ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > مُضطجَع أهل اللغة
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

 
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 27-07-2019, 07:12 PM
محمد بن عبد الحي محمد بن عبد الحي غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Nov 2014
السُّكنى في: القاهرة
التخصص : علوم العربية
النوع : ذكر
المشاركات: 239
افتراضي لا تأيسوا من روح الله


لبثتُ سنينَ فردًا، أسألُ ربي غلامًا أتصابَى له صغيرًا، ويسعى معي كبيرًا، ويُعينني عند هرَمي، ويدعو لي بعد موتي، ويبقى به في الناس اسمي.
فلم أزل أدعو بما دعا به النَّبِيُّونَ: ربِّ هب لي من لدنك ذرِّيَّة طيِّبةً، إنك سميع الدُّعاء، ربِّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثينَ، ربِّ هب لي من الصالحين...
حتَّى وهبَ لي ربِّي توأمينِ !
فظَلْتُ أشهرَ الحملِ أرقبُهما في الأحشاء، وأتسمَّع نبضَهما، وأُحدِّثهما كأنهما يفقهانِ عني الذي أقول، حتَّى ليُخيَّل إليَّ أنهما يُجيبانني !
فما زلتُ حتَّى وضعَتْهما أمُّهما ذكرًا وأنثى، فلا تسَلْ عن فرحي، ولا تسلْ عن سُروري، تقول زوجي: ما أُراني مع هذينِ إلا منسيَّة مجفُوَّةً، فقلت:

لعمركِ ما لي في الغوانيِ من هوًى .. ولكنني أهوى (رزانَ) و(أحمدا)
هما فِلْذتا كبْدي، ونور نواظري .. حبانيهما ربِّي لكيما أحمد
ا

فما لبثتِ رزانُ أن قضَتْ !
فكدتُّ أقضي على آثارها حزَنًا، لولا ما تصبَّرت، ولولا ما تعزَّيتُ عنها بأخيها، وبقولي:
فقدَّم لي ربِّي رُزَيْنةَ عندَه .. ومتَّعني بالفارسِ الحبرِ أحمدا
ومرِض أحمدُ !
فكان في المستشفى، فطال بها مُقامُه، فغدوتُ عليه يومَ النَّحر، فمهما أعِشْ لا أنسَ عينيه يومَها، ونظرَه إليَّ، كأنما قد ملَّ مُقامَه، فهو يسألني إخراجه، أو كأنَّما أحسَّ موتَه، فهو يُودِّعني، فلم أملك عينيَّ، وأسررتُ إليه:

ألا ليتَ شعري هل تعيشنَّ بعدَها .. فتبلغَ أضحى قابلٍ يا أُحَيْمِدُ؟
أم انَّك تقضي مثلَ أختك دونَه .. فيُتلِفَ نفسي حزنُها والتَّوجُّدُ
تجلَّدتُّ حتَّى ما أُطيقُ جلادةً .. فقد آد قلبي -يا رزان- التَّجلُّدُ
وحتَّى بكى لي كلُّ عادٍ وشانئٍ .. وحتَّى علاني حالك اللونِ أسودُ
ولكنني أرجو من الله رحمةً .. وعافيةً فيما ينوبُ ويجهَدُ

ثمَّ جعلتُ أختلف إليه، فأجِدُ الموتَ عنده؛ أراهُ في وجهه، وأسمعُ رِكْزَه، وأجِدُ ريحَه، وما كنت أدري أنَّ له ركزًا ولا ريحًا !

حتَّى كان يوم الأربعاء، فقضَى أحمدُ، قضَى ولم أضمَّه إليَّ، ولا شمِمتُ ريحَه، ولا رقَّصتُه، ولا رجَزْتُ له، فيالله من ألم الفِراقِ !

يلومونني فيما أُسرُّ من الأسى .. ولم يعلموا أضعافَ ذلك في القلبِ
على أحمدٍ لما أتاني نعيُّه .. فماذا لقِينا من بلاءٍ ومن كربِ؟!
فأحمدُ لا تبعَد، فديتُكَ بالذي .. تضَنُّ به نفس المحبِّ على الحِبِّ
بعينيَ، أو يُمنى يديَّ، وبالتي .. يُجاحشُ عنها كلُّ أخرقَ أو طبِّ
وأحمدُ، لا تبعدْ، فديتُكَ، إنني .. كُنيتُ بحقٍّ بعد تكنيةٍ كِذْبِ
فليتَ نجاةً لم تلِدْني حينما .. فرشْتُك مهدًا، وانطلقتُ، على التُّرب
ألا ليتني كنتُ المعجَّل قبله .. ولم أُبتلى بالثُّكْل بين يدي شَيبي

وكنتُ إذا مررتُ بهما حيثُ جعلتُهما غلبني الدَّمع فأقول:
ما بال عينِك لا ترقا مدامعها .. لما مررتَ بأرضٍ حلَّها ابناكا
هلَّا دفعتَ عوادي الموتِ إذ نزلتْ .. لا بل دفعتَهما طوعًا بيُمْناكا


ثمَّ إنَّ الله أراني من العِبَر والآيات ما استصغرتُ به مصيبتي، وشُغِلْتُ عنها، وجعلتُ أبكي لقومٍ بُلُوا بأعظمَ مما بُلِيتُ به، بلى إنها تعفو الكلوم، وإنما نوكَّل بالأدنى، وإن جلَّ ما يمضي.

ثمَّ وهب لي ربي جاريةً، فأسميتُها سلمى، فلما وُلِدتْ أصابها ضيقٌ في التَّنفُّس، وأخبرني الأطبَّاء أنَّها غير مستقرَّة، فجعلتُ أقول:

أفي كلِّ عامٍ أنت دافنُ فلذةٍ ... من افلاذ كبدٍ خرَّقَتْها كُلُومُها
ذكرتُ رزانًا إذ قضتْ قبل أحمدٍ ... وتلك سُلَيمى والمنايا ترومُها
يعافُ بنيَّ الأرض حين يرونها ... ديار شقاءٍ يغلُب الخير شُومُها
ألا بل أقيموا آنسونيَ ساعةً ... فإني فردٌ برَّحتْ بي هُمومُها
فربِّيَ ما لي في سواك مؤمَّلٌ ... فعافِ سُلَيمى، ربِّ، أنت رحيمُها

فالحمد لله على نعمته، والحمد لله على بلائه، قد خرجتْ من المستشفى سلمى إلى بيتِنا، فاستقبلناها نقول:
يا سلمَ يا أُمَّ البنينَ مرحبا
قد كنتُ مشتاقًا لأن أُدعى أبا
فالحمد لله على ما وهبا
تالله ما ردَّ امرأً قد رغِبا
ولا دعاه سائلٌ فخيَّبا
لكن أجاب العبدَ فيما طلبا
يا سلمَ يا أمَّ البنين مرحبا
فإن أعِشْ أُحسِن لسلمى الأدبا
وتلبسي الحرير والمذهَّبا
ثمَّ أزوِّجْكِ غلامًا طيِّبا
من نسل ساداتٍ كرامٍ نُجبا

ومما رجزْنا لها به أيضًا:
يا ربِّ، قد وهبتَ لي جُوَيريه
أحسِن بها يا ربِّ، واحفَظْها لِيَهْ
من كلِّ شيطانٍ وعين مؤذِيَه
يا ربِّ أمتعْني بها وأهلِيَهْ
حتَّى ترى من نسلِها وُلْدًا مِيَهْ

فلا تقنطوا، يا ذوي الحاجات، من روح الله، ولا تملُّوا الدُّعاء، ولا يصرفنَّكم عنه شيءٌ، وحبِّروه تحبيرًا، وتفقَّهوا فيه، فإنَّ للدعاء فقهًا لا يعلمه كثيرٌ من الناس، إنما قولُهم إذا دعوا: اللهم افعل كذا وكذا، فإن عجَّل لهم الجواب وإلا زهِدُوا في الدعاء.

وصلى الله على نبينا محمَّد وسلم تسليمًا
لخمس بقِينَ من ذي القَعدة، عام أربعينَ وأربعمائةٍ وألف.
__________________
متى وقفتَ لي على خطإ فنبِّهني عليه، شكر الله لك.
منازعة مع اقتباس
 


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

BB code is متاحة
رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
(( وذكرهم بأيام الله )) ، محاضرة نافعة بإذن الله ، للشيخ الدكتور محمد غيث بن غيث حفظه الله أبو محمد فضل بن محمد المكتبة الصوتية 0 22-11-2014 12:26 PM
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل في بداية الدعوة ؟ معتز مُضطجَع أهل اللغة 1 18-11-2014 11:55 AM
تنبه وأنت تعرب كلام الله ( حديث متواصل إن شاء الله ) أنس آغا حلقة النحو والتصريف وأصولهما 27 28-09-2014 09:54 AM
تفريغ شرح متن البناء - الشيخ عبد الله بن عمر بن مرعي - حفظه الله تعالى - متبع حلقة النحو والتصريف وأصولهما 5 05-09-2013 10:22 PM
كلمات راقية في رثاء العلامة الأصولي الحاذق/ عبد الله بن غديان رحمه الله أبو زارع المدني حلقة الأدب والأخبار 1 12-08-2010 07:27 AM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 01:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ