ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية

ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية (https://www.ahlalloghah.com/index.php)
-   حلقة الأدب والأخبار (https://www.ahlalloghah.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   سُكَيْنَةُ بنتُ شيخِ الجنّ. (https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=14555)

حميد الحمادي 23-04-2019 12:48 PM

سُكَيْنَةُ بنتُ شيخِ الجنّ.
 
السلام عليكم،
هذه مسرحية شعرية كتبتها، وأصل القصة من حكايات الوالدة حفظها اللّٰه.

حميد الحمادي 30-04-2019 01:58 PM

سُكَيْنَةُ بنتُ شيخِ الجنّ





(مسرحيّة شعرية)

حميد طيبة

1440
2019






مكان المسرحيّة: الجزائر المَحْمِيّة، القَصَبَة.
زمان المسرحيّة: بداية العصر العثماني.

الشّخوص:

الأمير.
ثلاث نسوة، أزواجُ الأمير.
العجوز، امرأة خبيثة ساحرة، لها هيبة ونفوذ داخل القصر.
الضّيوف.
التوأمان، ابنا الأمير.
الجنّيّ.
سُكَيْنَةُ بنتُ شيخِ الجنّ.








الفصل الأول



يمرّ الأمير على ثلاث نسوة يتجاذبن أطراف الحديث فيلقي سمعه إليهنّ.

الأولى:

تُبْدِي مودَّتها عَلَى اسْتِحْيَاءِ
ليْتَ الأميرَ يكونُ زوجًا للّتِي

أقْرِي بِهِ زُمَرًا بغيرِ مِرَاءِ
إنْ كَانَ ذاكَ فأكْلُ فَرْدٍ فاسْمَعَا

الثّانية تنبري قائلة:

فَخُيُوطُهُ مَوْصُولةٌ بِبَقَاءِ

ولهُ عَلَيَّ رِدَاءُ تِبْرٍ خَالِدٌ

الأخيرة:

بَدْرُ السَّمَا والبِنْتُ شَمْسُ ضَحَاءِ
إِنْ شَاءَ ربِّي، تَوْأَمَانِ هَدَيِّتِي

الأمير بعدما سمعهنّ يرسلُ إليهن ويتزوجهن.

بعد الزّواج
: الأمير يأمر زوجه الأولى أن تهيّئ له الطّعام كما وعدته

فَتَهَيَّئي وتَحقَّقِي مِنْ شَرْطِكِ
هيَّا فَذِي زُمَرُ الضُّيوفِ تَتَابَعَتْ

الزّوج:

سَمْعًا أمِيري

الأمير:

أَسْرِعِي فَلَقَدْ أتَوْا

الزوج بينها وبين نفسها:

كَيْفَ السَّبيلُ وهَل لّنا مِنْ مَسْلَكِ؟


الزّوجُ تنادي العجوز:

فَفَدَيْتُكِ جَاءَ البَلَاءُ فَدَيْتُكِ
هَذِي لَعَمْري وَرْطَةٌ وَقَعَتْ هُنَا

عِشْرُونَ شَخْصًا، أَنْقِذِيني وَيْحَكِ
النَّاسُ تَنْتَظِرُ الطَعَامَ وَعَدُّهُمْ

العجوز واثقة من نفسها:

إنِّي هُنَا وَتِدُ البَقَاءِ لبَيْتِكِ
خَطْبٌ يَسِيرٌ لا عَلَيْكِ فَأبْشِري


هانَ العَسِيرُ إذَا هَتَكْتُ حِجَابَهُ

الزّوج:
فأكُونُ شَاكِرةً فَدُونَكِ فاهْتِكِي


العجوز متفاخرةً:

لوْ كُنْتِ أرْضًا فاعْلَمِي لَأَظَلَّكِ
لا تَنْقَضِي حِيَلِي وسِحْرِي مَارِدٌ

حَمَلَ الجِبَالَ بِثِقْلِها وأقَلّكِ
أوْ كُنْتِ فِي مِثْلِ الجِبَالِ ضَخَامَةً

الزّوج متمتمة وقد نفِد صبرها:

هَلْ تَنْفَعُ الكَلِمَاتُ يَوْمَ المَهْلَكِ
تَبًّا لِشَمْطَاءِ العَجَائِزِ هَذِهِ

هلْ زَوَّجَ الأبْكَارَ قَوْلُ "أُحِبُّكِ"؟
مِثْلُ الحَبِيبِ يَبُوحُ عِشْقًا فَارِغًا

ثم تتّجه إلى العجوز متحبّبةً متوسّلةً:

أخْشَى.. يا أمُّنَا أنْتِ الحَنُونُ وإنَّنِي

العجوز مقاطعة:

صَهٍ..لا تُسْمِعِيني صَوْتَكِ


العجوز تأمر الزّوجَ أن تملأ القصاع مِلْحًا وتضعَ شيئا من الطعام فوقه:

وقِصَاعَ عُودٍ واقْعُدِي بِتَوَرّكِ
هاتِي الدّقيقَ وكِيسَ مِلْحٍ كَامِلٍ

وفُويْقَهُ ذُرِّي الطّعَامَ لضَيْفِكِ
وعَليكِ بالمِلْحِ اسْكُبِيهِ كلّهُ

في مجلس الضيوف، من التقم لقمة استحيى من الأمير أن يخبره أن الطعام مِلْحٌ.

العجوز رافعةً صوتها بين الضّيوف:

ثلاثُ قِصَاعٍ كَفَتْ جَمْعَنَا
طَعَامُ الأمِيرِ طَعَامُ الوَلِيِّ

فيَا حَبَّذَا شخْصُهُ بَيْنَنَا
وهَذِي لعَمْرِي مِنَ المَكْرُمَاتِ

إلَى أنْ نَؤُوبَ إلَى رَبِّنَا
فَنَشْهَدُ دَوْمًا بِفَضْلِ الأَمِير

الأمير للزّوج الثانية:

وَبَيَاضُهُ ألْقَى الرِّدَاءْ
حَلَّ الشِّتَاءُ عَزِيزَتِي

يَحْمي الأَمِيرَ مِنَ الشّتاءْ
هَاتِي الوُعُودَ بِبُرْنُسٍ

ويَدُومُ ما دَامَ الأمِيرُ فَلا زَوَالَ وَلا فَنَاءْ

الزّوج الثانية:

بالعزِّ مَرْفُوعَ اللِّوَاءْ
ما انْفَكَّ مُلْكُ أَمِيرِنَا

عِنْدَ الصّبَاحِ وَفِي المَسَاءْ
رُوحِي عَلَيْكَ مَلاءَةٌ

بَلْ أنْتَ لِي قَمَرُ السَّمَاءْ
أنتَ النُّجُومُ تُنِيرُنِي

ينصرف الأمير وترسل الزّوج في إثر العجوز، وبعد ساعة تأتيها.

تهبّ الزّوج من مكانها مقبّلةً يد العجوز:

ولا رُزِئْتِ أبَدَا
عَجُوزَنَا، يا مَرْحَبًا

لقِيتُ هَمًّا صَعَدَا
ما حِيلَتِي مِنْ مأْزِقِي

العجوز مُتَعَجّبة:

لقِيتِ أمْرًا رَشَدَا
لكَاعِ! خَطْبٌ هيّنٌ

وَجَدتِّ فيهِ الكَمَدَا
أَبُرْنُسٌ وَنَسْجُهُ

الزّوج مقاطعة:

بِأنْ يَدُومَ أبَدَا
لَكِنَّهُ مُقَيَّدُ

العجوز:

وعَجِّلِي بِنَسْجِهِ
دَعِي الكَلامَ جَانِبًا

بِوشْيهِ ودَبْجِهِ
حتَّى إذَا نَمَّقْتِهِ

عِنْدَ تَمَامِ نُضْجِهِ
فأعْلِمِيني وَقْتَها

بعد أيّام تنهي الزّوج البرنسَ وتدعو العجوز:

وجُزّي الشَكَّ بالحَقِّ اليَقِينِ
لَقَدْ تَمَّ النَّسِيجُ فأخْبِرِينِي

وَتَفْنَى الرَّاسِيَاتُ مَعَ السِّنِينِ
فَكَيْفَ يَدُومُ بُرْنُسُنَا سِنِينًا

وَتَهْوَى فِيهِ خَائِبةً ظُنُونِي
كَأنِّي بِالخْيُوطِ وَقَدْ تَهَاوَتْ


فَيَا وَيْلِي! فَذَاكَ اليَوْمُ آتٍ

العجوز تقطع كلامها متذمرةً:

رُوَيْدَكِ يا مُكَحَّلةَ العُيُونِ


لَكُنْتِ اليَوْمَ أذْكَى مِنْ إياسِ
فَلَوْ سَاوَى ذَكَاؤُكِ حُسْنَ وَجْهٍ

الزّوج متمتمة:

فَلَسْنَا الآنَ فِي زَمَنِ النُّوَاسِي
ذَرِي الأشْعَارَ والكَلِمَ المُقَفَّى

العجوز تشير إلى البرنس بعصاها لتسحره:

يَدُومُ بِفِعْلِهَا رثُّ اللّبَاسِ
فَدُونَكِ لَعْنَةٌ مِنْ سِحْرِ جِنٍّ

فَلا شَيْءٌ أرَاهُ يَفُوقُ بَاسِي
فَقَرِّي يَا صُوَيْحِبَتِي عُيُونًا

















الفصل الثاني


الزّوج الأخيرة توشك أن تضع حملها، والعجوز تنبئها الجنُّ أنّها ستلد توأمين، ذكرا وأنثى، كالقمر والشّمس حسنا وجمالا، وتخشى العواقب على صاحبتيها.

العجوز تخاطب الزّوجين:

فِي بَطْنِها وَلَدَانِ
تِلْكَ البُنَيَّةُ فاعْلَمَا

ذَا سُلْطَةٍ وَمَكَانِ
وسَيُصْبِحَان بقَصْرِنا

والبِنْتُ كالعِقْيَانِ
فالطّفْلُ يوسُفُ حُسْنِهِ

والجِنُّ تَنْصَحُنِي بِقَتْلِهِمَا فَمَا تَرَيانِ؟

فِي طَاعةِ الشّيْطَانِ
وَلَقَدْ همهمت بِفِعْلَتِي

قَدْ أُخْرِجَا مَيْتَانِ
وعزاؤُنَا لأمِيرِنَا

الزّوج الأولى:

لَنْ يُقْتَلُ الطِّفْلَانِ
القَتْلُ شَيْءٌ مُنْكَرٌ

مِنْ قَبْضَةِ الرّحْمنِ
منْ ذا يُخَلِّصُ رُوحَنَا

الزّوجُ الثّانية:

واللّهُ ذُو غُفْرَانِ
فِي البَحْرِ نُلْقِي حِمْلنا

عند الولادة
العجوز تَقْبِلُ المرأة، وعند الولادة تضع مكان الولدين جروين من الكلاب، وتخرِج الولدين من باب خلفيّ في صندوق، تعطيهما لأحد الغلمان ليرميهما في البحر.

الأمير بحماس ينتظر البُشرى مع زوجيه.

العجوز تخرج من الغرفة متصنّعة الحزنَ:

وتُؤْمِنُ بالقَادِرِ الصَّانِعِ
أميرَ البِلادِ تُحِبُّ الإلهَ

تَهُونُ عَلَى عَبْدهِ الطّائعِ
وللّه في خَلْقِهِ حِكْمَةٌ


فما قدّرَ الربُّ مُسْتَحْكِمٌ

الأمير يشعر بما ستقوله:

رَضِيتُ بذَا القَدَرِ الفَاجِعِ

أبيني..

العجوز تتظاهر أمام الزوجين أنّها تريد الانفراد بالأمير.

وَلَكِنْ..

الأمير يأمر زوجيه بالانصراف.

نَعَمْ أَكْمِلِي..

العجوز متلعثمةً..
الأمير فارغًا صَبره:

أكْمِلِي..

العجوز متباكيةً:

...فَلَيْسَ المُقَدَّرُ بالرّاجِعِ


قَضَاءُ المُهَيْمِنِ يا سَيِّدِي
بجَرْوَيْ كِلابٍ أتَتْ زَوْجُكُمْ

الأمير يأمر بزوجه فتلقى مع الخدم:

وَمَنْ نَكَثَتْ وَعْدَها تُبْعَدِ
لقَدْ نَكَثَتْ زَوْجَنا وَعْدَها

مَكَانُ الخَؤُونِ معَ الأعْبُدِ
جناحُ العَبيدِ لها مَسْكَنٌ

بعد مدّة طويلة، كان البحر قد ألقى بالولدين على شاطئ البحر، فأخذهما أحدهم، ورباهما حتّى كبرا.

الولد يخاطب أخته:

فَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى التَّرْحَالِ أُخْتَاهُ
النَّاسُ تَلْمِزُنا أنَّا بلا نَسَبٍ

أو لمْ أجِدْهُ فإنّا حَسْبُنَا اللهُ
فإنْ وَجَدْتُ أبِي فَتِلْكَ طِلْبَتُنَا

الأخت:

وصَاحِبُ الحَقِّ يومًا سَوْفَ يَلْقَاهُ
نَعَمْ أُخَيَّ فَسَعْيُ المَرْءِ مَحْمَدَةٌ


سافر الأخ وأخته إلى بلاد أبيهما وكانت أقرب بلاد منهما، وحينما وصلا إليها رآهما أبوهما الأمير، وكان في موكبه فأبهره حسنهما وجمالهما، فأمر لهما بمكانٍ قرب قصره.

العجوزُ تعرف الولدين، وتجمع الزّوجين:

وبِدَارِنَا حلَّ الخَطَرْ
حَلَّ الوَلِيدُ وأُخْتُهُ

قَبْلَ المَآلِ المُنْتَظَرْ
وَجَبَ القَضَاءُ عَلَيْهِمَا

والشَرُّ في ذَاكَ الشَّرَرْ
فالنّارُ أدْنَتْ حَرَّهَا

نَكْراءَ مِنْ إحْدَى الكُبَرْ
إنِّي ظَفِرْتُ بِخُطَّةٍ

الزّوجان:

ولكِ المَحَامِدُ والشُّكُرْ
أنْتِ النّجاةُ فَنَجِّنا

العجوز تختلف إلى البنت في بيتها وتحاول زجّ أخيها في مهمّة بغية قتله.
العجوز:


يَا مَرْحبًا بِكَ زَهْرَةً عَبَقَتْ هُنا

ثمّ تمدّ يدًا حانية إلى وجه البنت:

سُبْحَانَ منْ خَلَقَ الجَمَالَ فَأَبْدَعَا


جُبِلَتْ خَلائِقُنَا عَلَى سَمْعِ الدُّعَا
إنْ رُمْتِ شَيْئًا فاطْلِبِيني أسْتَجِبْ

العجوز تجول بطرفها في أنْحاء البيت ثم تستأنف:

والبَيْتُ يَنْقُصُهُ طُيَيْرُ العَبْقَرِ
إِنِّي أرَاكِ حَزينةً وَوَحِيدةً

وَسَبَى الخَرَائدَ مِنْهُ حُسْنُ المَنْظَرِ
بزَّ الغَرِيضَ وَمَعْبَدًا بِغِنَائِهِ

تاللّهِ ربِّ مُحَمَّدٍ لا أمْتَرِي
وأَرَى بأنَّ أخَاكِ شَهمٌ فَارِسٌ

كلُّ العَسِيرِ بِدَرْبِهِ لَمْ يَعْسُرِ
وإذَا أحَبَّكِ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ

الأخت لأخيها بعد عودتهِ للبيت حزينةً وكانَ قد أثّر فيها كلام العجوز:

طُيَيْرَ العَبْقَرِ الشَّادِي
أُرِيدُ الطّيْرَ فِي عَجَلٍ

بألْحَانٍ وإنْشَادِ
يُغَنِّينِي ويُؤْنِسُنِي

وَهَمِّي رَائِحٌ غَادِ
فَهَذِي الدّارُ مُوحِشةٌ

الأخ:

وعِنْدَ الصُّبْحِ مِيعَادِي
غدًا يأتِيكَ يا أخْتِي

وإنّي الضّيْغَمُ العَادِي
بإذْنِ اللّٰهِ أجْلِبُهُ

يسير الأخ نحو أرض طائر العبقر، وفي طريقه يسمع صوتا خافتا ينبعث من بئر قريبة منه وأمامها فرس جنّية، يطلّ من حافتها فإذا شخص موثقٌ بقيد، فينزل وينقذه.

الجنّي:

وَكُنْتُ مُكَبّلا فِي سِحْرِ سَاحِرْ
لقَدْ ألغَيْتَ سِحْرِيَ يَا رَفِيقي

أرَاكَ مُسَافِرًا نَحْوَ المَخَاطِرْ
فأخْبِرْنِي، جَزَاكَ اللّٰهُ خَيْرًا

فذِي أرضٌ مَسَاكِنُها لجِنٍّ

الأخ:

قَصَدْتُ دِيَارَكُمْ مِنْ أجْلِ طَائرْ


لَهُ نَغَمٌ بَدِيعُ اللَّحْنِ آسِرْ
يُنَادَى بِالعُبَيْقِرِ، راقَ حُسْنًا

الجنّي:

لهُ نَظَرٌ يُجَمِّدُ كُلَّ قادِمْ
فَخُذْ فَرَسِي فإنَّ الطَّيْرَ جنٌّ

وأقْبِلْ إِنْ رَأَيْتَ الطّيْرَ نَائِمْ
فأقْصِرْ إنْ رَأَيْتَ الطَّيْرَ صَاحٍ

وتَمْضِ بهِ إلَى الأهْلِينَ سَالمْ
فإنْ أمْسَكْتَهُ فالسِّحْرُ وَلَّى

يظفر الأخ بالطّير ويمضي به إلى أخته غانما.
تسمع العجوز بالخبر فتدعو الزّوجين للاجتماع.

العجوز:

وحَسِبْتُ إنّ رُجُوعَهُ لَمُحَالُ
جَاءَ الفَتَى بالطّيْرِ يَصْدَحُ صَوْتُهُ

مَنْ كانَ مِثْلي إنْ أرَادَ يَنالُ
لَكِنّ هَذَا لَنْ يَفُلَّ عَزِيمَتي

وَثِقَتْ، وإنَّ وُثُوقَها قَتَّالُ
لا سِيّما والأخْتُ طَوْعُ بَنانِنَا

تعود العجوز إلى الأخت، تدخل البيتَ متصنّعة السّرور بسماع تغريد الطّير في جنَبات البيت:

وَأَرَى الحُبُورَ يُعَانِقُ الأرْجَاءَ
البَيْتُ زَاهٍ والمُغَرِّدُ جَاءَ

سُبْحَانَ رَبِّي أبْدَعَ الأشْيَاءَ
عَجَبًا لِمَنْظَرِهِ وَحُسْنِ نَشِيدِهِ

إنِّي أحِبُّكِ لا أرِيدُ جَزَاءَ
أرَأَيْتِ سَعْيِي فِي سَبِيلِكِ هَهُنَا!

تُطلق بصرها في نواحي البيت ثم تكمل كلامها:

والطَّيْرُ حَتْمًا يَعْشَقُ الأضْوَاءَ
لَكِنَّ بَيْتَكِ يَا جَمِيلةُ مُظْلِمٌ

يُدْعَى "المُنَوِّرَ" يَقْهَرُ الظَّلْمَاءَ
وهُنَاكَ ضَوْءٌ سَاطِعٌ لا يَنْطَفِي

واسْتَمْتِعِي فِي رَوْضَةٍ غنّاءَ
فإذا أتَاكِ يَتِمُّ سَعْدُكِ عِنْدَها

في نِعْمَةٍ لا تَعْرِفِينَ شَقَاءَ
شَدْوُ "العُبَيْقِرِ" و"المُنَوِّرُ" سَاطِعٌ

الأخت لأخيها عند قفوله تخبره برغبتها في الحصول على المُنَوّر:

أنْتَ لِي دَوْمًا مُجِيبْ
يَا أخُيَّ يَا حَبِيبْ

أَطْلُبُ الضّوْءَ العَجِيبْ
فأجَبْنِي فِي مُرَادِي

يمضي الأخ إلى صديقه الجنّيّ وبمعونته يفلح في جلبه.
العجوز تكاد تموت كمدا وغما عند سماع الخبر، وتذهب في زيارة الأخت مرّة أخرى.

العجوز:

تَمَّتْ سَعادَتُنا فَلْنَحْمَدِ اللّٰهَ
الحَمْدُ للّٰهِ حَمْدًا لا نَظِيرَ له

آلاءُ ربِّيَ لَسْنَا الدَّهْرَ نَنْسَاهَا
شَدْوٌ ونُورٌ وهَذا الرَّبْعُ يَجْمَعُنا

تسكت العجوز قليلا ثم تردف قائلةً:

إذَا أخُوكِ بذَاتِ الدَلِّ قَدْ تَاهَا
إِخَالُ فَرْحَتَنَا تَرْقَى لِذِرْوَتِها

الأخت مندفعةً:

مَنْ هِيْ؟

العجوز:

كَأنَّها قَمَرٌ بَلْ فَاقَتِ القَمَرَا
...سُكَيْنَةُ! شَيْخُ الجِنِّ وَالِدُهَا

كَأنَّ ناظِرَها مِنْ حُسْنِها سُحِرَا
إذا تَراءَتْ فَهَذِي الشَّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ

البنت تستقبل أخاها عند عودته وتخبره بخبرها، يلبّي الأخ طلب أخته،
ويخرج مع الفجر قاصدا صديقه الجنّيَّ.

الجنّي:

ودُونَ مَنالِها هَوْلٌ وجِنُّ
سُكَيْنَةُ يَا أخِي شَيْءٌ عَظِيمٌ

فلا أدْرِي بِأيِّ العَامِ نَحْنُ
وتَرْقُدُ عامَهَا وتَقُومُ عَامًا

فإنْ كَانَتْ بِيَقْظَتِها سَتَدْنُو
فإنْ شَارَفْتَ مَنْزِلَهُمْ فَنَادِي

فَلا يَظهَرْ لجِنٍّ مِنْكَ جُبْنُ
فَيَبْدُو شَكْلُهَا وَحْشًا مُخِيفًا

فَكُنْ بَطَلًا، وأنْتَ لَهَا أَظُنُّ
فإنَّ الجِنّ للجُبَنَاءِ حَرْبٌ

الأخ:

وأرْجِعُ للدّيارِ مَعِي سُكَيْنُ
سَأُرْخِصُ مُهْجَتِي مِنْ أجْلِ أخْتي

ولسْتُ بخائفٍ فالخَوْفُ شَيْنُ
بإذْنِ اللّٰهِ مُنْقَلِبٌ بِحَاجِي

يظهر الأخ شجاعة وبسالة قل نظيرهما، ويحظى بسُكينةَ.

العجوز تفزع إلى الزّوجين بعدما سمعت بمقدم سكينة:

بِبَسَالةِ الوَلَدِ الشُّجَاعْ
هذي النّهايَةُ أوْشَكَتْ

فَعَلَى جَماعَتِنَا الوَدَاعْ
جَمْعِي تَفَرّقّ شَمْلهُ

فَتَأهَّبَا، رُفِعَ الخداعْ
وَيْلِي! سُكَينةُ بيننا

الزّوج الأولى متهكمة:

!والسِّحْرُ قُولي والاِضْطِلاعْ
أَيْنَ الحَبَائِلُ أُمَّنَا

الزّوج الثانية تردف بسخرية:

!أَوَلَسْتِ مَرْيَمَنَا الصَّنَاعْ
عَجَبًا لِخَطْبٍ هَيَّنٍ

العجوز:

أسَفِي لِنُصْحٍ لا يُطَاعْ
قَد أعْذَرَتْ مَنْ أنْذَرَتْ



الفصل الثالث (الأخير)

الأمير يدعو الجميع لسهرة في قصره، الولدين وسكينةَ وزوجيه والعجوز.

الملك ينظر إلى الولدين وسكينةَ وقد أعجبه حسنهم:

حَتَّى يَفُوزَ الشَّخْصُ بالآدابِ
إنَّ المَحَاسِنَ ليْسَ تَرْفَعُ وَحْدَهَا

سكينة:

إنْ شَاءَ ربُّ القَصْرِ أُلْقِ خِطَابِي
عِنْدِي لَكُمْ أدَبٌ وشِعْرٌ مَاتِعٌ

الأمير يشير أنْ تكلّمي.

سكينةُ:

تَحْتَ الظِّلَالِ بِجنّةٍ فَيْحَاءِ
فِي سَاحةٍ جَمَعَتْ ثَلاثَ نِسَاءِ

وَكَذَا التّمَنِّي مَرْكَبُ الضُّعَفَاءِ:
أولاهُمَا قَالَتْ ويَحْدُوها المُنَى

تُبْدِي مَوَدَّتَها عَلى اسْتِحْيَاءِ
ليْتَ الأمِيرَ يَكُونُ زَوْجًا للّتِي)

أقْرِي بِهِ زُمًرًا بِغَيْرِ مِرَاءِ)
إنْ كَانَ ذاكَ فأكْلُ فَرْدٍ فاسْمَعَا

بَعْضُ الوُعُودِ كَمِثْلِ شُرْبِ الماءِ:
ثُمَّ انْبَرَتْ أخْرَى بِوَعْدٍ عَاجِلٍ

فَخُيُوطُهُ مَوْصُولةٌ بِبَقَاءِ)
(ولهُ عَلَيَّ رِدَاءُ تِبْرٍ خَالِدٌ

بَدَأَتْ بِذِكْرِ اللّٰهِ ذِي الآلاءِ
أمَّا الأَخِيرَةُ خَيْرُهنَّ مَنَاقِبًا

بَدْرُ السَّمَا والبِنْتُ شَمْسُ ضَحَاءِ)
(إنْ شَاءَ ربّي، تَوْأمَانِ هَدَيِّتِي

والأُخْرَيانِ هُمَا مِنَ الأعْدَاءِ
وَفَّتْ بإذْنِ اللّٰهِ ما وَعَدَتْ بهِ

تأخذُ الحضور الدّهشة ويسودُ الصمت، يتكلّم الأمير متعجّبا:

هذَا أنَا! لَكِنْ خَلَطْتِ حِكايَتِي، بِنْتَ السّناءْ

والأخْرَيَانِ هُمَا الوَفَاءْ
إنّ الأخِيرَةَ أخْلَفتْ

سكينة:

وهاكَ نِهايةَ الإفْكِ الحَرَامِ
ألا فاسْمعْ فذَا فَصْلُ الكَلامِ

تشير إلى زوجه الأولى:

ورُحْتَ مُحَمَّلًا ثِقَلَ المَلَامِ
لقَدْ رَاحَ الضُّيُوفُ خِمَاصَ بَطْنٍ

وفَوْقَ المِلْحِ ذَرَّاتُ الطَّعَامِ
فقَدْ كَانَ الطّعامُ قِصَاعِ مِلْحٍ

ثم تستديرُ إلى الزّوج الثانية:


رِدَاؤُكِ كَانَ مِنْ نَفَثَاتِ سِحْرٍ

ثم تقبل بوجهها إلى العجوز:

عَجُوزُ القَصْرِ مُحْكِمَةُ الزِّمَامِ


وآتَتْ توأمَيْنِ .. فَخُذْ كَلامِي
وَأَمَّا زَوْجُكَ الأخْرَى فَوَفَّتْ

فإنَّ الحَقَّ ما قالَتْ حَذَامِ"
"إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوها

الأمير لا يكاد يصدّق ما تسمع أذناه:

أحَقًّا؟..

سكينةُ:


...إِيْ وربّي مَنْ براني

ثمّ تنظر إلى العجوز ساخرة:

وقَدْ تُنْبِيكَ صَاحِبَةُ المُقَامِ

مِنَ اوّلِ حِيلَةٍ حَتَّى الخِتَامِ
فجِنُّكِ أَخْبَرَتْنِي كُلَّ شَيْءٍ



الأمير يأمر العجوز بالتّحدث:

وَزَوْجَاكُمْ هُمَا أصْلُ السَّقَامِ
صَحِيحٌ كلُّ ما قَالَتْ أمِيرِي

وَلَوْ بالشَّرِّ والحِيَلِ العِظَامِ
حريمُ القَصْرِ أَمْرُهُمَا مُطَاعٌ

الزّوج الأولى:

وَأَوْلَى يا خَبِيثَةُ بالمَلَامِ
كَذبْتِ! بَلَ انْتِ شَيْطَانٌ رَجِيمٌ

فأنْقَذْنَاهُمَا مِنْ ذَا المَقَامِ؟
ألسْتِ أرَدْتِ بالولدَيْنِ شَرًّا

الزّوج الثانية:

وكَانَا مُوشِكَيْنِ عَلَى الحِمَامِ
وأَلْقيناهما في البَحْرِ لَيْلًا

الأمير بحزن:


أَيَا وَلَدَيَّ لَيْتَكُمَا تَعُودَا

سكينة:

أمَا وَاللّٰهِ إنَّهُمَا أمَامِي



تنكشفُ الحقيقة، الأمير يرتجف في مكانه، يقوم الولدان إلى أبيهما يعانقانه ودموع الفرح تملأ العيون.

الأمير يبعث في طلب أمّ ولديه ويعتذر منها:

فأنِّي غَارِقٌ فِي كلِّ ذَامِ
أقِيلِي عَثْرَتِي فالذَّنْبُ ذَنْبِي

الزّوج:

وربِّ النَّاسِ والبَلَدِ الحَرَامِ
عفوتُ فأنتَ لمْ تَقْصِدْ أذَاتِي

ثم تنظر إلى ولديها وعيناها تذرفان:

بَرَانِي الوَجْدُ عامًا بَعْدَ عَامِ
أَيَا وَلَدَيَّ يَا أُنْسِيْ هَلُمَّا

يقبل الأولاد على إمّهم يعانقانها والعبرات تترقرق والحبور يعم العائلة الجديدة.
الأمير يأمر بالعجوز وبالزوجين أن يُلْقَينَ في السّجن لينلنَ جزاء أفعالهنّ القبيحة:

يُقِمْنَ الدَّهْرَ في سُدَفِ الظَّلَامِ
مَكانُ الخائِناتِ وُلُوجُ سِجْنٍ

لكَانَ الأجْرُ مِنْ حَدِّ الحُسَامِ
ولَوْلا أنَّنِي فَرِحٌ بِجَمْعي

سكينة:

وَوَجْهُ الحقِّ كالبَدْرِ التَّمَامِ
رَأَيْتُ الظُّلْمَ في الدُّنْيا كَلَيْلٍ

فَعِيشُوا ما حَيِيتُمْ في سَلَامِ


سَلامُ اللّٰهِ يَغْمُرُكُمْ جَمِيعًا

تختفي سكينةُ من المجلس عائدة إلى ديارها، بعدما رفعتْ ستار
الكذب عن وجه الحقيقة.

يسدل الستار
النهاية.


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 04:38 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ