|
#1
|
|||
|
|||
![]() ![]() أما بعد فإن الله جل وعلا قد أمر عباده بتحقيق التوبة من الذنوب وبين أن الإخلال بها من أظلم الظلم وصاحبه في شقاوة دنيا وأخرى، وتظافرت نصوص الوحيين بالندب إلى التوبة وتبيان أهميتها، وأنها أسمى منازل الإيمان وألزمها للسائر إلى الله ![]() التوبة أحبتي في الله هي منزلة تلي منزلة اليقظة إذ تكون النفس قبلُ غارقة في متاهات الشقاء وعلل الخطايا، ثم يأذن الله في سمائه أن يتوب على المذنب فتلوح له تباشير التوبة في الأفق ويحس بقشعريرة تسري في نفسه وألم يعتصر قلبه وتوقٍ إلى الانعتاق من سجن الضنك والران؛ كل ذلك يدفعه إلى محاسبة النفس والإفاقة من سبات الإثم ومواقعة الخطيئة؛ ومصداق ذلك قول التواب جلت قدرته و ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() يتوب الله جل وعلا على من شاء ومن أحب ومن سلك أسباب القرب من الحضرة الربانية، وتبدأ الخطايا تَحاتُّ عن صاحبها وتتبخر، وكلما زاد الندم والإقبال على الطاعة زاد النور وصحا القلب وأبصر، ولا يزال يترقى ويرتقى وهو في ذلك كله يقارع داعي الهوى والشيطان ويلبي داعي الرحمن حتى يوارى الثرى قرير العين بالله مغتبطا بفتح التوبة.. هذه باختصار بعض معاني اليقظة والتوبة ولاريب أن بينهما مفاوز من المجاهدة والامتحانات لا يجتازها إلا من تسلح بالصدق واليقين وتبصر بنور الوحي قرآنا وسنة. بقي الكلام على شطر من أهم موضوعات هذا المنشور وهو "هموم التوبة"والقصد بها أحبتي في الله: أن يحس العبد من قلبه بخوف شديد أن يلقى الله ![]() ذكر الإمام الألمعي المؤرخ الكبير العالم الجليل محمد بن عثمان الذهبي ![]() ![]() هذه بعض الخواطر في هذا الباب صادفت مني رغبة في الكتابة واستجابت لنداءٍ قلبيٍّ علها تكون سبب التذكير لنفسي أولا ثم لإخواني بهذا الأمر الجلل، ولي عودة إن شاء الله لطرق هذا الموضوع المهم في منشورات قادمة. هذا وإنما الموفق من وفقه الله سبحانه والحمد لله رب العالمين.. |
الجلساء الذين شكروا لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#2
|
|||
|
|||
![]() من الأصول المجمع عليها بين أطباء القلوب وطلاب الولاية وأهل الله جل وعز وخاصته أن طالب التوبة منصرف الفكر إلى سرعة تقضي العمر ونهايته؛ فالعمر رأسمال العبد وذهبه الخالص، وما سمي عمرا إلا باعتباره يعــــمر بقربى أو ما يبعد من ســوء العمــــــــل.
لا تكاد تستقيم النفس على صالح العمل وتنوء عن سيئه إلا إذا دافع صاحبها الخواطر الشيطانية ، فالخواطر إذا دوفعت بأضدادها تلاشت وتبخرت وإذا استجيب لها توشك أن تقود إلى العزائم على اتباع الهوى؛ فخاطر الشهوة يدفع بالذكر باللسان والقلب وخاطر الشبهة يدفع بتدبر الوحيين، وخاطر الوسوسة يدفع بالاستعاذة بالله من شر كل ذي شـــــــــــــــر. كل توبة لا تتأسس على إقبال شديد على كتاب الله ![]() مثل مسوف التوبة كمثل عليل استبد به المرض فلا يزال في ضعف و علته في مضاعفة ولا حائل بينه وبين استعمل الدواء إلا خوف مراراته..ولو علم ما يأتي بعد المراراة تلك من الصحة والبرء لاستحال الدواء كالشهد في فيـــــــه.. بعد القرآن والتعرض لأنواره، لا أنفع للعبد الراغب في تصحيح التوبة من إصلاح ذات البين ، لأن فسادها يشغل القلب بالضغائن والإحن ، وكيف تصفو توبة لمن أبطن الحقد والحـــــــــسد ، وأصر على القطيعة وإسلام إخوانه وغدرهــــــــــــــم؟! زيارة الصالحين من أعمدة الثبات على التوبة فالنظر في وجوههم يحيي القلب وسماع كلامهم يلي القلب من الميل إلى المعاصي وينقيه من أثرها، ويبغض إليه أخدان المعاصـــــــــــــي.. اللهم يا سامع كل نجوى ، يا كاشف الهموم والغموم ، يا تواب يا غافر الذنب نسألك توبة مقبولة تقر بها العين ويغفر بها الذنب وتتحق بها الزلفى منك يا ذا الجلال والإكــــــــــــــــــــرام.. |
الجلساء الذين شكروا لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#3
|
|||
|
|||
![]() لازلت وأحبابي نعيش في ظلال التوبة الوارفة وفرح القلب بأنواره صحتها وتحققها وتلمح تباشير قبولها؛ وإني قبل ذلك قائل أنه غير خاف على أحبتي بأني خائض بحرا لست بأغواره خبيرا وليس فلكي للجته مطيقا، ومتعرض لموضوعة تحتاج إلى ابن القيم في مدارجه والهروي في منازله، وابن رجب في رسائله؛ لكن حسبي تذكرة نفسي العليلة بالذنب المقصرة في جنب الرب بأهمية هذا الأمر ولزوم إدامة شغل البال به..
وبعد البراءة من الحول والقوة إلا بالله والاعتصام بحبله المتين أتحدث عن عقبة من العقبات الشديدة ومانع من موانع صحة التوبة لا تكاد تستقيم قدم التئب على الطريق إلا بتعاهد النظر في أساب توقيه، إنه تعلق القلب بالدنيا ورسومها وزخارفها.. نبينا ![]() ![]() ![]() يا سبحان الله!! أمهات الخطايا من كبر وتعال وحقد وضغينة ومقارفة شهوة ونشر شبهة وضلالة وغيرها من مغضبات الله جلت قدرته يأتي حب الدنيا الدنية على رأسها..وحب الدنيا هنا لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن بأن القصد به حب المال والجاه خاصة بل هو حب عام، فحب الولد والزوج الخارج عن حد الاعتدال المائل بالفطرة إلى الانسلاخ والانحلال ومزاحمة محاب الله في القلب هو من حب الدنيا المذموم؛ وحب المال والسرف في التعاطي لأسباب تحصيله وجمعه فرع من ذلك الرأس وقس على هذا كل ما يمد بسبب من أساب الصلة إلى هذه حب وإيثار هذه العاجلة.. إن المتأمل في هدايات كتاب الله ![]() حب الدنيا يسوِّدُ القلب ويقود إلى الظلم ويفسد ذات البين ويشتت العزمات ويفتت عضد الرغبة في عمل الصالحات، ولا تكاد تصح للعبد توبة مالم يطلِّق هذه الدنيا بقلبه أصالة ويرضى منها بالكفاف.. وأختم بهذه الجوهرة من جواهر شيخ الإسلام ابن اتيمية ![]() ![]() ![]() |
الجلساء الذين شكروا لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#4
|
|||
|
|||
![]() مما يقصر فيه الكثير من العباد إلا من شملته رحمة الله وكلأه عفوه تأخير التوبة والتعلق بالأماني، علما أن الأعمار بيد الله وقبض الروح من مكنون الغيب والأعمال بالخواتيم، ويُخاف على المتمادي في العصيان أن يؤخذ على حين غرة وهو مقيم على ما يغضب الله
![]() التوبة بالإجماع تجب على الفوز ولا يعلم قول أنها على التراخي؛ والتسويف والتأخير معصية ثانية تجب التوبة منها ولذلك مصاديق كثيرة من كلام الله ![]() ![]() وكل قائل : لا أتوب حتى يهديني الله ظالم لنفسه جاهل بمقاصد شريعة الله، وتلحقه المضرة في العقبى ومقالته بينة المخالفة لكلام الله ![]() ![]() ![]() ومراتبها تناولها العلماء الربانيون بالتبيان فقالوا : توبة من الكفر إلى الإيمان والمقصر فيها مآله إلى النار بنص القرآن، وتوبة من المعاصي إلى الطاعات كالزنا وغيرها والمقصر فيها متعرض لمقت الله ![]() ![]() ![]() ولابد من الإقلاع عن المعاصي والعزيمة على اتقاء الحوْمِ حول الحمى، وتلافي ما سلف من الجرم بالاستغفار، مع الوجل والإشفاق من انخرام عقد التوبة.. ألا فلنتب لإن الفلاح معلق بصحة التوبة وإن الظلم كل الظلم للنفس أن نلقى الله على غير توبة.. نسأل الله أن يتولانا بما يتولى به الصالحين من عباده.. |
الجليس الذي شكرَ لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#5
|
|||
|
|||
![]() الناظر في كتاب الله
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() لا يقصد من عزلة الناس الخلوة بالجبال والرهبانية المذمومة المبتدعة، إنما وِردٌ من أيام يلجأ إليه السائر إلى الله كلما طرقت قلبه قسوة، وأنست نفسه بالمخلوق وتكاسلت وتقاعست عن السير؛ وذلك أضعف الإيمان.. لهذا يندب للراغب في تجديد الإيمان في قلبه وتصحيح توبته الهرع إلى الخلوة بالله جل وعلا بهذه النية نيةِ تقويم السير وتجديد النفَس، فيتوضأُ ويحسن الوضوء ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد (وكان لبعض السلف ثوب خاص بقيام الليل)، في ساعة مباركة كثلث الليل الآخر، ويصاف قدميه بين يدي خالقه ويتملقه بالمناجاة والدعاء ولسان حاله : أي ربي! هذا عبد ذليل بفنائك، أثقلته الذنوب وأثخنته جراح الغفلة، يسألك مسألة المسكين ويبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، أي إلهي! تب علي، أي ربي! خذ بيدي إليك، يا غفار الذنوب، ويا ستير العيوب خذ بناصيتي إلى البر والتقوى وليطل ما شاء الله، وليبكِ وإن لم يستطع فليتباكَ، وليثق في سعة رحمة الله وفضله، فإنه جلت قدرته يستحيي ردَّ يدي عبده السائل صفرا، فكيف وهو راغب في القرب وطامع في الأوبة؟! حاشاه حاشاه ما وجده المخلصون إلا كريما جوادا.. نعمْ يواظب التائب على أخذ حظه من الخلوة وكثرة التعبد حتى تستقيم له نفسه على العبادة والإبحار في أنوار الطاعة والقربى، وليكن قائده في ذلك كله كتاب الله جل وعلا فإنه الروح والنور الذي ما اقتبس منه قلب إلى أضاء وما تمسك بحبله متمسك إلا قاده إلى بر الأمان.. فالله الله في الخلوة بالله فإنها نعم المعين على صحة التوبة واستقامة القلب على الطريق .. هذا وإنما الموفق من وفقه الله.. |
الجليس الذي شكرَ لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#6
|
|||
|
|||
![]() لاشك أن مقادير الأمور بيد الله
![]() واتصالا بموضوع التوبة النصوح وهمومها وطرق تحصيلها وتحقيقها، ثَمَّ أمر مهم هو أسُّها وأسَاسُها، وركنها الركين : إنه الدعــــــاء وما له من أهمية في الثبات على التوبة. الله ![]() ![]() باب التوبة مفتوح على مصراعيه حتى تطلع الشمس من مغربها، وربنا يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، لكنَّ كمال الأدب مع الله بعدما أمر فخولفْ ، ونهى فتُجُرِّئَ عليه، أن يُسأَل ويُلحَّ عليه في الدعاء، مع استصحاب كمال الذل والتعظيم والاستحياء... شأن الدعاء في الدين عظيم، وهو رحى العبودية؛ وهو منزلة سامية لازمة للتائب في سيره إلى الله، لأن قلبه لا تحصل له قوة، ولا لسيرِهِ صحةٌ إلا إذا كان الاستمداد من الله سبحانه، وكل تفريطٍ في سؤاله ![]() كان نبينا ![]() ![]() ![]() وعلى هديه سارت تلك الصفوة الفريدة من صحابته وتابعيهم فضربوا أروع الأمثلة في التضرع والدعاء رحمهم الله ورضي عنهم..فكانوا لا يعرفون بابا غير باب السماء ولا يولون وجوههم في السراء والضراء غير وجهة الله .. أختم بهذا الأثر عَنْ طَاوُوسٍ ، قَالَ : " إِنِّي لَفِي الْحِجْرِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، إِذْ دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْخَيْرِ، لَأَسْتَمِعَّنَّ إِلَى دُعَائِهِ اللَّيْلَةَ ، فَصَلِّي ثُمَّ سَجَد َ، فَأَصْغَيْتُ بِسَمْعِي إِلَيْهِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: " عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ " !! قَالَ طَاوُوسٌ: فَحَفِظْتُهُنَّ ، فَمَا دَعَوْتُ بِهِنَّ فِي كَرْبٍ إِلَّا فُرِّجَ عَنِّي ". وهذا والتوفيق من الله وحده . |
الجليس الذي شكرَ لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
#7
|
|||
|
|||
![]() عند أفول كل موسم من مواسم الطاعة يعلن كثير من العباد عزمهم على الاستدراك وتعويض ما فاتهم من صالح الأعمال، والوفاء بالمواثيق والعهود التي أخذوها على أنفسهم قبل دخول ذلك الموسم، ويكشفون عن عزيمتهم الأكيدة أن يكون ما يستقبلون من الأيام على غير ما كانت عليها سابقتها، تكون معمورة بطلب المغفرة والسعي الحثيث لتحقيقها، وتفريغ القلب والعقل لتَطلابها.
نعم، لقد رأوا وشاهدوا بقلوبهم سرعة تقضي العمر وانصرام أيام الدنيا الدنية، وما حصلوا شيئا يكون سبب رفعتهم عند الله ![]() إن قدوم مواسم الخير فرصة سانحة ليعاهد فيها العباد ربهم بالتوبة، لعله ![]() لقد رأينا أيها العباد معالم السير، وعلمنا طريقة الاستعانة به في هذا السير، ومع ذلك نحن مصرون على الإعراض، دائموا التردد والتنقل، مؤثرون للدنيا على الانشغال بالله ![]() والسؤال الملح: هل بعد هذا الإخلاف البين بالعهد والميثاق لا زال أهل الإيمان مصرين على قوة الصلة بالشيطان؟ يعدهم ويمنيهم بالحياة إلى الغد، إلى الشهر المقبل، إلى العام القادم، يمنيهم بالعمل الصالح، فيضيع عليهم أوقاتهم وأعمارهم في التعلق بالزائف والخيالات والأوهام..ليتهم تخففوا من هذه العهود الإبليسية، واتباع أهواء النفس ، والشهوات وطول الأمل والغفلة، وعلموا أنهم إذا رجعوا إلى ربهم ![]() هذه هي الحالة التي وصلنا إليها، ونتكلم في محاولة الاستشفاء من عللها وأوضارها وأوجاعها، نجاهد للخروج منها خروج المقربين الراغبين فيما عند الله ![]() هذا وإن التوفيق من الله وحده.. |
الجليس الذي شكرَ لـ ( أبو أريج الهلالي ) هذه المشاركةَ : | ||
![]() |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
![]() |
||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
حادي الروح إلى أحكام التوبة النصوح - سليم بن عيد الهلالي ( بي دي إف ) | عبد الرحمن النجدي | المكتبة غير اللغوية | 0 | 14-07-2016 07:17 PM |
آلقربات تكفر الكبائر؟ أم تكفرها التوبة فقط؟ | فريد البيدق | حلقة العلوم الشرعية | 0 | 15-05-2012 09:28 PM |
هموم الباحث الكبيرة | ابتسام البقمي | مُضطجَع أهل اللغة | 2 | 14-06-2011 09:02 AM |
صلاة التوبة | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 0 | 12-11-2010 08:33 PM |
التوبة - أشعار محمد الخولي | محمد الخولي | حلقة الأدب والأخبار | 0 | 16-10-2008 09:26 AM |