|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
#1
|
|||
|
|||
![]() لِمَ عُرِّفت « السفينة » في سورة الكهف ، ونُكِّر « الغلام » ، و « القرية » ؟
قالَ ![]() ![]() ![]() وقالَ : ![]() ![]() ![]() ![]() فكيف فرَّقَ بين هذه الثلاثةِ ؟ وكيف عرَّف « السفينة » ولم يتقدَّم لها ذكرٌ ؟ ينبغي أن نعلمَ أولُ أنَّ التعريفَ ، والتنكيرَ مبحثٌ نحويٌّ متصِلٌ بعلم المعاني ، من قِبَل دورانِ الكلمةِ بينَ هاتين الحقيقتينِ دورانًا ربَّما أشكلَ الفصلُ فيه على المتكلِّم غيرِ البصيرِ بمواقعِ الكلام ، ووجوهِ الخِطابِ ، ودقائقِ الأحوالِ . ينبيك بهذا قولُ امرئ القيس بن حُجْرٍ : مِسحٍّ إذا ما السابحات على الونَى ![]() ![]() ![]() فقد روى جمهور الرُّواة : ( الغبار ) ، وروى الأصمعيُّ : ( غُبارًا ) . وقولُه : فعنَّ لنا سِربٌ كأنَّ نِعاجَه ![]() ![]() ![]() فقد روى جمهور الرواة : ( ملاءٍ ) ، وروى الأصمعيُّ : ( الملاءِ ) . ولا شكَّ أيضًا أنك ترى مقدارَ الاختلافِ بينَ نُقَّاد القصائدِ ؛ فمنهم من يدَّعي أن التنكير في موضعٍ مَّا للتحقيرِ . ومنهم من يقولُ : هو للتعظيمِ . ومنهم من يقول : هو لا يفيدُ هذا ، ولا ذاك . ثم لا تجدُهم يُبدونَ لك عن معيارٍ منصوبٍ تستطيعُ أن تحتكم إليه ، وترضَى بقضائه . من أجل ذلك كانَ معرفةُ الفصلِ فيه من آياتِ البلاغةِ التي لا يُهدَى إليها إلا مَن راضَ نفسَه بمحاسنِ الكلامِ ، وعوَّدَها طُرُقَ الإصابةِ ، وأوتيَ من الذوقِ ، ولُطفِ الحِسِّ ما استغنى بهِ عن الأصولِ الموضوعةِ ، والقواعدِ المستحدَثةِ . فأمَّا الذي لا يَزال بحاجةٍ إلى أصولٍ يضبطُها تكونُ له مرجعًا في ما يعرِضُ لهُ من المسائلِ ، فنذكرُ له إن شاء الله حقيقةَ هذا البابِ بما نرى فيه القصدَ ، والسَّدادَ ، ونبيِّن علاقتَه بالبلاغةِ ، ثم نلتفِت إلى الآية الكريمة ، فبيتي امرئ القيس المتقدِّمين . الأصلُ في الكَلِم هو التَّنكيرُ ؛ وذلك أنَّ الألفاظَ الموضوعةَ لتكونَ دلائلَ على الأشياءِ إنما وُضِعت لتكونَ شامِلةً لكلِّ فردٍ من أفرادِ الجنسِ ما توفَّرت فيهِ حقائقُ معيَّنةٌ لا تقومُ ماهيَّتُه إلا بها ؛ فإذا قلتَ : ( كتاب ) ، دخلَ في هذا كلُّ ما كانَ مؤتلِفًا من أوراقٍ على نحوٍ معلومٍ ، ولم يستبن فردٌ منها عن فردٍ ؛ فاحتاجت العربُ إلى الفصلِ بينها ، وتمييز بعضها من بعضٍ ، فلجأت إلى طرائقَ مختلِفةٍ ؛ كلُّها يجمعُها اسمُ التعريفِ ؛ منها التعريف بـ « أل » ؛ فألحقتها أوائلَ الكلِمِ لتَدلَّ على أنَّ هذا الشيءَ معروفٌ عندك أيُّها المخاطبُ ، وأن لك به سابقَ علمٍ ، وأنه ليس كسائرِ الأفرادِ . والسبيلُ إلى معرفةِ هذا الفرْد المعرَّفِ أن يَّكونَ أوَّلاً مشارًا إليهِ ، كما لو قالَ لك قائِلٌ : ( اقرأ الكتاب ) ، وأعطاكه بيدِه ؛ فهو معرِفةٌ عندَك بالحالِ . فإن عِدمتَ هذا ، ففتِّش عن الكلمةِ المعرَّفةِ في ما مضى من الكلامِ ؛ فإذا وجدتَّها سبقت ، فهي المراد تعيينُها . ومن ذلك قوله ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() فـ « أل » إذن لا تفارقُ التعريفَ في أصل وضعها . ولا يصِحُّ تقسيمُها إلى جنسيَّةٍ ، وعهديَّةٍ ، ثم تقسيمُ الجنسيَّة إلى دالَّة على الحقيقة ، ودالَّة على الاستغراقِ ، ثم تقسيمُ العهديَّة إلى ذكريَّة ، وعلميَّة ، وحضوريَّةٍ ؛ بل كلُّها للتعريفِ ، وحقيقتُها واحدةٌ لا تختلِف ؛ وإنما الاختلافُ بينَها في المراجِع التي يرجِع إليها التعريفُ وحسبُ . وهي في هذا تُشبِه الضمير ؛ فكما أنَّ رجوعَه قد يكون إلى اسم يتقدَّمه ، وقد يكون إلى المفهوم من فعلٍ سابقٍ له ، وقد يكون إلى ما لا ذكرَ له في الكلامِ ، وهو مع ذلكَ لم يُقسَّم من هذا الوجه ، فكذلك المعرَّف بـ « أل » . فأمَّا ما استحَقَّ التعريفَ من الكَلِم ، فلا يجوز تنكيرُه بحالٍ ولو مجازًا ؛ وإنما تنكِّرُه العربُ باسم الإشارةِ مع التعريفِ بأل ؛ فأمَّا التعريفُ بأل ، فللتمييز من سائر الأفراد . وأما الإشارة ، فلبيانِ أنَّه نكِرةٌ حتى معَ تعريفِه ؛ فهو يحتاج إلى تعريفٍ آخَرَ . وأمَّا ما استحقَّ التنكيرَ ممَّا لا يُراد بهِ فردٌ معيَّنٌ ، فلا يُعرَّف إلا لغرضٍ بلاغيٍّ كما سيأتي . واعلمْ أنه لا يمكن أن يأتيَ التنكيرُ لغرضٍ بلاغيٍّ البتةَ ، لأن التنكيرَ هو الأصلُ ، وهو الذي اقتضاهُ المعنَى . ومن شرط صحَّة العلَّة أن يتعلَّق الحُكْم بها وجودًا وعدمًا . وهذه لو أبطلنا العلَّة فيها ؛ وهي إرادة الغرضِ البلاغيّ ، لما زالَ الحُكْم ؛ وهو التنكيرُ . وهذا الذي ذكرتُ من أحكام التعريف بـ « أل » إنما هو نبذة مختصرة مهَّدتُّ بها لما بعدَها . ونأتي الآنَ إلى الآية الكريمةِ ؛ فننظر لِمَ عُرِّفت ( السفينة ) دونَ ( الغلام ) ، و ( القرية ) ؟ ليس في هذه الآية دليلُ حالٍ ، ولم يجرِ للسفينة ذِكر ؛ فيعودَ التعريف إليها ؛ فيبقَى إذن احتمالانِ : الأول : أن يقال : إنَّ في قوله ![]() ![]() ![]() ![]() الثاني : ألا يكونَ ثمَّةَ مرجِعٌ لـ « أل » ؛ فيكون تعريفُها تعريفًا لفردٍ منها غيرِ معلومٍ لدى السَّامعِ من طريقِ المجازِ ( استعارة مكنيَّة ) ؛ كأنَّه يخبِرُك أنَّ هذا الشيءَ معروفٌ لديك ، ويدعوك إلى تذكُّر صفاتِه ؛ كأنَّه قالَ : ( أرأيت هذا الشيءَ المعروفَ بعظمتِه ، وبحملِه الأثقالَ ، والبشرَ ، فإنَّ الخضِر خرقَه ) . وذلك كثيرٌ في مقامات التهويل ، أو التعظيم . وإنما ذلك ليبيِّن عِظم ما فعلَه من خرقِها في عين موسى عليه السلام . وآية ذلك أنه قال بعدُ : ![]() ![]() ![]() وزعمَ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أنَّ لامَ ( السفينة ) للعهد الذهنيِّ [ التحرير والتنوير 6 / 375 ] ، ومثَّل لها بـ « وأخاف أن يَّأكله الذئب » ، وذكرَ في هذه الآية الأخيرة آيةِ يوسفَ أنَّها لتعريف الجنسِ [ السابق 5 / 231 ] ؛ فإن كان يريدُ بلام ( السفينة ) العهدَ الذهنيَّ كما قال في موضعها ، فإما أن يَّكون قصدُه بالعهدِ الذهنيِّ أن يكونَ بين المتكلِّم والمخاطَب عهدٌ سابِقٌ فيه ؛ فيكونُ الشيخُ لم يبيِّن في لامِ السفينة كيفَ هذا العهدُ أوَّلاً ، ويكونُ هذا المعنى ثانيًا غيرَ صالحٍ إجراؤُه في الآيتين ، ويكون قد ناقضَ كلامَه ثالثًا ، لأنَّ لامَ الجنس أو الحقيقة غير لامِ العهدِ . وإن كان قصدُه بالعهد الذهنيِّ أن يكونَ المتكلِّم يريدُ بهِ فردًا مبهمًا من أفراد الحقيقة من حيث عهدُه إيَّاه في ذهنِه ، فهذا أوَّلاً معنًى لا يصِحّ ، لأنَّه حين إذٍ ليس معرفةً حقيقةً ، ولا مجازًا ، وثانيًا لو قدَّرنا أنَّه معرفةٌ في ذهنِ المتكلِّم ، فليس بمعرفةٍ عند المخاطبِ ؛ والتعريفُ إنما هو للمخاطبِ ، لا للمتكلِّم ، كما أنك لا تأتي إلى رجلٍ خالي الذهن ، وتقول له : اشتريتُ الكتاب ، وقرأتُه ، إذا كان لا يدري أيُّ كتابٍ هذا الكتاب . ولا ينفعُك أن يكون معروفًا عندكَ إذا كانَ مجهولاً عندَه . ومثل هذا الضميرُ ؛ فإنَّك لا تقول لخالي الذهنِ أيضًا : ( جاء إليَّ ، فأكرمته ) إذا كان لا يعرفُ هذا الذي أضمرتَ عنه . وثالثًا يكون ناقض كلامَه السابقَ ؛ إذ جعلَ لام ( الذئب ) للجنس ؛ والجنسُ كما ذكرتُ غيرُ العهدِ . ويكون رابعًا غيرَ مزيلٍ للإشكالِ ، ولا كاشفٍ عن وجه البلاغةِ ؛ إذ لِمَ لمْ يُعرَّف ( الغلام ) أيضًا ، و ( القرية ) بهذا القصد ؟ وإن كان يريدُ بلام ( السفينة ) الجنسَ ، فهو أولاً لم يبيِّن وجه البلاغة فيهِ ، ولا علةَ التفرقة بينه وبين ( الغلام ) ، و ( القرية ) ، وسمَّاه بغير اسمِه ثانيًا ، ولا يصِحُّ ثالثًا أن يسمَّى تعريفًا للجنس ، لأنَّ المعرَّف إنما هو فرْد من أفرادِه . وزعمَ الدكتور فاضل السامرائيُّ أن سبب تعريف ( السفينة ) أنَّه جاءت سفينةٌ مارّةٌ ، فناداها الخضرُ ، وموسى ، فعرفوا الخضرَ ، فحملوهما بدون أجر [ لمسات بيانية في نصوص من التنزيل 41 ] . أما الغلام فإنهما لقياه في طريقهم ، وليس غلامًا محددًا معروفًا . والردُّ على هذا هو ما ذكرنا آنفًا من أن مقتضى التعريفِ أن يَّكون معروفًا للمخاطبِ ، لا للمتكلِّم . وأمَّا بيتا امرئ القيس ، فأولهما قولُه : مِسحٍّ إذا ما السابحات على الونَى ![]() ![]() ![]() وهذه هي الرِّواية الحُسنى ؛ فقد أراد أن يصِفَ سرعةَ جريِ فرسِهِ ، وأنَّه إذا كان بينَ الجِيادِ السابحاتِ ، وقد بلغَ منهنَّ الإعياء مبلغَه ، وجعلن يُثرن الغبارَ لسرعةِ جريهنَّ ، وكرمِهنَّ ، وجدتَّ فرسَه ينصبُّ في جريه انصبابًا ، ولا يقصِّر عنهنَّ . و كانت ( الغبار ) بالتعريفِ أحسنَ ، وأبلغَ ، لأن هذا موضِع تهويلٍ ، وتوكيدٍ ؛ كأنَّه يريدُ أن يردَّك إلى تذكُّره بحقيقتِه ؛ فكأنه يقول : إنهنَّ يُثِرن الغبارَ المعروفَ من غيرِ تجوُّزٍ . وهذا أبلغُ في الدّلالة على سرعة جريِهنَّ ، ثم الدلالة على سرعة جريِ فرسِهِ . وأما الآخَر ، فقولُه : فعنَّ لنا سِربٌ كأنَّ نِعاجَه ![]() ![]() ![]() وهذه هي الرِّواية الحُسنَى ، وذلك أن الشاعرَ أرادَ أن يصفَ قطيعَ البقرِ الذي صادفه في صيدِه ؛ فشبَّهَه بالعذارى إذا لبِسنَ ملاءً ؛ وهو ضربٌ من اللِّباس يُلتحَف بهِ ، وكان هذا المُلاء مذيَّلاً ؛ أي سابغًا ، في حالِ طوافهنَّ حولَ ( دَوَار ) ؛ وهو صنم من أصنامهم . وذلك أنَّ البقرَ تكون بيضَ الظُّهور ، سود القوائم ؛ وكذلك العذارى في الملاءِ المذيَّل ، وأنَّ البقرَ يلوذ بعضها ببعضٍ ؛ وكذلكَ العذارى حولَ الصنمِ . وإنما كان التنكير هنا أحسنَ ، لأنَّ المَقام ليس مَقام تعظيمٍ أو نحوِه ؛ وإنما هو وصفٌ مجرَّد لا مبالغةَ فيه ، وليس ذِكرُ ( المُلاء ) على العذارى بالذي يدعو إلى العجبِ ، وليس تعريفُه بالذي يخدُم غرضَ الشّاعر ، ومقاصِده في شعرِه . والبلاغة ليست كلُّها في المبالغة ، أو التهويلِ ؛ وإنما البلاغة أن تضعَ كلَّ شيءٍ موضعَه ، وتخاطبَ كلَّ امرئٍ بما يعقلُه . فيصل المنصور
__________________
(ليس شيءٌ أضرَّ على الأممِ وأسرعَ لسقوطِها من خِذلان أبنائها للسانها وإقبالهم على ألسنةِ أعدائها)
|
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
![]() |
||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
سلا عنك القريب | أبو طعيمة | حلقة الأدب والأخبار | 4 | 23-10-2009 03:11 PM |
ماذا قصد أبو العلاء المعري ؟ | المعقل العراقي | حلقة الأدب والأخبار | 8 | 30-04-2009 08:33 AM |
لِمَ لا تكون ( مِن ) اسمًا ؟ | فيصل المنصور | حلقة النحو والتصريف وأصولهما | 7 | 27-04-2009 02:05 AM |