مقامة (( نصرة المظلوم ))

[محمد البلالي]

حكى خالد بن عبد الله:
دخلتُ مَدِينةً بالجمالِ مَزِينةً، لها حُسنٌ لها القلبُ به عمَّا سِواه،
خاضعاً خاشعاً لخالقه الذي سَوَّاه،سَبَحتُ فيه بعين إعجاب، فسَبَّحتُ لِما رأيتُ من عجب عُجاب.
فبينا أنا كذلك رأيت جمعاً فأصغيتُ لهم سمعاً ، قد كثُر فيهم اللَّغَطُ بالغَلَط، فدنوتُ منهم ، ودعوتُ أحدَهم فسألته فقال:
رجلٌ يزعم أن هذا الغلامَ غَلَّ غَلَّته وسلَّ سلَّته ، فهو يريد ما نَهَب من ماله وذهَب ، وإلا الخلاص بالقصاص.
فرأيت الناس بين حاضرٍ حائرٍ ، وساكتٍ ساكنٍ ، والغلامُ يبكي وللخلاص يبغي ، فإذا بي لما بالغلامِ أتألم ، فعزمتُ أن أتكلَّم.
فرأيتُ أحدَهم ، أحسِبه أحمدَهم ، فقلتُ: سبقك بها عكاشة،
فقام فقال:
يا معشرَ الحاضرين الحائرين ، الساكتين الساكنين ، ما بالكم راضون رابضون ، لا أراكم تُنكرن بلهَ تَنصرون.
ترون غلاماً لم يبلغِ الحُلم، ولا يُميِّز بين الغُنم والغُرم، ولا يعرف الجُرم، وقد رُفِع عنه القلم حتى يحتلم ، فتجريمُه جُرم، وتأثيمُه إثم، وقد وضعَ الله عنه الإصر ورفعَ الوزر .
وإنَّ رِضاكم بالباطل لَظاكم، وخارِسَكم عن الحقِّ خاسِرُكم، وليس أبطلَ من الباطلِ إلا السكوتُ عليه، والركُّونُ إليه.
قال خالد بن عبد الله:
فوقع في نفسي أنه أبو محمد العدني فكان كذلك.
ثم أطال فأطاب الخِطاب، فإذا بالناسِ بَعد سماعهم المقالَ وموافقته المقامَ، يتحرَّك فيهم العزمُ بالجزمِ، بالذَّبِّ عن الغلامِ المُلام ، فقالوا بعدَ أن قالوا، وقاموا بعدَ أن ناموا، فأحسنَ القومُ القول ، ثم قال أبو محمد العدني:
ألا وإني سأقضي بحكم على الشِّقاقِ يَقضي ، وللطرفين يُرضي.
قال خالد بن عبد الله :
فقضى بحكم ما كان أحسنَه وأمتنَه، وأعدلَه وأبينَه.