس:

ضُبط "همت" في أكثر نسخ الديوان حتى القديمة منها بتشديد الميم، كأنه من همّ يهُمّ -كما ذكرتم،
بل في كل نسخ الديوان فيما أعلم
اقتباس:

ولكن الصواب فيما أرجّح أنه بتخفيف الميم، مِن هَمَى يَهمِي بمعنى سال يسيل، وهو في الأصل مِن فِعل الماء، ونسبته إلى السفينة مجاز،
الظاهر أن هذا ينزع عن المعنى حُسْنَه وبهاءه بل لا يجعل لشوقي مزية على الضعفاء من الشعراء؛ إذ المعنى عليه يصير هكذا: (سارت الفلك سيرا سريعا في الماء لا يعوقها شيء واحتواها الماء) وهذا كما ترى من الضعف بمكان؛ إذ ليس فيه أكثر من إخبارٍ عن سير الفلك في الماء.
وأما (همَّت الفلك) بالتشديد فينقل إليك الصورة التي كانت عليها الفلك وقت بدء الطوفان وكيف أنها كانت على اليابسة لا تتحرك فلما بدأ الطوفان بدأ الماء يسري تحتها شيئا فشيئا فبدأت تتمايل وتتحرك وترتفع فوق الماء شيئا فشيئا، وتهتز كأنها تهُمُّ بالحركة كفعل الإنسان أو البعير مثلا حين ينهض فتراه يتمايل تمايلا بطيئا ويهتز كي ينهض ويتحرك من موضعه وهذا هو الهمُّ بالحركة وإرادتها. وكلُّ مَنْ يرى إنسانا أو بعيرا مثلا على هذه الهيئة يعلم أنه يهم بالحركة وأنه يريد أن ينهض ويتحرك من موضعه.
وهذا هو ما أراد شوقي أن ينقله إلى مستمعيه هنا؛ صورة بدء الطوفان والسفينة على اليابسة واهتزازها وتمايلها لما بدأ الماء يحركها. وكل هذا كما ترى مخزون في هذه الشدة (همَّت) وبدونها يصير المعنى ساذجا لا فضل له.
ومثل هذه المواطن لا يحسنها إلا شاعر فحل كشوقي وهي التي يمتاز بها شاعر عن غيره.
فهذا ما يظهر لي، فتأمل
والله أعلم

صالح العَمْري 03-12-2015 07:53 PM

توجيه بديع من الشيخ الشناوي أجدني مضطرا إلى الميل إليه وترجيحه على ما اقترحه أخونا الأديب محمد مقران وإن كان لاقتراحه وجه.
واصلوا وصلكم الله ببرِّه.

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 03-12-2015 10:15 PM

بارك الله فيكم
وإن هذا الميل لمما يعض عليه بالنواجذ

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 03-12-2015 10:21 PM

هذه بعض الإضافات بعضُها كنت كتبته في (الفتوحات في بيان أسرار الشوقيات) وبعضها كنت أريد أن أكتبه وبعضه تركته اختصارا
ولأننا في أول الديوان فلا بأس من ذِكْرِ بعض الإضافات للدلالة على أنها من المطلوبات النافعات ولكن تركناها اختصارا نظرا لطول المشروح وضيق الوقت كما سبق والله الموفق
__________________________________________________

هذه القصيدة من بحر الخفيف التام، عَرُوضُهُ صحيحةٌ وضَرْبُهُ صحيحٌ، والقافية: متواتر.
إضافة عروضية:

بحر الخفيف وزنه
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن *** فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن

وتقطيعها هكذا :

- فاعلاتن (/0 //0 /0) فيرمز للحركة ( سواء كانت فتحة أو كسرة أو ضمة) بشرطة مائلة (/) وللسكون بنقطة (0)، وقد يرمز للحركة بشرطة هكذا (-) وقد يرمز للسكون بدائرة هكذا (0)، وفي كتب التراث يعكسون هذا الأمر فيرمزون للحركة بدائرة (0) وللسكون بشرطة (-) ولا مشاحة في الاصطلاح.

فالتفعيلة (فاعلاتن) تتكون من: سبب خفيف (وهو حرف متحرك يليه حرف ساكن ويرمز له هكذا ( /0) وهو هنا (فا)

ووتد مجموع (متحركان وساكن //0) وهو (عِلَا)

وسبب خفيف (/0) وهو (تُنْ)

- مستفع لن (/0 /0/ /0)

- فاعلاتن (/0 //0 /0) مثل الأولى

لاحظ أن (مستفع لن) هنا في بحر الخفيف لا تكتب متصلة (مستفعلن) لأنها تتكون من:
1 - سبب خفيف (/0) وهو (مُسْ)
2 - وتد مفروق (/0/) وهو (تَفْعِ)
3 - سبب خفيف (/0) وهو (لُنْ)

وهذا يفيدك في معرفة أن هذه التفعيلة (مستفع لن) لا يدخلها (الطَّيُّ) وهو: حذف الرابع الساكن؛ لأن الطَّيَّ زِحَافٌ، والزِّحَاف يختص بالدخول على ثواني الأسباب (الحرف الثاني من السبب)، والرابع الساكن هنا [الفاء من (تَفْعِ)] ثاني وتد لا سبب، وهو وتد مفروق لأن فيه فرقا بين المتحركين، والتغيير الذي يدخل على الوتد يسمى (عِلَّة).

العروض: هي التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول (فاعلاتن) وهي هنا صحيحة (فاعلاتن) ويجوز خَبْنُها (حذف الثاني الساكن) فتصير (فَعِلَاتُنْ)

الضرب: هو التفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني (فاعلاتن) وهو هنا صحيح (فاعلاتن) ويجوز خَبْنُهُ (فَعِلَاتُنْ) أو تشعيثُه (حذف أحد متحركي الوتد المجموع) فتصير (فاعلاتن) (فالاتن) ورغم أن هذا التغيير علة (لدخولها على وتد) وكونها داخلة على الضرب إلا أنها غير لازمة فهي علة جارية مجرى الزِّحَاف.

وقد دخل التشعيث عروض البيت الأول (ها الماءُ) = (فالاتن) وهو إنما يدخل الضرْبَ بدون لزوم، وجاز دخوله هنا على العروض بسبب التصريع

وهذا تقطيع البيت الأول:
(هَمْمَتِ لْفُلْ) (كُ وَحْتَوَا) (هَـ لْمَاءُوْ) *** (وَحَدَاهَا) (بِمَنْ تُقِلْ) (لُ رْرَجَاءُوْ)
(/0//0/0) (//0//0) (/0/0/0) *** (///) (//0//0) (/0//0/0)

(فَاعِلَاتُنْ) (مُتَفْعِ لُن) (فَالَاتُنْ) *** (فَعِلَاتُنْ) (مُتَفْعِ لُنْ) (فَاعِلَاتُنْ)

(سالمة) (مخبونة) (صحيحة) *** (مخبونة) (مخبونة) (صحيح)

وتجري هذه الزحافات وفق قاعدة المعاقبة:
- فإذا دخل الْخَبْن تفعيلة منه، سلمت التي قبلها من الْكَفّ،
- وإذا دخلها الْكَفّ سلمت التي بعدها من الْخَبْن،
- وإذا دخلها الشَّكْل (حذف الثاني والسابع الساكنين)، فتصبح به (مُسْتَفْعِ لُنْ): (مُتَفْعِ لُ). سلمت التفعيلة التي قبلها من الْكَفّ، والتي بعدها من الْخَبْن.

والخبن فيه حسن، والكف صالح، والشكل قبيح.

وأما القافية فهي: ما بين آخر ساكنين في البيت؛ فنعُدُّ من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه - رجوعا - مع الحركة التي قبل الساكن.

ومثاله هنا في قوله: (وحداها بمن تقل الرجاءُ) فأول ساكن قبل حرف الرَّوِيِّ هو الألف من (الرجاء) والمتحرك قبله هو الجيم فتكون القافية (جاءُوْ) وبين آخر ساكنين (الألف والواو) حرف واحد متحرك، والقافية التي فيها حرف واحد متحرك بين آخر ساكنين تسمى متواتر فالقافية هنا متواتر، والله أعلم.
_______________________________________

إضاءة صرفية:


= (كِبَار) جمع تكسير وزان (فِعَال) وهو جمع كثرة، يُجْمَعُ عليه كلُّ ما كان على (فَعِيل) أو (فَعِيلة) وَصْفًا للفاعل صحيحَ اللام نحو: كَرِيم وكَرِيمَة، وظَرِيف وظَرِيفَة، وكما هنا كَبِير و(كَبِيرَة).
و(كِبَار) هنا جمع (كبيرة) لا (كبير) لأنها وصف لـ (حوادث) في المعنى، و(حوادث) مؤنثة، والمعنى (الحوادث الكبيرة) فهو تركيب إضافي من إضافة الصفة (كبار) للموصوف (الحوادث)
= و(حوادث) جمع تكسير على صيغة منتهى الجموع (فعائل) وهو جمع كثرة يُجمع عليه ما كان على وزن (فاعلة) مطلقا؛ يعني: اسما أو وصفا، لعاقل أو غير عاقل نحو: ضاربة وضوارب، وفاطمة وفواطم، و(حادثة وحوادث)
جمع (حادثة) وزان (فَاعِلة)
____________________________________

لطيفة لغوية:


يقال: كبُرَ الرَّجُل، ككَرُم، يَكْبُر كِبَراً، كَعِنَبٍ: أي عَظُمَ.
وأما كَبِرَ، كفَرِحَ، يَكْبَرُ كِبَراً، كَعِنَبٍ، فهو كَبيرٌ فمعناه طَعَنَ في السِّنِّ، من الناسِ والدَّوابِّ.
فعُرِف من هذا أنَّ فِعْلَ الكِبَرِ بمَعْنى العَظَمةِ ككَرُمَ، وبِمَعنى الطَّعْنِ في السِّنِّ كفَرِح، ولا يجوزُ استِعمالُ أحدِهما في الآخَرِ اتفاقاً، وهذا قد يَغْلَطُ فيه الخاصَّةُ فضلاً عن العامَّة.
___________________________________

ومضة بلاغية:


= إسناد الهَمّ للفُلْك، مجاز عقلي، ومثله إسناد الاحتواء للماء، والحداء للرجاء، والإقلال (الحَمْلُ) للفلك، إلا أن الأخيرة قد تكون من باب الحقيقة؛ لأن كونهم فوق الفلك معناه أنها تحملهم؛ فهي حقيقة، فتأمل.

= قوله: (همت الفلك): استعارة مكنية حيث:
- شَبَّهَ الفلك بإنسان بجامع الحركة في كل
- واستعير اللفظ الدال على المشبه به (الإنسان) للمشبه (الفلك)
- ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الهَمُّ.
والقرينة: إثبات الهمّ (وهو لازم المشبه به) للفلك، وهذا الإثبات يسمى تخييلا (أي: استعارة تخييلية).

وذكروا أن لازم المشبه به يكون مستعملا فيما وضع له وبيانه: أننا استعرنا لفظ المشبه به (الإنسان) للمشبه (الفلك) ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو (الهم)، و(الهم) والإرادة من لوازم الإنسان.

إذا علمت ذلك فاعلم أن التجوز إنما هو في الإثبات يعني في إثبات لازم المشبه به للمشبه، فهو مجاز عقلي في الإثبات كما سبق.

ويمكن إجراء استعارة تبعية في الفعل (هَمَّ) فيقال:

- شبه بدء تحرك الفلك واهتزازها لمَّا سَرَى الماءُ تحتها بِهَمِّ الإنسان بالتحرك من موضعه (كهَمِّهِ بالقيام من جلوس أو المشي من وقوف مثلا فيبدأ يتمايل ويهتز للتحرك)
- - واستعير اللفظ الدال على المشبه به وهو (الهَمُّ) للمشبه وهو (الاهتزاز وبدء التحرك)
- - ثم اشتق من (الهَمِّ) بمعنى (الاهتزاز) (هَمَّ) بمعنى (اهتزَّ) على طريق الاستعارة التبعية

______________________________________________

تتمة إحصائية:


اشتمل البيت على:
= أربعة أفعال:

(3) ماض : (همَّ)، (احتوى)، (حدا)
(1) مضارع: تُقِلُّ

= سبعة أسماء:

(4) أسماء ظاهرة: الفُلك، الماء، الرجاء، مَنْ
(4) ضمائر:
2 ظاهرة :
(ها) في موضعين
2 مستترة:
فاعل ومفعول (تُقِلُّ) أي تُقِلُّه هي، وأما (الرجاء) ففاعل (حَداها) لا (تقله)

= حروف المعاني:

(1) تاء التأنيث،
(1) واو الحال في (واحتواها)،
(1) واو العطف،
(1) باء الجر


تنبيه: لا ألتزم ذكر اللطائف الإحصائية في كل بيت وإن كان مما كنت أريد صنعه ثم أذكره آخر كل قصيدة فأذكر ما فيها من أفعال وأسماء ومشتقات وحروف معانٍ؛ لِمَا في هذا من تيسير لمن أراد دراسة الشاعر دراسة شاملة: أسلوبية ومنهجية ونفسية ... فمثلا إذا تكرر استعمال فاء التعقيب دلَّ على ما في نفس الشاعر (وكذا الناثر وكل مُبِينٍ عن نفسه) من سرعةٍ وعجلة ... وكذا استعمال الماضي كثيرا لا سيما (كان) فيدخل في باب الـ(كُنْتِيّ والعاجن) وهكذا ... ولكن (ضاق فَتْرٌ عن مَسِير) فالسير على الخطة التي اختططناها أفضل وهي وسَطٌ وخيرُ الأمور أوساطُها.
وأعتذر للإطالة
والله ولي التوفيق

صالح العَمْري 03-12-2015 11:36 PM

بارك الله فيكم وأحسن إليكم.
اقتباس:

= و(حوادث) جمع تكسير على صيغة منتهى الجموع (فعائل) وهو جمع كثرة يُجمع عليه ما كان على وزن (فاعلة) مطلقا
لعلكم أردتم: (فواعل).

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 04-12-2015 12:08 AM

وفيكم بارك الله وأحسن إليكم
وبعد
فلا يخفاكم أن المعتبر هنا موافقةُ (مفاعل) في الهيئة والزنة لا في الحروف، قال في الفواكه الجنية في شرح متممة الآجرومية (ص31): (.. وقد فُهِمَ مِنْ تمثيلِه أنه لا يشترط في الصيغة أن يكون أولها ميما وهو كذلك ؛ لأن المعتبر هو موافقة (مفاعل) و(مفاعيل) في الهيئة والزنة لا في الحروف؛ ولهذا عبر صاحب الإرشاد بـ (فعالل) و(فعاليل) دونهما إيذانا بأن الزيادة والأصالة في بحث جمع التكسير غيرُ معتبرة بل المعتبر الوزن العروضي لا التصريفي).

صالح العَمْري 04-12-2015 12:30 AM

نفع الله بكم.
نعم، لا شك أن المعتبر في ذلك هو الوزن العروضي لا التصريفي، وأن الجميع ممنوع من الصرف، يستوي فيه فواعل ومفاعل وفعائل وغيرها، لكن ما سبب اختيار فعائل دون وزن الكلمة الصرفي ودون غيرها من موافقاتها في الوزن العروضي، أهو لغرض أم شيء اتفق؟

صالح العَمْري 04-12-2015 05:56 AM

أعني أن الوزن الصرفي غير معتبر في ضابط المنع من الصرف لهذه الصيغة من الجموع، فجميعها ممنوعة من الصرف لا فرق بين فعائل وفواعل ومفاعل وفعالل وغيرها لأن بعد ألف تكسيرها حرفان، لكن لم أفهم أن يُقال: وزن حوادث فعائل، ولا أن فاعلة كضاربة تُجمع مطلقًا على فعائل، فمعنى هذا أن جمع ضاربة ضرائب.

د:إبراهيم المحمدى الشناوى 04-12-2015 11:13 PM

حاولت أن أتذكر لماذا اخترت (فعائل) دون غيرها خاصة (فواعل) الوزن الصرفي لـ (حوادث) فلم أتيقن على وجه الدقة أن ما تذكرته هو السبب في هذا الاختيار، وعلى كل فالذي ينقدح في ذهني الآن أني كنت أريد أن أُنَبِّهَ نفسي إلى المعلومة التي ذكرتها سابقا وهي موافقة (مفاعل) ...الخ وأنني اخترت (فعائل) لغرابتها وأنها تجعلني أتساءل هل أخطأت أو لا؟ فإذا راجعتها تذكرت هذه المعلومة.
هذا هو ما ينقدح في ذهني الآن، ولا شك أن سبب ذلك والتساهل فيه كان لأنني كنت أكتب لنفسي في هذا الوقت لا للعرض على الناس، وكان هذا منذ سنوات فلهذا لما نقلته الآن نقلته على ما هو عليه دون أن أنتبه لشيء مما يوقع في اضطراب، فأنا ولله الحمد من أشد الناس حبا للتبيين والإيضاح وإزالة المشكل.
فلِبُعْدِ المدة التي كتبت فيها ما سبق ولضيق الوقت الآن عن مراجعته ربما تكررت أشياء من هذا القبيل، والمرجو ممن وقف على شيء من هذا أن يقوم بتنبيهي؛ فإن كان خطأً أصلحته أو مشكِلا غيَّرْتُه.
وجزاكم الله خيرا


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 09:43 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ