ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة العروض والإملاء (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=14)
-   -   ما يجوز فيه التقييد والإطلاق (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=11841)

عائشة 08-05-2015 02:30 PM

ما يجوز فيه التقييد والإطلاق
 
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
ما يجوز فيه التقييد والإطلاق
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى رسولِ اللهِ، وبعدُ:
فهذه مسألةٌ يُحتاجُ إليها في ضبطِ أواخرِ الأبياتِ، فإنَّه قد يقعُ الخطأُ في ذلك. (1)
وقد ذكرَ العلماءُ أنَّ ما يجوزُ فيه التَّقييدُ والإطلاقُ يكونُ في ثلاثةِ بحورٍ، هي: الكاملُ، والرَّملُ، والمتقاربُ.
قالَ أبو الحسنِ الأخفشُ في «القوافي 99» [بتحقيق: أحمد راتب النفاخ]: (فأمَّا ما يجوز فيه التَّقييدُ والإطلاقُ؛ فالمتقارب؛ نحو:
كأنِّي ورَحْلي إذا رُعْتُها * علَى جَمَزَى جازئٍ بالرِّمال (2)
وفي الرَّمل:
يا بني الصَّيداءِ رُدُّوا فَرَسي * إنَّما يُفعَلُ هذا بالذَّليل (3)
وفي الكاملِ؛ نحو:
أبُنَيَّ لا تظلمْ بمكْـ * ـكَةَ لا الصَّغيرَ ولا الكبيرْ
فليس شيء يجوزُ فيه التَّقييدُ والإطلاقُ غير هذه الأبيات الثَّلاثة، وما كانَ علَى بنائِها) انتهى.
وقال ابنُ رشيق القيروانيُّ في «العمدة 1/ 147» [بتحقيق: محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد]: (ومن أهمِّ أمور الغاياتِ: معرفةُ ما يُنشد من الشِّعرِ مُطلقًا ومقيَّدًا. قال أبو القاسمِ الزجَّاجيُّ، وغيرُه من أصحابِ القوافي: الشِّعرُ ثلاثةٌ وستُّونَ ضربًا، لا يجوزُ إطلاقُ مقيَّدٍ منها إلَّا انكسرَ الشِّعرُ، ما خلا ثلاثةَ أضربٍ:
أحدها: في الكاملِ:
أبُنَيَّ لا تظلمْ بمكْـ * ـكَةَ لا الصَّغيرَ ولا الكبيرْ
وهذا هو الضَّرب السَّابع، يُسمَّى مُذالًا، وإن شئتَ قلتَ: ولا الكبيرا، فأطلقتَه، وهو الضَّرب السَّادس منه، يُسمَّى المرفَّل.
والضَّرب الثَّاني: في الرَّمل، وهو قولُ زيد الخيل:
يا بني الصَّيداءِ رُدُّوا فَرَسي * إنَّما يُفعَلُ هذا بالذَّليلْ
وهو الضَّرب الثَّاني منه، فإن أطلقتَه؛ صارَ أوَّل ضربٍ منه.
والضَّرب الثَّالث: في المتقارب، أنشدَ الأصمعيُّ، وأبو عبيدةَ:
كأنِّي ورَحْلِي إذا زُعْتُها * علَى جَمَزَى جازِئٍ بالرِّمالْ) انتهى.
وقالَ أبو عبيد البكريُّ في «اللآلي 1/ 59»: (وأنشدَ أبو عليٍّ لزيد الخيل:
* يا بني الصَّيْداء رُدُّوا فَرَسي *
...
ويجوزُ في شعرِهِ التَّقييدُ والإطلاقُ، وهذا لا يكونُ إلَّا في بعضِ ضروبِ الكاملِ، وفي بعضِ الرَّمل، وفي المتقاربِ.
مثالُ التَّقييدِ والإطلاقِ في الكاملِ:
أبُنَيَّ لا تظلمْ بمكْـ * ـكَةَ لا الصَّغيرَ ولا الكبيرْ ا (4)
ومثالُه في الرَّمل:
* يا بني الصَّيْداء ... * (5)
ومثالُه في المتقاربِ:
وتهْوِي كجندلةِ المنجنيـ * ـقِ يُرْمَى بِها السُّورُ يومَ القِتالْ ِ (6)
فهذه الأمثلةُ كُلُّها يجوزُ فيها التَّقييدُ والإطلاقُ) انتهى.
فقد علمنا إذن أنَّ ذلك يقعُ في الكاملِ، وهو في المجزوءِ منه، فإذا أُنشدَ البيتُ بالإطلاقِ؛ كان الضَّربُ مُرَفَّلًا علَى «مُتَفَاعِلاتُنْ»، وإذا أُنشِدَ بالتَّقييدِ؛ كانَ الضَّربُ مُذيَّلًا علَى «مُتفاعلانْ».
وأمَّا الرَّملُ؛ فضربُه صحيحٌ إذا أُنشِدَ بالإطلاقِ، ويكونُ مقصورًا علَى «فاعلانْ» في حالِ التَّقييدِ.
وأمَّا المتقارب؛ فيكونُ ضَربُه صحيحًا كذلك إذا أنشدَ بالإطلاقِ، وإذا أُنشدَ بالتقييدِ؛ كانَ مقصورًا علَى «فَعُولْ»، وذلك في مثلِ البيتِ الَّذي أنشدوه. ويُمكنُ أن يجيءَ محذوفًا علَى «فَعَلْ»، كقولِ أبي ذُؤيبٍ الهذليِّ:
علَى أطْرِقَا بالياتُ الخِيا * مِ إِلَّا الثُّمامُ وإلَّا العِصِيُّ
(قال ابنُ يعيش: هذه القصيدةُ تُروَى مُطلقةً مرفوعةً، وتُرْوَى مقيَّدةً ساكنةً، وهي من المتقارب، فمَن أطلقَها؛ كانت من الضَّرب الأوَّل، ووزنُه «فعولن»: «عِصِيْ يُو»، ومن قيَّدَها؛ كانت من الضَّرب الثالثِ، وهو المحذوف «فعلْ»: (عِصِيْ») (7).
ويُمكن أن يجيءَ ضربُ المتقاربِ محذوفًا إذا أُنشدَ بالإطلاقِ، وأبترَ إذا أنشدَ بالتَّقييدِ (8)، كما لو أنشدْنا بالوجهينِ قولَ عمرو بن معدي كرب:
وأعددتُّ للحربِ فضفاضةً * كأنَّ مطاويَها مِبْرَدُ
وهل يجوزُ الإطلاقُ والتَّقييدُ في بحورٍ أُخْرَى؟
قالَ ابن رشيق في «العمدة 1/ 149»: (وأنشدَ بعضُ المتعقِّبين -أظنُّه البازيَّ العروضيَّ-:
ستبدي لكَ الأيَّامُ ما كنتَ جاهلًا * ويأتيكَ بالأخبارِ مَن لَمْ تُزَوِّدْ
بالتَّقييدِ، علَى أنَّه من الضَّربِ المحذوفِ المعتمد، قالَ: إلَّا أنَّه يدخلُه عيبٌ لتَرْكِ حَرْفِ اللِّين) انتهى.
وذلك أنَّ الضَّربَ المحذوفَ من الطَّويلِ -وهو «فعولن»- يلزمه حرفُ اللِّين. قالَ الأخفشُ في بابِ ما يكون فيه حرفُ اللِّين ممَّا ليس فيه ساكنان من كتابِه «القوافي 111»: (من ذلك «فعولن» في الطَّويل، لا بُدَّ فيها من حرفِ لينٍ) انتهى.
ومثلُه: الكاملُ؛ نحو قولِ أبي ذُؤيبٍ:
والنَّفسُ راغبةٌ إذا رغَّبْتَها * وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنَعُ
فإنَّا لو أنشدناه بالتَّقييد؛ لكانَ الضَّربُ مقطوعًا، ولكنْ فيه تركُ اللِّين الَّذي يلزمُ ضربَ الكاملِ المقطوعَ، قالَ الأخفشُ في «القوافي 113»: (وأمَّا «فَعِلاتُنْ» في الكامل الَّذي علَى ستَّة أجزاء؛ فلا يكونُ إلَّا بحرفِ لينٍ... وكذلك «مفعولُنْ» فيه) انتهى.
ومثلُه: الرَّجزُ، كما لو أنشدْنا قولَ العجَّاجِ:
ما بالُ جاري دَمْعِكَ المهـلِّلِ
والشَّوقُ شاجٍ للعُيونِ الحُذَّلِ
بالتَّقييدِ؛ فإنَّ الضَّربَ يكونُ به مقطوعًا، ولكن يلزمُه حرفُ اللِّينِ أيضًا، قالَ الأخفشُ في «القوافي 114»: (وأمَّا «مفعولن» في الرَّجزِ، و«فعولن»؛ فلا يكونُ إلَّا بحرفِ لينٍ) انتهى. (9)
وقد لحظتُ في المديدِ أنَّه إذا كانَتْ عروضُه محذوفةً، والضَّربُ مثلُها؛ نحو قولِ الشَّاعرِ:
حلَّ في ما بينَ أعدائِه * وَهْوَ عن أحبابِه نازِحُ
فإنَّه يكونُ أبترَ لو أُنشِدَ البيتُ بالتَّقييدِ. ولكنْ: هل يلزمُ الضَّربَ الأبترَ في المديدِ حرفُ اللِّين، أو لا؟ ذهبَ الأخفشُ إلَى أنَّه لا يلزم (فَعْلُن) الأبتر حرف اللِّين، قال في «القوافي 112»: (وأمَّا «فَعْلُن» في المديد؛ فيكونُ بغيرِ حرفِ لينٍ، وإن كانوا يُلزِمون حرفَ اللِّين الشِّعرَ الضَّعيفَ القليلَ؛ ليكونَ أتمَّ له، وأحسنَ) انتهى. وذهبَ ابنُ عبد ربِّه إلى خلافِ ذلك، فقالَ في « العقد الفريد 6/ 355» [ط. دار الكتب العلمية]: (اعلمْ أنَّ القوافي الَّتي يدخلُها حروفُ المدِّ -وهي حروفُ اللِّينِ- فهي كلُّ قافيةٍ حُذِفَ منها حرفٌ ساكنٌ وحركةٌ، فتقومُ المدَّةُ مقامَ ما حُذِفَ، وهو من الطَّويلِ «فعولن» المحذوف. ومن المديدِ «فاعلان» المقصور، و«فَعْلن» الأبتر) انتهى. (10)
واللهُ تعالَى أعلمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا مثالٌ من أمثلةِ الخطإِ في ضبطِ أواخرِ الأبياتِ، ذكرَه أبو الحسنِ العَروضيُّ في «الجامع في العروض والقوافي 42» [بتحقيق: زهير غازي زاهد، وهلال ناجي]، قالَ: (وخبَّرني [مَنْ أثِقُ به] أيضًا عن رجلٍ من المتقدِّمين في الأدبِ، وقولِ الشِّعْرِ، وحُسن المعرفةِ أنَّه أنشدَه هذه القصيدةَ:
صاحَ غُرابُ البَيْنِ بالبَيْنِ غاقْ * وقامَ بالبَيْنِ دواعي الفراقْ
إذ قرَّبوا كلَّ طويلِ القَرا * ضَخْم الملاطينِ عَتِيًّا شِناقْ
وَيْلي مِنَ الفرقةِ وَيْلي غدًا * ما أقبحَ الفرقةَ بعدَ التَّلاقْ
قالَ: فقلتُ: أأكتبُ التَّلاقْ، أم التَّلاقي؟ فقالَ: إن شئتَ التَّلاقْ، وإن شئتَ التَّلاقي. قالَ: وإن شئتَ أن تكسِرَ جميعَ القوافي في هذه القصيدةِ فَعَلْتَ.
وهذا الَّذي قالَ لا يجوزُ البتَّة؛ لأنَّ هذه القصيدةَ من السَّريع من الضَّربِ الأوَّل منه، وهو موقوفُ الآخِرِ، وجزؤه (فاعلانْ)، وبيتُه في الدَّائرةِ:
أزمان سَلْمَى لا يرَى مثلَها الرْ * راؤونَ في شامٍ ولا في عراقْ
والنَّاس كثيرًا ما يغلطونَ في هذا البابِ، وفي المنسرحِ، فيحرِّكونَ آخرَ البيتِ منهما) انتهى.
(2) وفي روايةٍ: (زُعْتُها) -كما في النَّقلِ الآتي عن «العمدةِ» -. انظرْ: «شرح أشعار الهذليين 498».
والبيتُ لأُميَّةَ بنِ أبي عائذ الهُذليِّ، مِن قصيدةٍ مطلعُها:
ألا يا لَقَوْم لِطَيْفِ الخَيال * أَرَّقَ مِن نازحٍ ذي دَلال
(3) (ظفرَتْ بنو أسد بفرسٍ لزيد الخيل، فقالَ يتطلَّبُه منهم:
يا بني الصَّيداء ردُّوا فَرَسي * إنَّما يُفعلُ هذا بالذَّليلْ
لا تُذيلوه فإنِّي لم أكُنْ * يا بني الصَّيدا لِـمُهْري بالمُذيلْ
عوِّدوه كالَّذي عَوَدتُّهُ * دَلَجَ اللَّيلِ وإيطاءَ القتيلْ
واستباءَ الزِّقِّ مِنْ حاناتِه * شائلَ الرِّجلين معصوبًا بميلْ
أحملُ الزِّقَّ علَى مَنسجِه * فيظلُّ الضَّيفُ نشوانًا يميلْ).
«شعر زيد الخيل الطَّائي 151»، صنعة: أحمد مختار البزرة.
(4) ذكرَ عبدُ العزيزِ الميمنيُّ في حاشيتِه أنَّ البيتَ من كلمةٍ لسُبَيعة بنتِ الأحبِّ، ونبَّه علَى أنَّ الإطلاقَ لا يمشي في كثيرٍ من أبياتِ الكلمةِ؛ لاختلافِ حركةِ القوافي، وقالَ: (قولُ البكريِّ صحيحٌ لو أُنشِدَ البيتُ مفرَدًا) انتهى.
ومثلُ ذلك يُقالُ في مقطوعةِ زيد الخيل، فإنَّ فيها:
* فيظلُّ الضَّيفُ نشوانًا يميل *
وهذا لو أطلِقَ؛ لكانَ مرفوعًا، وسائرُ قوافيها مجرورةٌ.
ويُستفادُ من هذا أنَّه لا يلزم أن تكونَ القوافي المقيَّدةُ متَّفقةً في الإعرابِ لو أُطْلِقَتْ، ولذلك أخطأَ ابنُ الخشَّابِ في انتقادِه للحريريِّ في قولِه:
يا صارفًا عنِّي المودْ * دَةَ والزَّمانُ له صروفْ
قالَ: (هي مقيَّدةٌ، فيها أبياتٌ لو أطلقَتْ؛ كانت منصوبًا، ومرفوعًا، ومجرورًا، وهو غيرُ جائزٍ). وردَّ عليه ابنُ بريٍّ قائلًا: (الَّذي ذكرَه ابنُ الحريريِّ صحيحٌ، ولا يلزمُه أن يكونَ إعرابُ المقيَّدِ كإعرابِه لو أطلقَ... وهذا النَّحْوُ في أشعارِهم كثيرٌ جدًّا) انتهى.
(5) ومثالُه أيضًا قصيدةُ عديِّ بن زيدٍ العباديِّ الَّتي مطلعُها:
أبصرَتْ عيني عشاءً ضَوْءَ نار * مِن سناها عَرْفُ هنديٍّ وغار
وقد أنشدَ الصَّاحبُ بن عبَّاد في «الإقناع 126» قولَه فيها:
أبلغِ النُّعمانَ عنِّي مألُكًا * أنَّه قد طالَ حبسي وانتظاري
وجعله شاهدًا علَى الضَّربِ الأوَّل مِنَ العروضِ الأُولَى من الرَّمل، وهو الضَّربُ الصَّحيح، وجعله ابنُ جنِّي في كتابِه «العروض 111»، والتِّبريزيُّ في «الوافي 110» شاهدًا علَى الضَّربِ الثَّاني مِنَ العروضِ الأُولَى، وهو الضَّربُ المقصورُ.
(6) قالَ الميمنيُّ: (من كلمة طويلةٍ جدًّا لأميَّة بن أبي عائذ الهذليِّ... وقولُه: «تهوي» الصَّوابُ: «يهوي»، وفي «الأشعار»: «يَمُرُّ») انتهى. والبيتُ في «شرح أشعار الهذليين 512» للسُّكَّريِّ. وقد تقدَّمَ قولُه مِنَ القصيدةِ نفسِها: «كأنِّي ورَحْلي...».
(7) نقلَ ذلك عن ابنِ يعيش البغداديُّ في «خزانة الأدب 7/ 343».
(8) شاهدُ الضَّربِ الأبترِ في كتبِ العروضِ قولُ الشَّاعرِ:
خليليَّ عُوجا علَى رسمِ دارٍ * خَلَتْ من سُلَيْمَى ومِن مَيَّهْ
ويصحُّ وزنُه لو قُلْنا: (مَيَّةِ)، ويكونُ مِن الضَّربِ المحذوفِ، ولكنَّ الرويَّ مُطْلَقٌ على كلا الوَجْهَينِ، فإذا كانَ الضَّربُ أبترَ؛ كانَ الرَّويُّ حرفَ الياءِ، وإذا كان محذوفًا؛ كانَ التَّاءَ، وكلاهما رَوِيٌّ مُطْلَقٌ.
ومثلُ هذا الشَّاهدِ قولُ كعب بن مالكٍ -رضي اللهُ عنه-:
صفيَّةُ قومي ولا تجزعي * وبكِّي النِّساءَ علَى حَمْزَهْ
قالَ الأخفشُ في «القوافي 98»: (وأمَّا قولُه:
صفيَّةُ قومي ولا تجزعي * وبكِّي النِّساءَ علَى حَمْزَهْ
فمُطْلَقٌ؛ لأنَّ الزَّايَ حرف الرَّوِيِّ، وهي متحرِّكة، والهاء وصل. وإن شئتَ قلتَ: (علَى حمزتي)، فجَعَلْتَ التَّاءَ رويًّا، وجعلتَه (فَعَلْ)؛ لأنَّ الهاءَ إذا وُصِلَتْ صارَتْ تاءً، والتَّاءُ لا تكونُ وصلًا) انتهى.
(9) وأمَّا نحوُ ما أنشدَه التِّبريزيُّ في «الوافي 103» في بابِ الرَّجزِ:
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ * والحمدُ للهِ علَى امتنانِهِ
فإنَّه يصحُّ فيه أن تُحرِّكَ الهاءَ، فتقول: (إحسانِهِ، وامتنانِهِ)، والضَّربُ علَى ذلك صحيحٌ، ويصحُّ أن تُسكِّنَ الهاءَ، فتقول: (إحسانِهْ، وامتنانِهْ)، والضَّربُ عليه مقطوعٌ، ولكنَّ هذا لا يدخلُ في البابِ؛ لأنَّ الرَّوِيَّ -وهو النُّونُ- مُطلَقٌ في الحالَيْنِ، والهاءُ وصلٌ.
(10) قالَ ابنُ عبد ربِّه في نهايةِ البابِ (6/ 356) -بعدَ أن ذكرَ جميعَ ما يلزمُه حرفُ اللِّين-: (قالَ سيبويه: وكلُّ هذه القوافي قد يجوزُ أن تكونَ بغيرِ حرف المدِّ؛ لأنَّ رويَّها تامٌّ صحيحٌ علَى مثلِ حالِه بحرفِ المدِّ، وقد جاء مثلُ ذلك في أشعارِهم؛ ولكنَّه شاذٌّ قليلٌ. وأن تكونَ بحرفِ المدِّ أحسنُ؛ لكثرتِه، ولزومِ الشُّعراءِ إيَّاهُ) انتهى.
وقالَ ابنُ رشيق في «العمدة 1/ 145»: (ويتَّصل بالغاياتِ أنواعٌ أُخَرُ، فمن ذلك: معرفة ما يلزمه حرفُ المدِّ واللِّين الَّذي هو الرِّدْف ممَّا لا يلزمه ذلك)، ثمَّ قالَ -بعدَ أن ذكرَ ما يلزمُه ذلك-: (فعَلى هذا إجماعُ الحُذَّاقِ، إلَّا سيبويه، فإنَّه رخَّصَ فيه؛ لموافقةِ الوزنِ، مُرْدَفًا وغيرَ مُرْدَفٍ، وأنشدَ قولَ امرئِ القيسِ:
ولقد رحلتُ العِيسَ ثمَّ زجرتُها * وَهْنًا وقلتُ: عليكِ خَيْرَ مَعَدِّ
وقول الرَّاجزِ:
* إن تُمْنَعِ اليومَ نساءٌ يُمْنَعْنْ *
بإسكانِ العينِ والنُّونِ. وكان الجَرْميُّ والأخفشُ يرَيانِ هذا غلطًا من قائلِه، كالسِّنادِ والإكفاءِ، يُحْكَى ولا يُعْمَلُ به، إلَّا أنَّ أبا نُواس في قولِهِ:
* لا تَبْكِ لَيْلَى ولا تَطْرَبْ إلى هِنْدِ *
أخذَ بقولِ سيبويه، وهو قليلٌ، والقياسُ الأوَّلُ حَسَنٌ مُطَّرِدٌ، وهو المختارُ) انتهى.
رجب 1436 هـ

عائشة 10-05-2015 02:30 PM

جزاكم الله خيرًا.
فاصل1

،،، تذييل:
اقتصرتُ في ما سبقَ علَى ما أجازَه الخليلُ بن أحمدَ، وسأذكرُ الآنَ بعضَ ما لَـمْ يُجِزْهُ ممَّا يُسْلَكُ في هذا البابِ:
1- قالَ الأخفشُ في «القوافي 102»: (وقد يجوزُ في هذا القياسِ تقييدُ الطَّويلِ إذا كانَ آخرُه «مفاعيلن»؛ لأنَّه إذا قُيِّدَ جاءَ «مفاعيلْ» بين «مفاعيلن» و«فعولن». وقد جاءَ؛ قالَ الشَّاعِرُ:
كأنَّ عَتيقًا مِن مِهارةِ تَغْلِبٍ * بأيدي الرِّجالِ الدَّافنينَ ابن عَتَّابْ
وقد فرَّ حِصْنٌ هارِبًا وابنُ عامرٍ * ومَن كانَ يرجو أن يؤوبَ فما آبْ
فهذا جائزٌ. وكانَ الخليلُ لا يُجيزُه. وأخبرَني مَن سمع قصيدةَ امرئ القيس هذه من العربِ مختلفة، قالوا: فإنَّما هي علَى التَّقييد:
أَحَنظَلَ لَوْ حامَيْتُمُ وصَبَرْتُمُ * لأَثْنَيْتُ خيرًا صادقًا ولأَرْضانْ
ثيابُ بني عَوْفٍ طَهارَى نَقيَّةٌ * وأوجُهُهُمْ بِيضُ المشاهدِ غُرَّانْ) انتهى.
وقالَ الدَّمامينيُّ في «العيونِ الغامزة 145»: (واستدركَ بعضُهم لعروضِ الطَّويل المقبوضةِ ضربًا مقصورًا، وأنشدوا عليه قولَ امرئِ القيسِ:
ثيابُ بني عَوْفٍ طَهارَى نَقيَّةٌ * وأوجُهُهُمْ بِيضُ الـمَسافرِ غُرَّانْ
وهذا من أبياتٍ مختلفةِ القوافي بحسب الإعرابِ، أنشدوها ساكنةَ النُّون، والخليلُ يحرِّكُها، وإن لزمَ عنه الإقواءُ، ويرَى أنَّه أَوْلَى من إثباتِ ضربٍ آخَر؛ لكثرةِ الإقواء في كلامِهم، وأيضًا يلزم عليه سُكونُ لامِ «مفاعيلن»، وهو غيرُ موجودٍ في أوزانِ الشِّعرِ، لا الأصول، ولا المزاحَفة. هكذا قيلَ.
قلتُ: هو كلامٌ كما تراه غيرُ محرَّرٍ؛ وذلك لأنَّ أبيات امرئ القيسِ هذه متَى ثبتَتْ روايتُها بتسكين الرَّويِّ، ولَمْ يُرْوَ تحريكُه من طريقٍ من الطُّرق المعتبَرةِ؛ تعيَّن إثباتُ الضَّرب المقصور، ولم يُلْتفَتْ مع ذلك إلى قولِ مَن قالَ «مفاعيلن» لا يسوغ أن تُسكَّنَ لامُه، وإن ثبتتْ فيه روايةٌ بتحريكِ الرَّوِيِّ؛ فالقولُ ما قاله الخليلُ، ولا يضرُّ حينئذٍ وجودُ روايةٍ بتسكين الرَّوِيِّ من طريقٍ آخَر؛ لأنَّه يُحْمَلُ حينئذٍ علَى أنَّه تقييدُ إنشادٍ، وليس هو التَّقييد الَّذي تختلفُ به الضُّروب. واللهُ أعلم) انتهى.
2- قالَ الأخفشُ في «القوافي 103»: (ويجوزُ ذلك في الرَّمل الَّذي علَى أربعةِ أجزاءٍ؛ نحو قولِه:
قَيْلُ قُمْ فانظُرْ إليهمْ * ثُمَّ دَعْ عنكَ السُّمُودْ
لأنَّه إذا جعلَه «فاعلانْ» صارَ بين «فاعلاتن» و«فاعلن»، فهو مثل ما جاءَ في القياسِ، ولم نسمَعْهُ، ولا أراهُ إلَّا لقلَّةِ هذا الشِّعْرِ وضعفِهِ) انتهى.
3- قالَ الدَّمامينيُّ في «العيونِ الغامزة 181»: (حَكَى الأخفشُ أنَّ للهزجِ ضربًا ثالثًا مقصورًا، وبيتُه:
وما ليثُ عرينٍ ذو * أظافيرَ وأسنانْ
أبو شبلينِ وثَّابٌ * شديدُ البطشِ غَرْثانْ
هكذا رُوِيَ بإسكانِ النُّونِ. قالوا: والخليلُ يأبَى ذلك، ويُنشدُه علَى الإطلاقِ والإقواء، علَى نحوِ ما سبقَ في الطَّويلِ. وقد مرَّ ما فيه) انتهى.
4- قالَ الدَّمامينيُّ في «العيونِ الغامزة 188»: (ثمَّ قالَ ابنُ برِّي: وحكَى بعضُ العروضيِّينَ جوازَ استعمالِ الحذذ والتَّسبيغ في مشطورِ الرَّجزِ، أنشدَ البكريُّ:
أنا ابنُ حربٍ ومعي مخراقْ
أضربُهم بصارمٍ رقراقْ
إذْ كَرِهَ الموتَ أبو إسحاقْ
وجاشتِ النَّفسُ علَى التَّراقْ
قالَ ابنُ برِّي: وقياسُ مذهبِ الخليلِ حَمْلُ هذا علَى الإقواءِ، وهو قبيحٌ هنا.
قلتُ: كأنَّه يُريدُ أنَّ القوافي لو أُطْلِقَتْ؛ لكانتِ الأُولَى محرَّكةً بالضَّمِّ، والثَّانية والرَّابعة متحرِّكتين بالكسرِ، والثَّالثة متحرِّكة بالفتحِ؛ ضرورةَ أنَّ (إسحاق) غيرُ منصرفٍ، وهو مجرورٌ، فيُجَرُّ بالفتحةِ، فيلزم اجتماعُ الفتحِ مع الضَّمِّ والكسرِ، وهو قبيحٌ. فإن أرادَ هذا -وهو الظَّاهر- قلنا: غيرُ المنصرفِ يجوزُ أن يُجَرَّ بالكسرةِ للضَّرورةِ، فلِمَ لا يُجرُّ هنا -علَى تقديرِ الإطلاق- بالكسرةِ للضَّرورةِ؟ إذ هو محلُّ ضرورةٍ، وينتفي القبحُ علَى هذا التَّقديرِ) انتهى.

عائشة 18-05-2015 02:15 PM

5- ومرَّ بي في «رَوْحِ الرُّوحِ 2/ 922» هذا البيتانِ من الكاملِ -وذكرَ المحقِّقُ في الحاشيةِ أنَّهما في «البيان 3/ 176» للجاحظِ-:
اعْمَلْ علَى حَذَرٍ فإنَّكَ مَيِّتٌ * واكْدَحْ لِنَفْسِكَ أيُّها الإنسانْ
فكأنَّ ما قَدْ كانَ لَمْ يَكُ إذْ مَضَى * وكأَنَّ ما هُوَ كائنٌ قدْ كَانْ
فهذا الضَّربُ لَمْ يذكُرْهُ الخليلُ، وهو أحذُّ مُضْمَرٌ مُسبَّغٌ. وهو بالإطلاقِ مقطوعٌ، ولكنْ به الإصرافُ، وهو أقبحُ مِنَ الإقواءِ.
واللهُ أعلمُ.

عائشة 24-05-2015 02:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل عائشة (المشاركة 46672)
(9) وأمَّا نحوُ ما أنشدَه التِّبريزيُّ في «الوافي 103» في بابِ الرَّجزِ:
الحمدُ للهِ علَى إحسانِهِ * والحمدُ للهِ علَى امتنانِهِ
فإنَّه يصحُّ فيه أن تُحرِّكَ الهاءَ، فتقول: (إحسانِهِ، وامتنانِهِ)، والضَّربُ علَى ذلك صحيحٌ، ويصحُّ أن تُسكِّنَ الهاءَ، فتقول: (إحسانِهْ، وامتنانِهْ)، والضَّربُ عليه مقطوعٌ، ولكنَّ هذا لا يدخلُ في البابِ؛ لأنَّ الرَّوِيَّ -وهو النُّونُ- مُطلَقٌ في الحالَيْنِ، والهاءُ وصلٌ.

قالَ أبو العلاء المعرِّيُّ في «شرح ديوان ابن أبي حُصينة 2/ 50» في شرحِ القصيدةِ الَّتي أوَّلها:
رَبْعٌ تعفَّتْ باللِّوَى عُهودُه
وأصبحَتْ مُنْهَجَةً برودُه
قالَ: (الاختيارُ في وقفِ الهاء ووصلِها بالواوِ إلى المُنشِدِ، والَّذي اختارَه المتقدِّمونَ وأصحابُ الغرائزِ أن يُوصلَ بالواوِ؛ لأنَّه أقوَى في السَّمعِ، وعلَى ذلك جاءت قصائدُ المتقدِّمين من الشُّعراء الأوَّلينَ والمحدَثينَ؛ كقولِه:
وبَلَدٍ عــاميةٍ أعــماؤُهُ
كأنَّ لَوْنَ أرضِه سماؤُهُ
... وكذلك قول الـحَكَميِّ:
لَـمَّا [غدا] الثَّعـلبُ مِن وِجارِهِ
يلتمسُ الكسبَ علَى صغارِهِ
... وكذلك قول أبي الطيِّب المتنبِّي:
حجَّب ذا البحرَ بحارٌ دونَهُ
يذمُّها النَّــاس ويحمـدونَهُ
إلَّا أنَّ وقفَ الهاءِ في المنصوبِ أحسنُ منه في المرفوعِ والمخفوضِ) انتهى.

عائشة 26-11-2015 01:48 PM

للدّكتور سيفٍ العريفيِّ بحثٌ بعنوان «كتاب القوافي لسيبويه: حديث النسبة، ودراسة المأثور»، نُشِرَ في مجلَّة جامعة الإمام (العدد الثاني عشر- رجب 1430). ذكرَ في مقدِّمتِه أنَّ مِن نوادرِ ما حفظَه صاعدٌ في «الفصوصِ» كتابَ «القوافي» لأبي عثمانَ المازنيِّ. فرجعتُ إليه، فوجدتُّ فيه حديثًا عن هذه المسألةِ، تحت عنوان «تفسير ما يجوز تقييده، وإذا أُطلقَ كانَ شعرًا، ممَّا لا يجوزُ ذلك فيه»، فليُراجعْه مَن شاءَ في «الفصوص 5/ 197».
وبينا أنا أتصفَّحُ البحثَ المُشارَ إليه وجدتُّ الكلامَ عن هذه المسألةِ أيضًا في (ص 61، وما بعدها)، ولو كنتُ أعلمُ هذا ما كتبتُ فيها شيئًا! ولكنْ أحمدُ اللهَ تعالَى علَى توفيقِه.
وتجدونَ هذا البحثَ النَّافعَ علَى الرَّابطِ التَّالي:

عائشة 30-05-2016 02:37 PM

شكر الله لكم.

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل عائشة (المشاركة 46880)
... وكذلك قول أبي الطيِّب المتنبِّي:
حجَّب ذا البحرَ بحارٌ دونَهُ
يذمُّها النَّـــــاس ويحمـــــــدونَهُ

قالَ أبو العلاءِ الـمَعَرِّيُّ في «اللَّامعِ العزيزيِّ»: (الوَزْنُ من مشطورِ الرَّجزِ، وهو رابعُهُ، وهذا الضَّرْبُ مِنَ الشِّعْرِ يُسَمَّى ذا الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه إذا وُقِفَتْ هاؤُهُ فهو حَسَنٌ، وإنْ جئتَ به مُطْلَقًا فكذلك) انتهى.

عائشة 07-01-2017 02:36 PM

بارك الله فيكم.
.
ذكرَ حمزةُ الأصبهانيُّ في «الأمثالِ الصَّادرةِ عن بيوتِ الشِّعرِ» (ص463) هذا البيتَ:
شَيْخٌ إذَا حُمِّـلَ مَكْرُوهَةً * شَدَّ الشَّرَاسِيفَ لَـهَا والـحَزِيمَا
وقالَ محقِّق الكتابِ د. أحمد الضّبيب في الحاشيةِ: (لوكيعِ بنِ أبي سُويد في المستقصَى 2/ 128... وبلا عَزْوٍ في العين (حزم)، وتهذيب اللُّغة (حزم)، والعباب الزاخر (حزم)، وفيها كلّها: «شَدَّ الـحَيَازِيمَ لَـهَا والـحَزِيمْ». ووردَ «الـحَزِيم» ممدودًا في المخطوطِ وفي إحدَى نُسَخِ المستقصَى واللِّسانِ) انتهى.
.
فما رأيُكم؟

عائشة 09-01-2017 11:30 AM

البيت المذكور لا يجوز فيه إلّا إسكان آخره؛ لأنه من الضرب الأول من السريع، ووزنه (فاعلانْ)، فالصواب: (والحزيمْ)، وتحريكه غلط. وقد نبّه على مثله أبو الحسن العروضيّ، وهو مذكور في الحاشية ذات الرقم (١)، فلتُراجَعْ إن شئتم.

وشكرًا لكم على الاهتمام. والسّلام.

خشان خشان 06-02-2017 09:30 PM

العروض رقمي
 
أستاذتي الفاضلة
هذا الموضع مفيد في ذاته وأثره في النظرة إلى الوزن.
ولي إلى حوار حول ذاته عودة بإذن الله متى سمح الوقت.
وأما أثره في النظرة إلى الوزن فقد أفردت له هذا الموضوع:
http://www.ahlalloghah.com/showthrea...3126#post53126
حفظك الله ورعاك.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 05:25 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ