نظرات في منع النحويين مجيء صاحب الحال نكرة

[تقنويه]

من المقرَّرِ عند النحويين اشتراطُ مجيءِ صاحبِ الحال معرفةً، ولا يجوز عندهم مجيئه نكرةً إلا بشروطٍ: منها أن تكون النكرة موصوفةً، كقولهم: جاء رجلٌ من بني تميم راكبًا. ومنها أن تكون النكرة مغنيةً غناء المعرفة، كأن تكون نكرةً مستغرقةً، كما في قوله : فيها يفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ أمرًا، أو نكرةً في سياقِ النفي، كما في قول الشاعر:
لا يركَنَنْ أحدٌ إلى الإحجامِ،، يومَ الوغى متخوِّفًا لحِمامِ
ومنها أن تكون النكرةُ واقعةً في حيِّز الاستفهام، نحو: هل أتاك رجلٌ راكبًا. ومنها أن تكون النكرة واقعةً بعد (إلَّا) نقضًا للنفي، نحو: ما جاءني رجلٌ إلَّا راكبًا.ومنها أن تتقدَّم الحال على صاحبها المنكَّرِ، كما في قولهم: جاء راكبًا رجلٌ.
وإنَّ المتأمِّلَ في هذا الحكم ليعجَبُ منه؛ إذ من المعروف أنَّ الحال تبيِّنُ هيئة صاحبها عند وقوع الفعل، أو هي -كما يقول سيبويه في الكتاب 1/152- وصفٌ للفعل، والمتكلِّم أحيانًا يحتاج إلى وصفِ هيئة النكرة المجردَّةِ عند وقوع الفعل، فعندما يريد -مثلًا- التعبير عن هيئةِ رجلٍ غير معروف حالَ دخوله فليس أمامه إلَّا أن يقول: دخل رجلٌ ضاحكًا، فإنَّه لو قال -مثلًا-: (دخل رجلٌ ضاحكُ) لم يكن ذلك المعنى الذي أراده حاصلًا؛ إذ ليس فيه تبيين لهيئة صاحبِ الحال عند الدخول، بل قد يكون متَّصفًا بالضحك قبل الدخول، وهذا هو الفرق بين الحال والنعت. وممَّا يشهد لذلك مجيء صاحب الحال نكرةً بغيرِ مسوِّغٍ في الحديث الشريف: صلى الرسول -- قاعدًا، وصلَّى خلفه رجالٌ قيامًا. فتبيَّن ممَّا سبقَ أنَّ في حكمِ النحويين بمنع مجيء صاحب الحال نكرةً مجرَّدةً تعسُّفًا، وتضييقًا على المتكلِّمِ، وقصورًا عن تحقيق غرضه من الكلام.
ومن الطريف في هذه المسألة أنَّ ابن هشام الذي قرَّر حكمَ النحويين في أوضح المسالك 2/308 بعدم جوازِ مجيء صاحب الحال نكرةً إلا بمسوِّغٍ كان قد قال قبلها بسطورٍ : وقد جاءت مصادرُ أحوالًا). فتأمَّلوا كيف جاء صاحب الحال (مصادرُ) في كلامه نكرةً بغيرِ مسوِّغٍ، ولا عجبَ في ذلك ما دام السياق يقتضيه، بل العجب من النحويين كيف حكموا بهذا الحكم مع معارضته الصريحة لأغراض المتكلمين.
إنَّ ما سبق يدفعُ إلى النظرِ في كثيرٍ من الأحكام النحوية التي اعتمد فيها النحويون على استقراءِ كلام العرب، فإذا ما غضضنا الطرف عن ورود صاحب الحال نكرةً في الحديث الشريف -وهو ممَّا لا يصحُّ الاحتجاج به عند جمهور النحويين- فليس بالضرورة أنْ يكون ما وردنا عن العرب قد استوعب كلَّ أغراضِ المتكلمين.
والله أعلم.

[عزام محمد ذيب الشريدة]

السلام عليكم
يستقبح ابن السراج مجيء صاحب الحال نكرة إلا بمسوغ ،وحجته في ذلك أن الحال خبر والإخبار عن النكرة لا يفيد ،وفي رأيي أن المتكلم قد يخبر عن النكرة كما يخبر عن المعرفة ،فيقول:جاء الرجل راكبا إن كان صاحب الحال معروفا ،ويقول:جاء رجل راكبا إن كان صاحب الحال غير معروف ،وفي ظني أن السيدة عائشة -ا- أرادت أن تقول:وصلى وراءه رجال لا تعرفهم ولهذا جاءت بصاحب الحال نكرة لأنه مجهول .
فصاحب الحال يكون معرفة ويكون نكرة وذلك بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم.
والله أعلم

[أنس آغا]

بالنسبة للحديث الشريف فقد أخبرنا أستاذنا الفاضل الدكتور عبد البديع النيرباني -حفظه الله- عند شرحه لهذا الموضع في كتاب ابن عقيل بأن النحاة يذكرون أن مجيء الحال من النكرة في الحديث لا مسوغ له، لكنه رأى أن المسوغ موجود، وهو المشاكلة للحال "قاعدًا، والمشاكلة باب كبير في العربية، ومنه: "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك". جزيت خيرا أخي الكريم تقنويه.

[تقنويه]

الأخوان الكريمان الفاضلان: عزام، وأنس:
ا، وباركما فيكما، ونفع بعلمكما.