ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة العلوم الشرعية
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

منازعة
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 30-06-2011, 09:49 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي سلسلة الإسلام ميسرًا إلى فتيان الإسلام - للشيخ علي الحلبي

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الإسْلامُ مُيَسَّرًا
إلَى فِتْيانِ الإِسْلامِ


بِقَلَمِ: الشَّيخ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ عليٍّ الحَلَبِيِّ


تَقـدِيـمٌ

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ المرسَلين، و على آلِه وصحبِه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
أيُّها الفتى المسلمُ الحبيبُ:
هذه سِلسلةٌ عِلمِيَّةٌ تَعليمِيَّةٌ تتعرَّفُ فيها إلى دينِك الذي نَشَأتَ عليهِ، وتَرَبَّيتَ على أحْكامِه: «الإسلام»، ومِن خِلالِها تَتعلَّمُ أهَمَّ ما أوْجَبَهُ عليك خالقُك العظيم: «الله»، وتعرِفُ -أيضًا- سيرةَ وسُنةَ نبيِّك الكريمِ: «محمَّدٍ» -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وجميعَ ما يتَّصلُ بهذا كلِّه مِن عقائد، ومعامَلات، وعبادات، وأخلاق.
وتكمُن قيمةُ هذه السِّلسلةِ في جمعِها بين جَودة المعرفة، وسُهولة الأسلوب، مما يجعلكَ تفهمُها فهمًا جيدًا، دون أن تستعينَ بأحَدٍ مِنْ أهلِكَ وأقرِبائِكَ إلا في أقَلَّ القَليل.
وأخيرًا:
أسألُ اللهَ أنْ ينفعَكَ بها إنه سميعٌ مُجيبٌ.


________________
كنتُ قد نقلتُه قديمًا في بعض المنتديات ولم أكمِله، ثم أكملتُه قبل مدة في (كل السلفيين) -بعد مراجعة وزيادة ضبط وتعديل-. وأسأل الله أن ينفع به، ويجزي الشيخ عليًّا الحلبي خير الجزاء على جهوده العلميَّة ويبارك في عِلمِه وعُمُره. وللحصول على الكِتاب مُصوَّرًا: انقر هنـا.
منازعة مع اقتباس
  #2  
قديم 30-06-2011, 09:49 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-1-
اللـهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-
(1)
اعلمْ أنَّ معرفةَ اللهِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-، والإيمانَ به، وعبادتَه، والتَّصديقَ بما جاء مِن عندهِ: هو أهَمُّ ما يَجبُ على المسلمِ أن يتعلَّمَه ويَعرِفَه ويفهمَه.
أمَّا مَن لم يعرفِ «اللهَ» الخالقَ له، ومالِكَه، والمتصرِّفَ به؛ فإنَّه يعيشُ في هذه الحياةِ الدُّنيا كالحيوانِ: يأكُل ويَشربُ، يَنامُ ويستيقظ ... وَهَكذا؛ فينتهي عُمُرُه على هذهِ الحالة، وهو لا يَعلمُ لماذا خُلِق؟ وكيف عاش؟
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى- في القُرآنِ العظيم:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ(1) وَالنَّارُ مَثْوًى(2) لَهُمْ [محمَّد: 12].
وهُم كذلك سيُفسِدون في الأرضِ بِأفعالِهم، ويُسيئون بأعمالِهم؛ لأنَّهم لا يَعرِفون الأعمالَ الصَّالحةَ، ولا يَعلَمون ما هي الأعمالُ الفاسِدةُ، ولا يَدرون ما الذي يُغضِبُ اللهَ، ولا يُفكِّرون فيما يُرضي الله؟!

(2)
إذًا:
لا يَستطيعُ أيُّ إنسانٍ أنْ يَعرفَ الطُّرُقَ الصَّالحةَ لاستخدامِ أيِّ شيءٍ إلا بإرشادٍ ممن هو أعرفُ منه، فكيف يستطيعُ الإنسانُ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا أن يَقومَ بِدَوْرِه المطلوبِ منه دون تنفيذِ أوامرِ الله -سُبحانَه- وفرائضِه، وهو -سُبحانَهُ- خالقُ الإنسانِ وخالقُ الدنيا.
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

(3)
فالذي لا يعرفُ اللهَ خالقَه؛ يُفسدُ في أعمالِه، ويُسيءُ في تصرُّفاتِه؛ لأنَّه جهِل قدْرَ الهادي إلى طريقِ الرَّشادِ والفوزِ والنَّجاحِ، وهو اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
وليستْ هذه الأمراضُ المنتشرةُ في الأرضِ، وليس هذا الفسادُ الكبيرُ الموجودُ بين النَّاس إلا بِسببِ البُعدِ عن إرشاداتِ خالقِ المخلوقاتِ -سُبحانَه-، والابتِعادِ عن تنفيذِ أوامرِه.

(4)
ثُمَّ تَنْتَهي حَياةُ الَّذِينَ لا يَعرِفونَ رَبَّهُم وَخالِقَهم، وهم لَم يَدْرُوا لماذا بدَأتْ!! ويَخْرُجونَ مِنها، وهم لا يَعلَمونَ لِماذا دَخلوا إليْها!!

(5)
أمَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى-، وَآمَنَ به، وصَدَّقَ بما جاءَ مِنْ عِندِهِ، فَهُوَ الذي سيَنْصُرُهُ اللهُ -سُبحانَهُ-.
قال اللهُ في القرآنِ الكريمِ:
وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج: 40].

(6)
والإنسانُ: هذا المخلوقُ الَّذي له أعضاءٌ -كاليدِ والقَدَمِ والرَّأسِ وغيرِها-؛ يَجبُ عليهِ أنْ يَعْرِفَ الوظائفَ المطلوبةَ منهُ لإِشغالِ هذهِ الأعضاءِ، ولا يكونُ ذلك إلا بمعرفةِ الأوامرِ والفرائضِ التي فَرَضَها الله -سُبحانَهُ- على هذا الإِنسانِ.
ولكُلِّ إنسانٍ عَقْلٌ، ووظيفةُ العَقْلِ هي التَّفكيرُ، فإذا تعطَّلتْ هذه الوظيفةُ؛ فَسَدَ عمَلُ العَقْل، وعُطِّل مِن أهَمِّ وظائفهِ؛ وبالتَّالي: كان هذا سَبَبًا في الابتِعادِ عمَّا فيهِ الخير، والاقترابِ مِمَّا فيه الشَّر.

(7)
ولقد دعانا خالِقُنا اللهُ -سُبحانَهُ- في القُرآنِ الكريم إلى التَّفكير فيما نحنُ فيه؛ فقال:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50].
وقال:
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ [الروم: 8].
واللهُ -سُبحانَهُ- حينَ دَعا خَلْقَه إلى التَّفكيرِ إنَّما جَعَلَ ذلك ضِمْنَ قُدْرةِ العقْلِ واستِطاعَتِه.
فَدَعانا -سُبحانَهُ- إلى النَّظَر فيما خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ في السَّماواتِ والأرض، وفي أنْفُسِنا، وفي البَشرِيَّة جميعًا، دعانا للنَّظَر في هذا العالَمِ الواسِع الذي كُلُّه مِن خَلْقِ اللهِ -سُبحانَهُ- وإيجادِه.

(8)
فإذا ما فكَّر الإنسانُ وتأمَّل؛ فإنَّه سَيخْرُجُ بنتيجةٍ حتْمِيَّةٍ؛ وهي: أنَّ لهذا الكونِ الواسعِ الكبيرِ العظيمِ خالِقًا عظيمًا، ومُوجِدًا كريمًا، وهو «اللهُ» ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
خالِقُ الإِنسانِ والنَّباتِ والحيوانِ.
خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ والبِحارِ.
خالِقُ كُلِّ ما نَراهُ في هذا العالَمِ الكبيرِ.

(9)
و«اللهُ» -سُبحانَهُ وتَعالَى- موصوفٌ بصِفاتٍ جليلةٍ وصَفَ بها نفسَه العظيمةَ في القرآنِ الكريم، ووصَفَه بها أعلمُ خَلْقِه به؛ ألاَ وهو آخِرُ أنبيائِه سيدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فمِن هذه الصِّفاتِ:
· الرَّحمة.
· العِزَّة.
· المغفِرةُ.
· القَهْر.
وغيرُها كثيرٌ مِما وَردَ في القرآنِ الكريم، أو في أحاديثِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
والغَرَضُ الأساسيُّ مِن تَعريفِنا بهذه الصِّفاتِ: هو أنْ نعلَمَ عظمةَ اللهِ -سُبحانَهُ- وقُدرتَه، وأنْ نقفَ مِن أنفُسِنا على ضَعفِ أنفُسِنا وحاجَتِنا لهذا الإِلهِ العظيمِ -سُبحانَه-.


(10)
ولقد بَيَّن لنا ربُّنا -سُبحانَهُ- الغايةَ التي مِن أجلِها خَلَق الخلْقَ كُلَّه، وبيَّن لنا السبَبَ الذي مِن أجلِه أوْجَدَ هذه الحياةَ الدنيا بِكُلِّ ما فيها.
يقول اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّاريات: 56].

(11)
فالعبادةُ هي الغايةُ التي يجبُ علينا أنْ نُؤدِّيَها حقَّ أدائِها؛ طاعةً للهِ -سُبحانَهُ-، وشُكرًا له على ما أعطانا مِن نِعَمٍ كثيرةٍ وفوائدَ وَفِيرةٍ.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا [النَّحل: 18].

(12)
إذا عرَفْنا ما تقدَّم بيانُه:
فيَجِبُ علينا أنْ نعبُدَ اللهَ -سُبحانَهُ- العبادةَ الصَّحيحةَ، وأنْ تكونَ هذه العبادةُ للهِ وحدهُ لا شَريكَ له.
فالدُّعاءُ له.
والخوفُ منه.
والاستِعانةُ به.
وهكذا .. فجميعُ العِبادات لا تكونُ إلا لهذا الإلهِ العظيمِ الخالِقِ الرَّازقِ، القويِّ العَزيز، الموصوفِ بالصِّفاتِ الجليلةِ العظيمةِ.




انتهى

_______________
(1) الحيوانات.
(2) مكانُهم ومصيرُهم.
منازعة مع اقتباس
  #3  
قديم 30-06-2011, 09:56 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-2-
الرَّسولُ محمَّدٌ
-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-
(1)



لِكي يُعرِّفنا اللهُ -سُبحانَهُ- بما يُريدُه منَّا، ولِكي يُبيِّن لنا ما ينفعُنا في حياتِنا:
أرسل اللهُ -سُبحانَهُ- بَعضًا مِن البَشرِ الَّذين لهم صفاتٌ كريمةٌ، وأخلاقٌ حَميدة؛ ليُبلِّغوا أوامرَهُ وأحكامَه لِبقيَّةِ البَشر مِن أقارِبهم، وأصدقائِهِم، وجِيرانِهم، ومَن حَولهم.
وهؤلاءِ الذينَ اختارَهم اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- سمَّاهم رُسُلًا وأنبياءَ(1).
وآخِرُ هَؤلاءِ الرُّسُلِ والأنبياءِ: رسولُ اللهِ إلى خَلْقِه سيِّدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، الَّذي أرسله اللهُ -سُبحانَهُ- رحمةً للعالَمين، وهُم: الإنسُ والجنُّ(2).
فرِسالةُ النبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ليست لأمَّتِه وأهلِه فَقط؛ إنَّما هي للنَّاسِ جميعًا: يُبشِّرُهم ويُنذِرُهم.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].


(2)

ولِكي نكونَ على بيِّنةٍ مِن أمرِنا؛ لا بُدَّ أن نعرفَ جانِبًا مِن حياةِ هذا النبيِّ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
اسمُه: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطَّلب بنِ هاشِمٍ، يَرجعُ أصلُه إلى قبيلةٍ كبيرةٍ مِن قبائلِ العَرب؛ وهي قبيلةُ «قُرَيش».
وُلِد في «مكَّةَ» بجزيرةِ العرَب، وهي مِن مُدُن المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّة في عصرِنا الحاضِر.
نَشأ يَتيمًا -فقد ماتَ أبوهُ وهو لا يَزالُ في بَطنِ أمِّهِ-، وربَّتْهُ أمُّه آمنةُ بنتُ وهْب؛ فأحسنتْ تربِيتَه على وفقِ العاداتِ العربيَّةِ الأصيلةِ التي وَرِثوا كثيرًا مِنها مِن دينِ أبي الأنبياءِ إبراهيمَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثمَّ ماتتْ أمُّه وعُمُرُه سِتُّ سنواتٍ؛ فتولَّاهُ وربَّاه جَدُّه عبدُ المطَّلب، وكان مِن زُعماءِ قُريشٍ قبلَ الإسلامِ، ثمَّ مات جَدُّه بعد سنَتَين؛ فتولَّاه بعدهُ عمُّه أبو طالِب.


(3)

وكانت نشأتُه منذ الطُّفولةِ نشأةً متميِّزةً بكلِّ خَير؛ فكان شُجاعًا، صادِقًا، فاضلَ الأخلاقِ؛ حتى لقَّبه قومُه بـ «الصَّادقِ الأمين».


(4)

وكان قد رَعَى الغَنمَ في صِباهُ؛ فزادَ هذا مِن صفاءِ قلبِه، ومِن حُسنِ توجُّهِهِ للخيرِ واجتنابِه للشَّر.
وفي شبابِه اشتغلَ مع خديجةَ بنتِ خُويلدٍ، وهي إِحدى نِساءِ قُريش، وكانتْ ذاتَ مالٍ كثيرٍ، فأرسلَتْهُ بِتجارةٍ إلى الشَّامِ؛ فرجَع إليها رابِحًا الرِّبحَ الوفير.
ولما بلغَ الخامسةَ والعِشرينَ مِن عُمرِه؛ زوَّجهُ عمُّه بِخديجةَ، وكانتْ تَزيدُ عليهِ في العُمُر بِخَمسَ عشرةَ سَنةً.


(5)

ولما بلغَ عُمرُه أربعينَ عامًا؛ هيَّأهُ اللهُ -سُبحانَهُ- للنُّبوَّة؛ وذلك بالرُّؤيا الصَّادقةِ في مَنامِه؛ فكان لا يَرى شيئًا في منامِه بالليلِ إلا تحقَّق صباحًا.
ثم حَبَّب اللهُ -سُبحانَهُ- إليهِ البقاءَ وحيدًا خاليًا يتفكَّرُ ويتدبَّر؛ فكان يَقضي شهرًا كامِلا مِن كلِّ عامٍ في غارٍ(3) قريبٍ من مكةَ اسمُه: «غارُ حِراء».


(6)

بعدَ ذلك بِفترةٍ زمنيَّةٍ ليست كبيرةً؛ بعثَ اللهُ -سُبحانَه- إليهِ ملَكًا(4) عظيمًا مِن ملائكتِه، اسمُه: «جِبريل»؛ فبلَّغهُ أوَّل آيةٍ مِن القُرآن الكريم، وهي:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1].
فعَلِم مِن ذلك أن اللهَ -سُبحانَهُ- اختارَه ليكونَ نبيَّ هذه الأمَّةِ ورسولَ ربِّها إليها.


(7)

فبدأ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يدعو النَّاسَ ممن حولَه إلى هذا الدِّينِ الجديد، وكانت دعوتُه سِرًّا؛ حَذرًا مِن الكفَّارِ الذين كانوا يَعبُدون الأصنامَ والحجارةَ!!
فكان مِن أوائلِ المُستَجيبينَ له: زوجتُه خَديجة، وابنُ عمِّه عليُّ بنُ أبي طالب، وصديقُه أبو بَكرٍ، وجماعةٌ قليلةٌ مِن قومِه.


(8)

ثم أمرَه اللهُ -سُبحانَهُ- بإعلانِ الدَّعوةِ إلى «الإسلامِ»؛ الذي هو دِينُ اللهِ -سُبحانَهُ- الذي ارتضاهُ ليكونَ آخرَ الأديانِ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ [آل عِمران: 19].
وقال:
وَمَن يَّبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
وكان هذا الدِّينُ مُخالِفًا لما عليهِ آباؤُه وأجدادُه، فدعا إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وإلى كَسرِ الأصنامِ وتحطيمِها؛ فهزَأتْ به قريشٌ وآذتْه؛ فصَبرَ صبرًا كبيرًا.
ولقد حَماهُ مِن أذَى قُريشٍ وبلائِهم عمُّه أبو طالبٍ، ودفعَ عنه شرَّهم. ومع ذلك؛ فلم يَقبلْ أبو طالبٍ الإسلامَ ومات كافرًا.


(9)

وبَدأ الإسلامُ بالانتِشارِ سريعًا، فآمَن به بعضُ أهلِ «يَثرِبَ»، وعادُوا إليها، ثم جاءَه منها اثنا عَشرَ رجلاً فآمَنُوا به، فبعثَ معهم بعضَ أصحابِه؛ ليعلِّمَهم أحكامَ الإسلامِ، وشرائعَ القُرآن، وبعدَ مُدَّةٍ وجيزةٍ انتشرَ الإسلامُ في «يَثرِبَ»؛ فجاءه منها جَمعٌ مِن أهلِها فدَعَوْه ومَن مَعه مِن أصحابِه إلى الهجرةِ إليهم مُعاهِدِين إيَّاه على الدِّفاعِ عنه ونُصرتِه.


(10)

استجاب النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دعوةَ أهلِ يَثرِب، فأمرَ أصحابَه بالخُروجِ مِن مكَّة، ثم لَحِقَهم، فلمَّا عَلِمتْ قريشٌ بِخبَرِ هِجرتِه؛ بعثتْ إليه مَن يَقتُله؛ فنجَّاه اللهُ -سُبحانَهُ- منهم.
فلما دخل «يَثربَ» -وقد سُمِّيتْ بعد ذلك «المدينةَ المنوَّرةَ»-؛ استقبلَه أهلُها، وبنَى فيها مَسجِدَه المشهورَ «المسجدَ النَّبَوي»، وجَهر بِنشرِ الإسلامِ والدَّعوةِ إليه.
وقد حاولتْ قريشٌ كثيرًا أن تَمنعَ دعوتَه مِن الانتِشار، واستَعملوا القوَّة في ذلك، لكنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- كان يَنصرُهُ عليهم.


(11)

وكانتِ المعركةُ الأُولى بينه وبينَ قُريشٍ في «بدْرٍ» وهي موضِعٌ بِجانبِ المدينة، فنَصرَهُ اللهُ عليهم نصرًا كبيرًا.
وبدأتْ غَزْواتُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ومعارِكُه مع الكفَّارِ تزدادُ مع ازديادِ قوةِ الإسلام، فكانت «غزوةُ أُحُدٍ» و«غزوةُ الخندق» و«غزوةُ حُنَين» وغيرُها.


(12)

وفي سبيلِ نشرِ الإسلام؛ بعث النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- بعضَ أصحابِه إلى كِسرَى وقَيصر والنَّجاشيِّ وغيرِهم مِن عظماءِ الملوكِ يدعُوهم إلى الإسلام.


(13)

وفي السَّنةِ الثَّامنةِ للهجرةِ فتَحَ المسلمون «مكَّةَ» التي شهِدتْ أصلَ رسالةِ الإسلام، لكنَّ أهلَها حارَبوا نبيَّ الإسلام، وضايَقوه مُضايقةً كبيرة، وكانت حينئذٍ تُعَدُّ مِن أكبرِ أماكن تجمُّع المشركين والكفَّار مِن قريشٍ وغيرِهم.
وبفتحِ «مكَّةَ» أقبلتْ وفودُ العربِ على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو بالمدينة، ودخل النَّاسُ في دينِ اللهِ أفواجًا(5).
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [سورة النَّصر].


(14)

وفي السَّنةِ العاشِرةِ حَجَّ حَجَّةَ الوداع، وخطبَ خُطبةً جليلةً تُعَدُّ مِن أطولِ خُطَبِهِ وأكثرِها استيعابًا لأمورِ الدِّينِ وأحكامِه وشرائِعِه.


(15)

وفي (12) ربيعٍ الأوَّل مِن السَّنةِ الحاديةَ عشرةَ للهجرة، تُوفِّي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بعد مَرضٍ أصابَه، ودُفن في بيتِه، وهو الآنَ يقعُ ضِمن تَوسيعاتِ المسجدِ النبويِّ الشَّريف.


(16)

ومِن حياتِه -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قولاً وفِعلاً، عِلمًا وعَملاً؛ وصَلَنا دينُ اللهِ -سُبحانَهُ- «الإسلامُ».
وبِطاعتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ تكونُ الهِداية، ويكونُ الفوزُ والفَلاح.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النُّور: 54].


انتهى



_______________
(1) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم7) بعنوان: (الرُّسل والأنبياء).
(2) هم مِن مخلوقات الله، لها قدرة أكبر من قدرة الإنسان، وهي لا تُرى.
(3) هو تجويفٌ يكونُ في الجِبالِ، يُشبِه البيتَ.
(4) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم5) بعنوان: (الملائكة).
(5) جماعات.
منازعة مع اقتباس
  #4  
قديم 30-06-2011, 09:57 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-3-
الإِسـلامُ
(1)

عندما اختار اللهُ -سُبحانَهُ- نبيَّه محمَّدًا -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- ليكونَ خاتَمَ الأنبياء، كان دينُه -الذي هو الإسلامُ- الدِّينَ الذي ارتضاهُ اللهُ خاتمةً للأديان.
ففيهِ الهدايةُ.
وفيه الصَّفاءُ.
وفيه الخيرُ.
وفيه النَّجاةُ.

قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19].
وقال:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
(2)

وكلمةُ «الدِّين» تعني: «الطَّريقةُ والمنهَج».
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33].

فالدِّينُ: هو طريقةُ الحياةِ الإنسانيَّةِ العَمَليَّةُ، ومنهجُهمُ الفِكريُّ.


(3)
وربُّنا -سُبحانَهُ- هو خالِقُنا وعالِمُ حَقائقِنا.
فقال -سُبحانَهُ-:

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: 255].
إذًا:

فاللهُ الخالقُ -سُبحانَهُ-: أعلمُ بما يُصلِحنا وما يَصلُحُ لنا، وأعلمُ بما يضرُّنا، وبما يُشقِينا.

(4)
فدِينُنا «الإسلامُ» هو الدِّينُ الذي اشتملَ على الهدَفِ العامِّ في هذه الحياةِ، وهو الدِّينُ الَّذي فيه تكريمُ الإنسانِ ووضعُهُ في منزلةٍ عاليةٍ كبيرة.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70].
وقال:

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التِّين: 4].
فالإنسانُ على هذه الأرضِ وفي حياتِه الدُّنيا: يُعَمِّرُ الأرضَ ويَبنِيها، ويتصرَّفُ بما خلقَ اللهُ فيها.
وهو في مُدَّةِ حياتِه يَقضِي فترةَ امتحانٍ، لمعرفةِ مَدَى التِزامِهِ بِطاعةِ ربِّهِ وتنفيذِ أوامِرِه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ(1) أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف: 8].




(5)
وهذه الحياةُ التي نَحياها على هذه الأرضِ هي دارٌ نُقدِّمُ فيها أعمالاً افترضَها اللهُ علينا، ونَنْتَهي فيها عن أعمالٍ نَهانا اللهُ -سُبحانَهُ- عنها.
وبَعدَ انتهاءِ حياتِنا على هذه الأرض؛ تكونُ هناك حياةٌ أُخرى، فإمَّا إلى الجنَّةِ وإما إلى النَّار.
فمَن استجابَ لأوامرِ اللهِ وأطاعَه، وانتهى عمَّا نهاه اللهُ -سُبحانَهُ- عنه؛ فهُو مِن أهلِ الجنَّةِ.

ومَن عَصى أوامِرَ اللهِ، ولَم يَسْتَسلِمْ لِطاعتِه وأحكامِه؛ فهو مِن أهلِ النَّار.
(6)
ودِينُنا «الإسلامُ» شامِلٌ لكلِّ نواحي الحياة؛ فهو لم يُهمِلْ جانبَ الدُّنيا، بل جعلَ له نَصيبًا وافِرًا حَكَمَ فيه أحْكامًا فيها صلاحُ هذه الدُّنيا وصلاحُ أهلِها.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

وَابْتَغِ(2) فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفسِدِينَ [القَصص: 77].

(7)
ولِديننا الإسلاميِّ العظيمِ خصائصُ ومَيِّزاتٌ جَعلتْ كثيرًا مِن الكفَّار والمشرِكين يَدخلون فيه، ويَلتزِمونَ بأحكامِه، فهو الدِّينُ القيِّم.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:

أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف: 40].
وهو -أيضًا- دِينُ الحياةِ الإنسانيَّةِ الرَّفيعة، فكم سَعِد النَّاسُ به طوال قُرونٍ(3) عديدةٍ وسَنواتٍ مَديدة(4)، وكم شَقِي أُناسٌ وتَعِسُوا لمخالفتِهم له، وتَرْكِهِم لأوامِرِه وأحكامِه.

ولقد كان المسلمونَ أرقى الأُمَمِ وأعزَّ الشعوبِ وأسعَدَها بِقَدْرِ ما كانوا مُتمسِّكين بِدِينِهم.




(8)
و«الإسلامُ»؛ يعني: الاستِسْلام؛ فالمسلمُ مُسْتَسْلِمٌ لأوامرِ الله، مُنفِّذ لأحكامِه.

(9)

ولقد أكرَم اللهُ -سُبحانَهُ- خَلْقَه جميعًا بهذا «الإسلام»؛ فهو الدِّينُ الكامِل، والمنهجُ الشامِلُ، فلا يستطيعُ أحدٌ مَهما أوتِيَ مِن علمٍ ومعرفةٍ أنْ يجدَ في هذا «الإسلامِ» العظيمِ نَقصًا؛ فَلَقد أتَمَّهُ اللهُ -سُبحانَهُ- كما قال في القُرآنِ الكريمِ:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].
فالحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ.


انتهى

_______________
(1) لنختَبِرَهُم ونَمتَحِنَهُم.
(2) واطلُب.
(3) القَرْنُ: مِئةُ سنة.
(4) طويلة.
منازعة مع اقتباس
  #5  
قديم 30-06-2011, 10:07 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-4-
العِبــادة

(1)
إذا عَرَفنا أننا لم نُوجَد في هذه الحياةِ عبثًا، وأنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- هو خالِقُنا العظيم، وأنَّه أرسل نبيَّه محمَّدًا -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- إلى كلِّ الخَلقِ يدعوهم إلى دِينِ الإسلام؛ نَعلَمُ أنَّه واجبٌ علينا أنْ نعبُدَ هذا الرَّبَّ العظيمَ عبادةً يَرضَى بها عَنَّا؛ لِنفوزَ بالجنَّة، ونَبتعِدَ عن النار.

(2)
فالعِبادةُ: هي الاسْتِسْلامُ لأوامرِ الله، و القيامُ بما فَرَضَه اللهُ علينا، أو نَهانا عنهُ.
ومِن أنواعِ العبادةِ المفروضةِ علينا: الصلاةُ، و الصِّيامُ، وبِرُّ الوالدَيْن، والإحسانُ معَ النَّاس.
ونَهانا اللهُ -سُبحانَهُ- عن أشياءَ قبيحةٍ سيِّئةٍ؛ مِنها: السَّبُّ، وإغضابُ الوالِدَيْن، والسَّرِقةُ، والإساءةُ إلى الآخَرين.

(3)
وقد يَسألُ الواحدُ مِنَّا نفسَه:
لماذا نعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- وَحدَهُ؟
فالجوابُ الوحيدُ:
لأنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- هو الخالِقُ وَحدَهُ لِهذا الكونِ الذي نَراهُ؛ بأرضِه وسَمائِه، وجِبالِه وأنهارِه، وإِنْسِهِ، وحَيوانِه.
فهُو -سُبحانَهُ وتَعالَى- المالِكُ لِكلِّ مَخلوق، المُوجِدُ لكلِّ الأشياءِ والخلائقِ مِن العَدَمِ والفراغ.
وأيضًا:
فنحنُ نعبُدُ اللهَ وحدَه؛ لأنهُ أعْطانا -بعدَ أنْ خَلَقَنا- نِعَمًا كثيرة، وسخَّرَ(1)لنا جَميعَ ما أحلَّ لنا مما خَلَقَ في هذه الأرض.
فهُو الذي يَملِكُ كلَّ شيء؛ مِن أنفُسِنا، ومِمَّا نتمتَّعُ به.

(4)
انظُرْ إلى نفسِكَ:
هل تَملِكُ يدَيْكَ؟
هل تَمْلِكُ رِجلَيْكَ؟
هل تَمْلِكُ أيَّ جُزءٍ مِن أجزاءِ جِسمِكَ؟
الجوابُ الوَحيدُ: لا، لا أملِكُ شيئًا مِن هذا.

(5)
لماذا لا تَمْلِكُ شيئًا مِن أجزاءِ جِسمِك، وأنتَ إذا أردتَ أنْ تُمْسِكَ شيئًا أمْسَكْتَه بِيدَيْك!
أو أردتَ أنْ تذهبَ إلى مكانٍ تذهبُ على رِجْلَيْكَ!
أو أردتَ أنْ تنظُرَ إلى شيءٍ نَظَرتَ بِعيْنَيكَ!
لماذا هي لَكَ وأنتَ لا تَملِكُها؟

(6)
لأنكَ مخلوقٌ للهِ.
فاللهُ هو الذي خلَقَكَ: بِيَديْكَ، ورِجْلَيك، وعَيْنَيك، وكلِّ أعضاءِ جِسْمِك.
فأنتَ لم تَخلُقْ شيئًا مِن جِسمِكَ!
ولم تَخلُقْ شيئًا مِمَّا تَراهُ أمامَك!
وكلُّ النَّاسِ -أيضًا- لَم يَخلُقُوا أنفُسَهُم، أو شيئًا غَيرَهُم.
فالخالقُ هُو اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.

(7)
فكلُّ ما تراهُ أمامَك؛ مِن إنسانٍ، أو حَيوانٍ، أو جَمادٍ، وكلُّ ما تتمتَّعُ به، أو تَعمَلُهُ؛ ليس مُلْكَكَ، إنَّما هُو مُلْكُ خالِقِه ورَبِّه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 189].
وقال:
وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [آل عمران: 109].
وقال:
إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ [التوبة: 116].

(8)
فالمالِكُ لنا، ولكلِّ شيءٍ في الوُجودِ هُو الذي تَجبُ علينا طاعَتُه، وفَرْضٌ علينا عِبادَتُه دون سِواه.
لِذلكَ نحنُ نَعبدُ اللهَ.
ونحن نَعبدُ اللهَ حُبًّا لهُ -سُبحانَه-.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: 31].
ونحنُ نعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ- طَمَعًا في جَنَّتِه.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة: 221].
ونحنُ نعبُدُ اللهَ ابتِعادًا عن نارِهِ وخَوفًا مِنها.
قال اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192].
فمَنْ هُو الفائزُ في هذهِ الدُّنيا؟
ومَن هُو الخاسِر؟

(9)
الفائِزُ هُو المُنَفِّذُ لأوامِرِ اللهِ وفَرائِضِه.
الفائزُ هُو الذي يَعبُدُ اللهَ -سُبحانَهُ- حَقَّ العِبادَةِ.
الفائزُ هُو الذي يَبتعِدُ عمَّا يُغضِبُ اللهَ مِمَّا نَهانا عنهُ.
والخاسِرُ هُو الذي يَعصي اللهَ، ويُخالِف أوامِرَه وفرائِضَه.
الخاسِرُ هُو الذي لا يقومُ بِعبادةِ اللهِ -سُبحانَه-.
الخاسرُ هُو الذي يرتكبُ المناهِيَ والمعاصِي، ويَفعلُ الأشياءَ التي نَهانا عنها ربُّنا وخالِقُنا -سُبحانه-.
هذا هُو الخاسِرُ الحقيقيُّ.
وذاكَ هُو الفائِزُ الحقيقيُّ.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران: 185].

(10)
ومِن أنواعِ العبادةِ الْمُهمَّةِ التي يُخْطِئُ كثيرٌ مِن الناسِ فيها:
الدُّعاءُ.
قال اللهُ تَعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(2) [غافر: 60].
وقال النَّبيُّ محمدٌ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
«الدُّعاءُ هُو العِبادةُ ».
فأنتَ إذا أردتَ أنْ يُعطيَكَ اللهُ شيئًا؛ دَعَوْتَهُ، وقلتَ:
«يا رَبِّ أدخِلْني الجنَّةَ».
«يا رَبِّ نَجِّني مِن النَّارِ».
«يا رَبِّ اغفرْ لِوالِدَيَّ».
وهَكذا، في كلِّ الأمورِ مِن شُؤونِ الدُّنيا والآخِرَةِ.
فإنَّك عندما تدعُو اللهَ -سُبحانه-؛ تعتقدُ يَقينًا أنه وحدَهُ خالِقُكَ ومالِكُكَ، والقادِرُ على استجابةِ دُعائِكَ.
فَدُعاؤُك اللهَ -سُبحانَهُ- هُو خُلاصةُ عِبادتِك، وصِدقُ إيمانِك باللهِ -سُبحانه-.
لذلك فأنتَ تدعُو اللهَ وحدَهُ، لا تدعُو أحَدًا مِن خَلْقِه، ولا تَسألُ أحَدًا مِن خَلْقِه، ولا تَستَغيثُ بأحدٍ مِن خَلْقِه.


- تم بحمدِ اللهِ -


______________
(1) سخَّر: هيَّأ وذلَّل.
(2) داخِرينَ: أذِلاّء.
منازعة مع اقتباس
  #6  
قديم 30-06-2011, 10:09 PM
أم محمد أم محمد غير شاهد حالياً
قيِّم سابق
 
تاريخ الانضمام: Dec 2008
السُّكنى في: رأس الخيمة
التخصص : ربة بيت
النوع : أنثى
المشاركات: 1,033
افتراضي

-5-
الـملائِكــة

(1)

ومِن أهمِّ أركانِ إيمانِنا باللهِ -سُبحانَه-: الإيمانُ بالملائِكة، والتعرُّفُ إلى حقيقَتِهم، وما كلَّفَهُم اللهُ -سُبحانَهُ- به.
فبِإيمانِنا بالملائكةِ نَعرفُ أُمورًا مُهمَّةً كثيرًا ما تَساءَلْنا عنها، وأحْبَبْنا الوُقوفَ على حَقيقَتِها.


(2)
والملائكةُ هُم: خلقٌ مِن خَلْقِ الله، غَيْبِيٌّ، غيرُ مَحسُوسٍ، ليس لَهُم وُجودٌ جِسمانيٌّ يُدرَكُ بالعُيونِ أو بالأيْدي.
وَقد طهَّرهُم اللهُ -سُبحانَهُ- مِن الخطأِ والانْحِراف، ونزَّهَهُم عن الخطايا والذُّنوب.
وهُم -أيضًا- ليسُوا كالنَّاسِ المُعتادِين، فَهُم لا يَأكُلون، ولا يَشرَبُون، ولا يَنامُون؛ إذْ هُم عالَمٌ آخَرُ مُختلِفٌ عن عالَمِ البَشرِ والنَّاسِ الَّذين نَراهُم.


(3)
وأهمُّ ما يُميِّزُ الملائكةَ عن النَّاسِ: كثرةُ عِبادَتِهِم لله؛ فَهُم دائمُو العِبادة، لا يَكْسَلون عنها.
قال اللهُ -سُبحانهُ-:
لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
وقال:
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(1) [الأنبياء: 20].
فهُم مِن صَفْوَة خَلْقِ اللهِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-؛ لِذا اختارهُم اللهُ لأشرفِ الوظائف.


(4)
وهل هُناكَ وظيفةٌ أشرفُ مِن تَبليغِ الشَّرائعِ للأنبياءِ والرُّسُل؛ لِيَدْعُوا بِها النَّاسَ إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه؟
فهذهِ الوظيفةُ الشَّريفةُ اختصَّ اللهُ -سُبحانَهُ- بها الملائكةَ.
قال اللهُ -سُبحانَه-:
الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ(2) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ المَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر: 1].
ولَم تَكُنْ هذه الوظيفةُ لهُم لولا وُجودُ تلك الصِّفاتِ العظيمةِ المميِّزةِ لهم عن سائرِ خلقِ اللهِ -سُبحانَهُ-.

(5)
ومِن صفاتِ الملائكةِ الخَلْقِية التي أخبرنا اللهُ -سُبحانَهُ- بها في القُرآن العظيم؛ أنَّ لَها أجنحةً -كما في الآية السَّابقة-.
وهذه الأجنحةُ ذاتُ أعدادٍ مُختلفة، فمِنهم مَن له جَناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، أو أربعة، بل إنَّ مِنهم مَن له أكثرُ مِن ذلك بِكثيرٍ؛ وهو جِبريلُ -عليه السَّلام-؛ فقد ورد عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- أنه رَأى جبريلَ لهُ سِتُّمائة جَناح.

(6)
ومِن صفاتِهم -أيضًا- أنهم قادِرون على الصُّعودِ والهبوط بين السَّماواتِ والأرضِ بِسُرعةٍ عظيمةٍ.
قال الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-:
تَعْرُجُ(3) المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ(4) إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4].
وسُرعةُ الملائكةِ لا تُقاسُ بِسُرعةِ البَشرِ أو مَقايِيسِهِم؛ فلا وَجْهَ للشَّبَهِ أو المقارنةِ بينهما.

(7)
ومِن صِفاتِهم -أيضًا-:
أنهم مَخلوقون مِن نُورٍ؛ كما ورد عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-.
ولهم قُدُراتٌ خارِقةٌ عجيبةٌ لا يَستطيعُها أعاظمُ الرجالِ مِن البَشَر؛ مِن ذلك أنَّ ثمانيةً منهم يَحمِلون عَرشَ الرحمنِ -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17].

(8)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ كلَّفهمُ الله -سُبحانَهُ- بِقَبضِ أرواح النَّاس عند موتِهم.
وسيِّدُ هؤلاءِ الملائكةِ «مَلَكُ الموتِ»، وله أعوانٌ مِن الملائكة.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة: 11].
وقال -سُبحانهُ-:
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61].

(9)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ يُرسلهم اللهُ -سُبحانَهُ- لِنُصرةِ المؤمنين مِن البَشر.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12].
فإيمانُنا بهذا النَّوعِ مِن الملائكةِ يَجعلُنا نَعملُ على أن نستحقَّ مِن اللهِ تثبيتَه لنا بالملائكة.

(10)
ومِن الملائكةِ: ملائكةٌ جعلهم الله مُلازِمِين لنا، يَكتُبون أعمالَنا، ويُحصُون ما نقوم بِه مِن خيرٍ أو شَرٍّ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80].
فإيمانُنا بهذا النَّوع من الملائكةِ الكاتِبين الملازِمين لنا؛ يجعلنا في يقظةٍ دائِمة، وانتِباهٍ مُستمِرٍّ؛ فنحذَرُ مِن الوُقوعِ في الشَّرِّ؛ حتى لا يُسجِّل الملائكةُ الكاتِبون ذلك علينا.
وهذا -أيضًا- يَجعلُنا في أملٍ دائمٍ ورغبةٍ وافِرةٍ لِفعلِ الخَيرات، وعمل الطَّاعات؛ فتكتُبُها الملائكة، ويُسجِّلها الكاتِبون.

(11)
وخلاصةُ القَول:
أنَّ الإيمانَ بالملائكةِ توسيعٌ لِمعارفِ الإنسانِ عن نِظامِ هذا الكونِ الذي خَلَقَه اللهُ -سُبحانَهُ- على صُوَرٍ مُتعددةٍ وأنواعٍ مُختلفة.
فيكونُ لدى المؤمن معرفةٌ صحيحة، وإدراكٌ سليمٌ لِكثيرٍ مِن حقائقِ الكونِ الغائبة، عَرَفها المؤمنُ بما علَّمه اللهُ إيَّاه . .
وهذا الإيمانُ نفسُه يُعرِّفُنا أنَّ الذين يَعصُون الله في هذا الكَون قليلون، لا نِسبةَ لهم تُذكَرُ مُقارنةً مع خَلْقِ الله -وإن كانوا كثيرِين في بَنِي البَشر-؛ فإنَّ البشرَ كلَّهم ليسُوا إلى جانبِ الملائكة وبقيةِ مخلوقاتِ اللهِ الطائعةِ إلا قليلاً.
والطَّائِعون -فقط- هُم الَّذين يَرضَى اللهُ عنهم ويُدخلُهم جَنَّتَه.




_______________
(1) يَفتُرون: يكسَلون.
(2) فاطِر: خالِق.
(3) تعرُج: تصعَدُ.
(4) الرُّوح: جِبريل.
منازعة مع اقتباس
منازعة


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
لامية شيخ الإسلام ابن تيمية أم محمد حلقة العلوم الشرعية 2 20-10-2017 05:05 PM
من مواعظ شيخ الإسلام : موعظة في الصبر أم محمد حلقة العلوم الشرعية 8 16-11-2011 10:51 AM
هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟! عمر بن عبد المجيد حلقة العلوم الشرعية 5 16-01-2011 08:52 AM
اللغة العربية .. من شعائر الإسلام فريد البيدق حلقة فقه اللغة ومعانيها 2 04-09-2009 10:29 PM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 11:50 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ