|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
#16
|
|||
|
|||
أستاذنا الجليل،
ولو جازَ لي أن أسَرَّ بلحْنٍ، لسرِرْتُ بهذَا اللَّحْنِ الذِي كانَ سببًا في تعليقِكم وإفادِتكم اللذينِ افتقدناهما كثيرًا. نسألُ اللهَ أن يصلِحَ قلوبَنا وألسنتَنا، وباطنَنا وظاهِرَنا، وأن يغفِرَ لنَا زللَنا وخطأَنا، وأن يهديَنا لما يحبُّ ويرضَى من قولٍ وعملٍ. |
#17
|
|||
|
|||
ومِنْ ذلِكَ قوْلُ بعضِهِم في الدُّعاءِ المأثورِ عن رسولِ اللهِ--في دخولِ القريَةِ: (اللهُمَّ ربَّ السمواتِ السَّبْعِ ومَا أظْلَلْنَ، وربَّ الأرَاضِينَ السَّبْعِ ومَا أقْلَلْنَ ...) الحديثَ، والصَّوابُ: (وربَّ الأرَضِينَ) بفتحِ الرَّاءِ دونَ ألِفٍ.
و(الأرَضُونَ) بفتحِ الرَّاءِ جمْعُ (أرْضٍ) بسكونِهَا، وهِيَ اسْمٌ جامِدٌ مؤنَّثٌ لِمَا لا يعقِلُ، ومِن ثَمَّ كانتِ (الأرَضونَ) ملحَقَةً بجمْعِ المذكَّرِ السالمِ لا جمعًا سالمًا، ويجوزُ تسْكِينُ رائِهَا فِي ضرورةِ الشعْرِ كمَا فِي قوْلِ كعْبِ بن معْدَانَ الأشقَرِيِّ: لقَدْ ضَجَّتِ الأَرْضُونَ إذْ قامَ مِن بَنِي … هَدَادٍ خطيبٌ فوْقَ أعْوَادِ مِنْبَرِ وفي "التاج" (أ ر ض): «وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَال: (أَرْضٌ) و(أَرْضُون) بالتَّخْفِيف، و(أَرَضُون) بالتَّثْقِيل، ذَكَرَ ذلِكَ أَبُو زَيْدٍ» انتهى.وممن جعَلَ التخفيفَ لغةً أيضًا ابنُ جِنِّي في "المحتسب" (1/ 218)، وأنشَدَ بيْتَ كعْبٍ السابِقَ، وقالَ أبو سعيدٍ السيرافيُّ في "شرح الكتاب" (1/ 118): «ويقالُ: (أرْضُونَ) بتسكينِ الراءِ، وفتْحُهَا أكثَرُ وأجوَدُ، وإنَّما فتحَتْ هذِهِ الراءُ في الجمْعِ-وإن كانَتْ في الواحِدِ مسكَّنَةً-مِن قِبَلِ أنَّهم يقولُونَ: (أرْضٌ) و(أَرَضَاتٌ) كما يقُولُونَ: (دَعْدٌ) و(دَعَداتٌ) و(تَمْرَةٌ) و(تَمَرَاتٌ)، فلمَّا كانَتْ (أرَضَاتٌ) جمعًا سالِمًا قَدْ لزِمَتْ فِيهِ فتْحَةُ الرَّاءِ التي كانَتْ مسكَّنَةً في الوَاحِدِ علَى عِلَّةِ (تَمَراتٍ) و(دَعَدات)، فتحُوهَا في: (أَرَضُونَ) ليُعْلِمُوا أنَّ لهَا حالًا تنْفَتِحُ فِيهَا فِي جَمْعٍ سالِمٍ مِثْلَ: (أَرَضَاتٍ)» انتهى. وتجْمَعُ (الأرْضُ) أيضًا على (أرَضاتٍ) و(أُرُوضٍ) وعلى (أَرَاضٍ) علَى غيرِ قياسٍ كأنَّهُمْ توهَّمُوا في مفرَدِهِ أنَّهُ (أَرْضاةٌ) كمَا قيلَ في (ليالٍ) و(ليْلَاةٍ) و(أهالٍ) و(أهْلَاةٍ)، قالَ الجوْهَرِيّ: كَأَنَّهُم جَمَعُوا (آرُضًا)، وتعقَّبَهُ ابنُ بَرِّيٍّ بقوْلِهِ: صوابُهُ أَنْ يقولَ: جَمَعُوا: (أَرْضَى) مِثْلَ (أَرْطَى)، وأَمّا (آرُضٌ)، فقياسُ جَمْعِه (أَوَارِضُ). انتهى وقَدْ يعْتَذَرُ للجوْهَرِيِّ، فَيُقَالُ: إِنّ (الأَرَاضِيَ) مَقْلُوبٌ من (أآرِضَ)، فيَكُونُ وَزْنُه إِذَنْ (أَعَالِفَ)، كانَ (أَرَاضِئَ)، فخُفِّفَتِ الهَمْزَةُ، وقُلِبَت يَاءً، وقياسُ (أآرِضَ) أن يكونَ جمْعَ (آرُضٍ) كـ(أكْلُبٍ) و(أكالِبَ)، فيصِحُّ على هذَا أن يكونَ (أراضٍ) جمعَ (آرُضٍ). ينظَرُ "تاج العروس" (أ ر ض). |
#18
|
|||
|
|||
وتَمامُ الدُّعاءِ للفائدَةِ كمَا فِي "سنن النسائي" وغيرها: «اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا».
وقد يفتَحُ بعْضُ الناسِ النُّونَ مِن كلِمَةِ (الشياطينِ) في هذا الدعاءِ ظنًّا مِنْهُم أنَّهَا جمْعٌ سالمٌ أو ملحَقٌ بِهِ كـ(الأرَضينَ)، وقَدْ يعتَذَرُ عَنْهُم بقَرَاءَة الحَسَنِ--: واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطُونَ ، جاءَ في "الدر المصون" (1/ 146): (والفصِيحُ فِي (شياطين) وبابِه أن يُعْرَبَ بالحركاتِ لأنه جمعُ تكسيرٍ، وفيه لُغَيَّةٌ رديئةٌ، وهِيَ إجراؤُهُ إجراءَ الجمعِ المذكر السالم، سُمع منهم: «لفلانٍ بستانٌ حولَه بساتُونَ»، وقُرِئ شاذًّا: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ ) انتهى. هذا، وقد ورَدَ نحْوٌ مِن أوَّلِ هذَا الدُّعاءِ أيضًا في الأُوِيِّ إلى الفِراشِ، ففِي "جامعِ التِّرْمِذِيّ" عَن أبي هريرةَ--قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذَ أَحَدُنَا مَضْجَعَهُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ، وَرَبَّ الأَرَضِينَ، وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَالبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ» |
#19
|
|||
|
|||
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقبّل الله منّا ومنكم، وبارك فيكم، ونفع بهذا الحديث الطيّب. هذا ملفّ صوتيّ اقتطعتُه من درسٍ للشيخ عبد الرّزّاق البدر -حفظه الله-، وهو الدرس الثاني عشر من تفسير الآيتين من أواخر سورة البقرة. |
#20
|
|||
|
|||
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اللهم آمين آمين. ، وبارك فيكم، وتقبل منا ومنكم. ما ذكره الشيخ-حفظه الله-قليل من كثير، وربما وقع ذلك من بعض إخواننا غير العرب، فعذرناهم، ولكنّ المؤسِف أنه قد يقع من بعض الأئمة والدعاة ممّن يظن بهم العلم والمعرفة! وأود أن أذكر شيئا آخر غير الذي ذكره أستاذنا أبو محمد-حفظه الله-من التطويل في دعاء القنوت، وهو السجع في الدعاء، والتكلف في ذلك تكلفا يصرف الناس عن المقصود الأعظم من الدعاء، وهو توجه القلب إلى الله--والإخبات له على الوجه الأكمل. والعجب من بعض الأئمة يطيل في الدعاء، ويقصّر في القراءة حتى صار الناس أكثر تعلقا بالدعاء منهم بالقرآن، وأصبح دعاء القنوت هو موطن التدبر والخشوع والإخبات، وإنا لله وإنا إليه راجعون! وقد قال الله--: كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ، وقال-سبحانه-: وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ وَيَقُولُونَ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولٗا وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا . |
#21
|
|||
|
|||
ومِن ألحانِهِم فِي ذلِكَ أيضًا قصْرُهُمُ الممدُودَ مبالغةً في التزامِ السَّجْعِ والتكلُّفِ فيهِ كقوْلِ بعضِ الدَّاعينَ: (اللهُمَّ ارحَم موْتَاهُم، وتقبَّلْ شُهَداهُم)، والصَّوابُ: (تقَبَّلْ شُهداءَهُم).
إضاءَةٌ يجوزُ حذْفُ همْزَةِ الممْدُودِ المتطرِّفَةِ فِي حالِ الوقْفِ عليْهَا بالإسْكانِ، فتقولُ في نحْوِ: (يا سميعَ الدُّعاءِ)=(يا سميعَ الدُّعَا)، وهُوَ أحَدُ ثلاثَةِ أوْجُهٍ جائِزَةٍ بعْدَ قلْبِ الهمْزةِ ألفًا، وإنَّمَا قلِبَتِ الهمْزَةُ ألِفًا لامتناعِ نقْلِ حرَكَتِهَا إلَى مَا قبْلَهَا لوجودِ الألِفِ قبْلَهَا، وكذلِكَ يمتَنِعُ تسهيلُ الهمْزَةِ بينَ بينَ معَ إسكانِ الهمْزَةِ، فالتحقيقُ أنَّ الهمْزَةَ لمْ تحْذَفِ ابْتِداءً، وإنَّمَا قلِبَتْ ألِفًا، ثُمَّ حذِفَتِ الألِفُ، وقيلَ: المحذوفُ هوَ الألِفُ الأولَى لا المنقلِبَةُ، و يسمَّى هذَا الوَجْهُ بالقَصْرِ. والوجْهُ الثانِي: المَدُّ أوِ التَّوَسُّطُ، وهوَ الجمْعُ بينَ الألِفَيْنِ السَّاكِنَيْنِ بلا حذْفٍ. والوجْهُ الثَّالِثُ: التَّطْوِيلُ أوِ الإشْبَاعُ، وهو أن تثْبِتَ الألفَيْنِ أيضًا، وتجْعَلَ بيْنَهُمَا مَدًّا كالذي كانَ بيْنَ الألِفِ والهمْزَةِ قبْلَ قلْبِهَا ألِفًا، فتأتِيَ بثلاثِ ألِفاتٍ، وهذِهِ الأوْجُهُ الثَّلاثَةُ هيَ التي يذكرُهَا القُرَّاءُ في وقْفِ حمْزَةَ وهشامٍ رحِمَهُمَا الله. ينظر "شرح الشافية" لركن الدين الإستراباذي (2/ 694). تذييل أجمعَ العُلماءُ علَى جوازِ قصْرِ الممدودِ في ضرورَةِ الشِّعْرِ إلا الفراءَ، فإنَّهُ اشترَطَ فيمَا يقْصَرُ مِنَ الممدُودِ أن يجِيءَ في بابِهِ مقصُورٌ، فلا يقْصَرُ عندَهُ نحْوُ: (بيْضَاءَ) و(سوْداءَ) لأنَّ مذكَّرَهُمَا (أبْيَضُ) و(أسْوَدُ)، و(فعْلَاء) تأنِيثُ (أفْعَلُ) لا يكونُ إلا ممدُودًا، فيجوزُ عندَهُ في ضرورَةِ الشِّعْرِ قصْرُ نحْوِ: (الدُّعاءِ) لأنُّهَا إذَا قصِرَتْ صارَتْ إلى مثالِ (هُدى) ونحْوِهَا، ولا يجوزُ عنْدَهُ قَصْرُ نحْوِ: (الشُّهداءِ) لأنَّهُ جمْعُ (شهِيدٍ) بزِنَةِ (فعيلٍ)، ولَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ مقْصورًا. هذَا تقريرُ مذْهَبِ الفراءِ فيمَا يجوزُ مِنْ قصْرِ الممدُودِ في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كمَا فِي "الإنصافِ" لأبي البرَكاتِ الأنبارِيِّ (2/ 614، وما بعْدَهَا) وغَيْرِهِ، وقَدْ ردَّ العلماءُ علَى الفرّاءِ--بأنَّهُ قد جاءَ القصْرُ فيمَا لَمْ يجِئْ في بابِهِ مقصورٌ، وذلِكَ نحْوُ قوْلِ الشَّاعِرِ: فَلَوْ أنَّ الأطِبَّا كانُ حَوْلِي … وكَانَ مَعَ الأَطِبَّاءِ الأُسَاةُ |
#22
|
|||
|
|||
وقد أفادَنِي بقراءة حمزة بعض الفضلاء، وكنت أحسب-جهلا مني بهذه المسألة الصرفية-أن مثله لا يجوز، ويحمل على هذا الوجه ما نسمعه من بعض أئمة الحرم المكي الشريف-حفظهم الله-من قصر الممدود وقفا في نحوِ: ( يا سميع الدعا).
والله أعلم. |
#23
|
|||
|
|||
ومِنْ ذلِكَ قوْلُ بعضِهِمْ فِي الدُّعاءِ المأثورِ عن رسولِ اللهِ--فِي الصَّبْرِ علَى المصيبَةِ: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مصيبَتِي)، والصَّوَابُ: (اللَّهُمَّ اؤْجُرْنِي) أوِ (ائْجِرْنِي) أوْ (آجِرْنِي) بالمَدِّ، وقدِ أعانَ علَى شيوعِ هذَا الخطَأ وقوعُهُ فِي بعْضِ كتُبِ السُّنَّةِ المطبوعَةِ وغيرِهَا، وممَّن نبَّهَ إلَى هذَا الخطأ، وأحسنَ في بيانِهِ الأستاذةُ عائشَةُ-بارَكَ اللهُ فيهَا-فِي حديثٍ قديمٍ لهَا بعنوان (الرسم الإملائي وأخطاء النطق)، وهو هنا للفائدة:
https://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=2728 وأقولُ: أمَّا (أَجِرْنِي)، فهُوَ أمْرٌ مِنْ (أجارَ)، ومِنْهُ قوْلُهُ-تعالَى-: وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ، أيْ: (أمِّنْهُ)، و(أجارَهُ اللهُ مِنَ العذابِ): (أنقَذَهُ)، و(أجارَهُ): (أعاذَهُ)، و(أجَرْتُ الرَّجُلَ): (صيَّرْتُهُ جارِي). وأمَّا (اؤْجُرني)، فمِنْ (أَجَرَ)، يقالَ: (أجَرَهُ اللهُ) (يأْجُرُهُ) بالضَّمِّ و(يأْجِرُهُ) بالكسْرِ-وهِيَ لغَةُ بنِي كعْبٍ كمَا فِي المصباح-، أيْ: مِنْ بابَيْ (نصَرَ) و(ضَرَبَ)، والأمْرُ مِنَ الأولِ (اؤْجُرْنِي) ومِنَ الثانِي (ائْجِرْنِي)، جاءَ فِي التاجِ (أجر): (والوَجْهَانِ مَعْرُوفانِ لجميعِ اللُّغَوِيِّين إِلّا مَنْ شَذَّ مِمَّن أَنكرَ الكَسْرَ فِي المُضَارعِ) انتهَى. ومعنَى (أجَرَه اللهُ)=(جزاهُ) و(أثابَهُ) و(أعْطَاهُ)، ومعناهُ فِي الحديثِ-كمَا فِي شرْحِ النووي علَى صحيح مسلم-: (أَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَجَزَاءَ صَبْرِهِ وَهَمِّهِ فِي مُصِيبَتِهِ) انتهى. وأمَّا (آجَر)، فهُوَ صحيحٌ بمعنَى الإعْطاءِ والإثابَةِ أيضًا، والأمْرُ مِنْهُ (آجِرْنِي) ممدودًا، ومِنْهُ قوْلُ المتنبِّي: فآجَرَكَ الإلَهُ علَى عليلٍ … بعثْتَ إلَى المسِيحِ بِهِ طبِيبَا وعَنِ الأصْمَعِيّ أنَّهُ أنْكَرَ المَدَّ، وقيلَ: بلْ هوَ الأفْصَحُ.وقَدِ اختُلِفَ فِي وزنِ (آجَرَ) اختلافًا كبيرًا، فذَهَبَ ابنُ الحاجِبِ فِي "الشَّافَيَةِ" إلَى أنَّهُ علَى وزْنِ (فاعَلَ) لا (أفْعَلَ)، وتعقَّبَهُ الإستراباذِيَّان فِي شرحْهِمَا بمَا حاصِلُهُ أنَّ البِنائَيْنِ ثابِتانِ، وإنِ اختَلَفَ المعْنَى، علَى أنَّ الرَّضِيّ جعَلَ (آجَرَ) المتعدِيَ إلَى مفعولَيْنِ فِي نحْوِ: (آجَرْتُهُ الدَّارَ) مِنْ بابِ (أفْعَلَ)، والمتعدِيَ إلَى مفعولٍ واحِدٍ فِي نحْوِ : (آجرْتُ الأجيرَ) مِنْ بابِ (فاعَلَ)، قال: (لأن (فاعَلَ) لا يعدَّى إلى مفعولينِ إلا الذي كانَ يعدَّى فِي الثلاثِيِّ إلى مفعولٍ، كـ(نَزَعْتُ الحديثَ) و(نازعتُهُ الحديثَ)، فـ(آجرَ) المتعدِّي إلى مفعولين إذن مِن بابِ الإفعالِ، فـ(آجَرْتُكَ الدارَ إيجارًا) مثْلُ (أكريْتُكَ الدارَ)، و(آجَرْتُ الأجيرَ مؤاجَرَةً)، أيْ: عقدتُّ معَهُ عَقْدَ الإِجارةِ، يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وكأنَّ الإجارةَ مصدَرُ (أجَرَ يأجُرُ إجارَةً) نحْوَ (كتَبَ يكتُبُ كِتابَةً)، أيْ: كانَ أجيرًا، قال--: علَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِىَ حِجَجٍ، فالإجارةُ كالزراعةِ والكتابةِ، كأنَّهَا صَنْعةٌ، إلا أنها تستعمَلُ في الأغلبِ في مصدَرِ (آجَرَ أفعَلَ)، كمَا يقامُ بعضُ المصادِرِ مقامَ بعضٍ نحْوَ: وتَبَتَّلْ إِلِيْهِ تَبْتِيلًا، والأجير من أجر يأجُر) انتهى. قلْتُ: أصْلُ هذَا التقريرِ للزمخْشَرِيّ فِي "أساس البلاغة"، وقد نقلَهُ عنْهُ الرضِيّ، واحتجَّ لهُ بأنّ (آجرَ) المتعدِّيَ لمفعوليْنِ لوْ كانَ علَى (فاعَلَ)، لكانَ الثلاثِيُّ منهُ متعدِّيًا لمفعولٍ، وهو مَا ليْسَ موجودًا في رأيِ الرضِيّ، وقَد ذكَرَ صاحِبُ المصباحِ أنَّهُ يقالُ: (أجرْتُ الدَّارَ) ثلاثيًّا، فإن ثبَتَ، فيلزَمُهُمْ أن يثبِتُوا (آجرتُهُ الدارَ مؤاجرةً) علَى (فاعَلَ). ثُمَّ يقالُ: إنْ سلّمْنَا بأنَّ المتعدِّيَ إلَى مفعولَيْنِ لا يكون إلا علَى (أفعَلَ)، فلا نسلّمُ بأنَّ المتعدِّيَ لمفعولٍ واحِدٍ فِي نحْوِ: (آجَرْتُ الأجيرَ) علَى (فاعَلَ) دونَ (أفعَلَ) كمَا يفهَمُ مِنْ كلامِكِمْ، فقَدْ قالَ الأخفَش-كما في التاج والمصباح-: ومِنَ العرَبِ مَن يَقُولُ: (آجَرْتُهُ فَهُوَ مُؤْجَرٌ) فِي تَقْدِيرِ (أَفْعلتُه فَهُوَ مُفْعَلٌ)، وبعضُهُمْ يَقُولُ: (فَهُوَ مُؤاجَرٌ) فِي تقديرِ (فَاعَلْتُهُ) انتهى. وأمَّا الإستراباذِيُّ الآخَرُ-وهُوَ ركْنُ الدينِ-، فلَمْ يتعرَّضْ للمتعدي لمفعولَيْنِ، وإنَّما ذكَرَ أنَّ (آجَر) الذي في نحْوِ: (آجرَهُ اللهُ) على (أفعَلَ) لا (فاعَلَ)، ومضَارِعُهُ (يُؤْجِرُ)، ونقلَهُ عنِ ابنِ القطّاع، قال: وأمَّا (آجرْتُ الدَّارَ والدَّابَّةَ ونحوَهُمَا)، ففيهِ لغتانِ: إحداهُمَا: أنَّهُ (فاعَلَ)، والمضارِعُ منْهُ (يُؤَاجِرُ)، والأخْرَى: (أفعَلَ)، والمضارِعُ منْهُ (يُؤْجِرُ) انتهى. وهو-كمَا ترَى-موافِقٌ لما نقِلَ عنِ الأخْفَشِ مِن إثباتِ (الإفعال) و(المفاعَلَةِ) فِي (آجرْتُ الدَّارَ ونحْوَهَا)، وجاءَ في "اللسان" (أجر): (وأَجَرَ المملوكَ يأْجُرُه أَجرًا، فَهُوَ مأْجور، وَآجَرَهُ يُؤْجِرُهُ إِيجارًا ومؤاجَرَةً، وكلٌّ حسَنٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ) انتهى. |
#24
|
|||
|
|||
تنبيهٌ حوْلَ وزْنِ (آجَرَ) بمعنَى (أعطَى) و(أثابَ).
تقدَّمَ أنّ الأسترابَاذِيّ- بفتح الهمزة كما في معجم البلدان لياقوت نسبة إلى أستراباذ، وفي التاج بكسرِها-الملقّبَ بركنِ الدينِ نقلَ عنِ ابنِ القطَّاعِ أنَّ (آجرَ) التي بمعنَى (أعطى) في نحْوِ قولِكَ: (آجرَهُ اللهُ) علَى (أفعَلَ) لا (فاعَلَ)، ونعَمْ ذكَرَ ابنُ القطَّاعِ أنَّهُ علَى وزْنِ (أفْعَلَ)، وتصدِّقُهُ ترجَمَةُ الباب أيضًا، وهِي قولُهُ: (الهمزة من الثلاثي الصحيح على (فعل) و(أفعلَ) بمعنى واحد وغيره)، وذكرَ بعدَهَا أنَّهُ يقالُ: (أجَرَهُ الله أجرًا) و(آجره يُؤْجِرُهُ)، قالَ: (والمملوكَ والأجيرَ أعطيتُهما أجرَهُمَا كذلِكَ)، يعني أنَّهُ يقالُ فيهِمَا: (أجر) و(آجَرَ يُؤْجِرُ) أيضًا، ثمَّ قالَ: (وآجرَهُ يُؤَاجِرُهُ، فصارَ صورةُ (أفعَلَ) و(فاعَلَ) واحدَةً) انتهى. وهذَا القوْلُ الأخيرُ لم ينْقُلْهُ الأستراباذِيّ، ويبدو أنَّهُ حمَلَهُ علَى (آجرَ) التي فِي نحوِ: (آجرْتُ الدارَ) كمَا يظهْرُ من حكايَتِهِ اللغتينِ فيهِ، والظَّاهِرُ أنَّ كلامَ ابنِ القطَّاعِ إنَّمَا هو فِي (آجَرَ) الذي بمعنَى (أعطَى)، وهُوَ ما فهِمَهُ صاحِبُ "التاج"، إذ ذكَرَهُ بعْدَ ذكْرِ (أجرَهُ اللهُ) و(آجَرَهُ)، قال: (وَفِي كتاب ابنِ القَطّاع: إِنّ مضارِعَ (آجَرَ) كـ(آمَنَ)=(يُؤاجِرُ). قَالَ شيخُنَا: وَهُوَ سَهْوٌ ظاهِرٌ يَقعُ لمَن لم يُفَرَّق بَين أَفْعَلَ وفَاعَلَ) انتهَى. وقد ردَّ الزَّبيدِيُّ قوْلَ شيْخِهِ بمَا سبَقَ نقْلُهُ عنِ الأخفشِ، وذكَرَ أنَّ (آجَرَ مُؤَاجَرَةً) مسموعٌ مِن الْعَرَبِ، وَلَيْسَ هُوَ صنِيعَ ابنِ القَطَّاعِ وحدَه، بل سَبَقَه غيرُ واحدٍ من الأَئِمَّة وأَقرُّوهُ. قلْتُ: ولقائِلٍ أن يقولَ: إنَّ ما حكاهُ الأخفشُ إنَّمَا هُوَ في (آجَرَ) الذي فِي نحْوِ: (آجرتُ الدَّارَ والمملوكَ) لا في (آجَرَ)الذي بمعنَى (أعطَى)، والجوابُ عن ذلِكَ أنَّ نصَّ الأخفَشِ عامٌّ، فيحمَلُ علَى (آجَرَ) بمعنيَيْهِ. ومعنَى (آجَرهُ اللهُ) علَى الوزنَيْنِ (فاعَلَ) و(أفعَلَ)=(جعَلَهُ ذَا أجْرٍ)، فإنَّ منَ المعانِي المشترَكَةِ بيْنَ البابَيْنِ جعْلُ الشيْءِ ذَا أصْلِهِ، ونظِيرُهُ فِي (فاعَلَ) قوْلُكَ: (عاقَبْتُ فلانًا)، أي: (جعلتُهُ ذَا عقُوبَةٍ)، ونظيرُهُ فِي (أفْعَلَ) نحْوُ قوْلِكَ: (أحْزَنْتُهُ)، أيْ: (جعَلْتُهُ ذَا حُزْنٍ). |
#25
|
|||
|
|||
فَائِدَةٌ
جاءَ فِي كتابِ "الأفعال" لابنِ القطَّاعِ في طبعتيه (ط عالم الكتب، 1/ 24) و(ط دائرة المعارف العثمانية، 1/ 21): «(أجَرَهُ اللهُ أجْرًا) يُؤْجِرُهُ» وفيهِ سَقْطٌ بيّنٌ، والصوابُ كمَا نقلَهُ عنْهُ الأستراباذِيّ: «(أجَرَهُ اللهُ أجْرًا) و(آجَرَهُ يُؤْجِرُهُ)» انتهى. |
#26
|
|||
|
|||
ويقولُونَ في الدُّعاءِ المأثورِ عَنْ رسولِ اللهِ--: (واجْعَلْهَا علَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيّ يوسُفَ)، والصواب: (كَسِنِي يوسُفَ) بتخفيفِ الياءِ، والمعْنَى-كما يقولُ النَّوَوِيُّ-: (اجْعَلْهَا علَيْهِمْ سِنِينَ شِدَادًا ذَوَاتِ قَحْطٍ وَغَلَاءٍ).
و(سِنِي) ملحَقٌ بجمْعِ المذكَّرِ السَّالِمِ، وأصْلُهُ (سِنينَ)، وحذِفَتِ النُّونُ للإضافَةِ، ومفرَدُهُ (سَنَةٌ)، وهُوَ اسْمٌ ثلاثِيٌّ حذِفَتْ لامُهُ، وعوِّضَ عنْهَا هاءَ التَّأنيِثِ، ولَمْ يجْمَعْ جمْعَ تكْسيرٍ، وكلُّ ما كانَ كذلِكَ، فإنَّهُ يجْمَعُ هذَا الجمْعَ، ويسمَّى بابَ (سنِينَ) نحْوَ: ثُبَةٍ وثُِبِينَ ومِئَةٍ ومِئِينَ وعِزَةٍ وعِزِينَ. وإِعْرَابُ هَذَا النَّوْع إِعْرَابَ الْجمعِ هوَ لُغَةُ الْحجازِ وعُلْيَا قَيْسٍ، وَأمَّا بعْضُ بنِي تَمِيمٍ وَبنِي عَامِرٍ، فَيجْعَلُ الْإِعْرَابَ فِي النُّونِ، وَيلْزمُ اليَاءَ، ثُمَّ الأَولُونَ يتركُونَهُ بِلَا تَنْوِينٍ، وَالآخرُونَ ينونُونَهُ. ينظَر: "همع الهوامع" للسيوطي (1/ 173). وعلَى ذلِكَ يجوزُ لنَا فِي هذَا الدعاءِ ثلاثَةُ أوجُهٍ، وهُنَّ: (سِنِينَ كسِنِي يوسُفَ)، و: (سِنِينًا كسنِينِ يوسُفَ)، و: (سِنِينَ كسِنِينِ يوسُفَ). كلُّ ذلِكَ صحِيحٌ من لغاتِ العرَبِ، بيدَ أنَّ الأولَى هِيَ الثابتَةُ عنْدَ المحدِّثِينَ، وهي لغَةُ الحِجَازِ وعُلْيَا قيْسٍ كمَا تقدَّمَ، والثانِيَةُ لغَةُ بنِي عامِرٍ، والثالِثَةُ لغَةُ بنِي تمِيمٍ. ومِنْ طرِيفِ مَا يرْوَى فِي ذلِكَ مَا رواهُ أبُو طاهِرٍ السِّلَفِيُّ فِي "الطيوريات" عن أبِي الحسيْنِ المبارَكِ بنِ عبْدِ الجبَّارِ الصَّيْرَفِيِّ الطُّيُورِيِّ قالَ: (سمعْتُ الصُّورِيَّ يقولُ: حدَّثَنِي من أثِقُ بِهِ، عَنْ أبِي سعِيدٍ الحسَنِ بنِ عبدِ اللهِ السِّيرَافِيِّ أنَّهُ قالَ: حضَرْتُ مَجْلِسَ أبِي بكرِ بنِ مجاهِدٍ أَوَّلَ مَا حَضَرْتُهُ وهُوَ يُمْلِي، فَجَلَسْتُ فِي أُخْرَيَاِت النَّاسِ، فقال الْمُسْتَمْلِي: (وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ)، فَتَطَاوَلْتُ-وكان أبو سَعِيد دَمِيمًا حَقِيرَ الْمَنْظَرِ-، فَقُلْتُ: (كَسِنِيْ يُوسُف)، فَلَمْ يَفْهَمْ عَنِّي، فَقُمْتُ قَاِئمًا، فَأَعَدْتُ الْقَوْلَ، فقالَ ابنُ مُجاهد: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارُوا إليَّ، فَاسْتَدْعَانِي وَقَرَّبَنِي إِلَيهِ فَتَحَصَّلْتُ فِي أَعْلَى الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُ فِي أَدْنَاهُ). |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
يوم كان ملوك الناس ملوكًا، ويوم كان شعر الناس شعرًا، وكان غناء الناس غناءً ! | محمد تبركان | حلقة الأدب والأخبار | 0 | 17-04-2017 08:32 PM |
طلب الدعاء من الغير | أم محمد | حلقة العلوم الشرعية | 8 | 11-03-2011 03:40 PM |
مسح الوجه بعد الدعاء | عائشة | حلقة العلوم الشرعية | 2 | 06-01-2011 01:08 PM |
الاعتداء في الدعاء | أبو مالك الدرعمي | حلقة العلوم الشرعية | 0 | 20-08-2010 03:05 AM |