|
#121
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [ذكر من أنكر سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه] - أنكر المشركون والملاحدة والفلاسفة ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة من المسلمين عذابَ القبر ونعيمه وسؤاله، وقالوا: ليس لذلك حقيقة. - ذهب أبو الهذيل إلى أنه من خرج عن سمة الإيمان فإنه يعذب بين النفختين والمسألة فى القبر إنما تقع فى ذلك الوقت وهو قول للمريسى. - أنكر الجبائى وابنُه والبلخى وبعض المعتزلة تسمية الملكين منكرا ونكيرا، وقالوا: لا يجوز تسمية الملائكة بمنكر ونكير، وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه إذا سئل، والنكير تقريع الملكين له. - ذهب الجبائى أيضا وابنه والبلخى إلى إثبات عذاب القبر ولكنهم نفوه عن المؤمنين وأثبتوه لأصحاب التخليد من الكفار والفساق على أصولهم. - أنكر ضرار بن عمرو وبشر العربى ويحيى بن كامل، سؤالَ القبر مطلقا وأكثر متأخرى المعتزلة على هذا الرأى وهو قول للمريسى. - عزا أبو المعين النسفى إنكارَ عذاب القبر إلى المعتزلة والجهمية والنجارية أتباع الحسين بن محمد النجار، وقد عدها أبو الحسن الأشعرى من فرق المرجئة. - وعزا ابن حزم والأشعرى إنكار عذاب القبر إلى الخوارج.
__________________
|
#122
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [الدليل على سؤال القبر وفتنته من القرآن الكريم] من ذلك: 1- قوله ![]() ![]() ![]() فقد نزلت هذه الآية فى عذاب القبر فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ![]() ![]() ![]() ![]() حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ: ![]() ![]() وأما التثبيت فى الدنيا فهو قول لا إله إلا الله أو تثبيتهم بالخير والعمل الصالح. 2- قال الإمام البيهقى فى كتاب (إثبات عذاب القبر)[2]: باب: الدليل على أنه تعاد روحه فى جسده ثم يُسأل فيثاب المؤمن ويعاقب الكافر . ثم ذكر قوله ![]() ![]() ![]() قال: وقال فى الكفار: ![]() ![]() ثم ذكر بعض الآثار وحديث البراء بن عازب المشهور. 3- وقال أيضا: باب: الدليل على أنه بعد السؤال يعرض على مقعده بالغداة والعشى: قال الله جل ثناؤه: ![]() ![]() قال مجاهد: يعنى بقوله: ![]() ![]() 4- قال: باب: ما يكون على المنافقين من العذاب فى القبر قبل العذاب فى النار: قال الله جل ثناؤه: ![]() ![]() قال قتادة: فى قوله: ![]() ![]() 5- قوله ![]() ![]() ![]() عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله ![]() أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ![]() ![]() أتدرونَ ما المعيشةُ الضَّنْكَةُ؟" قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبَعُ رؤُوسٍ يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ."[5] 6- قال ![]() ![]() ![]() فهذا العبد الصالح قتله قومه فلما لقى الله قال له ادخل الجنة فلما دخلها ورأى ما فيها من النعيم تمنى أن يعلم قومه ما هو فيه من النعيم بسبب إيمانه وصبره فيؤمنوا. فهذا دليل على نعيم القبر إذ إنه مات فدخل الجنة. ______________________________ [1] صحيح: رواه البخارى (1369، 4699) وهو لفظه ومسلم (2871) [2] إثبات عذاب القبر للإمام البيهقى: 50 [3] السابق: 54 [4] السابق: 56 [5] حسن: رواه ابن حبان (3112 / إحسان / ألبانى ) وهو لفظه، وأبو يعلى (6644) والبيهقى فى إثبات عذاب القبر رقم (68).
__________________
|
#123
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [ذكر أن الميت يرد إليه عقله وقت السؤال] بوب الإمام ابن حبان فى صحيحه (7 / 384) بقوله: ذِكْرُ الإخبار بأن الناس يُسألون فى قبورهم وعقولهم ثابتة معهم، لا أنهم يُسألون وعقولهم ترغب عنهم. ثم ذكر الحديث الآتى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ![]() فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() فَقَالَ عُمَرُ: بِفِيهِ الْحَجَرُ."[1] ======================= فإن قيل: إذا كان الميت يرد إليه عقله فلِمَ لا يجيب الكافر بما ينجيه؟ والجواب من وجوه: أحدها: أن الكافر يقوم فزعا مشعوفا، والشعف – كما تقدم – هو الفزع حتى يذهب بالقلب والعقل. ثانيها: رؤية الملكين على صورتهما المذكورة فى الأحاديث فيزداد خوفه جدا ولا يستطيع الكذب فى حالته هذه. وقد فطن الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – لذلك؛ فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ![]() ![]() ![]() ثالثها: أنه يقوم مُجْهَدا شديدَ التعب يقول من شدة تعبه: هاه هاه، وقد قال العلماء: إن قول المسئول: "هاه هاه" هى حكاية صوت المبهور من تعب أو جرى أو حمل ثقيل. رابعها: أن الملَك مع كل هذا ينتهره بشدة. خامسها: أن الله يضل الظالمين، ويثبت المؤمنين؛ فمهما كان مع الإنسان من عقل وأضله الله فلن يهتدى أبدا، ومهما قل حظه من العقل ثم هداه الله وثبته ثَبَتَ واهتدى لا محالة. والله الموفق ومنه الهداية والرشاد. _________________________________ [1] حسن لغيره: رواه أحمد (6614) وابن حبان (3105/ إحسان / الألبانى )
__________________
|
#124
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [هل سؤال القبر مختص بهذه الأمة؟ ] اختلف العلماء فى ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: أنه خاص بهذه الأمة. وممن ذهب إلى ذلك أبو عبد الله الترمذى الحكيم فقد قال فى كتابه نوادر الأصول: وإنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة لأن الأمم قبلها كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل فاعتزلت وعوجلوا بالعذاب. فلما بعث الله محمدا ![]() ![]() ![]() فمن ههنا ظهر أمر النفاق فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر فلما ماتوا قيض لهم فتانا القبر ليستخرجا سترهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب فـ ![]() ![]() الثانى: أن السؤال لهذه الأمة ولغيرها: وهو قول جمهور علماء المسلمين وممن ذهب إليه الإمام القرطبى، وأبو محمد عبد الحق الإشبيلى وابن القيم وغيرهم. الثالث: التوقف: وإليه ذهب ابن عبد البر فى كتابه التمهيد فقال: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة فى القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام ممن حقن دمه... وفى حديث زيد بن ثابت عن النبي ![]() ومنهم من يرويه: "تسأل" وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك وهذا أمر لا يقطع عليه. والله أعلم.[3] أدلة من زعم أن هذه الأمة خصت بذلك: استدل أصحاب هذا الرأى ببعض الأحاديث منها: 1- قوله ![]() 2- قوله ![]() فهذا ظاهر فى الاختصاص بهذه الأمة. 3- قول الملكين: "فما تقول فى هذا الرجل الذى بعث فيكم."[6] 4- قوله ![]() وفيه: "فيقال ما هذا الرجل الذى كان فيكم؟ فيقول: محمد رسول الله ![]() ![]() فهذا وما قبله خاص بالنبي ![]() وأجاب من زعم أن السؤال لا يختص بهذه الأمة: بأن ما ذكر فى الحديث لا يدل على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم فإن لفظ الأمة فى الحديث إما أن يراد به أمة الناس كما قال ![]() ![]() ![]() وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة. وإن كان المراد أمته ![]() بل قد يكون ذكرهم إخبارا بأنهم مسئولون فى قبورهم وأن ذلك لا يختص بمن قبلهم لفضل رسول هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم. وكذلك الأحاديث الأخرى فهى إخبارمنه ![]() الترجيح بين هذه الأقوال: أقول: لعل أصح هذه الأقوال وأحقها بالاتباع قول من قال إن سؤال القبر لا يختص بهذه الأمة بل هو عام لكل الأمم. فعنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ![]() قَالَتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ![]() فإذا كان السؤال خاصا بهذه الأمة فكيف عرفت هذه اليهودية فتنة القبر ولم تعرفه السيدة عائشة ![]() ![]() ومثل هذا الحديث أيضا الحديث الذى رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا فَلاَ تَصْنَعُ عَائِشَةُ إِلَيْهَا شَيْئا مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلاَّ قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّةُ: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() قَالَ: « لاَ، وَعَمَّ ذَاكَ ». قَالَتْ: هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ لاَ نَصْنَعُ إِلَيْهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئا إِلاَّ قَالَتْ: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ. قَالَ: « كَذَبَتْ يَهُودُ وَهُمْ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – كُذُبٌ، لاَ عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ » قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَاكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ نِصْفَ النَّهَارِ مُشْتَمِلا بِثَوْبِهِ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ وَهُوَ يُنَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: « أَيُّهَا النَّاسُ أَظَلَّتْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَضَحِكْتُمْ قَلِيلا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ ».[9] فهذا كالذى قبله فيه أن عائشة ![]() ولم يكن أوحى إلى النبي ![]() ثم لما أوحى إليه به خرج فأخبر الناس. فكيف لمثل هذه اليهودية أن تعرف فتنة القبر دون أن تعرفه السيدة عائشة ![]() قال ابن القيم: والظاهر – والله أعلم – أن كل نبى مع أمته كذلك وأنهم معذبون فى قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون فى الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة.[10] والله سبحانه و ![]() [1] نوادر الأصول: 3 / 227 [2] صحيح: رواه مسلم (2867) [3] التمهيد لابن عبد البر: 22 / 252 [4] صحيح: رواه مسلم كما تقدم ووردت هذه الجملة أيضا عند أحمد كما تقدم رقم (152) [5] صحيح: رواه البخارى (86، 184، 922، 1053، 1054، 1061، 1235، 1373، 2519، 2520، 7287) ومسلم (905) [6] صحيح: ورد فى حديث البراء بن عازب وغيره فى الصحيحين وفى غيرهما [7] صحيح: تقدم [8] صحيح: رواه مسلم (584) [9] صحيح: رواه أحمد (24574) وقال الحافظ فى الفتح ( 3 / 281 ): رواه أحمد بإسناد على شرط البخارى. [10] الروح لا بن القيم: 110
__________________
|
#125
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [التوفيق بين ما ظاهره التعارض من هذه الأحاديث] تقدم في بعض الروايات: أن عائشة ![]() ![]() قال: "فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعنى تسألون.." فهذا معناه أنه ![]() وجاء فى الرواية الأخرى: فارتاع رسول الله ![]() وأصرح من ذلك قوله ![]() فظاهر أن بين هذه الروايات مخالَفَةً؛ إذ إنه ![]() وقد أجاب الإمام النووي تبعا للإمام الطحاوي وغيره بأنهما قصتان فأنكر النبي ![]() ثم أُعْلَمَ بذلك ولم يُعْلِمْ عائشةَ فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول فأعلمها النبي ![]() [1] انظر مسلم بشرح النووى ( 3 / 5 / 71 ) وفتح البارى ( 3 / 281 )
__________________
|
#126
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [السؤال في القبر يكون للمسلمين والمنافقين والكافرين] اعلم أن السؤال في القبر يكون للمؤمنين والمنافقين والكافرين وإلى هذا ذهب جمهور علماء المسلمين. وخالف في ذلك ابن عبد البر حيث قال[1]: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام من حقن دمه بظاهر الشهادة. وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام، والله أعلم، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ويرتاب المبطلون. قال أبو محمد عبد الحق: واعلم أن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفا على المنافقين بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجبه من خطيئته وزَلَـلِـهِ. وقال الإمام القرطبي[2]: إن الأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على أن الكافر يسأله الملكان ويختبرانه بالسؤال ويضرب بمطارق من حديد. والله أعلم. قلت: وقد تقدم الدليل على إثبات سؤال القبر من الكتاب والسنة وذكرنا من الأحاديث الثابتة ما يدل على أن الكافر يسأل ويعذب في قبره فمن ذلك: - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ![]() قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ" قَالُوا وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ. فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي. فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي. فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ[3] وَلَا تَلَيْتَ.[4] فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ."[5] وقول أبى عمر ابن عبد البر – ![]() ![]() فيقال له: ليس كذلك بل هو من جملة المسئولين وأولى بالسؤال من غيره. وقد أخبر الله في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة: ![]() ![]() وقال ![]() ![]() ![]() وقال ![]() ![]() ![]() فإذا كان الكافر يسأل يوم القيامة فما المانع من سؤاله في القبر؟ خاصة وقد ثبت بما تقدم من الأحاديث الصحيحة سؤالهم؛ فليس لما ذكره أبو عمر – ![]() ![]() والله أعلم. [1] التمهيد لابن عبد البر: 22 / 252 [2] التذكرة: 127 [3] لا دريتَ: دعاء عليه والمعنى لا كنت داريا فلا توفق في هذا الموقف ولا تنتفع بما كنت تسمع أو تقرأ. [4] ولا تليت: أي قرأتَ أصلها تلوت بالواو، أي لم تدر ولم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك. وقيل تليتَ: أي تبعت من حَقَّق الأمر على وجهه. [5] صحيح: تقدم
__________________
|
#127
|
|||
|
|||
![]() [فصل] [هل يُسْأَلُ الأطفال فى قبورهم] اختلف العلماء فى هذه المسألة على قولين: أحدهما: أنهم يسألون فى قبورهم كالبالغين. قالوا: إن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون. وممن ذهب إلى هذا الرأى الإمام القرطبى فى التذكرة(1). أدلتهم: قالوا: هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار ومنها: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ![]() وفى لفظ عن سعيد بن المسيب قال: رأيت أبا هريرة يُصَلِّي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط فيقول: اللهم أعذه من عذاب القبر. قال السيوطي: قال الباجي: يحتمل أن يكون أبو هريرة اعتقده لشيء سمعه من النبي ![]() قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة وحكاه الأشعري عن أهل الحديث والسنة. قالوا: فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور. ثانيهما: أن السؤال يختص بمن كان مكلفا بخلاف الأطفال. وبه جزم الجلال السيوطي وغيره. قالوا: كيف يقال للطفل الذي لا تمييز له بوجه ما: ما كنت تقول في هذا الرجل الذى بعث فيكم؟! ولو رُدَّ إليه عقله في القبر فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال. وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة؛ فإن ذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، فمن أطاعه نجا، ومن عصاه دخل النار. قالوا: وأما حديث أبى هريرة فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؛ فإن الله لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذى يحصل للميت بسبب غيره وإن لم يكن عقوبة على عمله هذا، كقوله ![]() ![]() أقول: حديثنا عن سؤال القبر وفتنته وليس عن عذاب القبر غير أنه مَنْ لا يُسْأَلُ في قبره لا يعذب. وأما الترجيح فالظاهر أن الأدلة مع الرأي الأول. والله أعلم. ____________________________________ (1) التذكرة: 111. (2) صحيح موقوفا: رواه مالك في الموطأ (1 / 227 / تنوير الحوالك ) والبيهقي في الكبرى ( 6793 ) وعبد الرزاق في المصنف ( 6610 ) و هناد بن السرى في الزهد ( 351 ) (3) تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1 / 227 - 228.
__________________
|
#128
|
|||
|
|||
![]() [فصل] كيف يسأل الملكان جميع الموتى في وقت واحد مع اختلاف الأماكن وتباعد القبور؟ قلت: هذا ليس بأعجب من حال ملك الموت وقبضه جميع أرواح من حانت وفاته في وقت واحد وفى أماكن مختلفة بعضها بالمشرق وبعضها بالمغرب وقد تقدم الجواب عن ذلك فراجعه هناك. وأجاب القرطبي عن ذلك بقوله: ما جرى ذكره في الخبر من عِظَمِ جثتيهما فيخاطبان الخلق الكثير الذين في الجهة الواحدة منهم في المرة الواحدة مخاطبة واحدة يخيل لكل واحد أن المخاطب هو دون سواه ويمنع الله سمعه من مخاطبة الموتى لهما ويسمع هو مخاطبتهما أن لو كانوا معه في قبر واحد وقد تقدم أن عذاب القبر يسمعه كل شيء إلا الثقلين، والله - سبحانه و ![]() وذهب السيوطي والحليمي إلى احتمال تعدد الملائكة المعدة لذلك. قال الحليمي: والذى يشبه أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرة ويسمى بعضهم منكرا وبعضهم نكيرا فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم. والله أعلم. قلت: بل الظاهر أنهما اثنان فقط كما أن ملك الموت واحد فقط وليس متعددا لكل ميت ملك فهذا لم يقل به أحد فكذلك الحال مع فتانَىْ القبر: منكرٍ ونكير، والله أعلم. _____________________ [1] التذكرة: 114
__________________
|
#129
|
|||
|
|||
![]() [فصل] جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ![]() ![]() وفى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن السائل في القبر ملكان اثنان هما منكر ونكير. ولكن جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن رَسُولَ اللَّهِ ![]() وفيه: "... وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ..."[3] فقد ذكر في هذا الحديث أن السائل ملك واحد وليس ملكان كما في الأحاديث السابقة. والجواب على ذلك من وجهين: أحدهما: أن الملكين يأتيانه جميعا ويكون السائل أحدهما فيكون الراوي قد اقتصر على ذكر الملك السائل فقط؛ فإن الراوي لم ينف وجود الملك الآخر ولم يقل إنه لا يأتيه إلى قبره إلا ملك واحد. ثانيهما: أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس: - فمن الناس من يأتيه الملكان ويسألانه جميعا لتكون الفتنة في حقه أشد وأعظم، - ومنهم من يأتيه ملك واحد فيكون ذلك أخف عليه في السؤال وأقل في المراجعة والعتاب، وذلك لما عمله من صالح الأعمال. - وكذلك الأمر بالنسبة للكافر فإن الكفر دركات فليس من ادعى الألوهية كمثل من كان يصل رحمه ويعفو عمن ظلمه، وإن كانا جميعا كافرين مستحقين التخليد في النار ولكن ليس عذاب هذا كعذاب ذلك. وكذلك لا يمتنع أن تكون فتنة القبر أشد في حق الأول وأخف في حق الثاني. فتأمل. والله أعلم. __________________________ [1] صحيح: تقدم تخريجه وانظر اللؤلؤ والمرجان (1824) [2] صحيح لغيره: تقدم تخريجه [3] صحيح: تقدم تخريجه
__________________
|
#130
|
|||
|
|||
![]() [فصل] اختلفت الأحاديث في كيفية السؤال والجوب: فمن الناس من يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها. قال ابن عباس: يسألون عن الشهادتين. وقال عكرمة: يسألون عن الإيمان بمحمد ![]() والجواب على ذلك أن نقول: كما ذكر في الفصل قبله من أنه يجوز أن يكون بعض الرواة اقتصر على ذكر بعض السؤال، وذَكَرَهُ غيرُه كاملا فيكون الإنسان مسئولا عن الجميع. ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يختلف السؤال باختلاف أحوال الناس: فمنهم يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها. والله أعلم.
__________________
|
#131
|
|||
|
|||
![]() [فصل] هل السؤال للروح والبدن؟ أو لأحدهما؟ فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن السؤال للبدن بلا روح. وقد ذهب إليه ابن جرير وجماعة من الكرامية وقد أنكر الجمهور ذلك. ثانيها: أن السؤال للروح بلا بدن. وهو قول ابن هبيرة وابن حزم. قال ابن تيمية: وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده؛ ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص. ثالثها: أن السؤال للروح والبدن جميعا. وهو قول أهل السنة والحديث والأحاديث الصحيحة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال كما في حديث البراء المشهور وقد تقدم. وقال ابن القيم: وهذا عود غير التعلق الذى كان في الدنيا بالبدن، وهو نوع آخر غير تعلقها به حال النوم، وغير تعلقها به وهى فى مقرها، بل هو عود خاص للمسائله.[1] وقال أيضا: والروح لا تزال متعلقة ببدنها وإن بلى وتمزق. والروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام: أحدها: تعلقها به فى بطن الأم جنينا. الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى الحياة. الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه. الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا؛ فإنه قد ورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه. وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة. الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع التعلق ؛ إذ هو تعلق لا يقبل معه البدن موتا ولا نوما ولا فسادا.[2] __________________________ [1] الروح: 63 [2] السابق: 54
__________________
|
#132
|
|||
|
|||
![]() [فصل] سؤال القبر لكل من مات قُبِرَ أم لم يُقْبَر اعلم -رحمك الله- أن كل من مات جاءه الملكان يسألانه إلا المستثنى من ذلك سواء قبر الميت؟ أم لم يقبر؟ وسواء أكلته السباع؟ أم حُرِّقَ وذُرِّى في الرياح؟ والله على كل شيء قدير. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: عَنْ النَّبِيِّ ![]() قَالُوا خَيْرَ أَبٍ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنْ يَقْدِرْ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِى فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا". فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ![]() ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ. قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ. قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا." وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا." فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ. حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ. فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ.[1] وقد جاء هذا الحديث عن عدد من الصحابة منهم: 1- أبو هريرة عند البخاري ومسلم وغيرهما، 2- وحذيفة بن اليمان عند البخاري والنسائي وأحمد، 3- ومعاوية بن حيدة عند أحمد، 4- وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده عند الطبراني في الكبير، 5، 6- وحذيفة وأبو بكر الصديق عند الطحاوي في مشكل الآثار. وفى هذه الروايات زيادات كثيرة منها: - أن هذا الرجل كان من بنى إسرائيل - وأنه كان نباشا للقبور - وأنه لم يعمل حسنة قط وفى رواية خيرا قط إلا التوحيد، - وأنه قال لبنيه: لَتَفْعَلُنَّ ما آمركم به أو لَأُوَلِّيَنَّ ميراثي غيركم، - وفى لفظ: فوالله لا أدع عند رجل منكم مالا هو مني إلا أخذته، أو لتفعلن ما آمركم به. - وأنه أمر بنيه أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. - وفى رواية أنه قال: انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ أَنْ تُحَرِّقُونِي حَتَّى تَدَعُونِي حُمَمًا ثُمَّ اهْرُسُونِي بِالْمِهْرَاسِ وَأَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ![]() ![]() "ثُمَّ اذْرُونِي فِي يَوْمٍ رَاحٍ لَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ تَعَالَى". كَذَا قَالَ عَفَّانُ قَالَ أَبِي وَقَالَ مُهَنَّا أَبُو شِبْلٍ عَنْ حَمَّادٍ: "أَضِلُّ اللَّهَ" فَفَعَلُوا وَاللَّهِ ذَاكَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى... - وفى رواية: "فقال الله - ![]() _______________________ [1] صحيح: رواه البخاري (3478، 6481، 7508) وهو لفظه ومسلم (2757).
__________________
|
#133
|
|||
|
|||
![]() فوائد وتنبيهات:
الأولى: قوله: "لئن قدر عليّ ربي" اختلف العلماء في تأويله: قال ابن عبد البر: هو من القَدَر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة كقوله ![]() ![]() ![]() وقيل: قدر هنا بمعنى ضيق كقوله ![]() ![]() ![]() قلت: وكلا التأويلين خطأ.[1] قال الإمام النووي[2]: وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم "فلعلى أضل الله" أى أغيب عنه وهذا يدل على أن قوله: "لئن قدر الله" على ظاهره. وقال الحافظ[3]: وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه. قال: وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر. الثانية: قوله: "لعلى أضل الله." معناه لعلى أفوته. يقال: ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله: ![]() ![]() الثالثة: قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب: أنه لم ينكر البعث؛ فإنه ما أوصى بما أوصى به إلا خوفا من البعث والحساب. وقد يقال: إنه أنكر القدرة على البعث لمن هذا حاله؛ فيكفر أيضا. والجواب: أن قوله: "لئن قدر الله" لا يلزم منه نفى القدرة وذلك لأنه ما نفى القدرة على ممكن، فمن نفى القدرة على ممكن كفر، بخلاف من نفى القدرة على مستحيل، وقد فرض هذا الرجلُ غير المستحيل مستحيلا فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة. وأجاب الخطابي وغيره: بأنه إنما جهل صفة من صفات الله ![]() - فذهب بعضهم إلى أنه يكفر بهذا الجهل. وممن ذهب إلى ذلك ابن جرير الطبري وأبو الحسن الأشعري في أول أمره. - وذهب آخرون إلى أنه لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن سمة الإيمان بخلاف جاحد الصفة فإنه كافر اتفاقا. وإلى هذا الرأي رجع أبو الحسن الأشعري، وعليه استقر قوله. وقال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك. وقالت هذه الطائفة: لو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلا. وقد تقدم أن أظهر الأقوال أنه قال ما قال في حال شدة الخوف الذى ذهب بعقله فقال ما قال كما غلط الآخر الذى قال: ربى أنت عبدى وأنا ربك ولم يكفر بذلك.[4] قال الإمام الطحاوي: فتأملنا ما في هذا الحديث من وصية هذا الموصي بنيه: - بإحراقهم إياه بالنار ومن قوله لهم بعد ذلك: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فوجدنا ذلك محتملا أن يكون كان من شريعة ذلك القرن الذي كان ذلك الموصي منه القربة بمثل هذا إلى ربهم - جل وعز - خوف عذابه إياهم في الآخرة ورجاء رحمته إياهم فيها بتعجيلهم لأنفسهم ذلك في الدنيا كما يفعل من أمتنا من يوصي منهم بوضع خده إلى الأرض في لحده رجاء رحمة الله - - وبطحنهم إياه حتى يكون مثل الكحل - وبتذريهم إياه في البحر في الريح ![]() فقال قائل: وكيف جاز لك أن تحمل تأويل هذا الحديث على ما تأولته عليه في ذلك من وصية ذلك الموصي ما ينفي عنه الإيمان بالله ![]() ![]() وكان جوابنا له في ذلك: أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين. ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته لأن الله ![]() ولكن قوله: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين أبدا. هو عندنا - والله أعلم - على التضييق أي: لا يضيق الله علي أبدا فيعذبني بتضييقه علىّ لما قد قدمت في الدنيا من عذابي نفسي الذي أوصيتكم به فيها والدليل على ما ذكرنا قول الله ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() وقوله ![]() ![]() ![]() وقوله ![]() ![]() ![]() فكان البسط هو التوسعة وكان قوله: ![]() ![]() فكان مثل ذلك قول ذلك الموصي: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا أى: لا يضيق علىّ أبدا لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه ثقة منه به ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل.[5] ثم ذكر ألفاظ الحديث الأخرى ثم قال في الجواب عن قوله: "لعلى أضل الله" وقوله: "فإن يقدر الله علىَّ": لم نجد هذا في شيء مما قد روي في هذا الباب إلا في هذا الحديث وهذا الحديث فإنما رواه عن رسول الله ![]() وقد خالفه في ذلك عن النبي عليه السلام أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو مسعود وأبو سعيد وسلمان وأبو هريرة وإنما جعلنا ما روى حذيفة في ذلك غير ما روى أبو بكر فيه وإن كان حديث حذيفة الذي رواه عنه والان[6] هو عن أبي بكر عن النبي عليه السلام لأن حذيفة في حديث ربعي[7] قد قال فيه إنه سمعه من رسول الله ![]() فدلنا ذلك أن الذي حمله مع سماعه إياه من رسول الله ![]() وستة أولى بالحفظ من واحد غير أن قوما أخرجوا لحديث معاوية بن حيدة معنى وهو أنهم جعلوا قوله: لعلي أضل الله. جهلا منه بلطيف قدرة الله ![]() ![]() ![]() وقد يحتمل أن يكون الذي سمعه الستة الأولون من أصحاب رسول الله ![]() ولا يجوز أن يكون ذلك إلا كذلك لأنهم حدثوا به عنه في أزمنة مختلفة بألفاظ مؤتلفة فلم يكن ذلك إلا بحفظهم إياه عن رسول الله عليه السلام بتلك الألفاظ وسمعه معاوية بن حيدة منه كذلك فوقع بقلبه أن المعنى الذي أراده رسول الله ![]() ![]() وكان الذي أتى فيه معاوية هو هذا المعنى وكان ما حدث به الستة الأولون عن رسول الله ![]() _____________________________ [1] تنوير الحوالك للسيوطي: 1 / 238 [2] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63 [3] فتح الباري: 6 / 631 [4] انظر فتح الباري: 6 / 631، ومسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63، وحاشية السندي على النسائي: 2 / 566، والأسماء والصفات للبيهقي: 500. [5] شرح مشكل الآثار: 2 / 28 - 29 [6] والان: هو والان بن بيهس أو ابن قرفة العدوى، وثقه ابن معين وابن حبان. [7] ربعي: هو ربعي بن حراش التابعي الجليل. [8] شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي: 2 / 37 - 38
__________________
|
#134
|
|||
|
|||
![]() الرابعة: ذكر الإمام ابن شهاب الزهري هذا الحديث ثم ذكر حديث المرأة التي دخلت النار وعذبت بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعا ثم قال: لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل.
قال الإمام النووي[1]: معناه أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء فضم إليه حديث الهرة الذي فيه التخويف ضد ذلك ليجتمع الخوف والرجاء وهذا معنى قوله: "لئلا يتكل ولا ييأس" وهكذا معظم آيات القرآن العزيز يجتمع فيها الخوف والرجاء وكذا قال العلماء: يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء لئلا يقنط أحد ولا يتكل. قالوا: وليكن التخويف أكثر لأن النفوس إليه أحوج لميلها إلى الرجاء والراحة والاتكال وإهمال بعض الأعمال. الخامسة: قال ابن عقيل: وهذا جميعه إخبار عما سيقع له يوم القيامة وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه؛ فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه الله"؛ لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث.[2] أقول: قد وقع التصريح بذلك عند أحمد من حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله ![]() ![]() ومن حديث حُذَيْفَةَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ![]() ![]() ثُمَّ ذَكَرَ فيه شَفَاعَةَ الشُّهَدَاءِ قال: "ثُمَّ يقول اللَّهُ: أنا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اُنْظُرُوا في النَّارِ هل فيها من أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلا فَيُقَالُ له: هل عَمِلْت خَيْرًا قَطُّ؟ فيقول: لا، غير أَنِّي كُنْت أَمَرْت وَلَدِي إذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حتى إذَا كنت مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِي إلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي في الرِّيحِ فَوَاَللَّهِ لاَ يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا فَيُعَاقِبَنِي إذْ عَاقَبْت نَفْسِي في الدُّنْيَا عليه. قال اللَّهُ تَعَالَى له: لِمَ فَعَلْت هذا؟ قال: من مَخَافَتِك فيقول: اُنْظُرْ مَلِكًا بِأَعْظَمِ مُلْكٍ فإن لَك مثله وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ."[4] قلت: إذا كان هذا إنما يقع يوم القيامة فقط كما ذكر ابن عقيل، ونقله عنه الحافظ وسكت عليه، وأيده لفظ الحديث السابق فليس مما نحن فيه. ________________________________ [1] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63 - 64 [2] فتح الباري: 6 / 631 [3] رواه أحمد (23523) [4] حسن: رواه ابن حبان (2589، 2590 / موارد) وحسنه الشيخ الألباني والطحاوي في شرح مشكل الآثار: (556) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد.
__________________
|
![]() |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
![]() |
||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
من الذي أتى بعرش بلقيس في طرفة عين الجن أم الإنس أم الملائكة ؟ | محمد إمام | حلقة العلوم الشرعية | 1 | 19-05-2015 07:33 PM |
هل الملائكة تنام ؟ | عَرف العَبيرِ | حلقة العلوم الشرعية | 2 | 17-01-2012 04:15 PM |