ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   مقامةُ ( الغفران ) مُعَدَّلة. (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=14018)

محمد البلالي 27-09-2017 02:01 AM

مقامةُ ( الغفران ) مُعَدَّلة.
 
حكى خالد بن عبد الله :


بينا أنا أسيرُ في الأَرضِ أسيرَ ذنبٍ اقترفتُه ، وجرمٍ من بحرِ الذنوبِ اغترفتُه ، نادِماٍ منه ، هائماً به ، لا ئماً لي وله ، أَجِدُني منه مُتَأَلِّما ، صامتاً لا مُتَكَلِّما ، حَمَلَتْني رِجْلِي مُصاحِباً لِوَجَلِي ، إلى مَسْجِدٍ من المَساجِد ، والناسُ بين راكِعٍ وساجِد ، فَتَوَضَّأْتُ من ذَنوب ، علِّي أُنَقِّي ما عَلِق بي من ذُنوب .


فَلَمَّا قضيتُ الصَّلاةَ وَهَمَمْتُ بالخُرُوجِ قام رجلٌ حسنُ الطَّلْعة باهي الطَّلّة عليه الوَقارُ والسَّكينةُ كالظُّلَّة ، الرَّائي له يخال ، أَنَّه من الذُّنُوبِ خَال ، يَعْلو النُّورُ وجهَه ، من كلِّ ناحيةٍ ووِجهَه ، مُحيَّاه يُطمْئنُ النَّاظِرِينَ مِنَ الحَاضِرِين ، وَيَجْلبُ السَّكينَةْ في قُلُوبِ الحَائِرِين ، عَيْناهُ تُنبِيكَ عَن ذَكاءٍ وَزَكَاءٍ فيه ، فقلتُ : فكيف يكونُ نُطْقُ فيه .


فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنى عَلَيْه ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ وَمَن يَلِيْه ، ثم قال:


أَيُّها النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَأَبْدَع ، وأمرَهم بِما يَسُّرُّ وَيَقَرُّ وَيَنفَع ، وَنَهاهُم عَمَّا يَضُرُّ ويَغُرُّ ويُوجِع ، وَصَاحِبُ الذَّنْبِ مَن للذَّنٍبِ صَاحَب ، وَصَارَ له الذَّنبُ كالذَّنَب ، يُقَارِفُهُ وَيُرَافِقُهُ فَلا يُفَارِقُه ، حَتَّى كان جَلِيسَه وَأَنِيسَه ، وَلَصِيقَه وَحَبِيسَه ، وَمَنَادِمَه وَمُلازِمَه ، أَمَّا مَن أَذْنَبَ وَاسْتَغْفَر ، وَما أَصَّرَّ على إِصْرٍ وَاسْتَمْرِر ،
فقد وَعَدَه اللَّهُ مَغَفِرَةَ ما أَتَاه ، وَاجْتَرَحَتْهُ يَداه ، وقد قال اللَّهُ :(( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون )) ، وقال رَسُولُهُ المُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ المُقْتَفَى (( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ...... )).

ثُمُّ أَنْشَدَ :
وَإِذا أَتَى ذَنباً تَلاهُ بِتَوْبَةٍ * تَمْحُو الذي قَدْ قَدَّمَتْهُ يَداهُ
فَتَراهُ دَوماً نادِماً مُسْتَغْفِرا * مِن بَعْدِ ما ذَنبٍ لَهُ يَغْشاهُ
وَتَراهُ يَرْجُو ذا المَعارِجِ تَارَةً * وَكَذا تَراهُ تَارَةً يَخْشاهُ
ُ
قال خالد بن عبد الله :

فَأَراحَتْ قَوْلَتُه قَلْبي ،
وَأَزاحَتْ هَمِّي وَكَرْبي ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَنِّهِ وَفَضْلِه ، فَتَبَدَّلَ ما بِي مِن يَأْسٍ وَبُؤْسٍ وَأَلَم ، إِلَى بَأْسٍ وَأُنْسٍ وَأَمَل.



فَلَمَّا أَنْ حَانَ انصِرافُهُ وَآن ، خَشِيْتُ أَنْ لا أَلْقاهُ بَعْدَ الان ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ ما اسْمُ الرَّجُل ، فَأَصَابَني الخَجَلُ مَشُوباً بِالوَجَل ، لكن سلكتُ مَسْلَكَ الجِدّ ، وقلتُ : لا بُدَّ مِمَّا ليسَ منه بُدّ .

فقلتُ : يرحمُك اللَّهُ مَن الرَّجُل ؟ فقال بلسانٍ فَصِيحٍ عَلَنيّ : أبو محمدٍ العَدَني .

فقلتُ : أَوْصِني وَصِيَّةً نَافِعَةً نَاجِعَة ، جَامِعَةً مَاتِعَةً مَانِعَة .


فقال : وَدِّعْ هَناتِك ، وَدَعْ عَدَّ حسناتِك ، ولا تتركِ الاستغفار ، لعلك تدرك مغفرة الغفار ، وأحسن الظَّنَ بالمعبود ، يَفُك لك المعقود ، ولا تكن للذَّنبِ مُعاوِدا وللرَّبِّ مُعانِدا وللشَّيطانِ مُعاهِدا ، وكن خائِفا راجِيا وللَّه في ليلك مُناجِيا تَكُن في الآخرةِ ناجِيا .

قال خالد بن عبد الله :

للَّه دَرُّك ما أحسنَ رَدَّك وسَرْدَك ، فهاك وعدا أن أسير على ذي الخُطا ، وأدعَ مقارفةَ الخطا.

ثُمَّ انصرفَ بعد أن وَعَدْتُ ، وَعُدْتُ إِلَى دَاري راشِدا.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 02:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ