التنبيه والاستدراك على كتاب أشعار الهذليين

[مصعب الهذلي]

هذه تنبيهات واستدراكات رأى الفاضلان: محمد بن عبد الحي وعبد الكريم الدخيّل، أن أجمعها، فاستحسنت رأيهما.

وقد كنت أدمنت النظر في كتاب شرح أشعار الهذليين، فأعجبني صُنْع أبي سعيد السكري وضَبْط المحقق د.عبد الستار فراج. وقد جمع المحقق في آخر الكتاب استدراكاته على السكري. وبدت لي مواضع أخر لم ينبه عليها، وأشياء استدركتها عليه. وقد أُخطئ في بعض ما أذكره، فلا زلت أطلب العلم.

وسأكتب هنا ما أجده من التنبيهات إن شاء الله، وليشاركني أهل العلم والفضلاء بما عندهم.

[مصعب الهذلي]

(1)

قال أبو ذؤيب:
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
قال السكري: الأصمعي يرويه أميمة.
[شرح أشعار الهذليين، 1/ 5]

هذا خطأ، وتحريف ناسخ، فما الفائدة من ذكر رواية الأصمعي إن كانت هي الرواية المثبتة، ولم يُذكر في الشرح غيرها؟ ووجدت الصواب عند ابن سيده ، قال: وروى الأصمعي أمامة بالألف. [المحكم، 10/ 578]
ثم وجدت د. أحمد الشال قد سبقني إلى هذا التنبيه في تحقيقه لديوان أبي ذؤيب. [ديوان أبي ذؤيب، 48]

[مصعب الهذلي]

(2)

ألم تر أنا أهل سوداء جونة وأهل حجاز ذي حجاب موقر
تبع المحقق الأنباري في نسبة هذا البيت للمرار
[شرح أشعار الهذليين، 1/ 20]
[شرح المفضليات، 865]

والبيت في قصيدة لمالك بن خالد الخناعي، وبعده:
به قاتلت آباؤنا قبل ما ترى ملوك بني عاد وأقوال حمير
[شرح أشعار الهذليين، 1/ 454]

[مصعب الهذلي]

(3)

يظل على الثمراء منها جوارس مراضيع صهب الريش زغب رقابها
قال أبو عبيد البكري: قال السكري: الثمراء جمع ثمرة، مثل شجراء وقصباء.
[معجم ما استعجم، 1/ 346]

وقد أخل الكتاب بهذا الشرح. [شرح أشعار الهذليين، 1/ 51]

[محمد بن عبد الحي]

فمن أولى بذلك منك؟!
أحسن الله إليك، ورفع قدرك، ونفعنا بك.

[مصعب الهذلي]

(4)

قال أبو ذؤيب:
حتى إذا ارتدت وأَقصد عصبةًمنها وقام شريدها يتضوع
قال السكري: وقال الأصمعي أيضا: فأُقصد عصبةٌ بالرفع، أي كف. [شرح أشعار الهذليين، 1/ 30]

وهذا تحريف. قال الأنباري في شرح المفضليات: ويروى:وأَقصر عصبةٌ[شرح المفضليات، 875]. وهو الصواب، يقال: أقصر يا هذا، أي انته وكف.

[صالح العَمْري]

أحسن الله إليكم.
والجزم بأن رواية الدال تحريف لا مساغ له ولا دليل عليه، فإن لها معنى صحيحا جيدا لا غبار عليه، ولا مرجح لرواية الراء عليها، بل إني أرى رواية الدال أجود.
فإنه قوله "ارتدَّت" مغنٍ عن قوله بعد ذلك: "وأقصر عصبةٌ منها" لأن معناهما واحد، ولستُ أعني أن لا يجوز عطفها عليها، بل يجوز أن يعطف الشيء على ما هو بمعناه إذا اختلف اللفظان، كما قال:
وأَلفَى قَولَها كَذِبًا ومَينا
وقال:
وهِندٌ أتى من دُونها النَّأيُ والبُعْدُ
وقال:
وانظري كَرَمي وخِيري
وقال:
ومصدر غِبِّه كَرَمٌ وخِيرُ
وقال:
بيني وبينهم الأَحقادُ والدِّمَنُ
وقال:
أَقوَى وأَقفَرَ بعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
وقال:
إلا بأن تَكذَبا عَلَيَّ ولم أَملِك بأن تَكذِبا وأن تَلَعا
وشواهده كثيرة، لكن حمل البيت على ما فيه زيادة معنى وتمام إيضاح للحال التي كان الثور والكلاب فيها أولى، فإنه -برواية الدال: "وأقصدَ عصبةً منها" أي قتلها- ذكر ثلاثة الأحوال للكلاب، فمنها ما خنس وانكفأ ومنها ما أُقصد وأودى ومنها ما جُرح وهو الشريد الذي قام يتضوع، ولا تَبين هذه القسمة الدقيقة الجميلة في رواية الراء، بل البيت يفسد بها، فلذلك كان الأحسن رواية الدال.
ولا يُقال: لم ذكر الارتداد أولا ثم ذكر القتل والقتل وقع أولا لأنها ما ارتدت إلا بعدما قتلها؟
لا يُقال هذا لأن الواو لا تفيد ترتيبا وإنما هي لمطلق الجمع دون ترتيب، كأنه قال: حتى إذا أقصد عصبة منها وارتدت عنه وقام الجريح منها يتضوع بدا له رب الكلاب.
وقال : اقنُتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فقُدِّم السجود على الركوع وهو بعده، وقال: وعيسَى وأَيوب، وقال:كذَلك يوحي إِليكَ وإِلى الذين من قبلك، وقال:اعبدوا ربكُم الذي خَلقكُم والذين من قبلكُم.
وقال حسان:
بهاليلُ مِنْهُم جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمِّهِ عَليٌّ وَمِنْهُم أَحمدُ المتَخَيَّرُ
وقال الحماسي وهو أحد بني بولان من طيئ:
نَستَوقدُ النَّبلَ بالحَضيض ونَصطادُ نُفوسًا بُنَت على الكَرَمِ
وإنما أراد أنهم يصطادون هذه النفوس ثم تنفذ السهام منها وتوقد نار الحباحب بالحضيض.
وقال لبيد:
أُغلي السِّباءَ بِكُلِّ أدكنَ عاتِقٍ أَو جَونةٍ قُدِحَت وفُضَّ خِتامُها
وفَضُّ ختامها يكون قبل أن تُقدَح.
وشواهدها كثيرة.

[مصعب الهذلي]

أحسنت يا أبا حيان وبارك الله فيك وفي علمك، ولا زلت أعجب من حذقك بالشعر وحسن احتجاجك.

ولعلي جعلت التنبيه موهما، فرواية الدال صحيحة لم أردها، وإنما أردت قول الأصمعي، قال: «فأقصد عصبة، أي كف».
وهذا تحريف بيّن، صوابه أقصربالراء، وأشرت إلى أن الأنباري قد ذكر رواية الراء.

[صالح العَمْري]

رعاك الله يا أبا الحارث.
وأنا ما رأيتُ في وقتنا أعلم منك بشعر الهذليين، وقد تتبعت ما تكتبه هنا وفي تويتر فرأيتُ دقة وإتقانا، فأنت وقومك كما قال طفيل الخيل:
كواكب دجن كل ما غاب كوكبٌ بدا -وانجلت عنه الدُّجُنَّة- كوكبُ
وقد عجبتُ أن يكون مثلك في علمه وفهمه ينكر رواية البيت بالدال، ثم فهمتُ الآن مرادك، وقد كنتُ ظننتُ أنك أنكرتَ رواية الدال في البيت، فجاء ردي على إنكار أن تكون الدال رواية في البيت، ثم علمتُ الآن أنك أنكرت الدال في قول الأصمعي المفسَّر بالكفّ لا في رواية البيت نفسه.
ولا بأس، فهذه مدارسة صالحة.
زادكم الله علما ونفع بكم.

[مصعب الهذلي]

(5)

قال المعترض الظفري:
لهامهم بمدفار صياح يدعي بالشراب بني تميم
قال السكري: مدفار، بلد لبني عامر. [شرح أشعار الهذليين، 1/ 679]

وهذا تحريف ناسخ، صوابه: تميم.
وفي كتاب التمام لابن جني: «قال [السكري]: مدفاربلد لبني تميم». [التمام في تفسير أشعار هذيل، 57]

[مصعب الهذلي]

(6)

وقال أبو ذؤيب أيضا، قال أبو نصر: وإنما هي لمالك بن خالد الخناعي:
يا مي إن تفقدي قوما ولدتهمأو تخلسيهم فإن الدهر خلاس
[شرح أشعار الهذليين، 1/ 226]

قال البطليوسي في الحلل، وقد ذكر بيتا من القصيدة: «قال أبو جعفر أحمد بن عبيد: أنشدني أبو نصر هذا الشعر لأبي ذؤيب الهذلي». [الحلل في شرح أبيات الجمل، 67]
وقال الصغاني في العباب: «قال أبو ذؤيب الهذلي في رواية أبي نصر، وفي رواية من سواه: قال مالك بن خالد الخناعي، وهو الصحيح». [العباب الزاخر -س-، 323]
وقال في موضع آخر: «قال مالك بن خويلد الخناعي - ويروى لأبي ذؤيب الهذلي في رواية أبي نصر». [العباب الزاخر -س-، 441]

والصغاني ينقل عن كتاب السكري، فلعل وقال أبو ذؤيب أيضاهو قول أبي نصر، ووإنما هي لمالك بن خالد الخناعيمن كلام السكري.

[تقنويه]

المشاركة الأصلية كتبت من قِبَل مصعب الهذلي

(5)

قال المعترض الظفري:
لهامهم بمدفار صياح يدعي بالشراب بني تميم
قال السكري: مدفار، بلد لبني عامر. [شرح أشعار الهذليين، 1/ 679]

وهذا تحريف ناسخ، صوابه: تميم.
وفي كتاب التمام لابن جني: «قال [السكري]: مدفاربلد لبني تميم». [التمام في تفسير أشعار هذيل، 57]

أظنُّ (مدفار) في شرح أشعار الهذليين والتمام مصحَّفةً عن (مذفار) بالمعجمة، كما في معجم ما استعجم ومعجم البلدان.