ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة البلاغة والنقد
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

 
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 29-07-2024, 08:52 PM
مهاجر مهاجر غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
التخصص : ميكروبيولوجي
النوع : ذكر
المشاركات: 33
افتراضي الفطرة

ومما تقرر في الفطرة ضَرُورَةً أولى تَثْبُتُ ، أَنَّ الرَّبُّ ، جل وعلا ، ليس بمعطَّل عن الوصف ، فلم يكن منه عدم أول ، ثم كان منه موجود محدث ، وليس من وصفه الثابت في الأزل : وصف نقصٍ ثُمَّ كَمُلَ بَعْدُ بما يحدث من آحاد الفعل ، إن في الكون أو في الشرع ، بل له من الأولية ما يُطْلَقُ ، أَوَّلِيَّةِ الذاتِ وَمَا يَقُومُ بِهَا من الأسماءِ والصفاتِ والأفعالِ والأحكامِ ، فهو ، جل وعلا ، الرب المكوِّن الأول ، وإن لم يكن ثَمَّ بَعْدُ تَكْوِينٌ يَنْفُذُ ، وَهُوَ الحاكم المشرِّع الأول ، وإن لم يكن ثم بَعْدُ تَشْرِيعٌ يَنْزِلُ ، ومن ذلك عنوان التوحيدِ الأوَّلِ ، توحيدِ الربِّ الخالقِ بما كان من كمال الفعل الأول ، فَتِلْكَ الأولية المطلقة التي تَنَاوَلَتِ الذَّاتَ والاسمَ والوصفَ والفعلَ والحكمَ ، فَثَمَّ من ربوبيةِ الفعلِ : التقديرُ الأوَّلُ فِي علمٍ محيطٍ قَدِ اسْتَغْرَقَ ، وَثَمَّ تال من الإرادة يُخَصِّصُ وَيُرَجِّحُ ، وهو ما عَمَّ بَعْدُ التدبيرَ المحكَمَ ، فكلُّ أولئك وصفُ ذاتٍ لَا يُعَلَّلُ ، وَإِنْ نَوْعًا أَوَّلَ يَقْدُمُ من الفعلِ قُوَّةً ، فتأويله ما يعقب من آحاد بالفعلِ تُصَدِّقُ أَوَّلًا من القوة ، فَثَمَّ آحاد من أفعال الربوبية تُصَدِّقُ مَا كَانَ من وصفِها الأول الذي يقدم ، ومنه وصف ذات ، كما العلم المقدر في الأزل ، وهو ما ثَبَتَ أَوَّلًا ، فتناولته الأولية المطلقة في اسمه جل وعلا : "الْأَوَّلُ" ، ومنه وصف فعل به الترجيح الذي يخرج المقدور الجائز من العدم إلى وجودٍ تَالٍ ثَابِتٍ ، وهو الوجود المصدِّق فِي الخارج لآخر في الأزل يَثْبُتُ ، فَلَيْسَ مِنَ المقدورِ أول إلا العدم المطلَق ، عدم الوجود في الخارج ، فليس منه إلا عدم في الأزل ، فلم يكن منه إلا المعلوم الذي تَنَاوَلَهُ العلمُ المحيطُ المستغرِقُ ، وذلك وصفُ الخالقِ لا المخلوق المحدَث ، فَلَيْسَ ثَمَّ من الأخير إلا المحدَث بعد أن لم يكن ، وإن كان منه معلوم أول ، فهو من علمِ الخالق المحدِث لا المخلوق المحدَث ، فالأخير حادث بعد أن لم يكن ، فليس منه إلا العدم الأول ، فلم يكن في المبدإ إلا الله ، جل وعلا ، الذات القدسية وما قام بها من الأسماء والصفات والأفعال والأحكام ، فلم يكن ثم شيء معه ، وإن كان من علمِه المحيطِ المستغرِقِ مَا تَنَاوَلَ أشياءَ لَمَّا يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ في الخارج ، فَمِنْهَا معلومٌ أول يَقْدُمُ ، وهو المقدور الذي ثَبَتَ في علمٍ محيطٍ قَدِ اسْتَغْرَقَ ، وذلك ، كما تقدم ، وصف الخالق الأول لا المخلوق المحدَث بَعْدًا ، فكان من توحيد الرب الأول ، جل وعلا ، توحيد الأولية المطلقة إذ كان وحده في الأزل ولم يكن ثم شيء معه ، فَلَهُ مِنْ وصفِ الأولية ما أُطْلِقَ ، فاستغرق وجوه المعنى ، وذلك ، كما تقدم في مواضع ، حكم الضرورة العقلية الملجئة وإلا لم يكن من الخلقِ شَيْءٌ في الخارج يَثْبُتُ ، فلا بد من أول لا أول قَبْلَهُ ، وبه الترجيح في جائز من المقدور أول ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وهو ما يسبق ، وذلك مما تسلسل في العقل حَتَّى انْتَهَى ضرورةً إِلَى أَوَّلٍ لَا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فَهُوَ يُرَجِّحُ فِي الجائزِ ، ولا يكون ذلك إلا عن موجود له وجودٌ ذاتيٌّ لَا يُعَلَّلُ ، وله من ذلك حقيقة في الخارج تَثْبُتُ ، فَلَيْسَ المجرَّد الذهني الذي يصدر عن قاعدة من التعطيل تَقْبُحُ ، مَعَ زيادةٍ في الحدِّ تجاوز فِي التجريدِ صريحَ العقلِ ، إذ تَفْرِضُ المحال الذاتي الممتنع ، المطلق بشرط الإطلاق ، فلا وجود له في الخارج يجاوز ، بل ذلك ، كما يقول بعض من حقق ، من الإغراق في النَّظَرِيَّاتِ ، وبه الدين الْمُنْزَلُ يَصِيرُ مَادَّةَ جدالٍ لا يَنْفَعُ ، فلا عمل يُبْنَى عَلَيْهِ ، وإنما غَايَتُهُ أَنْ يُقِيمَ الحجَّةَ على المخالف ، وتلك الضرورة التي تُقَدَّرُ بقدرها ، وإلا فالأصل الاشتغال في التصور والحكم بما له آثار من العمل تظهر ، وبها إصلاح الأولى والآخرة ، فَعُمْرَانُ كُلٍّ لا يكون إلا بحكومات من الوحي تَنْصَحُ ، فيكون من ذلك توحيد الشريعة المحكم ، فَثَمَّ أصل أول من العلم ، وهو واجب أول قبل الشروع في عمل تالٍ يُصَدِّقُ ، فَثَمَّ من التصور أول ، وهو حتم لازم في حصول اسم من الدين يَنْفَعُ ، وذلك مطلوبُ كُلِّ ذِي عَقْلٍ يَنْصَحُ بِمَا يُعَالِجُ ضرورةً من مقدمات العقل والفطرة والحس ، فكلُّها شاهدُ صدقٍ بِتَوْحِيدٍ أول له من وصف العلم ما يحيط ، وله من وصفِ الإرادةِ ما به التَّرْجِيحُ ، فلا بد من علم يُثْبِتُ وجود الخالق الأول ، وهو ما قَرَّرَ الوحي بعبارة يسيرة تخلو من الإجمال والتعقيد ، بل قد جَاءَ مِنْهَا ما أثبت توحيد العلم والخبر ، وجادل المخالف بآي محكمات تخاطب مواضع الضرورة في العقلِ ، وهو ما استوى فيه الخاص والعام ، المجتهِدُ والمقلِّدُ ، مَنْ يَفْقَهُ دَقَائِقَ الجدلِ ، ومن لا يحسن النظر ، وبذا امتازت حجة الوحي المحكمة من وجوه في الكلام والحكمة تَغْمُضُ ، وإن كان منها صحيح يَنْصَحُ ، فلا حجة به تُقَامُ ، فَشَرْطُهَا أَنْ يَعْقِلَهَا الجمعُ كَافَّةً ، فلا يكون منها دقيق لَا يَفْقَهُهُ إلا الخاصة ممن تَعَاطَى مسائل الجدال والتأويل ، لا سيما الباطن الذي يحتكره قَلِيلٌ يُدْرِكُ سِرَّ المذهَبِ ، فيكون من ذلك وَهَنٌ هو الأول ، فَإِنَّ من السِّرِّ مَا دَقَّ في النظرِ ، وليس كُلٌّ أَهْلًا أَنْ يَتَنَاوَلَهُ ، فَاقْتَصَرَ ذلك على قَلِيلٍ هم الملأ الحاكم فوحده العاقل الذي يُطِيقُ دَرَكَ الأسرارِ الدقيقة التي تطلب من النظر طُرُقًا لَطِيفَةً ، وإن كان منها المحال الذاتي الَّذِي يَمْتَنِعُ ، فَامْتِنَاعُهُ مَا اسْتَوْجَبَ من الْحُجَجِ ما يَتَكَلَّفُ ، فَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا في النَّظَرِ ما احتاج إلى مسالك من الاستدلال تَغْمُضُ ، فلا يكاد يَفْقَهُهَا إِلَّا قَليِلٌ قد تَعَاطَى مسائلَها ، ولو كان منها حَقٌّ يَنْصَحُ ، فَلَيْسَ ذلك مما بِهِ تُقَامُ الحجَّةُ عَلَى جَمْعٍ يَكْثُرُ ، لا سيما الأصول الرئيسة ، بل وأصلها الأول : أصل التوحيد المحكم ، فذلك مما أبان عنه الوحي المنزل بكلماتٍ يَسِيرَةٍ تُفْهِمُ قد خَاطَبَ وجدانَ كُلٍّ ، العالم والعامي ، المجتهد الذي انصرف إلى مسائل النظر ، والمقلد الذي لا يفقه دقائق الفكر ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أن يكون أصل الدين سِرًّا يحتكره مَلَأٌ قليل ، وليس على الجمع إلا أن يسير سير القطيع الذي يُسْلِمُ الْقِيَادِ طَوْعًا ، فيغمض العين ويتبع ، ويعطل من قياس العقل المصرح ما به امتاز من الحيوان الأعجم ، فوحده من يُقَادُ ، ولو إِلَى الذَّبْحِ والهلاكِ ، وتلك سنة جارية في كل مُقَلِّدٍ ، وهو بَعْدًا يَلْعَنُ الملأ الذي أورده المهالك إذ صَيَّرَ الدِّينَ كَسْبًا به سيادة تُطْلَقُ ، وَكَنْزٌ يجمع ، وطغيانٌ لا محالة يحصل ، إذ ثم من صاحبه ما رَقَّ دِينُهُ ، فَصَيَّرَهُ سَبَبًا به يَتَكَسَّبُ ، فَلَيْسَ ثَمَّ مِنَ الورعِ ما يَحْجِزُ ، وإن أَظْهَرَ مِنْهُ مَا أَظْهَرَ ، فذلك الرِّيَاءُ الَّذِي يُبْطِلُ العملَ ، وَقَدْ نَالَ من أولئك أصل الاعتقاد والعمل ، توحيد الخالق الأول ، وذلك مما يَنْزِعُ عنهم ولاية التكوين بما غلوا في دعوى التأثير في أحداث الكون ، وأخرى أَفْحَشُ في آثارها بما كان من اتخاذهم أربابا تُشَرِّعُ ، فَلَهَا مِنَ الْحُكْمِ مَا يُطْلَقُ ، وإن خالف عن صحيح من النقلِ وصريحٍ من العقلِ ، فهو يتحكم في النسخ والإحكام ، ويخالف عن بدائه في النظر والاستدلال ، أن رُدَّ الأمرُ إِلَى مَرْجِعٍ ذَاتِيٍّ لا يجاوز ، فهو من الأرض حَادِثٌ ، فذلك عقل الحبر أو الراهب ، أو آخر من عقل الجمع ، فذلك مثال المجمع الذي اكتسى لحاء القداسة والعصمة ، فلا ينطق إلا حقا ، وإن خالف عن المحكم من النَّقْلِ والعقلِ قَطْعًا ، فَثَمَّ منه مجمع لا يَنْصَحُ إجماعه ، من وجوه ، فهو من الأرض حادث ، وَلَيْسَ ثَمَّ لَهُ مستند من خارج يجاوز مِنْ نَصٍّ يَعْصِمُ الإجماع ، وليس يَنْصَحُ ذلك إلا أن يكون ثم مستند له من خارج يَعْصِمُ ، وإلا لم يجاوز حد الأرضي المحدث ، وإن عَقْلَ جمعٍ من الأحبار والرهبان ، فلا يخلو حالهم من هوى وحظ ، مع ما حصل لهم من جاه وكسب ، فَتَأَوَّلُوا له ما يحفظ ، وَإِنْ أَضَلُّوا الخلقَ كَافَّةً ، فكان من الرَّغَبِ صَكٌّ يَغْفِرُ ، ومن الرَّهَبِ حرمان يمنع ، فلا تؤمن حكومتهم في علم أو عمل ، إذ المثال المجرَّد : عقل جمع لا يُعْصَمُ ، فَلَا مُسْتَنَدَ له من خارج يجاوز ، فذلك ما يَصْدُقُ فِيهِ مَا يَصْدُقُ فِي عقلِ الفردِ ، فكلاهما الذاتيُّ المحدَثُ في الأرض ، وإن كان وصفُ الذَّاتِيِّ في العقل المفرد أظهر ، فيصدق من عقل الجمع ، إِنِ الأخصَّ من الأحبار والرهبان أو الأعم الذي تَنَاوَلَ الجمعَ كَافَّةً ، فيصدق في هذا العقل أنه ، من وجه ، مَرْجِعٌ موضوع من خارجِ الأفرادِ ، ولكنه ، مع ذلك ، ليس المطلق الذي لا يجاوز ، فلا يخلو من وصف المحدَث ، وآخر لا يَسْلَمُ من الهوى والحظ ، فهو المجموع الذي ائْتَلَفَ من عقولٍ في استدلالها تختلف بما يصدر عَنْهُ كُلٌّ مِنْ مَرْجِعٍ ذَاتِيٍّ لا يجاوز ، فكذا المجموع منها ، وإن قيل إنها جمل ظنون تُعْتَبَرُ ، فاجتماعها يُفِيدُ ما لا يُفِيدُ انْفِرَادُهَا ، فذلك حق ، ولو في الجملة ، فالعقل الجامع أقرب إلى الصواب لو خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الاستدلال المحكم ، فلم يكن ثَمَّ سبب من خارج يَحْرِفُ ، كما دعاية تسحر الألباب فتصرفها عن الحق الناصع إلى الباطل ، فلئن كانت أصابه العقل الجامع للحق أكثر ، فلا ينفك يَنَالُهُ من الخطإِ ما يبطل دعوى العصمة ، وكذا عَقْلُ الفرد من باب أَوْلَى ، فكلاهما حال التجريد ، فلا مَرْجِعَ من خارجٍ يصدران عنه في النظر والاستدلال ، فكلاهما ، حال التجريد لا يَسْلَمُ من الخطإ ، بل الحال بِذَا تَشْهَدُ ، وإن كان عقل الجمع من الخطإ أبعد ، فالاجتماع على حَدٍّ أدنى من الرشاد في الفكرة والحركة ، ذلك أمر يَثْبُتُ حَالَ النَّظَرِ فِي أحكامِ العقل الجامع ، ولكنه ، كما تقدم ، محدَث لا يَسْلَمُ مِنَ التحريفِ والتأطيرِ على قَاعِدَةٍ تَتَحَكَّمُ فِي التحسينِ والتقبيحِ ، فَتُلْجِئَ العقلَ إذ تحجر الواسع من الاختيار ، فتتحكم في أجزاء القسمة ، قسمة العقل في مواضع الاحتمال ، فتحمل الجمع على خطة خسف في الاختيار ، فلا يختار إلا ما اخْتِيرَ لَهُ قَبْلًا ، وإن كان الباطل قَطْعًا ، بل منه ما جَحَدَ المعلوم الضروري الأول إِنْ في العلمِ أو في العملِ ، إن في الأحكام أو في الأخلاق ، وَاعْتَبِرْ بِمَا كان من خطواتِ وَسْوَاسٍ قد تَسَلْسَلَ في تَحْسِينِ مَا قَدْ عُلِمَ قُبْحُهُ ضرورةً في الفطرة والعقل والحس ، فكان من الفواحش ما أَجْمَعَ العقلاءُ كَافَّةً على قُبْحِهِ ، فَثَمَّ ضرورةٌ أولى من الفطرة ، فلم يَزَلِ الوسواس بها حتى حَمَلَهَا عَلَى ضِدٍّ يُخَالِفُ ، وهو لما استقر في النفوس ضرورةً يُنَاقِضُ ، فَيَصْدُقُ فيه ما يَصْدُقُ في حَرْفِ الفطرةِ الأولى من التوحيدِ ، فَكُلٌّ يُولَدُ على الفطرة ، وذلك ، لو تدبر الناظر ، مما عم فاستغرق ، فدلالة "أل" في "الفطرة" ، دلالة بَيَانٍ أول لجنس المدخول ، وهو ما اشتق على مِثَالِ الثَّبَاتِ ، فذلك اسم الهيئة التي تَلْزَمُ لا المرَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ ، فهي الفِطرة من الفِعلة ، بكسر الفاء ، لا الفَطرة من الفَعلة ، بفتح الفاء ، فالفطرة مما رُكِزَ فِي النَّفْسِ ضرورةً ، وهي حكاية أول لا على مثالٍ تَقَدَّمَ ، فليس يُسْبَقُ بآخر ، بل ذلك مما خُلِقَ عَلَيْهِ كُلُّ مولودٍ ، فكان منه أول يَثْبُتُ حال الخروج من الرحم ، وحصولِ حقيقةٍ في الخارج تَسْتَقِلُّ ، ولو لم يَعْقِلْ صاحبها بَعْدُ عَقْلَ الفعلِ الذي يتأول مقدمات الضرورة في النظر والاستدلال ، فَثَمَّ رِكْزٌ أول من الفطرة ، وهي جُمَلٌ فِي النَّفْسِ قَدْ رُكِزَتْ ، وَإِنْ قُوَّةً أولى قد أُجْمِلَتْ ، فَلَا تَنْفَكُّ تَطْلُبُ بَعْدُ بَيَانًا بالفعلِ أخص ، فهو ما يحصل شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، فَثَمَّ التَّمْيِيزُ ثم آخر من البلوغ ، وبه يُنَاطُ التكليفِ ، وَهُوَ لِمَا كان من الفطرة الأولى : تَأْوِيلٌ ، فَتَأْوِيلُ الجملِ الضرورية الأولى في العقل ما يكون بَعْدًا من تكليفٍ أَخَصَّ ، قَدْ عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ التوحيدَ والتشريعَ كَافَّةً ، فكان من ذلك دليل من خارج يُصَدِّقُ مَا كَانَ من فطرةٍ أولى في الوجدان تَنْصَحُ ، وكان منه آخر يُبَيِّنُ ما أُجْمِلَ مِنْهَا ، وثالث يُقَوِّمُ مَا اعْوَجَّ ، فَلَوْ تُرِكَ العقلُ بلا مبدِّل ومحرِّف ، فهو يسلك جادة التوحيد المحكَم بما رُكِزَ ضرورةً فِي الوجدانِ من فطرةٍ أولى تَنْصَحُ ، وهو ، مع ذلك ، لا يجاوز مِنْهَا حَدَّ التصديق المجمل ، كما دليل التسلسل مِثَالًا قد تَقَدَّمَ ، فهو كلي ضروري في العقل قد رُكِزَ ، فَامْتَنَعَ لدى كلِّ ذِي نَظَرٍ أَنْ يكون ثَمَّ تَسَلْسُلٌ لا منتهى له في الأزل ، فإن ذلك ، لو سُلِّمَ فَرْضًا به يجادل الخصم الجاحد لما كان من الخلق الأول ، فِعْلِ الخالقِ المدبِّر بما كان من العلم المقدِّر وآحادِ إرادةٍ بَعْدُ تُرَجِّحُ ، فإن ذلك لو سُلِّمَ بِهِ فَرْضًا ، فلا ينفك يدل على ما انْتَفَى ضرورةً في الحسِّ المحدَثِ ، فلازمه ألا موجودَ من هذا العالم الذي يعالج الحس أعيانه وأحواله ضرورةً ، فلا يكون ذلك إلا أن يكون ثم أول لا أول قبله ، وإليه الأسباب جميعا تَرْجِعُ ، وذلك المجمل الذي لا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ الدليلَ المبين من خبر الوحي المنزل مرجعا من خارجٍ يجاوز ، فهو بالصدق يخبر ، وبالعدل يحكم .
فَلَا يَنْفَكُّ العقلُ مع ما رُكِزَ فِيهِ من فطرةٍ أولى تَنْصَحُ ، لا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ الدليل المبيِّن ، والفطرةُ ، لو تدبر الناظر ، مما عَمَّ قسمة التوحيد كافة ، توحيدَ رُبُوبِيَّةٍ بها الخلق والتدبير ، وهو ما يعالج الناظر منه آثارا في الخارج تَنْصَحُ ، فَهِيَ دليلٌ على أول له من التأثير ما يَثْبُتُ ، وبه حَسْمُ مَا امْتَنَعَ ضرورةً من التسلسلِ فِي المؤثِّرين أزلا ، وهي دليل آخر عَلَى وصفٍ يُجَاوِزُ التأثيرِ في الإيجادِ من عَدَمٍ ، فَثَمَّ من الآثار ما يحكي ضرورةً إِتْقَانًا وَإِحْكَامًا يجاوز مطلق الوجود الحادث في الخارج ، فذلك في نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَوَّلٍ قَدْ أَحْدَثَ ، ولو على مثالٍ مَعِيبٍ يَنْقُصُ ! ، فلا يكون المبدأُ أَبَدًا عَدَمًا هو الأول كما اقْتَرَحَتِ الحكمة الأولى وقد غَلَتْ فِي التعطيلِ ، فَتَحَكَّمَتْ فِي إثباتٍ في الخارجِ يُجَاوِزُ ما لا حقيقة له في الخارج تُجَاوِزُ ، فَغَايَتُهُ التَّصَوُّرُ المجرَّد لِجَائِزٍ ، أَوْ الفرضُ المحضُ تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فَتَحَكَّمَتْ أَنْ أَثْبَتَتْ له وجودا في الخارج يجاوز ، فَثَمَّ في الخارج مطلق بشرط الإطلاق ، ولا وجود له في الأعيان يجاوز ما تقدم من التجريد في الأذهان ، فلا يكون الخلق الأول ، ولو المعيبَ الناقصَ ، لا يكون عن أول هذا وصفه ، فَلَيْسَ منه في الخارج إلا العدم ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَجُوزَ فِي العقل ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارجٍ ، فَيَصِيرُ له من الوجود تَالٍ هو الحادث ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وصفِ الأوليَّةِ مَا يُطْلَقُ ، وَلَيْسَ بِهِ ما امْتَنَعَ من التسلسل في المؤثرين أَزَلًا يُحْسَمُ ، بَلْ لَا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ أَوَّلًا يَسْبِقُ ، فَهُوَ يُرَجِّحُ في طرفٍ من الجائز المطلَقِ فِي الذهنِ ، فَيَصِيرُ في الخارج ذا وجودٍ تَالٍ بالفعلِ ، فهو المحدَث لَا الأوَّل ، وليس به حسمُ التَّسَلْسُلِ الممتنعِ في المؤثرين أَزَلًا ، فلا يحسمه إلا أول لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، وله من الحقيقة ما يجاوز التجريد في الذهن ، فليس يجزئ فيه ، ولو في مطلَقِ الإيجادِ ، وَإِنِ المعيبَ الناقصَ ، لا يجزئ فيه مطلق بشرط الإطلاق ، فذلك العدم في الخارج ، فلا وجود له يجاوز الذهن ، فلا بد من أول لَهُ من الذاتِ في الخارج ما يجاوز ، فَلَهُ حقيقةٌ بالفعل في الخارج ، وثم آخر من الآثار يعالجه الحس ويمهد به العقل بين يدي الاستدلال النظري بِأَوَّلٍ من المقدمات ضَرُورِيٍّ ، فَثَمَّ من ذلك إتقانٌ وإحكامٌ يعالجه الحس ، وبه آي إعجاز في الآفاق والأنفس ، إِنْ نَظَرًا مجرَّدا فِيهَا ، أو آخر قد ذَكَرَ من خَبَرِهِ مَا صَدَّقَهُ التجريبُ والبحثُ ، فذلك في الإعجاز مناط أخص ، فَثَمَّ من ذلك الإتقان والإحكام ، وهو ما استوجب في النظر المصرح وصفا يزيد ، فهو يَقُومُ بالذات الأولى ، فلا يكون الإتقان والإحكام إلا عن علم تقدير أول ، وإرادةٍ بَعْدُ تُرَجِّحُ ، فلا يكون ذلك عن عدم ، أو عِلَّةٍ فاعلةٍ بالطبع اضطرارًا فَلَا إرادةَ ، فهي المجرَّدة من الوصف فلا علم به التقدير ، إلا الكليُّ المجمل ، وليس في باب الإتقان والإحكام يجزئ ، إذ تَنَاوَلَا من الحقائق في الخارج ما دَقَّ ولطف ، فلا يكون ذلك بِعِلْمٍ كُلِّيٍ مُجْمَلٍ ، وإن كان هو المبدأ في النظر المحكم بما حَصَلَ مِنْهُ في عقلِ المولودِ مبدأَ الأمرِ ، فَثَمَّ جُمَلُ ضرورةٍ في وجدانِ كُلٍّ قد رُكِزَتْ ، ومنها أصل أول في باب الخلق أن المحدَث لا يكون إلا بمحدِث ، وذلك ما قد عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ المتقَن فلا بد له من متقِن ، والمحكَم فلا بد له من محكِم ، ولا يكون ذلك ، وإن نَصَحَ في الاستدلال ، لا يكون منه المفصِّل لما رُكِزَ من فطرةٍ أولى في النفس تَثْبُتُ ، فلا بد من مرجعٍ من خارج يجاوز ، وهو ، بَعْدُ ، يُقَوِّمُ مَا اعْوَجَّ من الفطرة بما طَرَأَ مِنَ التحريفِ والتبديلِ ، فَعَمَّ ذلك مواضعَ التكوينِ والتشريعِ كَافَّةً ، فَثَمَّ جُمَلُ ضرورةٍ تطلب الْبَيَانَ فِي كُلٍّ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضروراتٍ مجمَلةٍ فِي بابِ الخلقِ ، فإنها لا تُجْزِئُ فِي قَصٍّ يُفَصِّلُ ، فيكون منه نص في محل النِّزَاعِ ، فَثَمَّ مِنَ الغيبِ المطلق ما لا يطيق العقل المجرَّد ، وإن صَدَرَ فِي الاستدلالِ عن جُمَلِ ضرورةٍ منه تَنْصَحُ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَدِّ الخلقِ إلى خالقٍ ، فالمحدَث لا يكون إلا عن أوَّلٍ هو المحدِث ، فَثَمَّ من ذلك مقدمات ضرورة أولى ، والاستدلال بها أعم ، فلا يجزئ في مواضع أخص ، تَقُصُّ مَا كَانَ أَوَّلًا من الخلق ، فذلك مما غَابَ مُطْلَقًا فَلَمْ يَشْهَدْهُ أحد ، فـ : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) ، لا جرم كان من ذلك إِجْمَالٌ يَطْلُبُ الْبَيَانَ المفصَّلَ ، وذلك مما لا يناله العقل بالنظر المجرَّد دون رجوع إلى أول من الخبر يَصْدُقُ ، فَهُوَ مِمَّا يُجَاوِزُ العقلَ والحسَّ ، وَلَيْسَ من ذلك إلا الوحي الذي سَلِمَ من الخطإِ ، فَلَيْسَ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَعْرِضُ لِغَيْرٍ من الهوى والحظ ، فَثَمَّ من وصفِ الْغِنَى : وصفُ أَوَّلٍ يُطْلَقُ ، وهو ما يدخل ، أيضا ، في حد اسمه "الأول" ، فَثَمَّ استغراقٌ لوجوهِ المعنى : أولية مطلقة ، ولآحاد من الوصف والفعل والحكم ، ومنها الغنى ، فلا عصمة تَثْبُتُ إلا لِمَنْ لَهُ مِنَ الْغِنَى عنِ الأسبابِ المحدثة كَافَّةً ما يَثْبُتُ أَوَّلًا فَلَمْ يُسْبَقْ بِالنَّقْصِ والحاجةِ ، فيكون بَعْدُ كمالٌ وَغِنًى لَيْسَ يُطْلَقُ ، فَهُوَ المسبوقُ بِضِدٍّ من السببِ المكمِّل المغنِي ، فَلَيْسَ يُؤْمَنُ خَبَرُ مَنْ ذَلِكَ وصفُه ، وَبِهِ التَّصَوُّرُ الأوَّلُ ، كما قصة الخلق الأولى ، وهي من الغيب المطلق الذي يَطْلُبُ مِنَ الخبرِ أَوَّلًا يَثْبُتُ ، فهو يُصَدِّقُ فطرةَ الضرورةِ الأولى في باب الخلق ، ويطلب تاليا يُبَيِّنُ مَا أُجْمِلَ مِنْ هَذِهِ الضرورةِ العلمية الملجِئَةِ ، ويطلب ثَالِثًا يُقَوِّمُ مَا اعْوَجَّ مِنْهَا ، كما مذاهب محدَثة ، قد جحدت الخلق الأول ، واقترحت من القصص ما لا يُتَصَوَّرُ ، بَادِيَ النَّظَرِ ، ولو المجرَّدَ في الذهن ، فَلَيْسَ مِنْهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، في مواضع ، إلا الفرض المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ! ، فلا يكون مَرْجِعٌ يُؤْتَمَنُ فِي خَبَرِهِ عن ذلك الخلق الأول الذي لم يشهده أحد بالحس المحدَث ، لِيَكُونَ من ذلك خَبَرُ تَوَاتُرٍ يُجْزِئُ ، فلا بد من مستنَدِ الحسِّ ، وليس لَدَى القوم إلا مُسْتَنَدُ النَّظَرِ المجرَّد ، لَوْ سُلِّمَ أنه قد أصاب من الحق شَيْئًا ، ولو المجمَلَ من الجائز الذي يطلب دليلًا من خارج يُرَجِّحُ ، بل لم يكن من النُّظَّارِ في مذاهب محدَثة ، كما الحكمة قديما ، ومذهب التطور بَعْدًا وَقَدْ قَبَسَ مِنْهَا شُعَبًا ، وَإِنْ كَسَى المقالَ لِحَاءً مِنَ الْعِلْمِ ، وليس إلا عَيْنَ ضِدٍّ من الجهل ، إذ تحكم في حد العلم فَقَصَرَهُ على الحواس ، ولو في غيوبٍ تَفْتَقِرُ إلى مرجعٍ من خارج يجاوز ، وتحكم أخرى فَاقْتَرَحَ من الغيبِ ما يَنْقُضُ أصله الذي عنه يَصْدُرُ أَنْ لَا عِلْمَ إلا مَا يُعَالج الحس المحدَث ، فلم يعالج به ما اقترح من قصة الخلق الأولى ، إِلَّا جُمَلَ متشابهاتٍ قد بطلت بما عظم من آلة البحث المحدَث إذ صَيَّرَهَا في الباب عمدة ، فلم يكن منها إلا ناقض لما اقْتَرَحَ من الفرضِ ، وإن تَحَكَّمَ فَفَتَحَ بابَ الاحتمالِ ، وَصَيَّرَهُ العمدةَ في الاستدلال ، فالنظرية صحيحة حتى يَرِدَ الدليل المصحَّح ، فَلَئِنْ لَمْ يَرِدْ في هذا الجيل أو ذاك ، فَثَمَّ جيل سَيَرِدُ فيه قطعا ! ، ولو الاحتمال المجرد الذي صار في الباب الدليل المحقق ، ثم لم تزل الأجيال تَتَعَاقَبُ ، وفي كلٍّ مِنْهَا مَا يُكَذِّبُ مَقَالَهُ ، بل ويحكم فِيهِ أَنَّهُ المحال الذاتي الذي يمتنع ، ولو عَلَى قَاعِدَةٍ من العلم لا تجاوز مدارك الحس ، فهو كَاشِفٌ في كلِّ جيلٍ عن ضَدٍّ يُبْطِلُ مقال العشواء التي تخبط ، ويشهد بِضِدٍّ من الخلق المحكَم المتقَن ، فكلُّ أولئك ما لا يكون إلا عن أول له من وصف الغنى مَا أُطْلِقَ ، فَسَلِمَ من الهوى والحظ المحدَث ، وكان من خَبَرِهِ ما يُصَدَّقُ قطعا ، فهو المرجع المجاوز من خارج ، وهو المحكم الذي يَقْضِي في مُثُلٍ من الاحتمال تَتَشَابَهُ ، بل ومنها ما يقطع النظر ضرورةً بِبُطْلَانِهِ ، فلا ينفك الجائز في هذا الباب ، باب الخلق الأول ، لا ينفك وقد سَلِمَ أولا من الامتناع الذاتي الذي لا يُتَصَوَّرُ مبدأَ النظرِ ، لا ينفك يطلب الدليل الذي يُبَيِّنُ ما أُجْمِلَ من رِكْزِ الفطرةِ الأولى في بابِ الخلقِ ، وَشَرْطُ الدليلِ أن يجاوِزَ من خارجِ العقلِ والحسِّ إِذْ عَجَزَا عَنْ دَرَكِ التَّفْصِيلِ ، مِنْ وَجْهٍ ، فَهُوَ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا من غيبٍ مُطْلَقٍ لم يشهدْه أَحَدٌ ، وَلَيْسَا يَسْلَمَانِ من الخطإِ ، من آخر ، إن سهوا أو قصدا ، فَلَهُ في المذهبِ هوى وحظ محدَث ، وشاهد الحس لِذَا يُصَدِّقُ بِمَا كَانَ من أقوالٍ تُخْطِئُ ، بل ومنها ما يخالف ضرورات في العقل تَثْبُتُ ، وهي مقدِّماتُ الاستدلال لَدَى كلِّ عاقلٍ يَنْظُرُ ! ، فكان من الدليل المجاوِز من خارج ما أَبَانَ عن فطرةٍ أولى تجمل ، إِنْ فِي قِصَّةِ الخلقِ الأول ، فَثَمَّ من ذلك فِطْرَةٌ في التكوينِ ، وَلَهَا مبادئُ في الاستدلال عمدتُها إثبات الأول الذي لا أول قَبْلَهُ ، فَلَهُ من ذلك وصفٌ قَدْ أُطْلِقَ فَاسْتَغْرَقَ وجوه المعنى ، واستغرقَ آحادَ الوصفِ والفعلِ ، ومنه رُبُوبِيَّةٌ تَتَنَاوَلُ الخلقَ والرَّزق والتدبير ...... إلخ ، ومنه ألوهية بها التشريع ، وهو ما عَمَّ الأخبار والأحكام كَافَّةً ، وبهما نُصْحٌ يَخْلُصُ لمحالِّ التكليف الملزِم ، إِنْ تصديقًا فَخَبَرُهُ صِدْقٌ لا يَكْذِبُ وَلَا يُخْطِئُ ، وحكمُه عَدْلٌ لَا يَظْلِمُ ولا يُخْطِئُ ، فَهُوَ الرَّبُّ الذي لا رَبَّ قَبْلَهُ ، فتلك أولية الربوبية خَلْقًا وَرِزْقًا وَتَدْبِيرًا ، وهو الإله الذي لا إِلَهَ قَبْلَهُ ، فتلك أولية الألوهية خبرا وحكما ، فليس إلا الصدق والعدل في كلٍّ ، وهو ما تَنَاوَلَهُ العموم المستغرق في آي من الذكر المحكم ، فـ : (تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) ، فَثَمَّ عموم قد ثَبَتَ بالإضافة إلى المعرَّف ، المضاف إلى الضمير في "رَبِّكَ" ، وله من العموم المعنوي ما يجاوز المخاطب الأول ، فَثَمَّ رُبُوبِيَّةٌ قد استغرقت الخلق كافة ، فالله ، جل وعلا ، رَبُّ كل شيء ، العاقل وغيره ، والإضافة إلى المعرَّف من صِيَغِ العمومِ المستغرِقِ ، كما قَرَّرَ أهل الأصول والبيان المحكم ، فحصل من ذلك عموم قد استغرق كلمات الربوبية خلقا ، وكلمات الألوهية شرعا ، وكلٌّ قَدْ تَمَّ لَدَى المبدإِ ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَدَمٌ أو نَقْصٌ أَوَّلُ ، بل ثَمَّ من وصف التمام لها : وصف في الأزل يَثْبُتُ ، فتلك أولية مطلقة في علمٍ أَوَّلَ قَدْ أَحَاطَ فَاسْتَغْرَقَ ، الكونياتِ النافذةِ والشرعياتِ الحاكمةِ ، فحصل من ذلك أَوَّلِيَّةُ العلمِ ، وهو وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ به العلم يَحْصُلُ ، بل كلُّ علمٍ تالٍ ، إِنْ فِي التكوينِ أو فِي التشريعِ ، فَهُوَ عن العلم الأول يَصْدُرُ ، بِمَا كَانَ من تَعْلِيمِ الخالقِ الأوَّلِ ، جل وعلا ، فَعَلَّمَ الإنسان ما لم يَعْلَمْ ، فـ : (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ، وهو ما حُدَّ حَدَّ الوصل الاسمي المشترك "مَا" الذي وُضِعَ لغير العاقل ، فالعلم من الْعَرَضِ الذي يقوم بالجوهر ، أو المعنى الذي يقوم بالذات ، أو الوصف الذي يقوم بالموصوف ، لا جرم حُدَّ في الاسم حَدَّ ما لا يعقل ، فهو وَصْفٌ يَقُومُ بالعاقلِ ، فَثَمَّ دلالة الموصول "ما" ، وذلك عموم آخر قد استغرق : المعلومات الكونية ومنها ما قَصَّهُ الخبرُ ، وَلَوْ مَوَاضِعَ إعجازٍ أَخَصَّ ، وهي في الباب أَقَلُّ ، فإن الوحيَ قد اتخذها إشارات تُعْجِزُ ، وبها الحجة تَنْصَحُ ، فلم يشترط الاستيعاب فليس ذلك مما نَزَلَ الكتاب لأجله ، وإنما نَزَلَ لآخر يقيم أمر الدين فلا يكون التَّفَرُّقُ ، فليس كتابا في البحث والنظر ، وإنما كان من ذلك إشارات في الباب تَنْصَحُ ، ومن المعلومات الكونية آخر يُدْرِكُهُ البحث والنظر بما رُكِزَ في العقل والحس من مقدمات الاستدلال الضرورية ، فَكَانَ من ذلك نَظَرٌ في الخارج يعالج ، ولا ينفك ، كما تقدم ، يَشْهَدُ لَأَوَّلٍ قَدْ قَدَّرَ وَخَلَقَ ، وأجرى من الأسباب ما ينصح المحال كافة على سَنَنٍ مُحْكَمٍ قد اطَّرَدَ ، فَعَلَّمَ الخالق ، جل وعلا ، المخلوقَ ، إن بالوحي مرجعا من خارج يجاوز في أخبار الغيب وحكومات الشرع ، وإن كان من كلٍّ : مقدماتٌ أولى في الوجدان تَنْصَحُ ، فلا تجزئ في مواضع التفصيل لما أُجْمِلَ ، كَمَا تَقَدَّمَ من فطرةٍ أولى تَشْهَدُ ضرورةً أن لهذا العالم المخلوق خَالِقًا ، وَأَّنَ لهذا الخلق المتقَن المحكَم : متقِن محكِم أول بما ثبت له في المبدإ من علم محيط قد اسْتَغْرَقَ المقدوراتِ كَافَّةً ، فلا تُؤْمَنُ حكومة العقل والحس في هذا التفصيل الأخص ، وإن كان من فطرة أولى ما نَصَحَ في الخلقِ ، فَكَانَ مِنْهُ رِكْزٌ أول لمقدماتٍ تَشْهَدُ ضرورةً بالخلق الأول ، وإن لم تُبَيِّنْ منه ما أُجْمِلَ ، فإثباتها إثبات مجمل في الوجدان بما كان من فطرة أولى تَتَنَاوَلُ الخلقَ المشهود ، فلا بد له من خالق معبود ، وذلك فَرْدٌ من أفراد العموم ، عموم "أل" في "الفطرة" إذ لها أول من المدلول يُبِينُ عن جنس المدخول ، فطرة تحكي ما رُكِزَ في الوجدان ضرورة ، وحصل لا على مثال تقدم ، كما فطر الْبِئْرِ أولى لم تُسْبَقْ ، وَثَمَّ آخر يحكي العموم ، فَثَمَّ فطرة في الربوبية ، أَنَّ هذا الكون المحدَث على هذا الحد المتقَن المحكَم لا يَنْفَكُّ ضرورةً يَطْلُبُ أَوَّلًا له من الوصف ما جاوز الوجود المطلق في الذهن ، فَلَهُ حَقِيقَةٌ في الخارج ، ولها من الأولية ما يُطْلَقُ ، وَلَهُ من الوصف ما به التقدير والإيجاد والتدبير ، وَلَهُ ، أَيْضًا ، أوليَّةٌ مطلقةٌ تَعْدِلُ أَوَّلِيَّةَ الذاتِ التي يقوم بها ، فتلك فطرة في الربوبية أولى ، ولها من اللازم آخر ، وبه قسمة التوحيد تَكْمُلُ فِي الخارجِ ، فَثَمَّ مَلْزُومٌ أول من فطرةِ رُبُوبِيَّةٍ تَثْبُتُ لَدَى المبدإِ ، وثم لازم له في القياس يَنْصَحُ ، فتلك فطرة الألوهية ، خبرا وحكما ، فمن خلق فهو يَعْلَمَ ما يُصْلِحُ المخلوق ، وذلك ، لو تدبر الناظر ، مما عم الحكومات كافة ، حكومات التكوين ، وأخرى من التشريع قد عمت المحال كافة ، ما بطن من الجنان فهو يطلب الخبر المصدِّق لِمَا رُكِزَ أولا من فطرة التوحيد المجمل ، وما ظهر من اللسان وَالْأَرْكَانِ ، فهما يطلبان بَعْدُ من حكومات القول والعمل ما يَنْصَحُ ، وبها تأويل لآخر من الفطرة ، فطرة التشريع ، إذ ثم منها في العقل المحكم مبادئ تحسين وتقبيح تُجْمَلُ ، فلا تؤمن حكومتها في بَيَانٍ يُفَصِّلُ ، إذ لا تسلم من الخطإِ ، قصدا أو سهوا ، فَلَيْسَ لها من الكمال الذاتي أول لا يُعَلَّلُ ، بل لها من ذلك إجمال يطلب البيان المفصَّل الذي يجاوز العقول كافة ، فلا تسلم من الهوى والحظ المحدث ، وإن تأولته فسلكت به جادة التحسين والتقبيح العقلي ، فَثَمَّ مقدمات أولى في الباب تثبت ، فلا ينكرها الناظر المحقق ، ولكنها لا تسلم من الإجمال والخطإ ، وإن كان منها ما يجاوز الفرد إلى عقل الجمع ، فلا يسلم الأخير ، أيضا ، من هوى وحظ يَطْرَأُ ، إذ وصفه ، وإن جاوز الفرد فصدق فيه أنه الموضوع من خارج ، وصفه كما عقل الفرد : وصف المخلوق الحادث ، فلا يسلم من الهوى والحظ المحدَث ، وَإِنْ تَكَلَّفَ له الناظر من التأويل ما يَدقُّ ، وهو يعالج لأجله مبادئ أولى من الحسن والقبح قد أُجْمِلَتْ ، فَلَا تَنْفَكُّ تَطْلُبُ الدليلَ المبيِّن من خارج ، فَلَيْسَ إلا الوحي النَّازِلَ بصدقٍ يُصَحِّحُ التَّصَوُّرَ ، وَعَدْلٍ عنه الأحكام تصدر ، وهو لما أُجْمِلَ من ذلك في الوجدان يُفَصِّلُ ، فلا يجزئ العقل المجرد في الاستدلال المفصل ، وإن كان منه مقدمة أولى في الباب تَنْصَحُ ، فطرةً أُولَى تَثْبُتُ ، فَلَوْ تُرِكَ المخلوق بِلَا مُؤَثِّرٍ من خارج ما عدل عَنْهَا إلى ضِدٍّ من الشرك ، وإن افْتَقَرَ بَعْدُ إلى الدليل المفصل في مواضع الخبر والحكم كافة ، فلا يستقل فِيهَا ، فَيَكُونَ منه الدليل المبين ، وإن كان منه ركز أول هو المجمل ، فطرة أولى قد ثَبَتَتْ ، وهي ، كما تقدم ، العامة التي استغرقت وجوه المعنى ، فهي فطرة أولى تَنْصَحُ ، وإن المجملةَ في التكوين والتشريع ، وذلك عموم آخر قد استغرق أجزاء القسمة في الخارج ، توحيدًا في الربوبية بكلماتٍ كَوْنِيَّةٍ ، وآخر في الألوهية بكلمات تشريعية ، إِنِ الخبريَّةَ الصادقةَ أو الحكميَّةَ العادلةَ ، وبهما ، كما تقدم ، نُصْحُ المحال كافة ، ما بطن من الاعتقاد والتصور ، وما ظَهَرَ من القول والعمل المصدق ، فَلَا تَنْفَكُّ تَطْلُبُ بَعْدُ دليلًا من خارج يُبَيِّنُ ، وذلك ما عم عقل الفرد وآخر من الجمع يجاوز الفرد ، فيكون منه موضوع من خارج الفرد ، ولكنه ليس المطلق في الوصف ، فَلَا يَنْفَكُّ يوصف بِضِدٍّ من الحدوث بعد عدم ، من النَّقْصِ والفقرِ أولى تَثْبُتُ ، فذلك وصف ذات لا يُعَلَّلُ ، وهو ما عَمَّ الخلق كافة ، إن الجواهر كما الأجساد ، أو الغرائز كما العقل ، فهو مما رُكِزَ في النفس جُمَلَ ضرورةٍ من المقدمات العلمية الناصحة ، وهي ، أيضا ، مما يدخل في حد الفطرة ، فليس للعقلِ جوهرٌ في الخارج يَثْبُتُ ، بل العقل من الوصف الذي يطلب ذاتا بها يقوم ، فيصدق في الفرد وفي المجموع ، فكلاهما له من العقل غريزة هي المحدَثة بعد عدم ، الناقصة فلا تَسْلَمُ من الْعَرَضَ ، كما الجنون الذي يطبق أو النوم والذهول الذي يطرأ ، أو التغير والاختلاط لدى الهرم المفجِع ، وكذا آخر تطلب من الهوى والحظ المحدَث ، وثالث يحرفها عن جادة الصدق والعدل بما يكون من سبب يحتكره الملأ الذي يحكم على مثال أرضي محدَث ، فلهم منه حظوظ ومكاسب لا تُحَصَّلُ إلا أن يكون الوحي هو المعطَّل ، إذ جاء بضدِّ ما صدروا عنه في حكوماتهم ، وَحَمَلٌوا عليه العامة بما كان من زُخْرُفِ قَوْلٍ يَصْنَعُ عَقْلَ الجمعِ على مُكْثٍ ، فيكون منه ما يخالف عن صريح العقل والفطرة والحس ! ، كما تقدم من تَحْسِينِ مَا قَدْ عُلِمَ قُبْحُهُ ضرورةً من جحد الخالق الأول ، ومن آخر في الفعل والمسلك فواحشَ قد رُكِزَ قُبْحُهَا فِي النَّفْسِ ، وإن لم يكن ثم شرع ولا وحي ، فَلَهَا مِنْ ذلك تَقْبِيحٌ أول في الوجدان ، وَإِنِ افْتَقَرَ بَعْدُ في التكليفِ إلى نهيٍ أَخَصَّ ، فَهُوَ يُصَدِّقُ ما كان أولا من رِكْزِ الْقُبْحِ في النَّفْسِ ، وهما ، والشيء بالشيء يُذْكَرُ ، مِمَّا يَقْتَرِنُ في أحيان تَكْثُرُ ، حكايةَ تلازمٍ في القياس يَطَّرِدُ ، أَنْ جَحَدَ النَّاظِرُ أَوَّلِيَّةَ الخالق المدبِّر ، فخرج عن فطرته في الفعل والمسلك ، وصار ذلك عنده الغرض والمقصد ، ولو تكلف من الفواحش ما لا يرغب ، فنصح لها في القول وَأَيَّدَ ، وكان من مثال في العلوم يُبَرِّرُ فاجتهد أن يجد لها أصلا في الفطرة الأولى ، وإن دليلا واهيا لا يجاوز الفرض المجرد ، وكان من مثال في الفنون ما يُزَيِّنُ وَيُرَوِّجُ ، وإن لم يباشرها بالفعل بل ثم تقبيح لها في وجدانه يحصل ، وإن تَكَلَّفَ ما تَكَلَّفَ أَنْ يُنْكِرَ ، وإلا أُلْزِمَ بما جحده مبدأَ النظرِ ، فطرةً أولى قد استقرت ضرورةً في النفس ، فَثَمَّ من الجحود والكبر ما خالف بصاحبه عن جادة العقل والفطرة والحس ، فجحد ضرورات من العلم ، وَالْتَزَمَ ضِدًّا يَبْطُلُ ، وكان من البلوى به ما عَمَّ واستغرق ، فلم يسلم منه عقل الجمع ، فليس بالمعصوم كما تَوَهَّمَ بَعْضٌ أن كان منه مرجع موضوع من خارجِ الفردِ ، بل لا يَنْفَكُّ يَعْرِضُ له هوى وحظ يُفْسِدُ ، ودعايةٌ من خارج تُؤَطِّرُ ، فتصنع منه في الخارج ، ولو عَلَى مُكْثٍ ، مِثَالًا يخالف عن الضرورات والبدائه ، فليس يُعْصَمُ ، إِنْ عقلَ جَمْعٍ أخص كما جمع الأحبار والرهبان الذي يحكم في المثال السماوي المبدَّل المحرَّف ، وكما جمع الملأ الذي يحكم في المثال الأرضي المحدث ، فكل ليس يعصم بما كان من نقص وفقر وجهل أول ، وما طرأ بعد من الهوى والحظ المحدث ، لا جرم لم يكن من إجماعِ كُلٍّ ما اعتبر ، فقد يجمعون على الخطإ ، بل لم يعتبر الوحي الخاتم الإجماع دليلا في الأحكام هو الثالث ، لم يعتبره إلا أن اشترط له من المستند ما يجاوز ، فَثَمَّ من الوحي أول قد أَقَرَّ له بالعصمة ، وَصَيَّرَهُ في الاستدلال عَامَّةً حُجَّةً ، وَثَمَّ آخر أخص في مواضع الإجماع الأخص ، فالإجماع ، كما اشترط أهل الشأن ، لا بد له من مُسْتَنَدٍ أول يَسْبِقُ من الآي والخبرِ المحكَم ، فالإجماع ، من هذا الوجه ، كاشف عن دليل له يَسْبِقُ ، فَلَيْسَ يَسْتَقِلُّ بالحجية مطلقا ، بل ثَمَّ مستند أول في المسألة يَثْبُتُ ، والإجماع له بَعْدًا يَكْشِفُ ، فهو يصدقه ، وله يبين في مواضع الإجمال ، فقد يكون الدليل الأول ظنيا يحتمل وجوها ، فيجري ، من هذا الوجه ، مجرى الجائز الذي يفتقر إلى مرجِّح من خارج يوجب ، فيكون من الإجماع ما يُرَجِّحُ وَجْهًا من وجوه دليل جائز يحتمل وجوها ، وإن كان ابتداء ظاهرا في أحدها ، فذلك ظن يغلب ، وبه رجحانٌ أول يُسْتَصْحَبُ ، وَإِنِ احْتَمَلَ ضِدًّا هو المرجوح المؤول ، فلا يقطع الناظر به إلا أن تكون ثم قرينة من خارج ، وبها يصير الظاهر الراجح نصا هو الجازم ، ومن تلك القرائن ما تقدم من الإجماع ، فهو في مواضع الاحتمال ، وإن كان منها ظاهر أول يستصحب ، فهو يجزئ في الاستدلال حتى يكون ثم دليل من خارج ينقل ، فالإجماع في هذه المواضع يرجح طَرَفَ الظاهر المستصحَب فَيَرْفَعُ دلالة النص من الظني المحتمل إلى القطعي الجازم ، ومحل الشاهد أنه ابتداء لا ينفك يطلب المستند الذي يسبق من آي الوحي أو خبره ، وَثَمَّ من زَادَ في الحد ، فَجَوَّزَ استناد الإجماع إلى القياس أو المصلحة ، وهي ، لو تدبر الناظر ، أصول في الباب محكمة لم تَكْتَسِبْ وصف الحجية إلا أن شَهِدَ لها الوحي ، أيضا ، فهو أبدا المرجع والمصدر الذي عنه الأدلة كافة تصدر ، إن النقلية أو العقلية .

والله أعلى وأعلم .
منازعة مع اقتباس
 


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 08:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ