ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة العروض والإملاء (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=14)
-   -   الدرس الرابع : الهمزة في أول الكلمة ( تابع ) (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=949)

فيصل المنصور 31-10-2008 04:47 PM

الدرس الرابع : الهمزة في أول الكلمة ( تابع )
 
ذكرنا في الدرسِ الماضي العلةَ الأولَى لاجتلابِ همزةِ الوصلِ .

العلة الثانية : التعويض عن المحذوفِ .
وذلكَ أنَّ في العربيةِ كلماتٍ حَذفت العربُ منها حرفًا للتخفيفِ ؛ فبقيت على حرفينِ ؛ فأرادت أن تعوِّضَ عن هذا الحرفِ المحذوفِ حرفًا آخرَ ، فلم تشأ أن يكونَ العِوضُ في درجةِ المعوَّضِ عنه ؛ فاختارت همزةَ الوصلِ في نحو : ( اِسم ) ، لأنها تُنطَق في البدءِ ، وتُحذَف في الوصلِ . ولهذا نظائرُ ، منها أنها عوَّضت بالتاءِ المربوطة في نحوِ : ( عِدة ) ، لأنها ترجع في الوقفِ هاءً ، والهاءُ حرفٌ خفيٌّ مهموسٌ يُشبِه الألفَ . ومنها أنها جمعتْ بعضَ ما حُذِف منه حرفٌ جمعَ مذكر سالمًا ابتغاءَ التعويضِ ، كما في نحوِ : ( سنون ) ، و ( عِضون ) ، لأنَّ الجمعَ طارئٌ . ومنها أنها أشبعت حركاتِ الأسماء الستّةِ وِفاقًا للمازنيِّ إذا أضيفت – إلى غير ياء المتكلّم - ، لأنَّ الإضافةَ شيءٌ عارِضٌ . ومنها أنها عوضت عن المحذوفِ بالتضعيف ، كما في ( دمّ ) ، و ( أبّ ) ، و ( أخّ ) ، و ( فمّ ) في لغةٍ ، لأنَّه يُحذف في الوقفِ . كلُّ ذلك لكي لا يكون العِوضُ في درجةِ المعوَّضِ عنه . وهذا سرٌّ لطيفٌ لم أجِد أحدًا أشارَ إليهِ .

فإذا تبيَّن لك أنَّ من عللِ اجتلابِ همزةِ الوصلِ طلبَ التعويضِ ، فاعلمْ أنَّ ذلكَ محصورٌ في أسماءٍ تسعةٍ ؛ وهي ( اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان ) .

فإن قلتَ :
قد علمنا أنَّ ( اسم ، واست ، وابن ، وابنة ، وابنم ، واثنان ، واثنتان ) محذوفة اللامِ ؛ فنحتمِلُ فيها دعوى كونِ الهمزةِ للتعويضِ ؛ ولكنَّ ( امرؤ ) ، و ( امرأة ) لم يُحذف من أصولها شيءٌ ؛ فكيف زعمتَ أنَّ الهمزةَ فيهما للتعويضِ ؟

قلتُ :
أمَّا ( امرؤ ) ، فتوجيهه أن نقولَ : إنَّ أصله ( مرْءٌ ) – وهو مستعمَل - ؛ فتصرَّفوا فيهِ كما تصرَّفوا في غيرِهِ ؛ فحذفوا اللامَ ؛ فقالوا : ( مَرٌ ) – وهو مسموع - ؛ فلمَّا حذفوا اللامَ أرادوا التعويضَ ، كما عوَّضوا في ( اسم ) ؛ فزادوا في أوَّلِهِ همزةَ وصلٍ ، وأعادوا المحذوفَ معًا ؛ فصارَ ( امْرؤ ) . وهم ممَّا يفعلُون ذلكَ ، كما قالَ النابغةُ – وهو من شواهد سيبويه - :
*** كليني لهمٍّ يا أُميمةَ ناصبِ ***
فغيَّروا الأصلَ ؛ وذلكَ بالحذفِ ، ثمَّ بنوا على التغييرِ حُكمًا ؛ إذْ زادوا همزةَ الوصلِ ؛ فلمَّا راجعوا الأصلَ بردِّ المحذوفِ لم يغيِّروا الحُكمَ المنبنيَ على التغييرِ ؛ وهو زيادةُ الهمزةِ ؛ أي : أنَّ العلةَ زالتْ ، وبقيَ الحُكمُ . وآيةٌ أخرَى على ذلكَ أنَّ عينَه تتبعَ لامَه في الإعرابِ ؛ تقولُ : ( هذا امرُؤٌ ) ، و ( رأيتُ امرَأً ) ، و ( مررتُ بامرِئٍ ) ، لأن العينَ قبلَ استعادةِ المحذوفِ كانت هي محلَّ الإعرابِ .

فإن قلتَ : إنَّه لم يبلغنا عنهم أنهم قالوا : ( امْرٌ ) ؛ فكيف تزعمُ أنها كانت كذلك ، ثمَّ راجعوا الأصلَ ؛ فقالوا : ( امْرؤ ) ؟

قلتُ : ليس كلُّ تغييرٍ صرفيٍّ ينبغي أن يكونَ استعملته العربُ ؛ ألا ترَى أنك تدَّعي في ( خطايا ) ونحوِها تغييراتٍ أفضت إليها معَ أنَّ العربَ لم تستعملها . وإنما أدّاك إلى هذا قياسُك على أصولِ العربِ ومقاصدِها التي تنحُو إليها في كلامِها .
أمَّا ( امرَأَة ) ، فإنما هي ( امرَأ ) بزيادةِ تاء التأنيثِ . فلمَّا فتحُوا الهمزةَ لأجلِ تاء التأنيثِ أتبعُوا الراءَ حركتَها ؛ ففتحوها للعلةِ التي تقدَّمَ بيانُها .

-واعلمْ أنَّك إذا ثنيتَ ما يجوزُ تثنيتُه من هذه الأسماء التّسعةِ ، أو زدتَّ في آخرِهِ ياءَ النسَبِ ، فإن همزتَه تبقَى همزةَ وصلٍ ؛ تقولُ : ( هذا اسمان ، وابنان ... ) ، و ( الجملة الاسمية ) . فإذا جمعتَ أحدَها جمعَ تكسيرٍ رددتَّ المحذوفَ ، وحذفتَ همزةَ الوصلِ ، وزدتَّ في اللفظِ الأحرفَ التي يقتضيها الجمعُ ، لأنَّ جمع التكسير يرَدُّ الأشياءَ إلى أصولِها ؛ نحو ( الأسماء ) ، و ( الأبناء ) ؛ فقد جعلتَها ( سمو ) ، و ( بنو ) ، ثمَّ صُغتَها على ( أفعالٍ ) ؛ فأصبحت ( أسماو ) ، ( أبناو ) ؛ فأبدلت الواو همزةً لتطرفها بعد ألف زائدة ؛ فأضحت ( أسماء ) ، و ( أبناء ) ؛ فالهمزةُ إذًا همزةُ الجمعِ ، لا همزةُ الوصلِ .

العلة الثالثة : كثرةُ الاستعمالِ .
ويطَّرد ذلك في موضعينِ :
الأولُ : حرفُ التعريفِ ( أل ) ، ويعاقِبُه ( أم ) في لغة طيِّئ وحمير ؛ تقولُ : ( الكِتاب ) ، و ( الرَّجل ) ، وفي الحديثِ : ( ليس من امبرِّ امصيامُ في امسفرِ ) . وذلكَ أنَّ الصوابَ أنَّ أصلَها ( أل ) بالقطع ، مثلُ ( هلْ ) وِفاقًا لابنِ كيسانَ ؛ فلمَّا كانت ممَّا يكثرُ استعمالُها في كلامِهم جعلوا همزتَها همزةَ وصلٍ ، ليكونَ أخفَّ عليهم . يشهدُ لذلكَ أنَّهم أظهروها في بعضِ الألفاظِ ، كلفظِ الجلالةِ في النداءِ ( يا أللهُ ) ، والقسمِ ( أفأللهِ ) . وظهورُها في بعضِ المسموعِ دليلٌ على الأصلِ المتروكِ . ولا يُقالُ : إنّها همزةُ وصلٍ قُطعتْ . لأنَّ ذلك شاذّ ؛ ألا ترَى أنه لو صَحَّ ذلكَ ، لبلغَنا في الأفعالِ المبدوءِة بهمزةِ وصلٍ ، ومصادرِها شواهدُ في قطعِها . ولم يبلغنا إلا في ضرورةِ الشِّعرِ . ويشهدُ له أيضًا أنهم فتَحوا الهمزةَ . ولو كانت همزةَ وصلٍ ، لكانَ القياسُ كسرَها . ثمَّ ليس ببدعٍ أن يَّخفف اللفظُ لكثرةِ استعمالِهِ ؛ ألا تراهم حذفوا نونَ ( لم يكن ) ، وياء ( لا أدري ) ، ونونَ ( مِن ) في لغةٍ ؛ فلأن يحذفوا الهمزةَ وهي حرفٌ واحدٌ ، في الوصلِ فقط أهونُ عليهم ، وأيسرُ .

أمَّا كتابةُ بعض المتأخرينَ ( البتة ) هكذا ( ألبتة ) ، وزعمُهم أنَّ الوجهَ فيها القطعُ = فخطأ محضٌ ، ناشئ عن وهمٍ . وليس لِما يدَّعون شاهِدٌ من السَّماعِ ، ولا عاضدٌ من القياسِ ؛ بل القياسُ يَنفيه أشدَّ النفيِ . كما إنه لا يعرفه السابقونَ الأوَّلونَ من العلماءِ . ولو عرفوه ، لذكرَه ولو واحدٌ منهم . ولعلَّ سببَ هذا الوهم أنَّ الذي أذاعَه قرأ في صحيفةٍ : ( البتة : القطع ) [ وهذا معناها اللُّغويُّ ] ؛ فتوهَّمها هكذا : ( البتة : بالقطع ) أي : بهمزة القطعِ .

الثاني : كلمة ( ايمُن ) في القسمِ ، وفرعُها ( ايم ) بحذف النونِ . وذلك أنَّ أصلَ ( ايمن ) أنها جمع ( يمين ) وِفاقًا للكوفيِّين ؛ فلمَّا كثرَت في كلامِهم خفَّفوها ، كما خفَّفوا ( أل ) التعريفِ ؛ غيرَ أنَّ الأصلَ هنا مستعمَل ؛ فيجوز لكَ أن تقطعَ الهمزةَ ؛ فتقول : ( أيمُن ) ، و ( أيم ) . وجوازُ قطعِ الهمزةِ شاهِدٌ على أنها جمعُ ( يمينٍ ) . وشاهدٌ آخرُ ؛ وهو فتحُ الهمزةِ . وممَّا يدلّك على كثرة دوَران القسمِ في كلامِهم التماسُهم التصرُّفَ ، والتخفيفَ فيهِ ؛ فقد حذفوا فعلَه ، واستغنوا عنه بأكثر من حرفٍ ؛ وهي الباء ، والواو ، والتاء ، واللام ، وحذفوا خبرَه في نحو : ( لعمركَ لأفعلنَّ ) ، ولم يعتدّوا بالقسم فاصِلاً في الإضافةِ ، وبعد ( إذًا ) الناصبةِ ، وغيرها. فلأن يحذفوا حرفًا واحدًا من جملةِ القسمِ في الوصلِ فقط أهونُ ، وأيسرُ .

وللحديثِ بقيَّة نوردُها في الدرس القادم بإذن الله تعالَى .
ومعذرةً إنْ كان من نَقصٍ ، أو خللٍ ، أو تأخيرٍ . ولعلَّ عذري أني أكتبُ هذه الدروسَ على غيرِ مثالٍ سابقٍ .

أبو سفيان 05-11-2008 09:12 PM

جزاك الله خيراً أخي أبا قصي ،

أبو الفضل 09-11-2008 07:03 PM

شيء مدهش ايها الشيخ الفاضل و لغة متينة لم أرها في شيء من المنتديات
و اشكالات تطرحها و تجيب عنها بألمعية ...زادك الله توفيقا ورزقك الله الجنة

فيصل المنصور 09-11-2008 10:05 PM

شكرًا لكما .

ولن تبلغَ هذه الدروسُ ما أؤمِّلُ إلا بتوجيهاتِكم ، وتصويباتِكم .

القمطرة 17-11-2008 06:50 PM

متى تُكتب (اثنان ، اثنتان) همزة قطع؟

القِمطرة

فيصل المنصور 25-12-2008 06:40 PM

لا تُكتب همزةَ قطع البتةَ . وقد تكلمت عليها في الدرس الخامس .


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 02:44 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ