|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
#16
|
|||
|
|||
قال المصنف : "فَالْأَصْلُ: مَا يُبْنَي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَي عَلَى غَيْرِهِ."
(فالأصل): الفاء فاء الفصيحة، وضابطها: أن تقع فى جواب شرط مقدر فكأنه قال هنا: إذا أردت أن تعرف ما الأصل فالأصل ما يبنى الخ، و(الأصل) مبتدأ. (ما): نكرة موصوفة بمعنى شئ والمراد شئ محسوس أو معقول، وهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر (يُبْنَى): فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر (عليه): جار ومجرور متعلقان بـ (يبنى) (غيره): (غير) نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة وهو مضاف و(الهاء) مضاف إليه ضمير مبنى على الضم فى محل جر. والجملة من الفعل ونائب فاعله وما تعلق بهما فى محل رفع صفة لـ (ما) (والفرْعُ ما يُبْنَى على غيره): يعرف إعرابه مما سبق. المعنى: لما ذكر أن (أصول الفقه) مؤلف من جزأين هما (أصول) و(فقه) شرع فى بيان حقيقة كل جزء منهما لتعرف حقيقة المؤلَّفِ منهما التى هى المقصودة بالذات فعرَّف (الأصل) بأنه ما يبنى عليه غيره، ثم عرَّف الفرع استطرادا وإلا فإنه ليس مما هنا. ونازع بعضهم فى أن تعريف الفرع هنا استطرادٌ بأن المقصود مدح هذا الفن (أي: أصول الفقه) بتفرع الفقه الذى هو من أشرف العلوم عليه بل غاية المدح حيث وصفه بأنه مَنْشَأٌ للأحكام الشرعية حتى كأنها تتولد عنه وهذا مناسب للمقصود فليس استطرادا[1]؛ إذ (الاستطراد): هو ذكر الشئ فى غير محله. واعلم أن المصنف عَرَّفَ (الأصل) هنا لغة لا شرعا. وأما شرعا فإنه - أي: الأصل - يطلق على عدة معانٍ منها: - الدليل: كقولنا: الأصل فى هذه المسألة الكتاب والسنة - القاعدة المستمرة: كقولنا: إباحة الميتة على خلاف الأصل - المقيس عليه: وهذا فى باب القياس حيث إن الأصل أحد أركانه - الراجح: يقال: الأصل فى الكلام الحقيقة __________________________________________ [1] انظر حاشية السوسي على قرة العين ص13. |
#17
|
|||
|
|||
قال المصنف : " وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ."
(و): الواو للاستئناف البيانى كما مر بيانه (الفقه): مبتدأ (معرفة): خبر، وهو مضاف (الأحكام): مضاف إليه (الشرعية): نعت لـ (الأحكام) ونعت المجرور مجرور (التى): نعت لـ (معرفة) مبنى على السكون فى محل رفع، أى المعرفة التى طريقها الاجتهاد، أو نعت لـ (الأحكام) أى الأحكام التى طريقها الاجتهاد (طريقها): (طريق) مبتدأ، وهو مضاف و(ها) ضمير مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه (الاجتهاد): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والاجتهاد: هو بذل الوسع فى بلوغ الغرض المعنى: هذا تعريف (الفقه) الذى هو الجزء الثانى من (أصول الفقه) باعتباره مركبا إضافيا. واعلم أن المصنف عَرَّفَ الفقه هنا شرعا لا لغة. وأما لغة: فقيل: الفهم مطلقا، وقيل: لِمَا دَقَّ فلا يقال: فقهت أن السماء فوقنا. ويقال: (فَقِهَ) كـ (فَهِمَ) وزنا ومعنى. و(فَقَهَ) كـ (فَتَحَ): إذا سبق غيره فى الفقه. و(فَقُهَ): إذا صار الفقه له سجية. والمراد بـ (المعرفة) هنا العلم الذى هو بمعنى الظن وليس العلم اليقينى الذى هو الإدراك الجازم المطابق، وأطلقت (المعرفة) التى هى بمعنى العلم على الظن لأن المراد بذلك ظن المجتهد الذى هو لقوته قريب من العلم. |
#18
|
|||
|
|||
[قال صاحبي] قال: قد ذكرت أن المشار إليه بـ (ذلك): (لفظ أصول الفقه) قلت: نعم قال: وذكرت أن (أصول الفقه) فى قوله: "فصول من أصول الفقه" المراد به (علم أصول الفقه) قلت: نعم قال: فهل بينهما فرق ؟ أو هما متساويان ؟ يعنى: هل (علم أصول الفقه) = (لفظ أصول الفقه) ولكنك أردت التنوع فى الأسلوب؟ قلت: بل بينهما فرق أراده المصنف. قال: وما هو ؟ قلت: أراد بـ (أصول الفقه) فى قوله: "فصول من أصول الفقه" معناه الذي هو (العِلْم المخصوص)، وأراد بقوله: "وذلك" الإشارة إلى (لفظ أصول الفقه) الذى تقدم فى الكلام دون معناه المراد هناك. قال: قد ذكرت ذلك سابقا فما الدليل عليه ؟ قلت: وجود القرينة قال: وما هى ؟ قلت: أما فى الأول فالقرينة (مِنْ) التى للتبعيض، وأما فى الثانى فالإخبار عنه بـ (مؤلف) قال: لم أفهم شيئا فهلا زدت الأمر توضيحا قلت: قوله:"فصول مِنْ أصول الفقه" (مِنْ) فيه للتبعيض كما أخبرتك و(الفصول) إنما تكون بعضا من العلم لا بعضا من اللفظ؛ لأن اللفظ (أصول الفقه) ليس فيه لفظ (فصول) فتعين أن يكون المراد من قوله: "أصول الفقه" هنا معناه الذي هو (علم أصول الفقه). قال: نعم، فهمت هذا. قلت: وأما الثانى وهو أن الإشارة لِلَّفْظِ: (أصول الفقه) وليس لِلْمعنى: (علم أصول الفقه) فلأنه أخبر عنه بأنه (مؤلَّف) والتأليف – كالتركيب - من خواص الألفاظ ألا ترى أن المتكلم إنما يؤلف ألفاظا ويُرَكِّبُها تركيبا خاصا لتدل على المعانى التى يريدها. قال: نعم، فهمت هذا أيضا، وعلى هذا يكون فى كلام المصنف (استخدام) لأنه ذكر (أصول الفقه) بمعنى الفن ثم أعاد اسم الإشارة عليه بمعنى اللفظ قلت: نعم، أحسنت قال: أنت قلت فيما سبق:"بل بينهما فرق أراده المصنف" وهذا يعنى أنك تزعم أن المصنف أراد هذا (الاستخدام) قلت: نعم أراده قال: فما الدليل على ذلك ؟ قلت: انظر إلى قوله: "فصول من أصول الفقه وذلك". المشار إليه هنا هو قوله: "أصول الفقه" أليس كذلك؟ قال: بلى قلت: فهل هو قريب من قوله: "ذلك" أو بعيد ؟ قال: قريب بل هو أقرب مذكور قلت: فلِمَ عَدَلَ المصنف – – عن استعمال اسم الإشارة الذى للقريب (هذا) واستعمل الذى للبعيد (ذلك) قال: لا أدرى، وقد كنت أنوى السؤال عنه قلت: إنما خالف الظاهر فى ذلك ليدل على بُعْدِ المشار إليه وهو (لفظ أصول الفقه) حيث أن المذكور القريب المراد منه معناه وهو (علم أصول الفقه) فكأن المشارَ إليه الذى أراده غيرُ مذكور مطلقا فكان بعيدا. قال: يا لهذا المصنف من إمام ! رحمة واسعة. قلت: آمين. |
#19
|
|||
|
|||
قال: فحدثنى عن فاء الفصيحة
قلت: قد أخبرتك بضابطها فيما سبق وهو أن تقع فى جواب شرط مقدر. قال: زدني. قلت: وقيل: هي ما أفصحت عن مقدر أعم من أن يكون شرطا أو غيره نحو: فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ أى فضرب فانفجرت. قال: زدني. قلت: ويقال لها فاء الفضيحة بالضاد المعجمة. فنظر إلىَّ متعجبا فقلت: ليس هذا قولى وإنما هو قول العلماء. فقال: إيهِ(1). قلت: كفاك هذا. فأطرق محزونا، وتفكر قليلا ثم أراد أن يجابهنى بمثل ما جبهته به. فقال: لقد أخطأتَ فى تقدير الشرط. قلت: وكيف ذلك ؟! قال: ألست قلت: " فكأنه قال هنا: إذا أردت أن تعرف ما الأصل فالأصل ما يبنى الخ ". قلت: بلى قال: ألا تعلم أن الذى يحذف مع فعله من أدوات الشرط هو (إِنْ) وليس (إذا) كما قدرته أنت ؟ فكان ينبغى لك أن تقول: (إن أردت أن تعرف الخ) قلت: فى كلام الرضى ما يؤخذ منه صلاحية تقدير إذا وعليه يتخرج كلامى وكلام غيرى. قال: فلِمَ عَدَلْتَ عن (إِنْ) وهى متفق عليها إلى (إذا) وفيها هذا الإشكال السابق؟ قلت: أنا فيه متبع لغيرى من العلماء قال: فلِمَ عدلوا ؟ قلت: تقدير (إذا) أولى من تقدير (إِنْ) لأن (إذا) للتحقق والوقوع، و(إِنْ) للشك: وهو الموهوم؛ فلذا عبر فى جانب الحسنة بـ (إذا) فى قوله : فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ [الأعراف: 131]؛ فإن الحسنة محققة وواقعة، والسيئة لما كانت موهومة عبرفى جانبها بـ (إن) كما فى قوله : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف: 131] قال ابن عرفة: أتي في الحسنة بـ (إذا) وعرَّفها وجعل فعلها ماضيا بلفظ: جَاءَ، وأتى في السيئة بـ (إِنْ) وذكره ونكَّرها وجعل فعلها مستقبلا، فقال (وَإِنْ تُصِبْهُمْ) إشارة إلى أنهم لَا يعتبرون إلا الحسنة الثابتة المحققة وأنهم يتطيرون بأدنى سيئة وأقلها ولو لم تكن محققة. فصمتَ. فقلت له: لا تحزن، سأجيبك عن فاء الفضيحة. فتبسم مسرورا. فقلت: يقال لها: (فاء الفضيحة) لأنها فضحت وأظهرت ما كان مخفيا فى الكلام. فقال: جزاك الله خيرا قلت: وجزاك ______________________________ (1) (إيهِ): اسم فعل أمر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ومعناه زدني من هذا الحديث المُعَيَّنِ الذي تتحدث فيه، وأما (إيهٍ) بالتنوين فمعناه: زدني من أي حديث سواء هذا الذى تتحدث فيه أو غيره، وهذا التنوين الداخل عليه يسمى تنوين التنكير وفائدته بيان الفرق بين المعرفة والنكرة فى الأسماء المبنية فما دخله التنوين منها كان نكرة وما لم يدخله كان معرفة. |
#20
|
|||
|
|||
قال صاحبي: المصنفُ – - عرَّف (أصول الفقه) باعتباره مركبا إضافيا فعرف (الأصول) أولا ثم عرف (الفقه) ثانيا.
قلت: نعم قال: هل لاحظت شيئا فى تعريفيه قلت: لا قال: ألا ترى أنه عرف الجزء الأول (أصول) من حيث اللغة، والجزء الثانى (الفقه) من حيث الاصطلاح ؟ قلت: بلى، قد فعل قال: فهلا عرفهما جميعا من حيث اللغة أو الشرع قلت: قد علمتَ أن المصنف من العلماء المعتبرين فى هذه العلوم وأنه لم يكن ليلقى بالكلام اعتباطا أو جزافا ولو كان كذلك لما اعتنى العلماء بهذه الورقات كل هذه العناية ما بين شارح ومُحَشّ وناظم ومنهم المسهب فى شرحه ومنهم المقتصر على فك العبارة ومنهم بين ذلك قال: نعم، ولكن هذا لا يمنع من وجود عثرات وهفوات له ولغيره، فى هذا الكتاب وفى غيره، أبى الله أن يتم إلا كتابه قلت: أخشى أن تكون كلمة حق أريد بها باطل قال: وكيف ذلك ؟ قلت: إذا أحسنا الظن بأنفسنا وأسأناه بعلمائنا وكلما وقفنا على شئ لم نفهمه قلنا: أخطأ فلان، ونحن لا نقدس الأشخاص، وليس أحد فوق النقد ... وما إلى ذلك فلن يسلم لنا علم ولن ننتفع بعالم، والقصد من هذا أن أبين لك أن من الخطإ التعجلَ بتخطئة الأستاذ فإن خطأ شيخك أولى من صواب نفسك حتى يتم أمرُك ويشتد عودك وعندها افعل ما بدا لك. قال: قد أكثرت علىّ فى هذا الأمر فأخبرنى عما سألتك عنه: ألم يكن الأَوْلَى والأحسن أن يسير المصنف على طريقة واحدة وهو يُعَرِّفُ جُزْأَىْ مُرَكَّبٍ واحدٍ بأن يُعَرِّفَهُما جميعا من حيث اللغة أو من حيث الشرع، لا أن يُعَرِّف أحدهما لغة والآخر شرعا ؟! وكأنك لا تعرف جوابا عن هذا فلهذا عَدَلْتَ عن الجواب إلى ما ذكرتَ. قلت: إنك لجرئ، ولكنى سأخبرك بالسر فى ذلك، وهو أنه أراد المبالغة فى مدح هذا الفن. قال: وكيف ذلك ؟ قلت: فِعْلُه هذا فيه تصريح بأن الفقه (بالمعنى الاصطلاحي) الذى هو من أفضل العلوم الشرعية (مبنيٌّ) على (علم أصول الفقه) فهذه مزية عظيمة لهذا الفن. وزيادة فى الإيضاح أقول: = لو حذفت (أصول) ووضعت مرادفه اللغوى (أساس) = وحذفت (الفقه) ووضعت مرادفه الشرعى الذى أراده المصنف (علم الفقه) لكان معنى هذا المركب: (أساس علم الفقه) وهذا ما أراده المصنف بفعله. أما لو فسرهما جميعا بالمعنى الشرعى: = فحذفنا (الأصول) ووضعنا مرادفه الشرعى:(الدليل) = وحذفنا (الفقه) ووضعنا مرادفه الشرعى:(علم الفقه) لكان معنى هذا المركب:(دليل علم الفقه) وهذا غير مراد هنا(1) كما أنه يُفَوِّتُ التصريح بالبناء الذى هو المعنى اللغوى لـ(لأصل)، والذى فيه المبالغة فى مدح هذا الفن (أصول الفقه) فتأمل. ولو فسرهما جميعا بالمعنى اللغوى: = فحذفنا (الأصول) ووضعنا مرادفه اللغوى: (البناء) = وحذفنا (الفقه) ووضعنا مرادفه اللغوى: (الفهم) صار معنى المركب:(أساس الفهم) فهذا يفيد البناء إلا أنه ليس بناء خصوص الفقه الاصطلاحى الذى هو من أشرف العلوم الشرعية فتأمل. قال صاحبي: يا له من إمام ! لله دره! ثم قال: قد ذكرت أنه يقال: "(فَقِهَ) كـ "(فَهِمَ)" قلت: نعم قال: فـ (فَهِمَ) مصدره (الفَهْم) بفتح الفاء وهو قياس مصدر الثلاثى المتعدى فكان ينبغى أن يكون مصدر (فَقِهَ) (الفَقْه) بفتح الفاء أيضا قلت: نعم، ما ذكرتَه هو القياس فيكون (الفِقْهُ) بالكسر مصدرا سماعيا _____________________ (1) قال ابن قاوان: " وليست (الأصول) بمعنى الأدلة وإلا لاحتجنا إلى نقله إلى معرفة القواعد المذكورة ثم احتجنا إلى التعريفين له أحدهما من جهة الإضافة والآخر من جهة العَلَمِيَّة. (التحقيقات فى شرح الورقات ص89/ ابن قاوان ت. الشريف سعد/ دار النفائس) |
#21
|
|||
|
|||
نحن في انتظار ما تجود به قريحتك استاذنا الكريم
وقراءا لما تسطر و....شكرا |
#22
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا يا أخ محمد بشير ، ولكن كلامك هذا يجعلني أزداد تمهلا فيما أكتب ، واعلم أني لم أنته من الكتاب بعد، ولا من نصفه، بل من نصف النصف (أي الربع) فقط، واعلم بأني لا أقنع بأول بادرة تأتيني وربما سهرت ليلة كاملة أو لياليَ في إعراب كلمة واحدة بل حرف واحد فقد تجدني كتبت (الواو): استئنافية، وربما أخذ ذلك مني لأكتب هذه الكلمة فقط ليلة كاملة وربما أكثر؛ فإذا تأخرت فلا أتأخر تدلُّلًا ولكن لأني ما زلت أكتب
والحمد لله الذي وفقني وهداني لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله واللهَ أسأل أن يعينني على إتمامه تماما على الذي أحسن وأن ينفع به كما نفع بأصله وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم |
#23
|
|||
|
|||
قال صاحبي: كأنى لم أفهم تعريفه للفقه جيدا فهلا زدته توضيحا
قلت: الكلام واضح فسل عما أشكل عليك. قال: لا بأس، المصنف يقول: "والفقه معرفة الأحكام الشرعية" فما هى هذه الأحكام؟ قلت: الأحكام جمع حُكْم وهو فى اللغة: المنع وفى الاصطلاح: (خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع). ومراد المصنف بالأحكام هنا الأحكام السبعة التى سيذكرها بعد هذه الفقرة مباشرة وهى الواجب والمندوب الخ قال: فلم قيدها بالشرعية؟ قلت: ليخرج ما سواها من الأحكام مثل: - الأحكام النحوية: كقولهم: الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك - والأحكام العقلية مثل: الواحد نصف الاثنين والكل أكبر من الجزء. - والأحكام الحسية مثل: النار محرقة - والأحكام العرفية أو العادية مثل قولنا: (وجود سيارة الأمير عند الباب تدل على وجود الأمير)، ومثل: معرفة نزول الطَّلِّ فى الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوا، فهذا حكم عادى. قال: فأنت جعلت قوله: "التى طريقها الاجتهاد" صفة لـ "معرفة" أو لـ "الأحكام" فهل ثمت فرق بينهما؟ قلت: يقال بينهما فرق وذلك أنك لو جعلتها صفة لـ "معرفة" صار المعنى: الفقه هو المعرفة التى طريقها الاجتهاد، فكل معرفة ليس طريقها الاجتهاد لاتسمى فقها: فمعرفة المقلد ليست فقها؛ لأنها ليست عن طريق الاجتهاد، وكذلك معرفة الأحكام القطعية: كوجوب الصلاة والصوم وكون الصوم فى شهر رمضان ونحو ذلك لا يسمى فقها، وكذلك معرفة الأحكام الاعتقادية التى طريقها النص كالعلم بصفات الله ، والعلم بيوم القيامة والبعث والجزاء والصراط وغير ذلك من الغيبيات التى لا تعرف إلا عن طريق النقل وليس الاجتهاد. = وإن جعلت قوله: "التى طريقها الاجتهاد" صفة للأحكام كان المعنى: الأحكام التى طريقها الاجتهاد فتخرج الأحكام القطعية أيضا كما سبق لكن لا يخرج علم المقلد؛ لأن الحكم الشرعى هنا يحتاج فى الوصول إليه أولا إلى اجتهاد وهذا قد وقع من المجتهد فلما وصل إليه المجتهد وعَرَفه أخذه عنه المقلد دون اجتهاد فصار كل من المجتهد والمقلد عارفا بالحكم الذى يتطلب اجتهادا للوصول إليه لكن المجتهد عرفه عن طريق الاجتهاد وأما المقلد فعرفه تقليدا وهذه المعرفة غير مؤثرة فسواء عرفت الحكم اجتهادا أو تقليدا فهذا لا يؤثر فى إطلاق اسم الفقه على هذا الحكم فالنظر إنما هو للحكم هل يحتاج إلى اجتهاد فيسمى فقها أو لا يحتاج فلا يسمى بذلك قال: ما نوع (أل) الداخلة على (الأحكام)؟ قلت: استغراقية قال: لو كان هذا صحيحا لتعذر وجود فقيه واحد لأن المعنى يكون حينئذ: معرفة جميع الأحكام ولخرج مَنْ سُئِل عن مسألة فقال لا أدرى: كالإمام مالك الذى سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال فى اثنتين وثلاثين وقيل: فى ستة وثلاثين منها: "لا أدرى". قلت: المراد بمعرفة جميع الأحكام وجود المَلَكة والتهيؤ لمعرفتها بمعاودة النظر فالفقيه إن كان عارفا بالمسألة فهو فقيه بالفعل وإن لم يكن عارفا بها فهو فقيه بالقوة القريبة أى بوجود الملكة والاستعداد والقوة على معرفتها |
#24
|
|||
|
|||
قال المصنف - - : "وَالْأَحْكَامُ سَبْعَةٌ: الْوَاجِبُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُبَاحُ، وَالْمَحْظُورُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ."
(و): الواو للاستئناف النحوى، ومعناه: وقوعه أول كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير ارتباطه بها لفظا سواء كان جوابا لسؤال مقدر أو لا. وفائدته: تزيين اللفظ وتحسينه (الأحكام): مبتدأ (سبعة): خبر (الواجب): - بدل من (سبعة) بدل بعض من كل أو بدل مفصل من مجمل فإن قيل: بدل البعض يشترط اشتماله على ضمير يعود على المبدل منه فالجواب: أن محل ذلك إذا لم تستوف الأجزاء فإن استوفيت كما هنا فلا يحتاج إليه أو أن الضمير مقدر تقديره: (منها الواجب). - أو خبر لمبتدإ محذوف والتقدير مثلا: (أحدها الواجب). (وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُبَاحُ، وَالْمَحْظُورُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ): كلها معطوفة على (الواجب) |
#25
|
|||
|
|||
[قال صاحبي] قال صاحبي: ما معنى الواو هنا؟ قلت: مطلق الجمع قال: ما معنى الجمع المطلق هذا؟ قلت: أنا لم أقل "الجمع المطلق" وإنما قلت: " مطلق الجمع". قال: فهل بينهما فرق؟ قلت: نعم قال: وما هو؟ قلت: أما (مطلق الجمع) فالمراد به الجمع لا بقيد، يعنى غير مقيد بشئ، وأما (الجمع المطلق) ففيه إيهام تقييد الجمع بالإطلاق، والغرض نفى التقييد؛ ولهذا قال ابن هشام فى المغنى:"وقول بعضهم: (إن معناها: الجمع المطلق) غير سديد"[1]، وقال ابن الحاجب فى المختصر: "الواو للجمع المطلق". فعلق عليه التاج السبكى بقوله: "لو قال: مطلق الجمع لكان أَسَدَّ "[2]. قال صاحبي: تقول: إن المراد بـ (مطلق الجمع) الجمعُ لا بقيد. قلت: نعم. قال: فما مثال القيد؟ قلت: مثاله: التقييد بالمعية، والترتيبِ، وعكسه. قال: فاضرب لى مثالا على هذا. قلت: مثل قولك: (جاء زيد وعمرو) : - فإن جعلت الواو للجمع بقيد المعية فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجيئهما معا. - وإن جعلت الواو للجمع بقيد الترتيب فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجئ زيد قبل مجئ عمرو. - وإن جعلت الواو للجمع بقيد عكس الترتيب فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجئ زيد بعد مجئ عمرو. قال: فقولهم: (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) كقول الفقهاء: (الماء المطلق) و(مطلق الماء) قلت: نعم قال: فهذا الكلام متفق عليه بين أهل اللغة؟ قلت: لا. قال: فلعله الصوابُ في المسألة. قلت: لا، بل الصواب خلافه – كما فى حواشى المغنى[3]- وهو أنه لا فرق بين قولهم – أعنى أهل اللغة -: (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) وأما تفرقة الفقهاء فاصطلاح خاص بهم. قال: فهل يفيد هذا شيئا فيما نحن فيه؟ قلت: نعم، فاعلم: أولا - أن المشهور من مذهب الشافعى أن الواو للترتيب[4]، ونُقِلَ هذا أيضا عن بعض أهل اللغة مثل: قُطْرُب، والرَّبَعى، والفراء، وثعلب، وأبى عمر الزاهد غلام ثعلب، وهشام الضرير، وأبى جعفر الدينورى[5]. وقيل: عن الإمام الشافعى أيضا وهو غير صحيح[6]. وذهبت الحنفية إلى أنها للمعية[7]. ولكن الصحيح المنقول عن أئمة اللغة: أنها لمطلق الجمع. ثانيا – لو كانت الواو للترتيب فقلت: (جاء زيد وعمرو بعده) كان قولك: (بعده) تكريرا؛ للعلم بِالْبَعْدِيَّةَ من الواو. ولو قلت: (جاء زيد وعمرو قبله) كان غير صحيح؛ للتناقض وذلك أن الواو – على هذا القول – تفيد الترتيب فتفيد تأخُّرَ مجئ عمرو، وقولك: (قبله) يفيد تقدمه فيتناقضا، ولكن لا تكرير ولا تناقض فلا ترتيب. قال: قد استطردت فى هذه المسألة فهل لها فائدة ؟ قلت: لو قال لزوجته: (إن دخلتِ الدار وكلمتِ زيدا فأنت طالق) فلو كَلَّمَتْ زيدًا أولا ثم دخلت الدار ثانيا طُلِّقَتْ على مذهب من قال: إنها لمطلق الجمع، ولم تُطَلَّقْ على مذهب من قال بالترتيب لأن فعلها وقع على عكس الترتيب. [1] مغنى اللبيب 4/ 353 ت. عبد اللطيف الخطيب [2] رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكى 1/ 431 ت. على معوض وعادل عبد الموجود ط. عالم الكتب [3] انظر مثلا حاشية الأمير على المغنى 2/31 ط. الحلبى، وحاشية الدسوقى على المغنى 2/ 22 ط. دار الطباعة، وحاشية الشمنى على المغنى 2/ 104 ط. المطبعة البهية بمصر [4] انظر البرهان لإمام الحرمين (1/ 181 ت. عبد العظيم الديب). [5] مغنى اللبيب 4/ 354، والجنى الدانى فى حروف المعانى للمرادى 158- 159 ت.قباوة وفاضل ط. دار الكتب العلمية [6] ممن نسب هذا للإمام الشافعى ابنُ هشام فى المغني (4/ 354/ الخطيب)، وابن الخباز كما فى الجنى الدانى 159، وممن نفى هذه النسبة للشافعى التاج السبكى فى رفع الحاجب 1/ 438 قال فى مسألة من قال لغير المدخول بها: (أنت طالق وطالق وطالق): " وقد لاح بهذا أنه لا حجة لمن زعم أن الشافعى يقول: (الواو) للترتيب بهذه المسألة ... وتعلقوا أيضا بإيجاب الشافعى الترتيب فى الوضوء من آية الوضوء والشافعى لم يأخذ ذلك من الواو بل من جهة أن العبادة كلها مترتبة كالصلاة والحج، والوضوء منها، والواو لا تنفى الترتيب. وقال الأستاذ أبو منصور البغدادى: معاذ الله أن يصح عن الشافعى أنها للترتيب وإنما هى عنده لمطلق الجمع". ا.هـ [7] البرهان لإمام الحرمين (1/ 181 / الديب)، والجنى الدانى 160، ومغني اللبيب (4/ 355 / الخطيب). |
#26
|
|||
|
|||
قال: ذكرتَ أن المعطوفات كلها فى قوله: "والمندوب والمباح الخ" معطوفة على الأول (الواجب)
قلت: نعم، إذا تعددت المعطوفات وكان العطف بالواو كانت كلها معطوفة على الأول لأصالته، ومن النحاة من قال: على القريب لقربه، ولم يذهب أحد منهم إلى العطف على المتوسط لذهاب العلتين المذكورتين. قال: ذكرت أن الواو هنا لمطلق الجمع قلت: نعم. قال: أحب أن ألخص ما فهمته عنها. قلت: هاتِ. قال: الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب: = فتعطف الشئ على مُصاحِبه: كقوله : فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [العنكبوت:15]، فالنجاة حصلت لنوح وأصحاب السفينة معا. = وتعطف الشئَ على سابقه: كقوله : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ [الحديد: 26]، فعطفت (إبراهيم) على (نوح) وهو سابق متقدم فى الزمان عليه. = وتعطف الشئ على لاحقه كقوله : كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ [الشورى: 3]، فعطفت الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ على ضمير المخاطب (الكاف) فى إِلَيْكَ والخطاب له وهو لاحق لهم متأخر عنهم. وقد اجتمع هذان فى قوله : وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: 7] فنوح ومَنْ بعده سابقون على النبى ومعطوفون عليه فهو من عطف الشئ على لاحقه، وإبراهيم ومَنْ بعده كل واحد منهم متأخر عن سابقه فهو من عطف الشئ على سابقه. قلت: أحسنت قال: ماذا لو قلنا: إنها خرجت هنا عن هذا المعنى (مطلق الجمع) واستعملت بمعنى (أو) للتقسيم؛ إذ المذكور فى قوله: "الواجب والمندوب والمباح الخ" أقسامٌ لقوله: "الأحكام سبعة". قلت: ذهب صاحب القاموس المحيط إلى ما تقول فقال: "وقد تخرج الواو عن إفادة (مطلق الجمع)، وذلك على أوجُهٍ: أحدها: أن تكون بمعنى (أو)، وذلك على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون بمعناها فى التقسيم، نحوُ: الكلمة: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ"[1]. قال: قد أسعدتنى بهذا النقل عن صاحب القاموس وبهذا يكون كلامى صوابا؛ فالواو فى قول المصنف: "الواجب والمندوب والمباح..." إلى قوله: "والباطل" هى الواو التى فى قولهم: "الكلمة: اسم وفعل وحرف". قلت: نعم، مثلها. قال: فالواو هنا للتقسيم وبمعنى (أو) قلت: كونها للتقسيم صحيح، وأما كونها خرجت عن (مطلق الجمع) وصارت بمعنى (أو) فخطأ. فتعجب، وقال: ألم تنقل هذا عن صاحب القاموس المحيط؟! قلت: بلى، ولكنى نقلته هنا لأنقل رد العلماء عليه. فلم يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَة. فاستطردت قائلا: أجاب العلماء على ذلك[2]، فمنهم: - ابن أم قاسم المرادى قال: " وأجاز بعضهم أن تكون الواو فى قولهم: "الكلمة: اسم، وفعل، وحرف" بمعنى (أو) لأنه قد يقال: اسم أو فعل أو حرف. قلت: العكس أقرب؛ لأن استعمال الواو فى ذلك هو الأكثر. قال ابن مالك: " استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)"[3] ا.هـ - وابن هشامفى المغنى قال: " والصواب أنها فى ذلك[4] على معناها الأصلى[5]؛ إذ الأنواع[6] مجتمعة فى الدخول تحت الجنس[7] ولو كانت (أو) هى الأصل فى التقسيم لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال الواو"[8]. - وزيني زادهفى (الفوائد الشافية على إعراب الكافية) المشهور (بمعرب الكافية) فقد نقل كلام ابن هشام السابق واعتمده[9]. قال صاحبي: فإذا كانت الواو على معناها الأصلى (مطلق الجمع) لزم أن يكون الحكم هنا فى قوله: "الأحكام سبعة" هو مجموع ما ذكر من: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل. قلت: هذا ليس بلازم وقد نقلت لك آنفا قول ابن مالك: "استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)" قال: ألم تقل: (الواو هنا لمطلق الجمع) ؟ قلت: بلى قال: وأنت الآن تقول: (الواو للتقسيم) فبأى قولَيْكَ آخذ. قلت: كون الواو للتقسيم ولمطلق الجمع جائز فلا يتنافيان وسأوضح لك قولهم: (الواو لمطلق الجمع) وقولهم: (الواو للتقسيم) حتى يتبين لك الأمر جدا. أما قولهم: (الواو لمطلق الجمع) فإنهم لم يريدوا بذلك أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان فى حال واحدة فيكون الحكم هو اجتماع الواجب والمندوب الخ وإنما يريدون أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان فى : - كونهما محكوما عليهما نحو: جاء زيد وعمرو، فزيد وعمرو محكوم عليهما بالمجئ. - أو كونهما حكمين على شئ واحد نحو: زيد قائم وقاعد، فقائم وقاعد حكمين على شئ واحد هو زيد. - أو فى حصول مضمونهما نحو: قام زيد وقعد عمرو، فاشترك المتعاطفان فى حصول مضمونهما وهو حصول قيام زيد فى الأول وحصول قعود عمرو فى الثانى. وأما قولهم: (الواو للتقسيم) فكما سبق من قول ابن مالك: "استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)". _____________________________ [1] القاموس المحيط مع تاج العروس 40/ 519 ط. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب- الكويت [2] أعنى أنهم أجابوا على من قال: إن الواو بمعنى (أو) للتقسيم، لا أعنى أنهم أجابوا على صاحب القاموس المحيط وإلا فصاحب الجنى الدانى قد توفى سنة 749هـ وابن هشام توفى سنة 761هـ وأما الفيروزآبادى صاحب القاموس المحيط فقد ولد سنة 729هـ وتوفى سنة 817هـ فعمره يوم توفى ابن أم قاسم عشرون عاما ويوم توفى ابن هشام نحو الثلاثين فالظاهر أن جوابهم ليس عليه فتأمل [3] الجنى الدانى 166- 167. [4] أى فى قولهم: " الكلمة اسم وفعل وحرف ". [5] وهو مطلق الجمع [6] التى هى الاسم والفعل والحرف [7] وهو الكلمة [8] مغنى اللبيب 4/ 369 / الخطيب. [9] معرب الكافية لزينى زاده ص14. |
#27
|
|||
|
|||
قال صاحبي: يقولون: إن قول المصنف:"الأحكام سبعة: الواجب، والمندوب الخ" من تقسيم الكلى إلى جزئياته لا إلى أجزائه فما معنى هذا؟
قلت: اعلم أن التقسيم إما أن يكون : - تقسيم الكلى إلى أجزائه وذلك إذا كانت ماهية المقسوم لا توجد إلا بوجود جميع أجزائه، ولا يصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أقسامه: كما فى قولك: (الخبز: دقيق وماء)، فالمقسوم الكلى: الخبز، وأجزاؤه: الخبز والماء، فإذا لم يوجد الدقيق لم يوجد الخبز؛ لأن الباقى ماءٌ فقط، وإذا لم يوجد الماء لم يوجد الخبز؛ لأن الباقى دقيق فقط؛ فلابد لوجود الخبز من اجتماع أجزائه. ولا يصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أجزائه فلا يقال: الدقيق خبز[1]، ولا الماء خبز، وهذا بخلاف التقسيم الآتى. - تقسيم الكلى إلى جزئياته وذلك إذا كانت ماهية المقسوم قد توجد من جميع أجزائه وقد توجد من بعضها، ويصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أقسامه بأن يجعل كل قسم من الأقسام مبتدأ والمقسوم الكلى خبرا له كما فى قولك: (الحيوان: إنسان وفرس وبقر)، فماهية الحيوان توجد بوجود هذه الأنواع مجتمعة ومفترقة ويصح الإخبار بالمقسوم الكلى (الحيوان) عن كل واحد منها فيصح أن يقال: الإنسان حيوان، والفرس حيوان، والبقر حيوان. إذا علمت ما سبق علمت أن قول المصنف:"الأحكام سبعة: الواجب، والمندوب الخ" من تقسيم الكلى إلى جزئياته لا إلى أجزائه ودليله أنه يصح الإخبار به عن كل واحد منها فيصح أن تقول: الواجبُ حكمٌ والباطلُ حكمٌ الخ فاندفع بهذا ما قيل: من أن العطف بواو الجمع يقتضى أن يكون الحكم مجموع السبعة. ___________________________ [1] هكذا قلت وضربت هذا المثال من عندى للتقريب بدلا من قولهم: "السكنجبين خل وعسل وماء" فلما وصلت إلى قولى: "فلا يقال الدقيق خبز" ذكرتُ حديثَ تربة الجنة وفيه أنه يجوز التعبير عن الخبز بالدرمك وهو الدقيق الحوارى الخالص البياض، وسأذكر لفظ الحديث هنا ليُتَأَمَّل وهو: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ لأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ؟ قَالُوا: لاَ نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ غُلِبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ. قَالَ: « وَبِمَ غُلِبُوا ؟ » قَالَ: سَأَلَهُمْ يَهُودُ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ قَالَ: « فَمَا قَالُوا ؟ » قَالَ: قَالُوا: لاَ نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا. قَالَ: « أَفَغُلِبَ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمَّا لاَ يَعْلَمُونَ فَقَالُوا: لاَ نَعْلَمُ حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا، لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. عَلَىَّ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ إِنِّى سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ وَهِىَ الدَّرْمَكُ[1] » فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: « هَكَذَا وَهَكَذَا » فِى مَرَّةٍ عَشْرَةٌ وَفِى مَرَّةٍ تِسْعٌ. قَالُوا نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ : « مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ ؟ » قَالَ: فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالُوا: خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ ». يحتمل التحسين: رواه الترمذى (3327) وقال: غريب إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد، وأحمد (14889) والبزار فى مسنده كما ذكره ابن كثير فى التفسير: 8 / 150، ومجالد هذا هو ابن سعيد الهمدانى. قال فيه الحافظ فى التقريب ( 6478) ليس بالقوى وقد تغير فى آخر عمره كأبى أسامة وغيره فلا يعتد بحديثه وليس هذا الحديث كذلك فإنه من رواية سفيان عنه . وأيضاً فهذا الحديث من رواية مجالد عن الشعبى عن جابر وقد قال ابن عدى: " له عن الشعبى عن جابر أحاديث صالحة ". وانظر تهذيب التهذيب: 5 / 371 – 372 رقم (7545) |
#28
|
|||
|
|||
قال صاحبي: أليست (الأحكام) فى قوله :"الأحكام سبعة" هى التى فى قوله: "الفقه معرفة الأحكام" ؟
فسكتُّ. قال: أليس المقام مقام إضمار فكان عليه أن يقول: (هى سبعة) قلت: أظهر فى مقام الإضمار إيضاحا للمبتدئ المقصود بالكتاب. وفيه نكتة أخرى: وهى أنه لم يذكر بحسب الظاهر نفس الأحكام بل متعلقاتها وذلك أن الأحكام التي تتعلق بخطاب الشرع هى: الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان، وما ذكره متعلقات الأحكام بالنظر إلى فعل العبد: (الواجب والمندوب والمباح الخ). فالحكم في الأول هو: (الإيجاب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (الواجب) والحكم في الثاني هو: (الندب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (المندوب) والحكم في الثالث: (الإباحة) ومتعلق الحكم: (المباح) والحكم في الرابع: (الحظر) ومتعلق الحكم (المحظور) والحكم في الخامس: (الكراهة) ومتعلق الحكم (المكروه) والحكم في السادس: (الصحة) ومتعلق الحكم (الصحيح) والحكم في السابع (البطلان) ومتعلق الحكم (الباطل) إذا علمت ما سبق علمت أن المصنف لم يذكر نفس الأحكام بل متعلقاتها فمن دقائق المصنف –- أنه أتى هنا بالظاهر (الأحكام) المناسب لمغايرته فى الظاهر لما سبق بخلاف المضمر (هى). يعني أنه لو أتى بالمضمر فقال: (هي سبعة) فإن مرجع الضمير (هي) سيكون هو (الأحكام) المذكورة في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وهذه الأحكام المتعلقة بخطاب الشارع وهي كما سبق (الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان) ولكنه لم يذكر هذه الأحكام بل ذكر متعلقاتها بالنظر إلى فعل العبد (الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل) فظهر بذلك أنه خالف في الظاهر بين (الأحكام) في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وبين (الأحكام) في قوله: "الأحكام سبعة" ولما كانت هذه المخالفة مما لا تخفى على مثل هذا الإمام وكان من الجائز أن يعترض بعضهم ممن هو دون هذا الإمام في العلم بكثير عليه فيقول: (إنه ذكر متعلق الأحكام لا نفس الأحكام فإعادة المصنف الضمير على نفس الأحكام فيه تَجَوُّزٌ منه) فلهذا أظهر في موضع الإضمار ليدفع مثل هذا الاعتراض قال صاحبي: ياله من إمام لله دره. ثم قال: يقولون: إذا أعيدت المعرفة بلفظها كانت نفس الأولى قلت: هذه قاعدة أكثرية قال: لهذه القاعدة بقية لا أذكرها فهلا أكملتها لى مع الأمثلة قلت: القاعدة أن : - النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كما فى قوله : كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15، 16]؛ فالرسول الثانى هو الأول. - المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كقولك: جاءنى الرجلُ فأكرمتُ الرجلَ، فالرجل الثانى هو عين الأول. - النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى رجلٌ فأكرمتُ رجلا، فالرجل الثانى غير الأول. - المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى الرجل فأكرمت رجلا، يعنى رجلا آخر. وكما ذكرت لك فهذه قاعدة أغلبية وإلا فقد أوردوا على إعادة النكرة نكرة قولَه : وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف: 84] فإن كلمة (إله) نكرة أعيدت نكرة فيقتضى أن يكون الإله الثانى غير الأول فيلزم تعدد الإله، ويجاب بأن القاعدة أغلبية صادقة إذا لم يمنعها مانع كما هنا. ويَرِدُ على إعادة النكرة معرفة قوله : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128] فمقتضى القاعدة أن الثانى عين الأول، مع أنه غيره؛ لأن الأول صلح بين الزوجين والثانى أعم، والجواب أن القاعدة أكثرية كما سبق[1]. ___________________________ [1] انظر مغنى اللبيب (6/ 562- 570 / الخطيب)، وحاشية الشيخ عبد الله بن الشيخ العشماوى على الآجرومية/ 4/ ط. المكتبة التجارية |
#29
|
|||
|
|||
قلت لصاحبي: لماذا سألت عن هذه القاعدة (إعادة المعرفة بلفظها)؟
فاضطرب وكأنه نسي لماذا ذكرها قلت له: سبحان الله! أتسأل سؤالا ثم لا تدري لماذا تسأله؟ قال متلجلجا: بَــ بَــ بل أعرف قلت له: على رِسْلِكَ قال: نعم تذكرتُ قلت: هيه فابتلع ريقه بصعوبة ثم قال: أردت أن أقول إن المصنف قال: "الفقه معرفة الأحكام ...الخ" ثم قال: "الأحكام سبعة" فقوله "الأحكام" معرفة أعادها بلفظها فكان مقتضى القاعدة أن تكون عين الأولى ولكنها ليست كذلك قلت له: أحسنت، فهل علمت الجواب؟ قال: نعم، وهو أن القاعدة أكثرية صادقة إذا لم يمنعها مانع قلت له: أحسنت |
#30
|
|||
|
|||
قال المصنف - - :
" فَالْوَاجِبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمُبَاحُ: مَا لَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. وَالْمَحْظُورُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالصَّحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ. وَالْبَاطِلُ: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ." __________________________________ (فالواجب): الفاء فاء الفصيحة، (الواجب) مبتدأ (ما): إما أن تكون: - نكرة موصوفة بمعنى شئ، أيْ: شئ من قول أو فعل أو نية أو عزم أو اعتقاد أو غير ذلك؛ ضرورةَ تناول الواجب جميع ذلك. - أو معرفة موصولة بمعنى الذى أى الفعل الشامل لجميع ما سبق من قول أو فعل أو نية الخ قال ابن قاسم: "وهو أنسب بقوله الآتى: (على فعله)"[1]. - وعلى كل فهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر (يثاب): فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على المكلف المفهوم من الكلام، والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما فى محل رفع صفة لـ (ما) إن جعلتها نكرة موصوفة، أو لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) إن جعلتها اسما موصولا. (على): حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب. (فعله): (فعل) اسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بـ (يثاب)، و(فعل) مضاف و(الهاء) ضمير مبنى على الكسر فى محل جر مضاف إليه. (و): حرف عطف (يعاقب على تركه): مثل (يثاب على فعله) وهى معطوفة عليها ولذا فهى إما فى محل رفع أو لا محل لها. (والمندوب): أصله (المندوب إليه) ثم تُوُسِّعَ بحذف حرف الجر (إلى) فاستكن الضمير (الهاء)[2]، وفى المصباح المنير: "والأصل (المندوب إليه) لكن حذفت الصلة منه لفهم المعنى"[3]. وقوله: "والمندوب ... إلى قوله: والباطل ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به." إعرابه كله مثل إعراب (الواجب ما يثاب الخ) غير أن فى بعضها زيادة (لا) النافية، وقوله: "يَتَعَلَّقُ" فعل مضارع مبنى للفاعل وليس للمجهول كالباقى. _______________________________ [1] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي: 44. [2] انظر الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 53، وحاشية الدمياطى على شرح المحلى على الورقات/ 4 / ط. المطبعة الميمنية، ونهاية السول فى شرح منهاج الأصول للإسنوى 1/ 77 ت. محمد بخيت المطيعى ط. عالم الكتب، وأصول الفقه للعلامة محمد أبو النور زهير 1/ 50 ط. المكتبة الأزهرية [3] المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير 2/ 597 ت. عبد العظيم الشناوى ط. دار المعارف، والتحبير شرح التحرير لعلاء الدين المرداوى 2/ 978 ت. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ط. مكتبة الرشد بالرياض |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
إعراب متن الورقات | ابومحمدبشير | حلقة النحو والتصريف وأصولهما | 2 | 08-02-2014 11:17 PM |
طلب : كتاب يهتم بإعراب الكلمات | أبُو فراس | أخبار الكتب وطبعاتها | 0 | 31-05-2013 01:59 PM |
المسائل التي اُعترضت على الجويني في الورقات / من شرح الشيخ صالح العصيمي - حفظه الله تعالى - | متبع | حلقة العلوم الشرعية | 9 | 01-06-2012 07:55 AM |
شرح نظم الورقات - محمد بن عثيمين ( دروس صوتية ) | أم محمد | المكتبة الصوتية | 0 | 13-09-2011 09:31 PM |