الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعدُ :
فإن علم العقيدة هو أشرفُ العلوم على الإطلاق لتعلقه بأعظم معلوم وهو الله

، وقد قال ابن القيم رحمه :

شرف العلم تابع لشرف معلومه

، ومن أعظم المسائل المتعلقة بأمور العقيدة وأخطرِها مسائلُ الصفات ؛ فقد ضلت فيها فرقٌ كثيرةٌ يجمعها التعطيلُ لصفات الله

من معتزلةٍ وأشاعرةٍ وماتريديةٍ وغيرهم ، وعصم الله

أهلَ السنة ففازوا بإثباتِ الصفات من غير تشبيه ، ونفي النقائص من غير تعطيل ، ولعظيم أمر الصفات في العقيدة نذكر ثلاثة تأصيلاتٍ قرَّرَ بها الأئمةُ إثباتَ الصفات لله

، وهي كافيةٌ في تقرير مذهب السلف والردِّ على المعطلة ، واقتصرنا على هذه التأصيلات الثلاثة لقوتها في الرد وقلة استدلال طلاب العقيدة بها ؛ فنقول وعلى الله نعتمد :
✍️ التأصيلُ الأولُ : فهمُ أصحابِ اللسان العربي في زمن النبوة لذلك :
من أعظم ما يثبت صفاتِ اللهِ

على حقيقتها أنها نزلت بلغة يعرفها أهلُ ذاك الزمان ؛ فهو سبحانه يخاطبهم بما به يتخاطبون ؛ فالقول بأنه سبحانه أراد بلفظة ما مرادا غيرَ ما يعرفه أهلُ اللسان العربي باطل كلَّ البطلان ؛ فمثلا قوله

:

ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

فاسما السميعِ والبصيرِ لا يمكن بحال أن يُحملا على غير المعنى الذي في هذين الاسمين ؛ فصاحب اللسان العربي يفهم منه قطعا المعنى الذي استعمل فيه هذا اللفظ والخروج عنه إلى غيره تحكُّمٌ بغير دليل وسَفَهٌ وقلةُ عقل .
ويقول في ذلك الإمامُ العلامةُ الكبيرُ بِحَقٍّ محمد سالم بن عبد الودود الشهير بـ ( عَدُّود ) الشنقيطي

:
١- الظاهرُ الذي عليه نبقي

موهمَ تشبيه لرب الخلقِ
٢- هو الذي أهلُ اللسان فهموا

إذ نزل الوحيُ به عليهمُ.
وهذا من أحسن ما يقرر ذلك ويرد على أهل التعطيل .
✍️ عدمُ استشكال الصحابة لهذه المعاني :
ومعنى ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يؤثرْ عن أحدٍ منهم أنه استشكل المعنى المرادَ من آيات وأحاديث الصفات ، وهم يسمعون رسول الله

يتلو عليهم آياتِ الصفات ويخبرهم بما أوحى الله إليه من أحاديث الصفات ؛ فلم يقل أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الصحابة لرسول الله

: أبِنْ لي المرادَ من هذه الصفة ، أو أشكلَ عليه فهمُ معناها ، بل سمعوها منه واعتقدوا معانيَها على الوجه الشرعي المرعي المرضي ، ولم يتكلفوا ما تكلفه أهلُ التعطيل من تحريف وتأويل ونحوهما .
وفي هذا يقول العلامة محمد سالم عَدُّود

:
١- فلا أبو بكر لخير الرُّسلِ

يقولُ أشكلَ علي اشرحه لي
وهذا كذلك من أحسن ما يقرر ذلك .
✍️ عدمُ اعتراضِ المشركين عليها :
وهذا أيضا من أعظم ما يدل على أنها تُثبَتُ كما جاءت ، وذلك أنه من المعلوم أن المشركين لا يألون جهدا في محاربة الله ورسوله

وإلصاق التهم الباطلة المنفرة عنه وعن الدين الذي أرسل به ؛ فقد رمَوا رب العزة بالنقائص

الله عن ذلك ، لكن معَ ذلك لم يرموه سبحانه بما أراد أهلُ التعطيل تنزيهَه منه كما زعموا ، فلم يقولوا مثلا : إن محمدا يأمركم أن تعبدوا ربا يشبه البشر له عينان كالبشر وقدم كالبشر ووجه كالبشر ، أو أنه في آية :

ليس كمثله شيء وهز السميع البصير

نفى مشابهة ومماثلة المخلوقين ثم أثبت ما نفى ، مع أنهم لا يفوتون مثل هذه الفرصة لو لاحت لهم ، لكن لأنهم أهل لسان يفهمون المعاني لم يقولوا ذلك ؛ فهذا لعمر الله من أعظم ما يبطل ما عليه أهل التعطيل من أهل الفرق المنحرفة في باب الصفات ،
وفيه يقول العلامةُ محمد سالم عَدُّود :
١- ولا أبو جهلٍ يقولُ اختلفا

أثبتَ ما من التماثلِ نفى
فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.