-2-
الرَّسولُ محمَّدٌ
-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-
(1)
لِكي يُعرِّفنا اللهُ -سُبحانَهُ- بما يُريدُه منَّا، ولِكي يُبيِّن لنا ما ينفعُنا في حياتِنا:
أرسل اللهُ -سُبحانَهُ- بَعضًا مِن البَشرِ الَّذين لهم صفاتٌ كريمةٌ، وأخلاقٌ حَميدة؛ ليُبلِّغوا أوامرَهُ وأحكامَه لِبقيَّةِ البَشر مِن أقارِبهم، وأصدقائِهِم، وجِيرانِهم، ومَن حَولهم.
وهؤلاءِ الذينَ اختارَهم اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- سمَّاهم رُسُلًا وأنبياءَ(1).
وآخِرُ هَؤلاءِ الرُّسُلِ والأنبياءِ: رسولُ اللهِ إلى خَلْقِه سيِّدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، الَّذي أرسله اللهُ -سُبحانَهُ- رحمةً للعالَمين، وهُم: الإنسُ والجنُّ(2).
فرِسالةُ النبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ليست لأمَّتِه وأهلِه فَقط؛ إنَّما هي للنَّاسِ جميعًا: يُبشِّرُهم ويُنذِرُهم.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
[الأنبياء: 107].
(2)
ولِكي نكونَ على بيِّنةٍ مِن أمرِنا؛ لا بُدَّ أن نعرفَ جانِبًا مِن حياةِ هذا النبيِّ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
اسمُه: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطَّلب بنِ هاشِمٍ، يَرجعُ أصلُه إلى قبيلةٍ كبيرةٍ مِن قبائلِ العَرب؛ وهي قبيلةُ «قُرَيش».
وُلِد في «مكَّةَ» بجزيرةِ العرَب، وهي مِن مُدُن المملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّة في عصرِنا الحاضِر.
نَشأ يَتيمًا -فقد ماتَ أبوهُ وهو لا يَزالُ في بَطنِ أمِّهِ-، وربَّتْهُ أمُّه آمنةُ بنتُ وهْب؛ فأحسنتْ تربِيتَه على وفقِ العاداتِ العربيَّةِ الأصيلةِ التي وَرِثوا كثيرًا مِنها مِن دينِ أبي الأنبياءِ إبراهيمَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثمَّ ماتتْ أمُّه وعُمُرُه سِتُّ سنواتٍ؛ فتولَّاهُ وربَّاه جَدُّه عبدُ المطَّلب، وكان مِن زُعماءِ قُريشٍ قبلَ الإسلامِ، ثمَّ مات جَدُّه بعد سنَتَين؛ فتولَّاه بعدهُ عمُّه أبو طالِب.
(3)
وكانت نشأتُه منذ الطُّفولةِ نشأةً متميِّزةً بكلِّ خَير؛ فكان شُجاعًا، صادِقًا، فاضلَ الأخلاقِ؛ حتى لقَّبه قومُه بـ «الصَّادقِ الأمين».
(4)
وكان قد رَعَى الغَنمَ في صِباهُ؛ فزادَ هذا مِن صفاءِ قلبِه، ومِن حُسنِ توجُّهِهِ للخيرِ واجتنابِه للشَّر.
وفي شبابِه اشتغلَ مع خديجةَ بنتِ خُويلدٍ، وهي إِحدى نِساءِ قُريش، وكانتْ ذاتَ مالٍ كثيرٍ، فأرسلَتْهُ بِتجارةٍ إلى الشَّامِ؛ فرجَع إليها رابِحًا الرِّبحَ الوفير.
ولما بلغَ الخامسةَ والعِشرينَ مِن عُمرِه؛ زوَّجهُ عمُّه بِخديجةَ، وكانتْ تَزيدُ عليهِ في العُمُر بِخَمسَ عشرةَ سَنةً.
(5)
ولما بلغَ عُمرُه أربعينَ عامًا؛ هيَّأهُ اللهُ -سُبحانَهُ- للنُّبوَّة؛ وذلك بالرُّؤيا الصَّادقةِ في مَنامِه؛ فكان لا يَرى شيئًا في منامِه بالليلِ إلا تحقَّق صباحًا.
ثم حَبَّب اللهُ -سُبحانَهُ- إليهِ البقاءَ وحيدًا خاليًا يتفكَّرُ ويتدبَّر؛ فكان يَقضي شهرًا كامِلا مِن كلِّ عامٍ في غارٍ(3) قريبٍ من مكةَ اسمُه: «غارُ حِراء».
(6)
بعدَ ذلك بِفترةٍ زمنيَّةٍ ليست كبيرةً؛ بعثَ اللهُ -سُبحانَه- إليهِ ملَكًا(4) عظيمًا مِن ملائكتِه، اسمُه: «جِبريل»؛ فبلَّغهُ أوَّل آيةٍ مِن القُرآن الكريم، وهي:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
[العلق: 1].
فعَلِم مِن ذلك أن اللهَ -سُبحانَهُ- اختارَه ليكونَ نبيَّ هذه الأمَّةِ ورسولَ ربِّها إليها.
(7)
فبدأ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يدعو النَّاسَ ممن حولَه إلى هذا الدِّينِ الجديد، وكانت دعوتُه سِرًّا؛ حَذرًا مِن الكفَّارِ الذين كانوا يَعبُدون الأصنامَ والحجارةَ!!
فكان مِن أوائلِ المُستَجيبينَ له: زوجتُه خَديجة، وابنُ عمِّه عليُّ بنُ أبي طالب، وصديقُه أبو بَكرٍ، وجماعةٌ قليلةٌ مِن قومِه.
(8)
ثم أمرَه اللهُ -سُبحانَهُ- بإعلانِ الدَّعوةِ إلى «الإسلامِ»؛ الذي هو دِينُ اللهِ -سُبحانَهُ- الذي ارتضاهُ ليكونَ آخرَ الأديانِ.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ
[آل عِمران: 19].
وقال:
وَمَن يَّبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ
[آل عمران: 85].
وكان هذا الدِّينُ مُخالِفًا لما عليهِ آباؤُه وأجدادُه، فدعا إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وإلى كَسرِ الأصنامِ وتحطيمِها؛ فهزَأتْ به قريشٌ وآذتْه؛ فصَبرَ صبرًا كبيرًا.
ولقد حَماهُ مِن أذَى قُريشٍ وبلائِهم عمُّه أبو طالبٍ، ودفعَ عنه شرَّهم. ومع ذلك؛ فلم يَقبلْ أبو طالبٍ الإسلامَ ومات كافرًا.
(9)
وبَدأ الإسلامُ بالانتِشارِ سريعًا، فآمَن به بعضُ أهلِ «يَثرِبَ»، وعادُوا إليها، ثم جاءَه منها اثنا عَشرَ رجلاً فآمَنُوا به، فبعثَ معهم بعضَ أصحابِه؛ ليعلِّمَهم أحكامَ الإسلامِ، وشرائعَ القُرآن، وبعدَ مُدَّةٍ وجيزةٍ انتشرَ الإسلامُ في «يَثرِبَ»؛ فجاءه منها جَمعٌ مِن أهلِها فدَعَوْه ومَن مَعه مِن أصحابِه إلى الهجرةِ إليهم مُعاهِدِين إيَّاه على الدِّفاعِ عنه ونُصرتِه.
(10)
استجاب النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دعوةَ أهلِ يَثرِب، فأمرَ أصحابَه بالخُروجِ مِن مكَّة، ثم لَحِقَهم، فلمَّا عَلِمتْ قريشٌ بِخبَرِ هِجرتِه؛ بعثتْ إليه مَن يَقتُله؛ فنجَّاه اللهُ -سُبحانَهُ- منهم.
فلما دخل «يَثربَ» -وقد سُمِّيتْ بعد ذلك «المدينةَ المنوَّرةَ»-؛ استقبلَه أهلُها، وبنَى فيها مَسجِدَه المشهورَ «المسجدَ النَّبَوي»، وجَهر بِنشرِ الإسلامِ والدَّعوةِ إليه.
وقد حاولتْ قريشٌ كثيرًا أن تَمنعَ دعوتَه مِن الانتِشار، واستَعملوا القوَّة في ذلك، لكنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- كان يَنصرُهُ عليهم.
(11)
وكانتِ المعركةُ الأُولى بينه وبينَ قُريشٍ في «بدْرٍ» وهي موضِعٌ بِجانبِ المدينة، فنَصرَهُ اللهُ عليهم نصرًا كبيرًا.
وبدأتْ غَزْواتُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- ومعارِكُه مع الكفَّارِ تزدادُ مع ازديادِ قوةِ الإسلام، فكانت «غزوةُ أُحُدٍ» و«غزوةُ الخندق» و«غزوةُ حُنَين» وغيرُها.
(12)
وفي سبيلِ نشرِ الإسلام؛ بعث النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- بعضَ أصحابِه إلى كِسرَى وقَيصر والنَّجاشيِّ وغيرِهم مِن عظماءِ الملوكِ يدعُوهم إلى الإسلام.
(13)
وفي السَّنةِ الثَّامنةِ للهجرةِ فتَحَ المسلمون «مكَّةَ» التي شهِدتْ أصلَ رسالةِ الإسلام، لكنَّ أهلَها حارَبوا نبيَّ الإسلام، وضايَقوه مُضايقةً كبيرة، وكانت حينئذٍ تُعَدُّ مِن أكبرِ أماكن تجمُّع المشركين والكفَّار مِن قريشٍ وغيرِهم.
وبفتحِ «مكَّةَ» أقبلتْ وفودُ العربِ على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو بالمدينة، ودخل النَّاسُ في دينِ اللهِ أفواجًا(5).
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
[سورة النَّصر].
(14)
وفي السَّنةِ العاشِرةِ حَجَّ حَجَّةَ الوداع، وخطبَ خُطبةً جليلةً تُعَدُّ مِن أطولِ خُطَبِهِ وأكثرِها استيعابًا لأمورِ الدِّينِ وأحكامِه وشرائِعِه.
(15)
وفي (12) ربيعٍ الأوَّل مِن السَّنةِ الحاديةَ عشرةَ للهجرة، تُوفِّي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بعد مَرضٍ أصابَه، ودُفن في بيتِه، وهو الآنَ يقعُ ضِمن تَوسيعاتِ المسجدِ النبويِّ الشَّريف.
(16)
ومِن حياتِه -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قولاً وفِعلاً، عِلمًا وعَملاً؛ وصَلَنا دينُ اللهِ -سُبحانَهُ- «الإسلامُ».
وبِطاعتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ تكونُ الهِداية، ويكونُ الفوزُ والفَلاح.
قال اللهُ -سُبحانَهُ-:
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا
[النُّور: 54].
_______________
(1) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم7) بعنوان: (الرُّسل والأنبياء).
(2) هم مِن مخلوقات الله، لها قدرة أكبر من قدرة الإنسان، وهي لا تُرى.
(3) هو تجويفٌ يكونُ في الجِبالِ، يُشبِه البيتَ.
(4) راجع «الإسلام مُيسَّرًا» (رقم5) بعنوان: (الملائكة).
(5) جماعات.