
1 - أول من نقب في منهجية التأليف البلاغي هو السيد حسين المرصفي بكتابه الوسيلة الأدبية ؛ إذ قدم علم البيان على علم المعاني ، و قدم القول في الاستعارة على التشبيه مع ابتساره الكلام ابتسارا ، وجمع أغراض حالات ركني الجملة في صعيد واحد مع التنبيه على ما يخص المسند دون المسند إليه ، و جرَّد الكلام عليها من الشاهد و المثل . ثم تبعه أصحاب دروس البلاغة ؛ فجعلوا باب الإنشاء إثر باب الخبر و قبل أحوال ركني الجملة - و معلوم أن ركني الجملة الإنشائية لا يعرض لهما ما يعرض لركني الخبرية ، فقول العرب : افعل و لا تفعل و يا زيد و أكرم بعمرو و ما أجمل السماء و ألفاظ العقود كالمثل لا يُغَيَّر - إلا أن كتابهم أمثل حالا من الوسيلة ، و يُذكَر لهم إحداث باب الاطلاق و التقيد . ثم زاد في النقب أصحاب البلاغة الواضحة ؛ إذ أسقطوا الكلام على أحوال ركني الجملة . ثم تبعهم كثير من المحدثين
2 - من أبواب المعاني باب الإيجاز و الإطناب و المساواة ، ثم عرفوا المساوة بأن يكون اللفظ على قدر المعني و أنه كلام أوساط الناس . و هذا منهم إحالة على مجهول ؛ فمن أوساط الناس ؟ و ما خصائص كلامهم التي جعلته مساويا ؟ و لا بدَّ من تقيد أوساط الناس عقلا بعصر الاحتجاج و إلا زاد الطين بِلَّة .
و الإحالة على مجهول لا تقبل . و إنما تُعرَف المساوة بمعرفة طرفيها الإيجاز و الإطناب . أما الإطناب فقد أجادوا و أفادوا في تعريفه و بيان طرق حصوله ، و أما الإيجاز فعينوا منه إيجاز الحذف و قصَّروا في بيان إيجاز القِصَرِ كيف يكون .
و استشهد بعضهم له بحديث الرسول -

:

إنما الأعمال بالنيات

و فيه نظر يأتي ، و شاهده السليم قول الله

:

إنما المؤمنون إخوة

لمكان حرف الحصر إنما ، فلو أردنا التعبير عن معنى الحصر بغيره لاحتجنا إلى ثلاث كلمات أو أكثر . و كذلك قوله

الحمد لله رب العالمين

من إيجاز القصر بال الاستغراقية ؛ إذ معنى الآية كل أنواع المحامد لله . فعلى علماء البلاغة تتبع الطرق التي يكون بها إيجاز القصر في علم النحو و كلام عصر الاحتجاج . هذا ، و حديث الرسول

إنما الأعمال بالنيات

فيه نوعا الإيجاز : إيجاز القصر بإنما ، و إيجاز الحذف ؛ لتقديره بقولهم : إنما صحة الأعمال بالنيات .
و من شواهد الإيجاز التي تذكر قوله

خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين

؛ لأن معناه يقع على أفراد كثر ، و يصلح في كل زمان و مكان . لكن ليس فيه حذف ، و لا لفظ يُؤدى بأكثر منه . فهل يصير شاهدا للمساوة أو يظل شاهدا للإيجاز ؟ أفتونا بعلم .