ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة النحو والتصريف وأصولهما (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=10183)

عزام محمد ذيب الشريدة 27-04-2014 12:09 AM

الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية
 
ضوابط ترتيب الجملة العربية في الأصل والعدول

المبحث الأول
بيان المصطلحات
أولاً: الرتبة

المقصود بالرتبة لغةً: "المكانة والمنزلة, يُقال: رَتَبَ الشيءُ أي ثَبَتَ فلم يتحرك, رَتَبَ رُتوبَ الكَعْب أي انتصب انتصابه, ورتَّبه تَرْتيباً: أثبته. وفي حديث لقمان بن عاد: رَتَبَ رُتوبَ الكعبِ, أي:انتصبَ كما ينتصِبُ الكعبُ إذا رَمَيْتَهُ, ومنه حديث ابن الزبير, رضي الله عنهما: كان يصلي في المسجد الحرام وأحجار المنجنيق تمُرُّ على أُذنه, وما يلتفت, كأنه كَعبٌ راتِب. والكعبُ: عقدةُ ما بين الأنبوبين من القصب والقنا, وقيل: هو أنبوب ما بين كل عُقدتين, وقيل: هو العظم الناشز عند ملتقى الساق بالقدم "( 1)
والمقصود بالرتبة اصطلاحاً: الموقع الأصلي الذي يجب أن تتخذه الوظيفة النحوية بالنسبة للوظائف الأخرى المرتبطة بها بعلاقة نحوية تركيبية, فهي (الرتبة) وصف لمواقع الكلمات في التركيب. -----------------------------------------
1- ابن منظور – لسان العرب ، مادة : رتب
2- لطيفة النجار – دور البنية الصرفية ، ص 196
----------------------------------------------
وسيرد استعمال لفظ (الرتبة) أيضاً, بالمعنى اللغوي, ليدل على المنزلة أو المكانة, والمعنيان (اللغوي والاصطلاحي) في هذه الدراسة متداخلان, فالتقدم في الرتبة يعني التقدم في المنزلة والموقع معاً, والتأخر في الرتبة يعني التأخر في المنزلة والموقع معاً كذلك.

ثانياً: الخاص

المقصود بالخاص في هذه الدراسةهو: القريب أو الأهم.
ثالثاً: العام
المقصود بالعام في هذه الدراسة هو: البعيدأو الأقل أهمية.
رابعاً: المبني عليه
المقصود بالمبني عليه في هذه الدراسة هو: الأساس الذي يتركب عليه الكلام (الطالب أو المحتاج).
خامسا: المبني
المقصود بالمبني في هذه الدراسة هو: الوظيفة النحوية في التركيب النحوي (المطلوب أو المحتاج إليه).
سادساً: الاحتياج
المقصود بالاحتياج في هذه الدراسة هو: الطلب أو العلاقة المعنوية.
-------------------------------------------

المبحث الثاني
ضوابط الترتيب
الإنسان يفكر باللغة ويلغو بالفكر،ومن المفترض أن الإنسان عندما يتكلم يقوم بالاختيار من ثقافته اللغوية ،وهذا الاختيار مضبوط بضوابط الاختيار أوضوابط التبادل المعجمي في المواقع التركيبية وهي:الضابط المعنوي،أوكما يسميها الجرجاني الفروق والوجوه، والضابط المعنوي اللفظي( أوالمحسنات البديعية المعنوية اللفظية)،وبعد الاختيار يأتي التأليف،وهاتان العمليتان تندمجان معا في ذهن الإنسسان،ثم يتحول النشاط اللغوي غير المحسوس أو المعاني تلقائيا إلى نشاط لغوي محسوس نسميه الكلام.
"وعملية تأليف الجمل تنتظمها رتب تختلف في اللغة الواحدة, إلاّ أن تغيرات الرتبة في اللغة الواحدة ليست اعتباطية أو غير محددة, بل هناك ما يدل على وجود قيود على رتب المكونات الكبرى, والصغرى, ومن أهداف النظرية اللسانية أن تبحث في مجموعة المبادئ التي تُقيد الرتب داخل اللغات, لأن كفايتها ليست مرهونة فقط بتخصيص ووصف ما يلاحظ من الظواهر الرتبية, بل أيضاً بحصر ما لا يمكن أن يلاحظ منها( 1)"فالكلمات لا تتوالى في الجملة على نحو عشوائي بل يخضع ترتيبها لأنساق تركيبية مضطردة"( 2) يتحكم المعنى في الجزء الأكبر منها ويتحكم اللفظ في القليل الباقي وتترتب الكلمات في الجملة العربيـة وفق ضوابط معينة تتحكم في ترتيبها وحركة عناصرها. وهذه الضوابط تتحكم أو تؤثر في الكلام المتراتب نحوياً ومعنوياً وأول هذه الضوابط هو ضابط المعنى وثانيهما هو ضابط اللفظ.
----------------------------------------------
(1) الفهري - اللسانيات واللغة العربية ، ص 103
(2) ممدوح الرمالي - العربية والوظائف النحوية، ص 220
--------------------------------------------
أَولاً: التقدم (بالسبب المعنوي)
فقـد قال سيبويه: "كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى, وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم"(1 ) فالمهم يتقدم على الأقل أهمية والألفاظ تترتب بحسب ترتبها في النفس, وهذا ما يراه عبدالقاهر الجرجاني حيث يقول "وأما نظمُ الكلم فليس الأمرُ فيه كذلك لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني, وترتبها على حسب ترتب المعاني في النفس فهو إذن نظمٌ يُعتبر فيه حالُ المنظومِ بعضهُ من بعض وليس هو النظمُ الذي معناهُ ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق, مما يوجب اعتبارَ الأجزاء بعضَها من بعض, حتى يكون لوضع كلٍّ حيث وضِع علةٌ تقتضي كونه هناك, وحتى لو وضع في مكانٍ غيره لم يصلح "( 2)
فلا بد إذن من مراعاة مواقع الكلام بعضه من بعض, فقد تصلح الكلمة في موقع ولا تصلح في موقع آخر وذلك بالنظر إلى ائتلافها مع جاراتها من الكلمات في الجملة. ولا بد من أن يكون هناك سبب يقتضي وضع الكلمة في هذا الموقع أو ذاك, ولو وضعت في غير مكانها لم يصلح, فكل كلمة لها الموقع الذي يناسبها.
وقد فسر السهيلي (583هـ) كلام سيبويه قائلاً " وما تقدم من الكلام فتقديمه في اللسان على حسب تقدم المعاني في الجنان والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء: إما بالزمان, وإما
بالطبع, وإما بالرتبة, وإما بالسبب, وإما بالفضل والكمال فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخلد والفكر بأحد هذه الأسباب الخمسة أو بأكثرها سبق اللفظُ الدالُ على ذلك المعنى وكان ترتب الألفاظ بحسب ذلك. نعم وربما كان ترتب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى كقولهم:
----------------------------------------------
( 1 ) سيبويه - الكتاب ، ج1،ص 34
( 2) عبدالقاهر الجرجاني - دلائل الإِعجاز ، ص 49
--------------------------------------------------
ربيعه ومضر. "(1)
أما العلائي (761هـ) فيقول في الفصول المفيدة في الواو المزيدة: "روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على سحيم عبد بني الحسحاس قوله:"كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا"وقال:لو قدمت الإسلام على الشيب. ولم أجد لإنكار عمر رضي الله عنه على سحيم سنداً ولكنه مشهور في كثير من الكتب, وقد أجيب عنه بأن ذلك الإنكار على وجه الأدب في تقديم الأهم في الذكر ،فالنطق الواقع في الزمان الأول متقدم بالطبع على النطق الواقع في الزمان الذي بعده, وهو السر فيما حكاه سيبويه عن العرب أنهم يبدأون بما هو الأهم عندهم وكانت العناية به أشد, فكل ما قُدِّم بالزمان دلَّ على أن المتكلم قصد الاهتمام به أكثر مما بعده, وذلك يقتضي تفضيلاً.فإنكار عمر رضي الله عنه لهذا المعنى"(2 )
----------------------------------------------
( 1 ) السهيلي- نتائج الفكر،ص 268
( 2 ) العلائي - الفصول المفيدة ، ص 93-94
--------------------------------------------------
فالأصل أن يتقدم الإسلام على الشيب بالرتبة والفضل والشرف, ولكن تقدم الشيب بالسبب اللفظي عدولاً.
وبناءً على ما تقدم فالذي يبدو لي أن المباني تترتب بالرتبة (المنزلة) بغض النظر عن سبب التقدم
هذا, وتترتب الجملة العربية في الأصل من المبني عليه إلى المبني بالرتبة من الخاص (القريب) إلى العام (البعيد) والمباني إما أن تتقدم بالزمان وإما بالطبع, وإما بالرتبة, وإما بالسبب وإما بالفضل والكمال, وإما بالخفة والثقل, والعدول من العام إلى الخاص.
وهذا يتوافق وما يقوله ابن القيم كذلك من أن هناك طريقتين معروفتين في الكلام " الترقي من الأخص إلى ما هو أعم منه, إلى العام (البعيد)(أوالأقل أهمية)
(وهو الأصل) والنزول من الأعم (الأهم) إلى الأخص منه إلى الخاص (القريب)(الأقل أهمية)وهذا هو الخروج عن الأصل) (1)
فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية أصلا وعدولا.

ثانياً: التقدم بالسبب اللفظي

"وربما كان ترتيب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى"( 2) ومن الأسباب اللفظية التي تترتب بموجبها الألفاظ: الخفة والثقل, الصدارة, تناسب الفواصل, المشاكلة اللفظية … الخ
وخلاصة الأمر هو أن رتبة المباني (مواقعها أو ترتيبها) تترتب بفعل الرتبة (المنزلة) من الخاص إلى العام أصلاً ومن العام إلى الخاص عدولاً.
وإذا كان النظم عند الجرجاني " أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت"(3 ) وبما أن النظم يعتمد على الرتبة فمعنى ذلك أن النحو العربي يقوم على الرتبة كذلك وأن قانون الرتبة يستحق أن يُسمى " قانون تأليف الجُمل أصلاً وعدولاً. "
-------------------------------------------------
( 1) ابن القيم - بدائع الفوائد ،ج1،ص81.
( 2 ) السهيلي - نتائج الفكر ، ص 268.
( 3) عبد القاهر الجرجاني - دلائل الإعجاز , ص50.
============================

العدول عن أصل ترتيب الجملة العربية

يجيب الجرجاني ذاكراً كلام سيبويه عن التقديم والتأخير وتفسير النحويين له فيقول: واعلم أََنّا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئاً يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، ومعنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعلٍ ما ، أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه ، ( فإذا حدث الفعل ) وأراد مُريد الإخبار بذلك قَدَّم المفعول على الفاعل ،(وبهذا ينصب الفعل على المفعول) لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا شخص الفاعل جدوى وفائدة . فإذا وقع الفعل من شخص ليس من عادته فعل هذا الفعل، وأراد المخبر أن يخبر بذلك فإنه يقدم ذكر الفاعل, (وبهذا ينصب الفعل على الفاعل) ذاك لأن الذي يعنيه ويعني الناس طرافته وندرته ، ومعلوم أنه لم يكن نادراً وبعيداً من حيث كان واقعاً بالذي وقع به, ولكن من حيث كان واقعاً من الذي وقع منه . (1)
وهذا يدل على أن المباني تترتب بالمنزلة والأهمية أصلاً وعدولاً من أجل الهدف المعنوي .ولكن الجرجاني يرفض اقتصار التعليل على العناية والاهتمام ، من دون ذكر مصدر هذه العناية ، وبم كان أهم " (2) وأظنه قد أصاب عندما رفض هذه المفردة العامة والموجزة ،فلا بد من تفسير وتوضيح للعناية والاهتمام وإن كان التقديم لا يقتصر على الهدف المعنوي .
ولذلك ينبغي التفرقة بين الأهمية كأساس وبين الأهمية كهدف نسعى إليه وبين التقديم بالأهمية وللأهمية.
-----------------------------------------------
1-الجرجاني –دلائل الإعجاز-ص ص 108-108
2-المصدر نفسه،ص 108
----------------------------------------------
فعميلة تقديم عنصر لغوي مضبوطة بالمنزلة, من أجل هدف معين, فالأسـاس الذي تتم عملية التقديم والتأخير بناءً عليه هو المنزلة (قـوة العلاقـة المعنويـة ) من أجل هدف قد يكون معنوياً, أو بلاغياً, أو أمناً للبس .... إلخ .
وكما تترتب الجملة في الأصل بناءً على الضابطين المعنـوي واللفـظي ، فهي تترتب بناءً عليهما في العـدول ، ولأهـدافٍ كثيرة ، وتفصيل ذلك كما يلي:-
أ- العدول عن أصل الرتبة بالضابط المعنوي:-
1- للهدف المعنوي:-
ويظهر هذا من خلال الأمثلة التالية:-
فمن ذلك قوله تعالى ( أَئِفكا آلهةً دونَ اللهِ تريدون)(الصافات 86) وهذه الآية تترتب من العام إلى الخاص عدولاً, والأصل فيها أتريدون آلهة دون الله إفكاً " ثم انظر إلى حسن عكس الرتبة بإيراد المفعول لأجله أولاً, ثم المفعول به الموصوف بشبه الجملة, ثم الفعل وفاعله ، فالآية كما تعلم استفهام إنكاري, وما دام معناها الإنكار فإن ترتيب ألفاظها ينبغي أن يكون بحسب الأولوية في استحقاق الإنكار ، وأول الألفاظ بالإنكار لفظ " إفكا" لأن الكفر قد يكون ميراثاً عن الآباء, ولكنه قد يكون انحرافاً عن الحق متعمداً لا ينفع معه الدليل على فساده, فذلك هو الإفك, ثم يلي في الإنكار أن يذهب الإفك عن إشراك آلهة مع الله, فإذا كانت الآلهة دون الله لا معه فهذا أوغل في الشرك ، ويضاعف من سوء ذلك كله أن يكون ذلك بإرادتهم واختيارهم ولو أن سياق الكلام كان على صـورة أخرى مثل " أتريدون آلهة دون الله إفكاً " لانطفأ كل ما في الكلام من حرارة الإنكار, ولبدا الكلام وكأنه سؤال لهم عما يفضلونه من أنواع الشرك " (1) "وقد وجدنا أن المفعول لأجله وهو آخر الأبواب النحوية ترتيباً قد تصدر هذا الشاهد يتلوه المفعول به ونعته ، وذلك لأن أول ما تعلق به الاهتمام هو السببية التي عبر عنها المفعول لأجله ، لأن الكفر عن ضلال قد ترجى له الهداية, أما الكفر عن إفك فذلك انحراف مع تدبير وكيد وإصرار " (2).
ومن الملاحظ أن الإنسان ينصب المفاعيل قبل ذكر الفعل ،فهو يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب مع علامات أمن اللبس.
فالأصل تقدم الفعل فالفاعل فالمفعول فالصفة فالمفعول لأجله بالأهمية ، ولكن عُدِل عن الأصل وتقدم المفعول لأجل بالمنزلة لِيَلي همزة الاستفهام الإنكاري لأن الاهتمام قد تعلق به ، ثم تبعه المفعول به في شدة الاستنكار ثم وصف المفعول …. والمباني مترتبة بالمنزلة من العام إلى الخاص ، وقد تمت إعادة توزيع الرتبة من أجل الهدف المعنوي ومعنى المعنى ، يقـول الجرجاني : " ومن الصفات التي تجدهم يجرونها في اللفظ ثم لا تعترض شبهة ولا يكون منك توقف ، في أنها ليست له ولكن لمعناه قولهم : لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناهُ لفظه ولفظه معناه ، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناهُ إلى قلبك " وقولهم : يدخل في الأذن بلا إذن ، فهذا مما لا يشكُّ العاقل في أنـه يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى, وأنه لا يُتصور أن يراد به دلالة اللفظ على معناهُ الذي وضع له في اللغة
----------------------------------------------------
1-تمام حسان –البيان في روائع القراّن،ص 95
2-المصدر نفسه،ص 95
--------------------------------------------------
ويلاحظ التناغم الدلالي بين المباني بحفظ رتبة الموصوف وصفته في الأصل والعدول

2-للهدف البلاغي:-


وقد يعُدل عن الأصل من أجل الهدف البلاغي " وإنه يبدو أن التقديم والتأخير وفوائده هو أوضح ما جذب انتباه البلاغيين من الأساليب العدولية إذ جعلوا ذلك مبحثاً خاصاً من مباحث علمهم ، وربطوا بين التقديم والاهتمام بالمتقدم حتى لقد قاربوا في المعنى بين التقديم والقصر في الأكثر الأعم من الحالات " (1) ويظهر العدول عن الأصل من أجل الغرض البلاغي في الأمثلة التالية :
ومن ذلك قوله تعالى : ( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) (فاطر 28) والأصل تقدم الفاعل على المفعول بالمنزلة ولكن تقدم المفعول بالرتبة من أجل الغرض البلاغي وهو الحصر وقد تقدمت إنما بالصدارة ثم تبعها الفعل بالرتبة لأنها دخـلت لمعنى فيه وهو قصر الخشية على العلماء ، ثم تقدم لفظ الجلالة ، فصارت الآية تترتب من العام إلى الخاص ، وإعادة توزيع الرتبـة جـاءت من أجل الغرض البلاغي وللاتصال المعنوي من
---------------------------------------------------
1-تمام حسان –البيان في روائع القراّن ،ص 387
------------------------------------------------------
العام إلى الخاص والمباني متقدمة بالرتبة من أجل قصر خشيـة الله على العلمـاء، والعـدول هنا واجب وذلك" لأنه لا يُعَرف متعلق الحصر إلاّ بتأخيره"(1)

3):-) أمن اللبس
وقد يعُدل عن الأصل من أجل أمن اللبس لأن " اللغة العربية – وكل لغة أخرى في الوجود تنظر إلى أمن اللبس باعتباره غاية لا يمكن التفريط فيها،لأن اللغة الملبسة لا تصلح واسطة للإفهام والفهم "(2) وقد يطرأ على الرتبة غير المحفوظة من دواعي أمن اللبس ما يدعـو إلى حفظها،كما في ضرب موسى عيسى،وأخي صديقي وقد يطرأ عليها من ذلك ما يحتم عكسها كالذي نراه من لزوم تقـديم الخبر على المبتدأ أحياناً وفي ذلك يقول ابن مالك :
ونحو عندي درهمٌ ولي وطرْ ملتزم فيه تقديم الخبر
كـذا إذا عـاد عليه مضمرُ مما به عنه مبيناً يخبر
وقال أيضاَ:وإن بشكل خيف لبس يجتنب ويمكن أن يظهر العدول عن الأصل من أجل أمن اللبس في الأمثلة التالية:-
ومـن العـدول عن الأصل من أجل أمن اللبس قولـه تعالى : (يؤتى الحكمة من يشاء ) إذ المعـروف في أخوات أعطـى أن الآخـذ هو المفعول الأول وأن المأخـوذ هو المفعـول الثاني ، وبهذا يكون
----------------------------------------------
1- ابن مالك ،شرح التسهيل،ج2،ص 66
2- تمام حسان-اللغة العربة معناها ومبناها،ص233
---------------------------------------------
الأصل في التركيب " يؤتى من يشاء الحكمة " ولكن هـذا التركيب ملبس لصلاح الحكمة أن تكون مفعول " يشـاء " لا مفعول " يؤتي " فعكست الرتبة لأمن اللبس (1) ولذلك تقدم العام على الخـاص بالمنزلـة،
والملاحـظ أن النحـاة كانوا يلمحون (الاحتياج المعنوي ومنزلة المعنى) بين طرفي الجملة كما كانوا يلمحونه أيضاً بين المعاني النحوية في داخل الجملة الواحدة، وهذا هو المعنى الذي نلاحظه في إعراب جملة مثل " يؤتي الحكمة من يشاء " حين نعرب " مَن " مفعولاً أولاً على رغم تأخرها والحكمة مفعولاً ثانياً على رغم تقدمها ويكون ذلك بإدراك ما بينهما من (علاقة الاحتياج المعنوي) إذا نقول إن " من " هي الآخذ " والحكمة " هي المأخوذ . والخلاصة أن مراعاة الآخذية والمأخوذية هنا هي الاعتبار الذي تم إعراب المفعولين طبقاً له " (2) ومراعاة معنى الآخذية والمأخوذية ما هي إلاّ المنزلة. ومثل الآية السابقة قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء )( البقرة 247) فقد تعلقت"ملكه"بيؤتي عدولاً عن الأصل من أجل أمن اللبس، لأن كونها مفعولاً ليؤتي أقرب من كونها مفعولاً ليشاء
فالكلام يترتب بالمنزلة والمكانة أصلا وعدولا،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
-------------------------------------------
1-تمام حسان-البيان في روائع القراّن،ص 288
2-المصدر نفسه،ص 194

عزام محمد ذيب الشريدة 27-04-2014 01:46 PM

أصل ترتيب الجملة العربية
 
أصل ترتيب الجملة العربية

أولا:أصل ترتيب الجملة الفعلية: -
استقر تقسيم الجملة العربية عند جمهور النحاة إلى قسمين: الجملة الفعلية والجملة الاسمية, أما أصل ترتيب الجملة الفعلية فهو كما قال السيرافي: قال سيبويه: فإذا بنيت الاسم على الفعل قلت ضربتُ زيداً وهو الحد, كما كان الحد ضرب زيدٌ عمراً, يعني تأخير المفعول هو الأصل والوجه, ويعني أن الحد تأخير زيد مع الفاعل المكني وهو التاء, كما كان الحد تأخير المفعول مع الفاعل الظاهر"( 3) فأصل ترتيب الجملة الفعلية هو أن يتقدم الفعل المبني عليه يليه الفاعل ثم المفعول, بغض النظر عما إذا كان الفاعل ظاهراً أو مضمراً.
وقد قال ابن مالك:
"والأصلُ في الفاعلِ أن يتَّصلا والأصلُ في المفعول أن يَنْفَصِلا
وقــد يجـاءُ بخـــلافِ الأصـل وقد يجيءُ المفعولُ قبلَ الفِعْلِ"( 4)
---------------------------------------------
1- السيرافي - شرح كتاب سيبويه ، المخطوط، ج1،ص 190 .
2- ابن الناظم - شرح ابن الناظم على على ألفية ابن مالك ، ص 164.
----------------------------------------------------
كما أن الرضي يرتب الضمائر المتصلة بالفعل من المتكلم إلى المخاطب إلى الغائب فيقول: وضع المتكلم أولاً ثم المخاطب ثم الغائب"(1 ) أما ابن عقيل فيقول: ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب"(2 ) .
فهذه الضمائر تترتب برتبة المعنى, والأقرب يتقدم على الأبعد, " فإذا جئت بالمتصل بعد الفعل فحق هذا الباب أن تبدأ بالأقرب قبل الأبعد وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب والمخاطب قبل الغائب"( 3) كما قالت امرأةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني نسجتُ هذه بيدي لأكسُوَكهَا( 4). فالفعل أقرب إلى فاعله من المفعول به وأقرب من النفس منه إلى الغير, والفعل أخص بفاعله من المفعول, وهكذا تترتب الكلمات من الأخص إلى غير الأخص وذلك لأن الفعل صادر من الفاعل, فهناك علاقة معنوية وثيقة بين الفعل والفاعل وهي أشد من العلاقة بين الفعل والمفعول.
وتعليل هذا الترتيب " أنك تريد أن تعمل الفعل وتجعله صدر الكلام في النيّة وتعمله في الاسم وتحمل الاسم عليه"( 5) فعلة تقدم الفعل أنه متقدم في النفس, أو تقدم معناه في النفس, ولذلك تقدم الفعل في اللفظ وهذا الفعل العامل بحاجة إلى معمول يعمل فيه وهو الفاعل الذي صدر عنه الفعل, ثم بعد ذلك تُوصِل الفعل إلى المفعول الذي وقع الفعل عليه،وقد اتصل الفعل بفاعله لأن الفعل لا بُدَّ له من فاعل ولكنه قد يستغني عن المفعول, فحاجة الفعل إلى فاعله أشد من حاجته إلى المفعول.
وبعد فالذي يبدو لي أن اللغة وجدت من أجل التفاهم والإفادة, والعربي يقدم في كلامه ما هو أهم, ومن هنا تقدم الفاعل على المفعول, لأن كثافة المعلومات التي يحملها الفاعل أهم مما يحمله المفعول, فاهتمام المتكلم والمخاطب بالفاعل أشد من اهتمامهما بالمفعول, لأن الفاعل يقدم لهما أكبر كمية من المعلومات المفيدة, ولذلك قال النحاة: إن الفاعل متى ما حذف تقدم المفعول, فهو يأتي في المرتبة الثانية بعد الفاعل في سد حاجة المخاطب من
----------------------------------------------------
1- الرضي - شرح الكافية ، ج2،ص 412.
2-ابن عقيل - شرح ابن عقيل ، ج1، ص 103.
3- ابن السراج - الأصول في النحو ، ج 2،ص 120.
4- خديجة الحديثي-موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث، ص249.
5- السيرافي - شرح كتاب سيبويه ، المخطوط ، ص 191
----------------------------------------------------
المعرفة, " وربما كان هذا الترابط بين الفعل والفاعل هو الذي دفع النحاة إلى القول بأنه لا بد لكل فعل من فاعل مذكور أو مقدر وهو الذي يدفع المحلل أو المعرب لأن يبحث عن فاعل لمجرد ذكر كلمة (فعل), لأن الفعل يدل على الفاعل وبحاجة دائماً إلى فاعل .
"فليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض"( 1) . " فلا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك"( 2). وتتم عملية التعليق بناءً على المنزلة,والاحتياج المعنوي "
----------------------------------------------------
1- عبد القاهر الجرجاني - دلائل الاعجاز ، ص 87 ، 55.
2- عبد القاهر الجرجاني - دلائل الاعجاز، ص 55.
----------------------------------------------------
ثانيا:أصل ترتيب الجملة الاسمية: -
يقول السيرافي"قال سيبويه: فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيدٌ ضربته فلزمته الهاء, يعني أنك إذا جعلت زيداً هو الأول في الرتبة, فلا بد من أن ترفعه بالابتداء, فإذا رفعته بالابتداء فلا بد من أن يكون في الجملة التي بعده ضمير يعود إليه وتكون هذه الجملة مبينة على المبتدأ كأنك قلت زيد مضروب"(1 ).
ويتابع السيرافي كلامه مستخدماً أدوات العطف التي تدل على الترتيب وتفيد كيفية حدوث الجملة الاسمية خطوة خطوة " قال: فإنما قلت عبدالله فنبهته له ثم بنيت عليه فرفعته بالابتداء, يعني ابتدأت بعبد الله فنبهت المخاطب له فانتظر الخبر فأخبرت بالجملة التي بعده " (2).
"وهذا الذي قد ذكرتُ من أن تقديم ذكر المحدَّث عنه يفيد التنبيه له, قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول إذا قُدِّمَ فَرُفع بالابتداء وبني الفعل الناصبُ لَهُ عليه, وعُدِّي إلى ضميره فشُغِلَ به كقولنا في " ضربتُ عبدالله ":
" عبدُ الله ضربُتهُ", فقال: وإنما قلت: عبدُ الله, فنبهتَهُ له ثم بنيت عليه الفعل, ورفعته بالابتداء(3)
---------------------------------------------------
1- السيرافي - شرح كتاب سيبويه ، ج1،ص191 .
(2) السيرافي - شرح كتاب سيبويه ،ج1،ص191 .
(3) عبد القاهر الجرجاني - دلائل الإعجاز ، ص 131
---------------------------------------------------
ثالثا:الجملة الشرطية: -
" وزاد الزمخشري وغيره الجملة الشرطية, وذلك نحو: بكرٌ إن تعطه يشكرْك " وهي عند الجمهور فعلية, وذلك لأن الجمل الشرطية تكون إما مصدرة بحرف شرط أو اسم شرط،واسم الشرط فضلة أو عمدة "(2) . وفي رأيي أن جملة الشرط فيها خروج عن
---------------------------------------------------
(1) ابن هشام ، أوضح المسالك ، ج 2، ص 85.
(2) ابن يعيش – شرح المفصل ، ج1 ، ص 88 ، وكذلك فاضل السامرائي - الجملة العربية ، ص160.
----------------------------------------------------
الأصل بالصدارة (1) وكون الجملة اسمية أو فعلية يعتمد على ما إذا كان اسم الشرط طالباً أو مطلوباً, فجملة مثل " أينما تذهبْ أذهبْ " جملة تترتب من العام إلى الخاص والأصل فيها أذهبُ أينما تذهبُ " ولكن تقديم أينما بالصدارة أَدى إلى تقديم ما يرتبط بها معنوياً فصارت الجملة هكذا: أينما تذهبْ أذهبْ.
فهذه الجملة فعلية ومثلها " متى تسافرْ أسافرْ " وأصلها: أسافرُ متى تسافرُ. " وهذه كلها فضلات وهي مقدمة من تأخير مثل قولنا محمداً أكرمتُ " و(غداً أسافرُ) و(بينكما أجلس) فكما أنه لا عبرة بالفضلات المتقدمة هنا وأن العبرة بصدر الجملة فكذلك الأمر في الشرط فهذه كلها جملٌ فعلية"(2 وذلك لأن المبني عليه ما زال محتاجاً إلى الأسماء المتقدمة. " ثم ما الفرق بينها وبين أسماء الاستفهام ؟ فلماذا يكون قولك (أيَّ رجل تكرم ؟) جملة فعلية باعتبار أي مفعولاً به مقدماً ولا يكون (أيَّ رجل تكرمْ أكرمْ) جملة فعلية أيضاً مع أن إعراب (أي) في الحالتين واحد؟(3)
أما إذا كان اسم الشرط طالباً وليس مطلوباً فالجملة عندها: اسمية, وهي كذلك ناتجة عن تدوير الرتبة, فجملة مثل " مَنْ يأْتِني أكرِمْهُ " أصلها: أكرمُ من يأتيني, ولكن تقدمت من بالصدارة وتبعها ما يرتبط بها فصارت مَن يأتني أُكرمْهُ وهي جملة اسمية لأن (من) مبتدأ وما بعدها هو الخبر " ثم إن هناك جملاًشبيهة بالشرطية نحو"الذي يأتيني فله الفضل" و "كل رجل يعنيني فأنا أَعنيه " وغيرها فهل تكون هذه الجمل جملاً خاصة أيضاً فلا تكون اسمية ولا فعلية ؟ (4)
أما المبدوءة بحرف الشرط فهي في نحو (إن زرتني أكرمتك), جمل فعلية وفي نحو (لولا زيدٌ لغرق خالدٌ) اسمية جرياً على القاعدة العامة"( لأنه لا عبرة بالحرف على حد ما يقوله النحاة, ولكن لماذا لا تكون هذه الجمل خروجاً عن الأصل بالصدارة وكون الجملة اسمية أو فعلية يعتمد على ما إذا كان اسم الشرط طالباً أو مطلوباً, فجملة مثل " أينما تذهبْ أذهبْ " جملة تترتب من العام إلى الخاص والأصل فيها أذهبُ أينما تذهبُ "
ولكن تقديم أينما بالصدارة أَدى إلى تقديم ما يرتبط بها معنوياً فصارت الجملة هكذا: أينما تذهبْ أذهبْ.
فهذه الجملة فعلية ومثلها " متى تسافرْ أسافرْ " وأصلها: أسافرُ متى تسافرُ. " وهذه كلها فضلات وهي مقدمة من تأخير مثل قولنا محمداً أكرمتُ " و(غداً أسافرُ) و(بينكما أجلس) فكما أنه لا عبرة بالفضلات المتقدمة هنا وأن العبرة بصدر الجملة فكذلك الأمر في الشرط فهذه كلها جملٌ فعلية، وذلك لأن المبني عليه ما زال محتاجاً إلى الأسماء المتقدمة. " ثم ما الفرق بينها وبين أسماء الاستفهام ؟ فلماذا يكون قولك (أيَّ رجل تكرم ؟) جملة فعلية باعتبار أي مفعولاً به مقدماً ولا يكون (أيَّ رجل تكرمْ أكرمْ) جملة فعلية أيضاً مع أن إعراب (أي) في الحالتين واحد؟
أما إذا كان اسم الشرط طالباً وليس مطلوباً فالجملة عندها: اسمية, وهي كذلك ناتجة عن تدوير الرتبة, فجملة مثل " مَنْ يأْتِني أكرِمْهُ " أصلها: أكرمُ من يأتيني, ولكن تقدمت من بالصدارة وتبعها ما يرتبط بها فصارت مَن يأتني أُكرمْهُ وهي جملة اسمية لأن (من) مبتدأ وما بعدها هو الخبر " ثم إن هناك جملاًشبيهة بالشرطية نحو"الذي يأتيني فله الفضل" و "كل رجل يعنيني فأنا أَعنيه " وغيرها فهل تكون هذه الجمل جملاً خاصة أيضاً فلا تكون اسمية ولا فعلية ؟
---------------------------------------------------

(1) فاضل السامرائي - الجملة العربية ،ص 161.
(2) المصدر نفسه ،ص 161
(3) المصدر نفسه ، ص 161
(4) المصدر نفسه ، ص 161
---------------------------------------------------
ومن الأدلة على أن أصل الجملة الشرطية جملةٌ فعلية " قول الشاعر النمر بن تولب (1 ):-
فإنَّ المنيَّةَ مَنْ يخشَها فسوفَ تُصادِفُهُ أَينما
يريد: أينما ذهب, وأينما كان"( 2) أي تصادفهُ المنيةُ أينما ذهب ويمكن تحويلها إلى جملة شرطية فنقول:
أينما ذهب تصادفْهُ المنية, فصارت جملة شرطية, وكذلك مَنْ يخش المنيةَ تصادفْه, اسمية أصلها تصادف المنيةُ مَنْ يخشاها, فعلية وتتحول (مَن) إلى مبني عليه لأنها ليست مطلوبة لما بعدها. فتتحول من (مبني) إلى (مبني عليه) وتصبح طالبة بعد أن كانت مطلوبة, فبعد أن كانت مفعولاً به صارت مبتدأ والمباني تترتب بعدها من الخاص إلى العام.
بينما لا تتحول أينما إلى (مبني عليه) بل تبقى مبنية لأنها ما زالت مطلوبة للفعل بَعدها " وعلى هذا نحن نقول:
إن دَرَست فأنت ناجحٌ, أنت إن درستَ ناجحٌ, أنت ناجحٌ إن درستَ.
فالجملة الأولى مبنية على الشرط ابتداءً, والثانية مبنية على اليقين, والشرط معترض, (أو مبنية على اليقين المشروط) والثالثة مبنية على اليقين, حتى إذا مضى الكلام على اليقين أدركك الشرط فاستأنفته في الكلام, فالنجاح في الجملة الأخيرة آكد, لأن الإخبار مضى على اليقين أما الشرط فمتأخر, ثم الثانية لأن الشرط اعترض الخبر, ثم الأولى, لأن ا لكلام فيها مبني على الشرط ابتداءً"( 3).
رابعا:الجملة الظرفية: -
كما زاد ابن هشام الجملة الظرفية وهي المصدرة بظرف أو بجار ومجرور نحو(أعندك زيدٌ)و"في الدار زيدٌ", إذا قدرت (زيداً) فاعلاً بالظرف والجار والمجرور لا
----------------------------------------------------
( 1) إميل بديع يعقوب – المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ،ج2 ، ص 835
( 2) الزجاجي - الجمل في النحو ، ص 274.
( 3) فاضل السامرائي - معاني النحو، ج4،ص 122.
------------------------------------------------
بالاستقرار المحذوف ولا مبتدأ مخبراً عنه بهما"( 1) وفي رأيي أن جملة كهذه هي عدول عن الأصل بالرتبة وهي تترتب من العام إلى الخاص هكذا
أعندك مستقرٌ زيدٌ
عام2 عام1 (مبني عليه)
والأصل أَزيد مستقرٌ عندك
وقد انتقل الظرف بالمنزلة ليتصل بهمزة الاستفهام ويتبعه ما هو أخص منه وهو الخبر المحذوف لدلالة الظرف عليه.
وكذلك في الدار جالس زيدٌ
عام2 عام1 مبني عليه (خاص)
والأصل فيها زيدٌ جالسٌ في الدار
مبتدأ (خاص) خبر ظرف
(مبني عليه) عام1 عام2
"والقول بالجملة الظرفية فيه نظر فيما يبدو لي, فإنه على ما ذهب إليه صاحب المغني, وهوأن الاسم المرفوع فاعلٌ بالظرف أو بالجار والمجرور في نحو (أعندك زيدٌ ؟) ويبدو لي أن هذا القول فيه نظر ذلك أن"زيداً"مبتدأ مؤخر لا فاعل بدليل أنه يصح أن تدخل عليه النواسخ فنقول: (أإن عندك زيداً ؟) ولو كان فاعلاً لم يصح دخول (إن) عليه ولا انتصابه.
وتقول: (أظننت عندك زيداً ؟) ولو كان فاعلاً لم ينتصب, وتقول: أكان عندك زيدٌ ؟) فزيد اسم كان لا فاعل, وإذا كان فاعلاً فأين اسم كان؟ وتقول: (أعندك كان زيدٌ؟) و(أعندي ظننتَ زيداً؟) فتدخل كان وظن عليه مباشرة, ومعلوم أنه لا يصح إدخالهما على الفاعل فبطل هذا القول "( 2).
---------------------------------------------------
( 1 ) ابن هشام – المغني, ص376.
( 2 ) فاضل السامرائي –الجملة العربية،ص 160.
---------------------------------------------------
خامسا:الجملة الوصفية: -
كما أضاف تمام حسان(1 ) ومحمود نحلة( 2) الجملة الوصفية, وهي التي يكون فيها المبني عليه وصفاً, وفي رأيي أن الوصف يعمل عمل الفعل, وإن كان الوصف يدل على حدث وموصوف فيما الفعل يدل على حدث وزمن( 3), فالفرق بينهما فرق في المعنى وليس في العمل والوظيفة.

---------------------------------------------------

( 1 ) تمام حسان - اللغة العربية معناها ومبناها،ص98 .
( 2 ) محمود نحلة - نظام الجملة، ص 106.
( 3 ) تمام حسان - اللغة العربية معناها ومبناها،ص98 وما بعدها .

عزام محمد ذيب الشريدة 27-04-2014 05:51 PM

الأهمية المعنوية ودورها
 
الأهمية المعنوية في الرتبة البلاغية
المقصود بالرتبة البلاغية :هي الرتبة أو الترتيب الذي يكون بين المتعاطفات،لأن الكلام يترتب بحسب الزمن أو الطبع أو الأهمية أو السبب أو الفضل والشرف،ولكن مهما كان سبب التقديم فإن الكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل كما في الأمثلة التالية:-
1- قال تعالى:وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي"واستواؤها كان بعد غيض الماء،وهذا من التقدم بالزمن لأن الأمرين لم يحدثا معا،ولا يمكن تقديم أحدهما على الاّخر
2- وقال تعالى"الملك القدوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر"ثم قال تعالى"الخالق البارئ المصور"(الحشر 23-24)تقدمت الصفات الأولى لأنها صفات أزلية أبدية وافقت الذات الإلهية في القدم ،وهي أخص من الصفات الثانيةلأنها تتعلق بالذات ،أما الصفات الثانية فلها تعلق بغير الله.
3- وقال تعالى:أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم"تقدمت الأنعام على الأنفس لأنه سبق الزرع وبحياة الأنعام حياة للبشر،فتقدمت الأنعام بالسبب.
4- وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:اثبت أُحُد فإن عليك نبي وصديّق وشهيدان"وذلك عندما صعد أُحُدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان-رضي الله عنهم -،فتقدم النبي على الصديق على الشهيد بالفضل والشرف،وبهذا يترتب الكلام بحسب الأهمية المعنوية.
5- من التقدم بالطبع (العادة والمتعارف عليه بين الناس)تقديم الغفور على الرحيم،فهو أولى بالطبع ،لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة،والسلامة تطلب قبل الغنيمة،وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال لعمرو بن العاص :أبعثك وجها يسلمك الله فيك ويغنمك،وأرغب لك رغبة من المال "فهذا من الترتيب البديع،بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب،ولم يتقدم الرحيم على الغفور إلا في موقع واحد من القراّن الكريم وهو أول سورة سبأ،لأن الاّية تترتب من العام إلى الخاص،عدولا عن الأصل ،ولهذا تقدم الرحيم ليتناسب معنويا مع ما قبله ،حيث قال تعالى"الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الاّخرةوهو الحكيم الخبير*يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيهاوهو الرحيم الغفور،وقدم الغفور في هذا الموضع بسبب تقدم صفة العلم،فحسن ذكر الرحيم بعده،ثم ختم الاّية بذكر صفة المغفرة،لتضمنها دفع الشر وتضمن ما قبلها جلب الخير،ولما كان دفع الشر مقدما على جلب الخير تقدم اسم الغفور على الرحيم حيث وقع،ولما كان في هذا الموضع تعارض يقتضي تقديم اسمه الرحيم لأجل ما قبله،قدم على الغفور.فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل
6- وقال تعالى"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"والفصال بعد الحمل
وقال تعالى:"إذا زلزلت الأرض زلزالها *وأخرجت الأرض أثقالها"وإخراج الأثقال بعد الزلزلة،ولكن قال تعالى"هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملا "والأصل أن يتقدم خلق الحياة على الموت ، من الخاص إلى العام،ولكن عدل عن الأصل وتقدم العام على الخاص من أجل أن يتصل الخاص (الحياة) مع ما بعده،وهو قوله تعالى"ليبلوكم أيكم أحسن عملا " لأن العمل والاختبار يكون في الدنيا وفي الحياة،فالكلام يترتب بحسب الحاجة المعنوية.
7-وقال تعالى:الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحهاإلا زان أو مشرك"حرف العطف(أو) يفيد التخيير ،وتقديم ما بعده على ما قبله لا يغير شيئا ،فنحن نقول:خذ كتابا أو قصة ،أو خذ قصة أو كتابا ويستطيع المأمور أن يأخذ أيهما شاء ،ونستطيع التقديم والتأخير بين المأخوذين،ولكن الله سبحانه وتعالىقدم الزانية على المشركةلأنها مسبوقة بالزاني،وقدم الزاني على المشرك لأنه مسبوق بالزانية،وهذا بسبب الاحتياج المعنوي بين الكلمات.
8- وقال تعالى"صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"*صدق الله العظيم
"تقديم المغضوب عليهم على الضالين لوجوه عديدة،أحدها:أنهم متقدمون عليهم بالزمان،والثاني:أنهم كانوا هم الذين يلون النبي -صلى الله عليه وسلم-من أهل الكتابين،فإنهم كانوا جيرانه في المدينه،والنصارى كانت ديارهم بعيدة نائية عنه،ولهذا تجد خطاب اليهود والكلام معهم في القراّن أكثر من خطاب النصارى،الثالث:أن اليهود أغلظ كفرا من النصارى،ولهذا كان الغضب أخص بهم واللعنة والعقوبة،فإن كفرهم عن عناد وبغي ،فالتحذير من سبيلهم والبعد منها أحق وأهم بالتقديم، وليست عقوبة من جهل كعقوبة من علم وعاند،والرابع وهو أحسنها:أنه تقدم ذِكرُالمنعم عليهم ،والغضب ضد الإنعام،والسورة هي السبع المثاني التي يُذكَر فيها الشيء ومقابله،فذِكرُ المغضوب عليهم مع المنعم عليهم فيه من الازدواج والمقابلة ما ليس في تقديم الضالين.
9- وقال تعالى:"وسخرنا مع داودالجبال يسبحن والطير"فإن قلت:لِم قدمت الجبال على الطير؟ قلت:تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة الإلهية،وأدخل في الإعجاز،لأنها جماد والطير حيوان إلا أنه غيرناطق" فالكلام هنا مبني على التسخير والقدرة الإلهية،ولهذا تقدم ما هو أهم في الدلالة على القدرة الإلهية.
10- وقال تعالى:"يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم"قدم الجباه ثم الجنوب لأن مانع الصدقة في الدنيا كان يصرف وجهه أولا عن السائل ثم ينوء بجانبه ثم يتولى بظهره ،ولهذا تقدمت الجباه لترتبط مع الفعل أولا.
11-وقال تعالى:مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين"قدم الصديق لكونه تابعاللنبي،فإنما استحق اسم الصديق بكمال تصديقه للنبي،فهو تابع محض،وتأمل تقديم الصديقين على الشهداء لفضل الصديقين عليهم وتقديم الشهداء على الصالحين لفضلهم عليهم.
فالكلام يترتب بحسب الحاجة والأهمية المعنوية عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل ،والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك،واللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس أو علامات المنزلة والمكانة المانعة من اللبس.

عزام محمد ذيب الشريدة 27-04-2014 10:11 PM

العدول عن أصل الرتبة المعنوية
 
العدول عن أصل الرتبة المعنوية
يتحدث الإنسان تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا في الأصل وفي العدول عن الأصل،كما نرى في الأمثلة التالية ،حيث يتم العدول عن أصل الرتبة البلاغية :
أ- بالضابط المعنوي
1-تقديم وقت الراحة على وقت السرح
قال تعالى"ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون"
قوله تعالى"ولكم فيها جمال" يترتب من العام إلى الخاص من أجل أن تتصل كلمة "جمال" بما يرتبط بها معنويا وهو قوله تعالى "حين تريحون "وذلك لأن الجمال وقت الراحة أوضح وأظهر منه وقت السرح ،كما تم تقديم وقت الراحة على وقت االسرح عدولا عن الأصل من أجل هذه الغاية ،وهو الاحتياج المعنوي ، وترتبت ألفاظ الآية الكريمة بحسب قوة العلاقة المعنوية ،فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات المنزلة والمكانة المانعة للبس.
2-تقديم الشكر على الإيمان
قال تعالى" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم .......(النساء 147)الأصل أن يكون الإيمان قبل الشكر،لأن الخاص قبل العام ،ولكن قوله تعالى"إن شكرتم وآمنتم"يترتب من العام إلى الخاص ، عدولا عن الأصل بسبب الأهمية المعنوية ،أو الاحتياج المعنوي ، لأن قبله استفهام تعجبي ، والمعنى:كيف يعذبكم الله خاصة إذا شكرتم بعد إيمانكم ،فالعذاب مستبعد لأنكم زدتم الشكر على الإيمان ، ولو أنكم آمنتم ولم تشكروا فقد يقع العذاب عليكم ،أما مع الشكر فلا،لأن الإيمان هو:ما وقر في القلب وصدَّقه العمل،والاحتياج المعنوي واضح بين أجزاء التركيب ،والكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل.
ب- بالضابط اللفظي
1- قال تعالى"آمنا برب هارون وموسى " بتقديم هارون مع أن موسى أحق بالتقديم معنويا وبالفضل والشرف ،ولكن تم العدول عن الأصل وتم تقديم هارون بالضابط اللفظي من أجل تناسب الفواصل.
2- قال تعالى:"ثم دنا فتدلى" والتدلِّي متقدم على الدنو بالزمن والطبع والسبب ،ولكن تمت إعادة توزيع الرتبة بالضابط اللفظي لتناسب الفواصل .
3- وقال تعالى"وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما*ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما *،قدم الظلم على الهضم بالضابط اللفظي من أجل التنويع في الفاصلة ،عدولا عن الأصل ،لأن الظلم منع للحق من أصله والهضم منع له من وجه كالتطفيف فكان يناسبه تقديم الهضم ،ولكن تمت إعادة توزيع الرتبة بالضابط اللفظي ليترتب الكلام من العام إلى الخاص.
4- وقال تعالى :فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " الأولى متقدمة على الآخرة بالزمن والطبع والسبب ،ولكن عدل عن ذلك بالضابط اللفظي وهو تساوي الفواصل.
5- وقال سحيم عبد بني الحسحاس:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا//كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال له سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك لأنه الأهم في الذكر ،ولكن الشاعر عدل عن ذلك بالضابط اللفظي من أجل الوزن .

عزام محمد ذيب الشريدة 28-04-2014 01:33 PM

الأهمية المعنوية في القرآن الكريم
 
الأهمية المعنوية في القرآن الكريم
القرآن الكريم كله يقوم على الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي لا على النحو الفلسفي "فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بنحو عربي متين" (1)وهذه المشاركة تدل على ذلك.
توبة الله على النبي والمهاجرين والأنصار
قال تعالى :"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم*صدق الله العظيم.
في هذه الاّية عدة أمور يمكن مناقشتها:-
أولها: قوله تعالى"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار" يترتب من الخاص إلى العام بالأهمية المعنوية والفضل والشرف،حيث بدأ بالنبي الكريم ثم بالمهاجرين ثم بالأنصار،وما يؤيد تقديم المهاجرين على الأنصار بالأهمية المعنوية والفضل والشرف قوله تعالى" والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار" وبهذه الآية الكريمة احتج الصدِّيق - رضي الله عنه - يوم السقيفة، وقوله - صلى الله عليه وسلم-"لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار.
2- ثانيها:قوله تعالى"من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم "يتعارض مع القاعدة النحوية التي تنص على التالي: إذا تأخر الاسم الظاهر (اسم كاد) عن أن والفعل المضارع فإنَّ كاد تكون فعلا تاما،كقوله تعالى" من بعد ما كاد يزيغُ قلوبُ فريق منهم"،والأصل فيه"من بعد ما كاد قلوبُ فريق منهم يزيغُ"،وفي هذه الحالة يكون فاعل( كاد ) المصدر المؤول من أن والفعل المضارع ،إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على هذه الاّية من ناحيتين:
1- لا يوجد فاعل للفعل كاد ،حيث لا يوجد مصدر مؤول.
2- دخول الفعل على الفعل،والقاعدة تقول:لا يدخل فعل على فعل.
وهذا يعني أن المعنى أهم من القاعدة ،لأن الاّية القراّنية قدمت الفعل (يزيغ)بسبب الحاجة وقوة العلاقة المعنوية مع الفعل (كاد) للدلالة على قرب وقوع الزيغ،ومما يؤيد تقديم الفعل "يزيغ" للهدف المعنوي هو تجرد الفعل( يزيغ) من( أن)لأن دلالتها مستقبلية بعيدة ،وهذا يتنافى مع المعنى الذي تريده الاّية وهو معنى القرب الشديد للزيغ،مما أدى إلى حذف" أن" من أجل أن يتصل الفعل مع الفعل ،لإفادة هذا المعنى.كما أن بقاء الفعل (يزيغ) متأخرا يثير اللبس ،لاحظ كيف تؤول الجملة مع التأخير"من بعد ما كاد قلوب فريق منهم يزيغ) مما يعني أن الفريق هو الذي يزيغ وليست القلوب، كما أن التعبير يصبح قلقا وغير متاّلف،مما أدى إلى العدول عن الأصل للهدف المعنوي وأمن اللبس .
ثالثها: في قوله تعالى في نهاية الاّية"إنه بهم رؤوف رحيم" احتياج معنوي بين الفاصلة القراّنية ومحتوى الآية الذي يتحدث عن الرضا والتوبة .
وهذا كله يدل على أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،وأن الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ، ولا يتحدث تحت رعاية القواعد الفلسفية،ومن أراد المزيد فعليه بكتاب:دراسات لأسلوب القرآن الكريم للدكتور:محمد عبد الخالق عضيمة ،فسيرى العجب العجاب ،لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بنحو عربي متين.
===================================
(1) د.تمام حسان -البيان في روائع القرآن ص 283

عزام محمد ذيب الشريدة 28-04-2014 06:54 PM

الأهمية المعنوية في حديث الأنبياء عليهم السلام
 
الأهمية المعنوية في حديث الأنبياء عليهم السلام
(1)
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب لكونه من قريش التي اختارت أبلغ وأفصح كلام العرب واتخذته لغة لها ،ولكونه تربى في جوف البادية عند بني سعد ،ولهذا ابتعد عن الخطأ في الكلام ،فنبينا الأمي -عليه الصلاة والسلام - لم يتلق ثقافة نحوية ،ولم يقرأ الكتاب أو الأصول أو الألفية ، بل سمع كلام العرب وشعرهم ونثرهم وحكمتهم وأمثالهم ..... فصار أفصح الناس ، والحديث النبوي الشريف يشهد على ذلك،والحديث النبوي الشريف يقوم على الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ، يقول - صلى الله عليه وسلم:"خيرُكم من تعلم القرآنَ وعلَّمه " فقد جاء بالمبتدأ وأعطى له علامة المنزلة والمكانة التي يستحقها ،وهي علامة أمن اللبس ،وأضافه إلى ضمير الجماعة ،ثم جاء بالخبر الاسم الموصول ،لأن المبتدأ بحاجة إلى الخبر ،ثم جاء بصلة الموصول التي تتم معناه وهي الجملة الفعلية ،ثم جاء بمفعول الفعل "تعلَّم "وقدمه على المعطوف لأن حاجة الفعل للمفعول أشد من حاجته للمعطوف ،ولأن الفعل يدل على المفعول ولا يدل على المعطوف ،ولهذا تقدم المفعول بحسب الاحتياج المعنوي ،ثم جاء بالمعطوف ، ومثل ذلك قوله :إنما بُعِثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ" ، والأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي واضح بين أجزاء التراكيب "ويقول - صلى الله عليه وسلم - عندما صعد أحدا مع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم :اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" فقدَّم النبي على الصديق على الشهيد بالأهمية المعنوية والفضل والشرف،وقدَّم الخبربالأهمية المعنوية على المبتدأ عدولا عن الأصل لأن المبتدأ نكرة ،ولأمن اللبس ، ولتتصل المتعاطفات بعضها مع بعض،فالنبي الكريم كان يتكلم تحت رعاية الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس ،وهكذا نطق سيدنا اسماعيل عليه السلام ،وهو أول من تكلم بالعربية كما يقول الجاحظ.
(2)
سيدنا عيسى عليه السلام
الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم
هذه الجملة من أقوال سيدنا المسيح عليه السلام لأتباعه وتلاميذه ، وهي جملة يتكرر ويتقدم فيها المفعول لإفادة التخصيص ، حيث الاهتمام منصبّ على أحقية وصوابية الكلام الذي يقوله لهم ، ويُنصب المفعول قبل مجيء الفعل ،ليجعله مطلوبا للفعل القادم ، كما هو الحال في اللغة العربية ، وهذا يعني أن المتكلم حين يحرك شفتيه فإنه يمارس عملية اختيار على صعيد المعنى ناتجة عن التفكير فيما يقول ، فيقول وهو يفكر ، ويفكر وهو يقول ،رابطا بين أجزاء التركيب برباط الاحتياج المعنوي سواء أتقدم الكلام أم تأخر ، فالمسيح عليه السلام أراد أن تكون كلمة الحق مفعولا للفعل الذي سيأتي ، وكان باستطاعته أن يرفع كلمة الحق لتكون مبتدأ محتاجا للخبر ،بدلا من نصبه مفعولا به مطلوبا من قِبل الفعل القادم .
فالسريانية أو الآرامية تتشابه في نحوها مع اللغة العربية ،وهذا يؤكد وجود نحو عالمي يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.وبإمكاننا أن نصوغ الجملة السابقة باللغة الإنجليزية ،فنقول:
The truth the truth i tell you
ويمكن أن نصوغها بالتركيز على المبتدأ فنقول:
I tell you the truth the truth
ونلاحظ هنا وجود الاحتياج المعنوي بين أجزاء التراكيب سواء أتقدم الكلام أم تأخر.فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

عزام محمد ذيب الشريدة 28-04-2014 10:27 PM

الأهمية المعنوية في حديث الخلفاء الراشدين
 
الأهمية المعنوية في حديث الخلفاء الراشدين
أولا:
من نحو أبي بكر الصديق رضي الله عنه
1- يروي الجاحظ في البيان والتبيين أن المسلمين اجتمعوا يوم السقيفة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -لاختيار خليفة للمسلمين ،واختلفوا في ذلك الأمر، فقام أبو بكر الصديق يعدد مناقب المهاجرين ،ومن ضمن ما قاله عن ميزاتهم قوله:"وقُدِّمنا في القرآن عليكم" ،في إشارة إلى قوله تعالى " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " وقوله تعالى"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة" وغيرهما من الآيات ،فأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يرى أن تقديم المهاجرين في القرآن الكريم تقديم بحسب الأهمية المعنوية والحاجة المعنوية عند المتكلم ،وبالفضل والشرف كذلك ،فهم السابقون إلى الإسلام وحاملو لوائه ،والكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي عند المتكلم .
2- مر الخليفة أبو بكر الصديق- رضي الله عنه - برجل معه ثوب، فقال للرجل :أتبيعه؟قال الرجل:لا رحمك الله؛ فاستاء الخليفة من الرجل وقال:ألا قلت:لا ورحمك الله، فخجل الرجل وانصرف.
فما الذي سبب استياء الخليفة أبي بكر ؟
لأن البائع بنى (رحم)على (لا)،فصارت علاقة( رحم) المعنوية مع حرف النفي (لا)، فصارت دعاء بعدم الرحمة ،ولهذا فصل بينهما أبو بكر- رضي الله عنه - فصارت "لا" حرف جواب ثم استأنف كلاما جديدا ،وذلك لأن الكلام يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .
ثانيا:
من نحو عمر بن الخطاب رضي الله عنه
1- يُروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يمدح شعر زهير ويقول عن زهير:" كان لا يعاظل في الكلام"،ومن المعروف أنَّ المعاظلة تعني - من ضمن ما تعنيه - فقدان العلاقات المعنوية داخل التركيب ، وتركيب الكلام فوق بعضه بعضا، فالكلام عند سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما كان واضحا جليا لا يفتقر إلى وضوح العلاقات المعنوية بين أجزاء التركيب،ومن ضمن ما تعنيه المعاظلة كذلك التضمين ،وهو ارتباط بيت الشعر بما يليه ،وهو من العيوب عندهم ،لأن الشعر القديم يقوم على وحدة البيت ،الذي يعطي المعنى كاملا دون ارتباطه بالبيت اللاحق ،لأن ارتباط البيت بما يليه ربما أفقد الشعر وضوح العلاقات المعنوية ،فالكلام عنده يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .
2- ويروى أن سحيم عبد بني الحسحاس قد أنشد أمام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بيتا من الشعر ،وهو:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا//كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال له سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- :لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك .
فعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يريد ارتباط الإسلام بالفعل أولا وبحسب الاحتياج المعنوي ،ويريده أن يقول:كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا،ولكن الشاعر كان واقعا تحت تأثير الضابط اللفظي والأصل أن يتكلم تحت رعاية الضابط المعنوي والاحتياج المعنوي.
3- وهو القائل - رضوان الله عليه - عندما شاع اللحن:
روُّوا أبناءكم الشعر تعذب ألسنتهم،،فهو يطلب من المسلمين أن يحصل أبناءهم على ثقافة لغوية من أجل أن تعذب ألسنتهم ،وهذا يدل على أن الإنسان لا يتحدث بقواعد مسبقة ،وهذا خير دليل على أن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .

عزام محمد ذيب الشريدة 29-04-2014 02:29 PM

الأهمية المعنوية في حديث الصحابة رضوان الله عليهم
 
الأهمية المعنوية في حديث الصحابة رضوان الله عليهم
(1)
السيدة عائشة رضي الله عنها
"وصلى وراءه قوم قياما"
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " رواه البخاري( الأذان/657))
الشاهد في الحديث النبوي الشريف هو مجيء صاحب الحال نكرة ، في قولها " وصلى وراءه قوم قياما" وفي رواية أخرى "وصلى وراءه رجال قياما" ، وقد اختلف النحاة، في مجيء الحال من النكرة، بلا مسوغ، أمقيس؟ أم مقصور على السماع؟، فذهب سيبويه إلى الأول، وذهب إلى الثاني الخليل ويونس
وفي رأيي أن سيبويه على صواب لأن السيدة عائشة - رضي الله عنها - كانت تقصد أنها لا تعرف هؤلاء الرجال الذين صلوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولذلك جاء الكلام متسقا مع المعنى الذي تقصده، ولهذا نقول : جاء الرجل راكبا ،إن كنا نعرف الرجل ،وإن كنا لا نعرفه نقول:جاء رجل راكبا ، ونقول: صلى الرجل واقفا ، في حالة المعرفة ، وصلى رجل قاعدا، إن كنا لا نعرفه ،لأن الكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم
(2)
من نحو ابن عباس رضي الله عنه
يقول الطبري -رحمه الله- إن عبد الله بن عباس كان يقرأ قوله تعالى"فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" بنصب كلمة "وأرجلَكم" عطفا على الأيدي ، وكان يقول: عاد الأمر إلى الغسل.
ومن مقولة ابن عباس يمكن أن نستنتج الأمور التالية:-
1- وجود نحو فطري يقوم على الاحتياج المعنوي.
2- إن الإنسان يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
3- إن ابن عباس يربط بين أجزاء التركيب برابط الاحتياج المعنوي كالربط بين المعطوف والمعطوف عليه .
4- ابن عباس يستخدم علامات أمن اللبس لبيان العلاقات النحوية والمعنوية بين أجزاء التركيب.
5- ابن عباس يتحكم بعلامات أمن اللبس كيفما يريد وبحسب المعنى المقصود.
6- العلاقة بين أجزاء التركيب معنوية ،وليست شكلية ، وإلا لوجب العطف على القريب وليس على البعيد.

عزام محمد ذيب الشريدة 29-04-2014 07:13 PM

الأهمية المعنوية في حديث الأعراب الفصحاء
 
الأهمية المعنوية في حديث الأعراب الفصحاء
(1)
الأعرابي الفصيح
تحدَّث المؤرخون عن أعرابي قدم إلى المدينة يطلب أن يقرأ القرآن ،فأقرأه بعضهم:"إن الله بريء من المشركين ورسوله"بكسر لام "رسوله" عطفا على "المشركين" ،فقال الأعرابي:إن يكن الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه أيضا ،فبلغ ذلك عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-فأمر ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة .
ما يهمنا من هذه القصة هو قول الأعرابي :إن يكن الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه أيضا،وقوله هذا يحمل الكثير من المعاني،ومنها:-
1- وجود نحو فطري يقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،وعلامات أمن اللبس،وهذا النحو أهَّلهم للتفاهم والتعبير عن مكنونات أنفسهم التي وصلت إلينا شعرا ونثرا ،وهذا النحو موجود قبل نظرية العامل ،وقبل قواعد النحاة 2- هذا الأعرابي يربط بين أجزاء التركيب برابط الاحتياج المعنوي ،فقد ربط بين المعطوف والمعطوف عليه بواسطة الواووأشرك بينهما في الحكم .
3- هذا الأعرابي يستخدم علامات أمن اللبس لبيان العلاقات المعنوية بين أجزاء التركيب.
(2)
الأعرابي والمؤذن
يذكر الجرجاني - رحمه الله - في دلائل الإعجاز أن أعرابيا سمع المؤذن يقول:أشهد أن محمدا رسول َ الله ،بنصب كلمة رسول ،فصاح الأعرابي :صنع ماذا ؟هذا الأعرابي عرف بسليقته التي تعتمد على الاحتياج المعنوي أن نصب كلمة "رسول" لا يتمم معنى الجملة ،لأن النصب يجعل "رسول" صفة لكلمة"محمد" ، فيبقى الكلام غير مكتمل ، ولهذا يجب الرفع ليكتمل معنى الكلام ، ومن شدة دهشة الأعرابي صاح قائلا :صنع ماذا ؟مقدما الفعل على أداة الاستفهام التي من حقها الصدارة،فالأعرابي يتحدث بسليقته التي تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)

الأعرابي الفصيح
يُروى أنّ أعرابيّاً وقف على مجلس الأخفش فسمع كلام أهله في النحو وما يدخل معه من الفلسفة والمنطق، فحار وعجب، وأطرق ووسوس، فقال له الأخفش:ما تسمع يا أخا العرب؟ قال : "أراكم تتكلّمون بكلامنا في كلامنا بما ليس من كلامنا".
ما أفصحَك أيها الأعرابي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

عزام محمد ذيب الشريدة 29-04-2014 09:27 PM

الأهمية المعنوية في حديث الخلفاء العباسيين
 
الأهمية المعنوية في حديث الخلفاء العباسيين
سأل أمير المؤمنين المأمون يوما يحيى بن أكثم:هل تغديت اليوم؟ فقال: لا وأيد الله أميرالمؤمنين، فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وما أحسن موقعها!وسبب تعجب الخليفة المامون راجع إلى أنَّ يحيى بن أكثم أجاب ثم استأنف كلاما جديدا،فصارت كلمة( أيَّد) مقطوعة عما قبلها،وليس لها معها علاقة معنوية،أي صارت غير مبنية على (لا)بل هي بداية جملة جديدة، ومن أجل هذا قال المأمون: ما أظرف هذه الواو وما أحسن موقعها، لأنها فصلت بين (لا) والفعل، فلم يعد للفعل بهاعلاقة معنوية،ومن هذه القصة نستنتج وجود نحو فطري يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

عزام محمد ذيب الشريدة 29-04-2014 09:32 PM

الأهمية المعنوية في النحو العربي قبل سيبويه
 
الأهمية المعنوية في النحو العربي قبل سيبويه
(1)
من نحو أبي الأسود الدؤلي رحمه الله
تذكر كتب التراث أنَّ أبا الأسود الدؤلي قام بتشكيل أو نقط القرآن الكريم وأنه اختار رجلا من عبد القيس وقال له :خذ المصحف ،وصبغا يخالف لون المداد،فإذا فتحت شفتيَّ فانقط واحدة فوق الحرف،وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف،وإذا كسرتهمافاجعل النقطة في أسفله ،فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين"(1)
هذا يعني أنَّ أبا الأسود كان يقرأ القرآن الكريم معربا بالحركات ،فما الأساس الذي اعتمده أبو الأسود في إعرابه أو نقطه للقرآن الكريم ؟
الأساس الذي اعتمده أبو الأسود الدؤلي هو المعنى والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب،وقد كان أبو الأسود يفكر وهو يقول ويقول وهو يفكر ،وكان يرفع وينصب ويجر ويجزم بحضور الألفاظ ومعانيها ،"وكان يحصر اهتمامه بما يناط بالكلمة من معنى فرعي في التركيب كالفاعلية والمفعولية وما ينجم عن ذلك من حالات الإعراب"(2)
وقد كان أبو الأسود يقرأ "ألا إنهم تثنوني صدورُهم ليستخفوا منه "(3)بدلا من قراءة الجمهور "يثنون صدورَهم"فقد أتى بالفعل على صيغة "تفْعَوْعِل"التي تدل على المبالغة مثل "يغدودن ،ويعشوشب"(4) فالمعنى والحاجة المعنوية عند المتكلم هو الأساس الذي تتم القراءة بناء عليه ،ونقط القرآن الكريم أو تشكيله يقوم على المعنى والاحتياج المعنوي.
===========================================
(1)إيضاح الوقف والابتداء ص ص 40-41
(2)د. محمد خير الحلواني - المفصل في تاريخ النحو العربي- ط1 -ج1 ص110
(3)المحتسب -ج1 ص319
(4)د.محمد خير الحلواني - المفصل في تاريخ النحو العربي- ط1 -ج1 ص102
===========================================
(2)
من نحو عبدالله بن أبي اسحق الحضرمي
إخضاع العلامة الإعرابية للمعنى عند المتكلم
علامة الإعراب أو علامة أمن اللبس تابعة للمعنى،يتحكم بها المتكلم كيفما يشاء وبحسب المعنى والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ،فالرافع والناصب والجار والجازم بحضور الألفاظ ومعانيها هو المتكلم ،والإعراب تابع لقصد المتكلم ،والمتكلم يقول وهو يفكر ويفكروهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض،وإليك هاتين القصتين:
1- كان عبدالله بن أبي إسحق الحضرمي النحوي كثير التصدي للفرزدق والتعريض بأخطائه،فقد قال له يوما :على أي شيء رفعت مجلَّف ؟أو ما المعنى الذي دعاك إلى الرفع في قولك:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا هموم المنى والهوجل المتعسِّفُ
وعضُّ زمان يا ابن مروان لم يدع// من المال إلا مسحَتا أو مجلَّفُ
فقال له الفرزدق:على ما يسوءك وينوءك،علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.
ولعله بسؤاله كان يرمي إلى معرفة ما في نفس الفرزدق من معنى يقبل الرفع .
فالاثنان يعترفان بأنَّ المتحكم في العلامة هو المتكلم وبحسب المعنى ،والاحتياج المعنوي.
2- وسأل الحضرمي الفرزدق يوما:كيف تنشد هذا البيت:
وعينان قال الله كونا فكانتا // فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فأنشده الفرزدق:"فعولان"،فقال له عبدالله:ما كان عليك لو قلت:فعولين؟فقال الفرزدق:لو شئت أن أسبِّح لسبَّحت، ونهض فلم يعرفوا مراده ،فقال عبدالله:لو قال فعولين لأخبر أنَّ الله خلقهما وأمرهما،(وكان ناقصة ،أي:فكانتا فعولين)ولكنه أراد أنهما تفعلان ما تفعل الخمر(وكان تامة ،وفعولان :خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما)،فالعلامة الإعرابية تابعة للمعنى ،والكلام يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)
من نحو أبي عمرو بن العلاء
أ- كان أبو عمرو بن العلاء يقول:ادخلوا الأولُ فالأولُ
لأن الفعل "ادخلوا" عنده بمعنى "ليدخل" ،والأولُ :فاعل للفعل "ليدخل" ،أما المتأخرون فقالوا:ادخلوا الأولَ فالأولَ،وينصبون الأول على الحال والتقدير عندهم :ادخلوا مترتبين، أقول:ويمكن أن تكون الأولُ بدلا من الضمير الفاعل كما قال تعالى:وأسروا النجوى الذين ظلموا".
ب- -كان أبو عمرو بن العلاء يوجب إتباع المستثنى للمستثنى منه في الاستثناء التام المنفي ،كقولنا:ما جاء القوم إلا زيد ،لأنه كما يقول سيبويه عنه:أدخل الآخر فيما أخرج منه الأول ،أي أن الجملة بمعنى: جاء زيد .
ومن جملة هذه الآراء يمكننا قول ما يلي:
1- أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
2- أن اللغة تقوم على المعنى وليس على الشكل.
3- وأن الإنسان يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول.
4- المتكلم يتحكم بعلامات أمن اللبس بحسب المعنى المقصود.
ج- فلان لغوب،جاءته كتابي فاحتقرها
يذكر ابن جني في الخصائص قول أبي عمرو بن العلاء :"سمعت رجلا من اليمن يقول:فلان لغوب،جاءته كتابي فاحتقرها.فقلت له:أتقول:جاءته كتابي؟قال:نعم،أليس بصحيفة"(1)
استغرب أبو عمرو قول اليمني:جاءته كتابي، فالفعل يتصل بتاء التأنيث ومن المفترض أن يكون الفاعل مؤنثا ،بسبب الاحتياج المعنوي بين الفعل والفاعل ،فأزال اليمني سبب الاستغراب قائلا :أليس بصحيفة ،أي أنه أنَّث الفعل لأن الكتاب بمعنى الصحيفة وهي مؤنث ،ومن هنا فالإنسان يقول وهو يفكر، ويفكروهويقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
والله أعلم
============================
(1)ابن جني -الخصائص -ج1ص249 وج2ص416
============================

(4)
من نحو يونس بن حبيب رحمه الله
يقول سيبويه في الكتاب(1)وتقول:إن تأتني آتك وإذن أكرمْك"إذا جعلت الكلام على أوله ولم تقطعه،وعطفته على الأول ،وإن جعلته مستقبلا نصبت ،وإن شئت رفعته على قول من ألغى ،وهذا قول يونس،وهو حسن "وهذا يعني جواز الجمل التالية:
إن تأتني آتك وإذن أكرمْك ،بالعطف على الجواب ،وإذن مهملة.
إن تأتني آتك وإذن أكرمَك، بالنصب لوجود معنى "إذن"
إن تأتني آتك وإذن أكرمُك،والرفع على الاستئناف ،وإذن ملغاة.
نستدل من هذا النص على جملة من الأمور:-
الأول:المتكلم يقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول ، وهذا واضح من مراعاة الرفع والنصب والجر والجزم بحسب المعنى ،ومراعاة الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية بين أجزاء التركيب.
الثاني:الرافع والناصب والجار والجازم بحضور الألفاظ ومعانيها هو المتكلم ،ويظهر هذا من تحكم المتكلم بعلامة أمن اللبس ،بحسب المعنى ،ولو كانت الأداة "إذن"هي العاملة لنصبت الفعل بعدها في جميع الجمل.
الثالث:المتكلم يربط بين المعاني برابط الاحتياج المعنوي ،وهذا واضح من العطف على الجواب ،أو النصب بإذن أو الاستتئناف وقطع العلاقة النحوية مع الكلام السابق.
الرابع:المتكلم يُخضع العلامة الإعرابية للمعنى الذي يريده ،وهذا واضح من تغير علامة أمن اللبس بتغير المعنى عند المتكلم.
الخامس:العلاقة بين الألفاظ معنوية وليست شكلية ،ولو كانت شكلية لنصبت "إذن"الفعل المضارع في جميع الجمل.
السادس:القرائن اللفظية سمَّوها عوامل فيما بعد ،ونسبوا العمل إليها.
الخلاصة:وجود نحو فطري قبل نظرية العامل يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

منيب ربيع 30-04-2014 07:25 AM

جزاك الله خيرا ، وبارك فيك ، ونفعك ونفع بك ، ووفقنا جميعا لما يحب ويرضى

عزام محمد ذيب الشريدة 30-04-2014 11:34 AM

السلام عليكم
أحسن الله إليكم ،وشكرا لكم على المرور والتعليق الطيب

عزام محمد ذيب الشريدة 30-04-2014 01:10 PM

الأهمية المعنوية في نحو سيبويه
 
الأهمية المعنوية في نحو سيبويه
باب الاستقامة من الكلام والإحالة(1)
عقد سيبويه في كتابه بابا سماه:باب الاستقامة من الكلام والإحالة فقال:"فمنه مستقيم حسن،ومحال،ومستقيم كذب،ومستقيم قبيح ،وما هو محال كذب"ولم يوضح لنا سيبويه سبب تصنيف الكلام على هذا النحو أو ذاك ،والذي أعتقده هو أن السبب في ذلك يعود إلى الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية بين أجزاء التراكيب ، "فأما المستقيم الحسن فقولك:أتيتك أمس، وسآتيك غدا"فالجملة الأولى مبنية على الفعل أتيتك(المبني عليه)وهو واقع في الزمن الماضي،ولهذا فهو يقبل أن تبنى عليه الكلمات التي تتوافق معه معنويا،مثل كلمة أمس ، ومثل ذلك الجملة الثانية:ساّتيك غدا،فهذه الجملة مبنية على الفعل المسبوق بالسين،والذي يدل على المستقبل ،ولهذا فهو يقبل الكلمات التي تتوافق معه معنويا،مثل كلمة غدا،ولو عكسنا وقلنا :أتيتك غدا وساّتيك أمس لتحول الكلام إلى المحال،بسبب عدم الاحتياج المعنوي بين المبني عليه والمباني ،لأن الفعل أتى يدل على الماضي وسآتيك يدل على المستقبل .
وأما المستقيم الكذب فكقولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر،ونحوه،ويظهر من الأمثلة التي ضربها سيبويه أن المستقيم الكذب هو الذي يشتمل على الخيال والمجاز والمبالغة أو(عكس الحقيقة)، أو المعنى غير الحقيقي ، ومن هذا النوع معظم البلاغة العربية، كالتشبيه والاستعارة والمجاز ......إلخ،ويمكن تحويل المستقيم الكذب إلى مستقيم حسن،كأن نقول:حملت الكتاب ، وشربت كأس الماء ، مثلا ،فهنا تؤدي الجملة معنى حقيقيا ،لأن الفعل حمل يدل على محمول معقول كما أن الفعل شرب يدل على مشروب معقول وليس فيه مبالغة ، وهذان الفعلان لا يدلان على الجبل والبحر،ولهذا فهما لا يلتقيان في الحقيقة بل في الكذب والمجاز.
وأما المستقيم القبيح ،فأن تضع اللفظ في غير مواضعه،نحو قولك:قد زيدا رأيت،وكي زيد يأتيَك ،وفي الأمثلة السابقة تمت إعادة توزيع الرتبة، حيث تم ارتباط قد مع( زيدا) وحقها أن ترتبط مع الفعل،كما ارتبطت كي مع (زيد) وحقها أن يليها الفعل ،وعدم الاحتياج المعنوي واضح بين أجزاء التراكيب مما أدى إلى تصنيفها في خانة المستقيم القبيح.
أما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول :أتيتك غدا وسآتيك أمس، ويظهر من هذه الأمثلة أن الاحتياج المعنوي مفقود بين عناصر هذين التركيبين ،مما أدى إلى تصنيفهما في خانة الكلام المحال .
أما المحال الكذب فهو الذي يشتمل على المبالغة والخيال والمجاز(عكس الحقيقة)أوالمعنى غير الحقيقي بالإضافة إلى التناقض المعنوي مثل:سوف أشرب ماء البحر أمس.
ولهذا فالكلام يقوم على الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،والإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمسويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس.
==================================================
((1)سيبويه:الكتاب،ج 1،ص ص25-26

عزام محمد ذيب الشريدة 30-04-2014 07:13 PM

الأهمية المعنوية في النحو العربي بعد سيبويه
 
الأهمية المعنوية في النحو العربي بعد سيبويه
(1)
من نحو ابن جني رحمه الله
الشيء يكون تاما ثم يعود ناقصا
هذه المقولة لابن جني - رحمه الله- ويمكن أن أمثل عليها بالجملة التالية:نقول:قام زيد ،وهذه الجملة مبنية على الفعل "قام"الذي يدل على فاعل فقط ،ولهذا فهو يحتاج إلى فاعل فقط ، والجملة من الفعل والفاعل جملة كاملة المعنى ،ولكن إذا قلنا:"إن قام زيد "صارت الجملة ناقصة لأن الجملة مبنية الآن على "إن" وهي حرف شرط يدل على فعلين :الأول شرط للثاني والثاني مسبب عن الأول ،فهي تحتاج إلى الشرط والجواب ،ولهذا يجب أن نقول:إن قام زيد قام عمرو ،وبهذا تصبح الجملة كاملة المعنى ،فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

(2)
من نحو الجرجاني رحمه الله
جواهر من دلائل الإعجاز
يقول الجرجاني - رحمه الله - ردا على منكري النظم:
اعلم أنك لن ترى عجباً أعجب من الذي عليه الناس في أمر النظم وذلك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إلا وهو يعلم أن هاهنا نظماً أحسن من نظم‏،ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصرهم ذلك تسدر أعينهم وتضل عنهم أفهامهم‏،وسبب ذلك أنهم أول شيء عدموا العلم به نفسه من حيث حسبوه شيئاً غير توخي معاني النحو وجعلوه يكون في الألفاظ دون المعاني‏.فأنت تلقى الجهد حتى تميلهم عن رأيهم لأنك تعالج مرضاً مزمناً‏،وداء متمكتاً‏.ثم إذا أنت قدتهم بالخزائم إلى الاعتراف بأن لا معنى له غير توخي معاني النحو عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم‏.وذلك أنهم يروننا ندعي المزية والحسن لنظم كلام من غير أن يكون فيه من معاني النحو شيء يتصور أن يتفاضل الناس في العلم به، ويروننا لا نستطيع أن نضع اليد من معاني النحو ووجوهه على شيء نزعم أن من شأن هذا أن يوجب المزية لكل كلام يكون فيه بل يروننا ندعي المزية لكل ما ندعيها له من معاني النحو ووجوهه وفروقه في موضع دون موضع وفي كلام دون كلام وفي الأقل دون الأكثر وفي الواحد من الألف‏.
فإذا رأوا الأمر كذلك دخلتهم الشبهة وقالوا‏:‏ كيف يصير المعروف مجهولاً‏؟ومن أين يتصور أن يكون للشيء في كلام مزية عليه في كلام آخر بعد أن تكون حقيقته فيهما حقيقة واحدة‏؟
فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يحصى من المواضع ثم لا يقتضي فضلاً ولا يوجب مزية اتهمونا في دعوانا ما ادعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ من أن له حسناً ومزية وأن فيه بلاغة عجيبة وظنوه وهماً منا وتخيلاً‏، ولسنا نستطيع في كشف الشبهة في هذا عنهم وتصوير الذي هو الحق عندهم ما استطعناه في نفس النظم لأنا ملكنا في ذلك أن نضطرهم إلى أن يعلموا صحة ما نقول وليس الأمر في هذا كذلك فليس الداء فيه بالهين ولا هو بحيث إذا رمت العلاج منه وجدت الإمكان فيه مع كل أحد مسعفاً والسعي منجحاً لأن المزايا التي تحتاج أن تعلمهم مكانها وتصور لهم شأنها أمور خفية ومعان روحانية أنت لا تستطيع أن تنبه السامع لها وتحدث له علماً بها حتى يكون مهيأ لإدراكها وتكون فيه طبيعة قابلة لها ويكون له ذوق وقريحة يجد لهما في نفسه إحساساً بأن من شأن هذه الوجوه والفروق أن تعرض فيها المزية على الجملة ،وممن إذا تصفح الكلام وتدبر الشعر فرق بين موقع شيء منها وشيء وممن إذا أنشدته قوله من السريع‏:‏
لي منك ماللناس كلهم //نظر وتسليم على الطرق
وقول البحتري من الكامل‏:‏
وسأستقل لك الدموع صبابة //ولو أن دجلة لي عليك دموع
أنق لها وأخذته أريحية عندها وعرف لطف موقع الحذف والتنكير في قوله‏:‏نظر وتسليم على الطرق ،وما في قول البحتري‏:‏لي عليك دموع من شبه السحر وأن ذلك من أجل تقديم لي على عليك ثم تنكير الدموع‏ (حيث قدم شبه الجملة "لي"لإفادة التخصيص وبيان حالته، ونكَّر الدموع للكثرة)وذلك بحسب الحاجة المعنوية ،فالإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)
من نحو ابن القيم رحمه الله
"في الدار امرأة"
و
"على زيد دين"
الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وهناك علاقة احتياج معنوي بين أجزاء التركيب سواء أتقدم الكلام أم تأخر ،ومن هنا فإن شبه الجملة المتقدم مطلوب للمبتدأ المتأخر، وقد دعت الحاجة المعنوية عند المتكلم إلى تقديمه من أجل أمن اللبس، "فإن قلت فمن أين امتنع تقديم هذا المبتدأ، فلا تقول:امرأة في الدار ودين على زيد؟ قلت :لأن النكرة تطلب الوصف طلبا حثيثا ،(بسبب شدة الاحتياج المعنوي إلى ما يوضحها أو يخصصها )،فيسبق الوهم إلى أن الجار والمجرور وصف لها لا خبر عنها، إذ ليس من عادتها الإخبار عنها إلا بعد الوصف لها، فيبقى الذهن متطلعا إلى ورود الخبرعليه وقد سبق إلى سمعه، ولكن لم يتيقن أنه الخبربل يجوز أن يكون وصفا فلا تحصل به الفائدة، بل يبقى في ألم الانتظارللخبر والترقب له، فإذا قدمت الجار والمجرورعليها استحال أن يكون وصفا لأنه لا يتقدم موصوفه فذهب إلى أن الاسم المجرور المقدم هو الخبر والحديث عن النكرة وهي محط الفائدة"(1)فالأصل تقدم المبتدأ على الخبر لأنه موضوع الحديث ،والمحكوم عليه ،والمخبر عنه ،ولهذا يجب أن يتقدم بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم على الخبر ولكن تمت إعادة توزيع الرتبة وتقدم الخبرعلى المبتدأ بالأهمية المعنوية عند المتكلم من أجل أمن اللبس.
------------------------------------------------------


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 02:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ