ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية  

العودة   ملتقى أهل اللغة لعلوم اللغة العربية > الحلَقات > حلقة البلاغة والنقد
الانضمام الوصايا محظورات الملتقى   المذاكرة مشاركات اليوم اجعل الحلَقات كافّة محضورة

منازعة
 
أدوات الحديث طرائق الاستماع إلى الحديث
  #1  
قديم 18-07-2024, 07:36 PM
مهاجر مهاجر غير شاهد حالياً
 
تاريخ الانضمام: Jul 2008
التخصص : ميكروبيولوجي
النوع : ذكر
المشاركات: 35
افتراضي شكر الخالق وشكر المخلوق

ومما ثبت في الوجدان الأول ما يعالج كلٌّ ضرورة من فطرة تَنْصَحُ ، وهي المجملة ، وذلك ما يُولَدُ عليه كل مولودٍ في الخارج ، ومنها رِكْزٌ في الحس ، وآخر في المعنى ، إِنْ في الْحُسْنِ أو في الْقُبْحِ ، فَتَنَاوَلَ المعنى ، كَحُسْنِ الصدقِ وَقُبْحِ الكذب ، وحسن الإيمان وفيه معنى الإقرار وشكر المنعم ، وقبح الكفران وفيه معنى الإنكار والجحود لنعمة المنعِم ، وَتَنَاوَلَ الحس ، كما النفس تميل إلى الطيب من المطعوم والمنكوح ..... إلخ ، وتميل عن آخر على ضد من الخبيث ، فكل أولئك من فطرة أولى تنصح ، وذلك ما عم المعنى والحس المحدَث ، إلا أن يكون ثم ما يبدل ويحرف ، فيخالف عن المحكم من الاعتقادات والحكومات إلى أخرى متشابهة إذ جحد المرجع المجاوز من خارج ، بل وجحد آخر في الفطرة قد رُكِزَ في الوجدان الباطن ، فَلَهُ من وصف الذَّاتِيِّ حَظٌّ ، وليس الذاتي كله يَقْبُحُ ، فمنه نَجْدُ شَرٍّ بما جُبِلَتْ عليه النفس من الأثرة والشح ..... إلخ ، فذلك ما يقبح ، ومنه نَجْدُ خَيْرٍ يُوَاطِئُ أخرى من جبلة الإيمان والتوحيد ، وَإِنْ رِكْزَ الدِّينِ المجمل في كلِّ نَفْسٍ ، إلا أن تحرف عن جادته إلى أخرى تُنْكِرُ وَتَجْحَدُ ، فَثَمَّ من ذلك جادة قد تَنَاوَلَتْ مَعَانٍ قد عُلِمَ حُسْنُهَا ضرورةً في النظر المصرح ، كما حُسْنُ الإيمانِ وله من المدلول العقلي الأول : شُكْرُ المنعِم ، فذلك مما يحمد لدى العقلاء كَافَّةً ، وَلَوْ مَعْرُوفًا يُسْدَى في أمرِ مَعَاشٍ مُعَجَّلٍ ، فَشُكْرُ المنعِم مما يَحْسُنُ ضرورةً في كلِّ شريعةٍ ، وبذا جاءت الخاتمة السديدة ، فـ : "من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ" ، فكان من ذلك ما يجمع ، فهو يواطئ قياس العقل المصرح أن صاحب النعمة يشكر ، ويواطئ آخر من حكومة الوحي المنزل ، فهو يأمر بشكر من باشر السبب فأسدى المعروف ، ويأمر بآخر يجاوز إذ صَيَّرَ ذلك مما لا يتم الواجب الأعلى إلا به ، فَتَنَاوَلَهُ الإيجاب من هذا الوجه ، مع آخر قد ثَبَتَ ضرورةً في العقل ، فثم شكر السبب الذي يُبَاشِرُ فَيُسْدِي المعروفَ ، وَبِهِ التَّوَسُّلُ إِلَى واجبٍ أعلى ، وهو المراد لذاته ، أن يشكر الخالق ، جل وعلا ، فهو من خلق هذا السبب الذي أسدى المعروف ، فَيَسَّرَ وَقَدَّرَ ، وأجرى الأمر على علم أول قد تَقَدَّمَ ، فوجب رَدُّ النعمة ختامَ أمرِها إلى المنعم الأول فلا مُنْعِمَ قَبْلَهُ ، وذلك آخر من التسلسل الذي يمتنع في الأول ، فإن من التأثير : الخلق ، ومنه الإنعام بما يجرى من الأرزاق وَيُيَسَّرُ من الأسباب ، وكل أولئك يطلب تدبيرا يسبق ، وهو مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورة إلى علم تقدير أول ، فذلك وصف الأول الذي لا أول قبه ، وبه ، كما تقدم ، حسم لما امتنع في العقل ضرورة من التسلسل في المؤثرين أزلا ، فوجب رد النعمة إلى المنعِم الأول ، جل وعلا ، فلا منعِم قبله ، وإنما عالج المنعَم عليه ما بَاشَرَتْهُ يد المنعِم ، وهو السبب الذي أَنْعَمَ به الله ، جل وعلا ، على المنعَم عليه ، والسبب المنعِم ، من وجه آخر ، ذو تأثير يثبت ، فليس السبب الجاري اضطرارا ، بل ثم من فِعْلِهِ اخْتِيَارٌ يُرَجِّحُ ، وهو ، من وجه آخر ، يمتثل التكليف المحكم الذي يأمر بالإحسان إلى الخلق ، فاستحق الشكر ، من هذا الوجه ، فَهُوَ سَبَبٌ مِنْ خَارِجٍ يُؤَثِّرُ ، وله من الإرادة ما به يُرَجِّحُ ، فكان من هدى التوفيق والإلهام أَنْ يَسَّرَ له فعل الطاعة التي تَتَعَدَّى إحسانًا إلى الخلق ، وهو ما لأجله استحق الشكر ، وهو ، لو كان ذَا قَصْدٍ يَنْصَحُ ، من عاجل بشرى تَثْبُتُ ، أن يكون من الجزاء المعجل ما به النفسُ تفرح بما حصل في قلوب الخلق من المحبة ، فذلك دليل أولى أشرف ، محبة الخالق ، جل وعلا ، وهي المرادة لذاتها ، من كلِّ وجهٍ ، فَمَا حَصَلَتْ أولى في قلوب الخلق إلا أن اجتهد الفاعل أن يُوَاطِئَ مُرَادَ الشارع ، جل وعلا ، فكوفئ لدى المبدإ أن يكون له في قلوب العباد محبة ، وهي البشرى المعجَّلة ، وهي مما يُرَادُ لِغَيْرٍ ، فلا تُرَادُ لذاتِها من كلِّ وجهٍ ، وإلا وَقَعَ صاحبُها في الشرك ، رياءً أو تَعَلُّقًا بالخلق واشتغالا بهم عن الخالق ، جل وعلا ، ورضاهم جميعا لا يُسْتَطَاعُ ، لا جرم لم يُكَلَّفْ به الفاعل ، وإنما كُلِّفَ بالمقدور أَنْ يُرْضِيَ واحدًا هو الرب المعبود ، جل وعلا ، فذلك المستطاع المأمور به ، كما أُثِرَ عن الإمام الشافعي المطلبي ، فَحَصَلَ مِنْ شُكْرِ المخلوق ، وهو السبب المقدور ، حصل من ذلك أول يُرَادُ لذاته ، من وجه ، بما استقر في الوجدان من مبادئ الضرورة في الحسن والقبح ، فحسن المعروف مما ثبت في النفوس بداهة ، وشكره آخر يواطئ ، فذلك القياس المصرح ، وهو تأويل أول من الفطرة يَثْبُتُ ، وامتثال ذلك بالفعل الذي يخرج ، ذلك مما حُمِدَ فَهُوَ حكايةُ شَرَفٍ ومروءَةٍ تَجْمُلُ ، فالكريم لَا يَنْسَى وُدَّ سَاعَةٍ ، كما أُثِرَ أخرى عن الشافعي المطلبي ، فَثَمَّ من ذلك ما يُوَاطِئُ فطرةً أولى في النفس تجمل ، فهو يُرَادُ لذاته ، وبه تأويلُ معادنِ أخلاقٍ تَحْسُنُ قَدْ رُكِزَتْ فِي النَّفْسِ مبدأَ التقديرِ والخلق المحكم ، وَيُرَادُ لآخر ، بل هو المراد الأول لَدَى كُلِّ ذي عقلٍ يَنْصَحُ ، قَدْ رُزِقَ من السداد أَنْ يُدْرِكَ الغاية من الخلق ، إذ قد أَمَرَ به الإله الحاكم ، جل وعلا ، فَثَمَّ من شرعه الصحيح ما واطأ القياس الصريح الذي يَقْضِي ضَرُورَةً بِشُكْرِ من أَحْسَنَ ، فكان من ذلك تكليف يُلْزِمُ ، بل هو مما لا يتم الواجب إلا به ، فألحق به في الحكم إلحاق الوسائل بالمقاصد ، فشكر الخالق ، جل وعلا ، واجب أول ، وهو ما قد نص عليه الوحي المنزل ، فـ : (اشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ، فكان من اللام في "لله" ، ما يحكي الاختصاص والاستحقاق ، وإن لم يكن على حد القصر الذي يحصر ويؤكد ، فلم يكن من ذلك تقديم وتأخير على تقدير : لله اشكروا ، أو اللهَ اشكروا ، فالعامل "شَكَرَ" مما يتعدى بِنَفْسِهِ تَارَةً ، وبغيره أخرى ، فيتعدى باللام إرادةَ الاختصاص والاستحقاق ، وَإِنْ جَازَ الشُّكْرُ لِغَيْرٍ ، بل هو من شكر المنعِم الأول ، على التفصيل آنف الذكر ، فحصل من الشكر ما يجوز في حق المخلوق المحدَث ، وليس ثم من دلالة العموم المستغرق أو العهد الخاص ، ليس ثم من ذلك في العامل "اشْكُرُوا" ، ما يُوجِبُ قَصْرَهُ على الله ، جل وعلا ، فلم يقل : الشكر لله ، فإن من دلالة "أل" ما يحكي بَيَانَ الجنس ، من وجه ، واستغراق آحاده من آخر ، فاستغرق وجوه المعنى ، وهو ما رَفَدَهُ بِعَهْدٍ أخص ، فذلك الشكر التام الذي يعدل العبادة في الحد ، ولا يكون ذلك ، بداهة ، إلا لواحد ، وهو الرب الخالق ، جل وعلا ، فَلَهُ من توحيد الألوهية شكرا ما يَلْزَمُ من توحيد الربوبية خلقا ، وثم من ذلك توحيد القول والعمل ، فالشكر ، كما يقول أهل الشأن ، مما يكون بالقول والفعل ، كما خوطب آل داود ، عليهم السلام ، فـ : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) ، فَثَمَّ من ذلك قول وعمل ، وهو ما استغرق ، لو تدبر الناظر ، أجزاء القسمة الإيمانية في الخارج : القول والعمل ، فمن القول : قَوْلُ القلبِ اعتقادًا يَنْصَحُ ، وقول اللسان إذ يَشْهَدُ ، ومن العمل : عمل الجنان إذ يَرْجُو وَيَخْشَى ، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ وَيَرْغَبُ وَيَرْهَبُ ...... إلخ ، وعمل اللسان إذ يَتْلُو وَيَذْكُرُ ، وعمل الأركان إذ تَفْعَلُ وَتَتْرُكُ ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ حَدُّ الإيمان المجزئ في الخارج ، وقد مَازَهُ بَعْضٌ مِنَ الحمد أن الأخير مئنة اختصاص فلا يجاوز الله ، جل وعلا ، فَوَحْدَهُ مَنْ يُحْمَدُ ، لا جرم كان من التعريف ، تعريف "الْحَمْدُ" صَدَرَ الكتابِ فِي "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ما استغرق وجوه المعنى ، وهو مئنة العهد الأخص فلا يكون إلا لواحد هو الله ، جل وعلا ، وكان من تقديم الظرف في مواضع ما يواطئ هذه الدلالة ، فـ : (لِلَّهِ الْحَمْدُ) ، فَتَقْدِيمُ ما حقه التأخير في النطق مَئِنَّةُ التَّوْكِيدِ والحصرِ ، فالحمد لله ، جل وعلا ، وحده لا حَمْدَ لِغَيْرِهِ ، إذ قد عَمَّ المحال كافة ، الجنان واللسان والأركان ، وَعَمَّ الأحوال كافة ، السراء والضراء ، خلاف الشكر فهو مما يَتَوَجَّهُ ، بادي الرأي ، إلى حال السراء .
فكان من الشكر : شُكْرُ النَّاسِ إذا أَسْدَوا المعروف وأحسنوا ، كان من ذلك أمر يفيد الإيجاب مبدأ النظر ، فـ : "من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ" ، إذ الخبر الشرطي لا يَنْفَكُّ يحكي الإنشاء الأمري ، على تقدير : اشكروا الناس فَفِي ذلك شُكْرُ الله ، جل وعلا ، فيجري ذلك مجرى الطرد والعكس ، فمن شكر الناس فقد شكر الله ، جل وعلا ، أو ذلك لازم يَقْرِنُ ، وذلك الطرد ، ومن لم يشكر الناس فَمَا شكر الله ، جل وعلا ، فقد جحد السبب الذي يُدْرِكُهُ بالحس ، فكيف بما غاب فلم يُدْرِكْ فهو أَشَدُّ جُحُودًا له من باب أولى ، وذلك العكس ، ولكلٍّ من اللازم : أمر بشكر الخلق ، ونهي عن جحود الفضل ، وذلك المطَّرد المنعكِس ، لكلٍّ من اللازم آخرُ في الدلالة الإنشائية ، كما أول في الدلالة الخبرية ، وذلك مما يجري ، من وجه ، مجرى الاستعارة ، إذ استعار التركيب الخبري شَرْطًا لِلتَّرْكِيبِ الإنشائي أمرا ، وبه يستأنس من يُجَوِّزُ المجاز في الوحي واللسان ، ومن يجحد ، فهو على أصل له يطرد أَنَّ ذلك مما تداوله الجمع الناطق ، فهو من العرف المشتهر الذي يُنَزَّلُ منزلةَ الحقيقةِ الأخص ، فتقضي في أولى أعم من حقيقة اللسان المجرَّد .
فَثَمَّ أمر يوجب الشكر ، وذلك الوضع الأول في معجم الدلالات المحكم ، إذ الأمر يحكي من الإيجاب ما يُلْزِمُ ، فَثَمَّ مِنْهُ ما يُسْتَصْحَبُ حَتَّى يكون ثم من القرينة ما يَنْقِلُ إلى آخر هو المرجوح الذي لا يظهر ، فيكون من ذلك تأويل معتبر يَنْصَحُ إن سَلِمَتِ القرينة من استدراك الخصم ، فهي تواطئ قياس العقل ، إذ ثم منه حكمة في التعليل ، فَثَمَّ لكلِّ موضعٍ من التأويل ما يواطئ من القرينة ، فلا تجزئ قرينة في غير بابها ، كما اشتهر في الإلهيات ، وبه بطلت جملة من التأويلات التي تخالف عن الظاهر المتبادر بما استقر في معجم اللسان الناطق الذي جاء به الوحي النازل ، فبطلت تلك التأويلات إِذْ لم تُصِبْ الحكمة في التعليل ، فالقرينة التي صدر عنها المعطِّل أو المتأوِّل : قرينة عقلية ، وذلك باب خبري لا يثبت إلا بالنص المجاوز من خارج العقل والحس ، وإن اشترط له مبدأ النظر ألا يخالف عن مدارك العقل ، ولو الجوازَ المحضَ مبدأَ النظرِ ، فَثَمَّ من الغيب ما هو واجب ، كما إثبات الخالق الأول ، جل وعلا ، وإلا كان ما امتنع ضرورة في القياس المصرح أن يكون التسلسل في المؤثرين أزلا ، ففرضه الفرض المحض يُفْضِي إلى محال ذاتي يمتنع ألا يكون ثم وجود لهذا العالم المحدَث الذي يعالج الناظر أعيانه وأحواله ضرورة لا يخالف عنها إلا جاحد أو مسفسِط يُنْكِرُ الْبَدَائِهِ ، فيجحد ما يُبَاشِرُ بِحِسِّهِ الظاهر ، وينقض من السنن المحكم ما يُبَاشِرُهُ في كلِّ أحواله ، إِنْ جِبِلَّةً أَوْ فِكْرَةً ، وكذا يُقَالُ من واجب آخر يثبت ، ولو لم يَرِدِ الوحي المنزل ، فهو من فطرة أولى تنصح ، فَتُوجِبُ ضرورةً من الاسم والوصف ما يقوم بذات الخالق الأول ، جل وعلا ، فثم من آثارها في الخارج ما يعالجه الحس بما رُكِزَ فيه من قوى الإدراك ، فيعالج منه آيات في الآفاق والأنفس ، فَثَمَّ إتقان الخلق وإحكام السنن ، وكل أولئك لا يكون إلا بعلم تقدير قد استغرق ، فَلَيْسَ الكلي المجمل ، كما اقْتَرَحَ دَرْسُ الحكمة المحدَث ، وثم زيادة في الحكمة ، أَنْ يُعْطَى كُلُّ محلٍّ خلقه ثم يُهْدَى إلى ما يلائم من السبب بما جُبِلَ عليه كل من قوى ، تَقْبَلُ في المحل وَتُؤَثِّرُ في السبب ، وكلٌّ يَجْرِي ، كما تقدم في مواضع ، على سَنَنٍ مُحْكَمٍ نَاصِحٍ ، فَثَمَّ من ذلك وصف العلم والحكمة والخبرة ، وَثَمَّ لُطْفٌ في التقدير يخفى بما كان من آيات تدق ، ولا زال تأويلها في كلِّ جيلٍ يَظْهَرُ ، وبه الحجة تُقَامُ أَبَدًا ، وثم إرادة تُرَجِّحُ ، فآحادها المحدثة تخرج المقدور من العدم إلى الوجود المصدِّق لما كان من علم التقدير الأول ، وثم الرحمة والإنعام ، فمنه العام الذي تَنَاوَلَ الخلق كَافَّةً ، ومنه الخاص بما كان من رحمات الوحي التي بها صلاح العقد الباطن والشرع الظاهر ، وليس ثم تَعَارُضٌ بَيْنَهُمَا ، بَلْ كُلٌّ يَرْفِدُ الآخرَ ، وبهما استصلاح المحال كَافَّةً ، الباطن والظاهر ، فَثَمَّ عام من رحمات الأرزاق والمعايش ، وما أُجْرِيَ من أسباب الصنائع والمكاسب ..... إلخ ، وثم خاص قد امتن به الرب ، جل وعلا ، على المؤمن فضلا ، فَحُرِمَهُ الجاحد عدلا ، إذ لم يكن من المحل ما يَقْبَلُ السبب ، وإن قَبِلَ منه هدايةَ بَيَانٍ وإرشادٍ بها الحجة تُقَامُ ، فلم يقبل أخرى أخص من هداية توفيق وإلهام بها تأويل الخبر أَنْ يُصَدَّقَ ، والحكم أَنْ يُمْتَثَلَ ، فيكون من ذلك اسم إيمان يجزئ ، فكل أولئك مما يدل دلالة العقل المصرح على رحمة الخالق الأول ، وثم من ذلك ما لا يحصل في الخارج إلا بكلام ينزل ، إِنْ بأسبابِ تكوينٍ تَنْفُذُ ، أو أخرى من التشريع تحكم ، وبكلٍّ يُنَاطُ الصلاح ، إِنْ دِينًا أو دُنْيَا ، وذلك ، ضرورةً أخرى تَثْبُتُ ، ذلك مما لا يقوم بداهة إلا بحي قيوم ، له من وصف الحياة : وصف ذات لا يُعَلَّلُ ، بل وثم من الفعل ما به يُحْيِي ، فـ : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فلا يحيي ، بداهة ، وهو إلى سبب يُحْيِي يفتقر ، بل له من وصف الحياة وصف ذات أول ، فهو : (الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ، فكان من ذلك ما أوجب التوكل عليه وحده إذ لا يَغِيبُ ولا يأفل ، فـ : (تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى سببٍ من خارجٍ يَسْبِقُ ، ووصف الحياة ، كما يقول أهل الشأن ، أصل لكلِّ وصفٍ ذاتيٍّ ، كما القيومية ، وقد حصل منها في الخارج قيومية تَنْصَحُ بأسبابِ الكونِ وبها حفظ الأبدان ، وأخرى تَنْصَحُ بأسبابِ الدينِ وبها حفظ الأديان ، فَهِيَ أصلٌ لِكُلِّ وصفٍ فِعْلِيٍّ ، فكل أولئك ، ضرورةً ، مما ثَبَتَ أولا في العقل الصريح ، ولو لم يكن ثَمَّ بَعْدُ مَا يُصَدِّقُ مِنَ التَّنْزِيلِ ، فذلك واجب قد رُكِزَ في النَّفْسِ ، فطرةً أولى في الوجدان تَنْصَحُ ، ولا تنفك ، مع ذلك ، تطلب دليلا من الوحي ، فهو يصدق ما كان منها مبدأَ الخلقِ ، وهو يُبِينُ عَمَّا أُجْمِلَ مِنْهَا ، فالباب ، كما تقدم ، خبري لا يُنَالُ إلا من مرجع من خارج يجاوز ، فذلك الوحي النازل بكلمات الخبر الصادق ، وهو يُقَوِّمُ ما اعوج منها بما يطرأ من عَارِضِ شركٍ أو محدَثة .
فَثَمَّ من الغيب ما هو واجب ، على التفصيل آنف الذكر ، فذلك مما وجب ضرورةً في العقل المصرح ، فلا ينفك يطلب بَعْدُ من دليلِ الوحيِ ما يُصَدِّقُ وَيُفَصِّلُ ، وثم منه الجائز ، وهو محل الشاهد الأخص في باب التأويل الذي لا يثبت إلا بقرينة ، فَثَمَّ من ذلك جائز أول في العقل ، فذلك من الغيب المحض فلا دلالة له في العقل تزيد على الجواز المحض ، فطلبه للدليل الخبري المثبِت أَخَصُّ ، وَقَرِينَةُ العقلِ ، بَدَاهَةً ، لا تُجْزِئُ فِي إثباتِه أو تأويل ظاهر من النص قد أَثْبَتَ ، وَإِنِ احْتَمَلَ ضِدًّا يخفى من المرجوح ، فالانتقال إليه ، وإن جَازَ مبدأ النظر ، فلا ينفك يطلب القرينة الناقلة عن الأصل ، فيكون منها في محلِّ النِّزَاعِ النَّصُّ ، ويكون منها زيادة في العلم تَنْقِلُ عن الأصل الأول ، فهي دليل الدعوى ، دعوى التأويل فلا تجزئ في نَفْسِهَا أَنْ تُثْبِتَ نَفْسَهَا ، فذلك الدور الباطل الذي يصادر على المطلوب ويخالف عن المعقول إذ يُصَيِّرُ صورة الخلاف دليل الإثبات ، وليس الخصم بها ، بادي النظر ، يُسَلِّمُ ، لِيُلْزَمَ بِهَا بَعْدُ في الجدال المحكم ، فلا تجزئ دعوى التأويل الناقلة عن الأصل الظاهر إلى الفرع المؤول ، لا تجزئ دليلا يَنْقِلُ ، فذلك من الاستدلال بالشيء على نفسه ، وإنما تطلب القرينة الناقلة المرجِّحة من خارج ، ولكلِّ باب من القرائن ما يواطئ ، وذلك محل شاهد تقدم ، ففي باب الخبر كما الإلهيات خاصة والغيبيات عامة ، في هذا الباب لا قَرِينَةَ تَنْصَحُ إلا قرينة الخبر المجاوز من خارج العقل والحس ، فليسا يَنْصَحَانِ في باب الغيب المجاوز لهما مبدأَ الأمرِ ، إذ لا يَتَصَوَّرَانِهِ بَادِيَ النظرِ ، فهو مما غاب فَاحْتَجَبَ ، فكيف يحكمان فيه بتأويل يَنْقِلُ عن ظاهر أول يستصحب إلى مؤَوَّل مرجوح يخفى ؟ !
فَلَا قَرِينَةَ تُعْتَبَرُ في الغيبياتِ إلا قرينة الخبر ، فَقَرِينَةُ العقلِ ، وإن اعتبرت في التأويل ، فهي تنصح في الأحكام معقولة المعنى التي يحرر الناظر منها العلة التي تَتَعَدَّى من الأصل الثابت إلى الفرع الحادث ، فذلك القياس في اصطلاح الأصول ، وله من المباحث ما استوفى الأبواب والفصول ، فهو من الأدلة الكلية المعتبرة ، وليس له في الأخبار مسلك إلا أن يكون من ذلك قياس أولى يُثْبِتُ لله ، جل وعلا ، مِنْ جِنْسِ الكمال المطلق ، كَمَا العلم أو الحكمة ، ما يجوز في حق المخلوق المحدث ، فالخالق ، جل وعلا ، به أولى ، وهو ما عَمَّ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، الوصفَ كَافَّةً ، ومنه الوجود ، فَلَهُ من ذلك أولية واجبة تُطْلَقُ ، وبها حسم ما امتنع ضرورةً في الذهن من تَسَلْسُلِ المؤثِّرين في الأزل ، وَثَمَّ من الواجب ، أيضا ، ما ثَبَتَ ضرورة من وصف هذا الأول ، فَلَهُ وجودٌ في الخارج يجاوز المجرَّد في الذهن ، وله من ذلك وصف الواجب ، فذلك وجود ذاتي لا يُعَلَّلُ ، فَلَهُ من ذلك أولية تُطْلَقُ ، فَلَيْسَ يَفْتَقِرُ إلى سببٍ من خارج يَسْبِقُ ، إِنْ سَبَبَ إيجادٍ ، فهو الأول في وجوده : الوجود الواجب لذاته ، فكان ولم يكن ثم شيء معه ، وذلك العموم الذي استغرق ، فـ : "«كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ»" ، فدلالة "أل" في "الله" على القول باشتقاقه ، دلالة عهد أخص ، فذلك اسم لا يصدق إلا في مسمى واحد في الخارج ، وهو المعبود المألوه بحق ، وله من الذات القدسية ما جاوز المجردات الذهنية ، فَثَمَّ حقيقة في الخارج تثبت ، وثم من الاسم والوصف والفعل والحكم ما قام بها أزلا ، وإن كان ثم آحاد من الفعل أو الحكم تحدث ، فهي تأويل لما قَدُمَ من النوع ، فَثَمَّ الوجود الواجب لذاته ، وهو ما قد عَمَّ المسمى في الخارج ، الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، وله من ذلك كمال أول قد أطلق ، كما وجود واجب قد ثبت لدى المبدإ ، فكلٌّ ذَاتِيٌّ لَا يُعَلَّلُ ، أول له من وصف الأولية ما أُطْلِقَ ، فَلَا يَفْتَقِرُ الوجود الواجب لذاته إلى سبب يُوجِب وَيُوجِد ، ولا يفتقر الكمال المطلق في الأزل إلى سبب به يَكْمُلُ ، فالكمال ، أيضا ، ذَاتِيٌّ لَا يُعَلَّلُ ، فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ من خارجٍ يَثْبُتُ ، بل المحال والأسباب كافة تَفْتَقِرُ إلى أول لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، أَنْ يُقَدِّرَهَا في علمٍ محيطٍ قَدِ اسْتَغْرَقَ ، وذلك المبدأ في الخلق ، فأوله تقدير في العلم ، وثم تال من الإيجاد المصدِّق في الخارج بما يكون من سبب به الترجيح في الجائز ، فذلك وصف المخلوق الحادث ، إذ له من الوجود أول في التقدير المحكم ، فذلك الوجود العلمي المجرَّد ، فليس منه شيء في الخارج يَثْبُتُ في الأزل ، فيشرك الأول المطلق وصفَ أوليته المطلق ، بل وجود المخلوق الجائز في الأزل : وجود القوة في تقدير أول قد عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ المقدورات كَافَّةً ، وهو ما جَرَى عَلَى سَنَنِ الحكمةِ في الإيجادِ والتدبيرِ ، إِنِ المحلَّ أو السببَ ، وكلُّ أولئك من وصف الخالق الأول ، جل وعلا ، ضرورةً في العقل تَثْبُتُ ، وإن المجملةَ قَبْلَ ورودِ الوحي المنزل الذي يصدقها من وجه ، وَيُبِينُ عَمَّا أُجْمِلَ مِنْهَا ، من آخر ، ويقوم ما اعْوَجَّ مِنْهَا ، ثالثا ، فتلك ، كما تقدم مرارا ، خاصة النبوات التي جاءت تُوَاطِئُ العقول الصريحات والفطر السالمات والحواس الشاهدات بما تعالج من آي الإتقان والإحكام ، وآخر به العناية والرحمة بما أجرى الرب ، جل وعلا ، من أسباب بها حفظ المحال والأنواع ، وذلك ما قد عَمَّ ، من وجه آخر ، المحال كافة ، فكان من الخلق الأول : خلق تقدير محكم قد رُكِزَ فِي الفطرةِ منه مبادئ ضرورة ، وهي ما يصدر عنه المخلوق ، وإن في تَعَاطِي المحسوس ، فأمور الدنيا من الصنائع والمعايش ، وتعاطي المطاعم ومباشرة المناكح .... إلخ ، تلك ، لو تدبرها الناظر ، مما لا يخلو من تقدير أول ، ولو الإلهامَ الذي يحكي رِكْزًا من الفطرةِ تَنْصَحُ ، فذلك تأويل الهدى بعد الخلق ، وهو ما أجاب به الكليم ، عليه السلام ، فِرْعَوْنَ ، فـ : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) ، فكان من ذلك هدى بما رُكِزَ في الوجدان من فِطْرَةٍ ، وهو ما عَمَّ الفكرة والحركة ، فكان من فطرة الحركة ما يباشر السبب في الخارج ، وبه حفظ الأعيان والأنواع ، وكان من فطرة الفكرة : توحيد ينصح ، وهو ما يواطئ القياس المصرح ، حسما لمادة التسلسل ، وذلك ما عَمَّ التأثير والتشريع كَافَّةً ، فلا بد من رَدِّ كُلٍّ إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، قَدِ انْفَرَدَ بوصفِ الربوبية تأثيرا ، وهو ما عم الخلق والرزق والتدبير ، ووصف الألوهية تشريعا ، وهو ما عم الخبر والحكم ، ومنه الحكم آنف الذكر : شكر السبب الذي هُيِّئَ ، فهو يُسْدِي المعروف ، فاستحق الشكر بما ركز في صريح المعقول ، فتلك من الفطرة الأولى الناصحة ، وكان من ذلك تأويل الحكم الذي شَرَعَ ، فواطأ أولا من الفطرة قد نصح ، فهو يحكم ضرورة بحسن الشكر ، شُكْرِ من أسدى المعروف من الخلق ، فَثَمَّ رِكْزٌ أول من الفطرة ، وثم آخر يصدق من الشرعة ، وهو ما يبين عما أجمل ، فصدق ما كان أولا من حسن الشكر ، شكر المنعِم ، وذلك الجنس العام الذي استغرق ، شكر المنعِم من الخلق ، وهو السبب الذي يتسلسل في التعليل ، فيجاوز الشهادة إلى الغيب حتى ينتهي ضرورة أخرى قد اطردت في المقادير كَافَّةً ، فَكُلُّهَا آخرَ أمرِها يرجع إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، فَلَهُ من ذلك وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، فهو المنعِم الأول فلا منعِم قبله ، فأنعم على الخلق جميعا ، أَنْ قَدَّرَ له في الأزل من الماهيات والهيئات ما يحسن ، فـ : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ، وأخرجهم بَعْدُ مِنَ العدمِ إلى وجودٍ تَالٍ يصدق ، ثم كان من التدبير ما أُحْكِمَ ، إذ أجرى لهم من أسباب المعايش ما يصلح ، وهو ، أبدا ، ما لا يستقل به المخلوق ، وإن باشر منه السبب المعقول والمحسوس ، فما يُبَاشِرُ من السبب المعقول في مواضع التعليل المحكم ، فَثَمَّ من ذلك ما اطرد وانعكس في القياس المصرح ، فالأحكام تناط بأوصاف ، وهي معها تدور ، إن في العدم أو في الوجود ، فَثَمَّ من ذلك أول هو المركوز في العقول ، وبه هُدِيَ العاقل المكلف أن يطلب من السبب ما يصلح ، وذلك ما قد عم فاستغرق صلاح الأبدان والأديان كافة ، فلكلٍّ من ركز الفطرة أول ، بما هُيِّئَ من المحال أَنْ تَقْبَلَ الأسبابَ ، إِنْ حِسًّا أو معنى ، وما أُجْرِيَ بَعْدُ مِنَ السببِ ، فجرى على سننٍ قد أُحْكِمَ في الأزل ، فَثَمَّ من الوصف في الحس ما حسن ، كما الطيب الطاهر الذي ينفع ، فالبدن به يُحْفَظُ ، ولا يخلو من لذة تُنْعِشُ ، وإن كان من الإفراط فيها ما يضر ، ولو بالنظر في المآل ، فمحل الشاهد ما جرى على سنن الاعتدال في تعاطي الأسباب ، فذلك أصل يحسن ، وهو ما اطرد في الأسباب كافة ، إن الحس أو المعنى ، إن الدين أو الدنيا ، فحسن فيها جميعا الاعتدال جادة تصفو فهي بين أولى تغلو وأخرى تجفو ، فكان من العدل وسط يَنْصَحُ بين إفراط يزيد وتفريط يُنْقِصُ ، وثم آخر على ضد من الخبيث النجس الذي يضر ، فَلَهُ من الحكم ضِدٌّ يحرم ، إذ له من الوصف ضِدٌّ يَقْبُحُ ، فَاطَّرَدَ القياس وانعكس عَلَى سَنَنِ حكمةٍ تَنْصَحُ ، وذلك ، كما تقدم ، رِكْزُ فطرةٍ هو الأول ، وإن المجمَلَ ، وبه فُسِّرَ ، لدى بَعْضٍ ، تعليمُ الأسماء في محكم الذكر ، إذ : (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) ، فكان من ذلك تعليم الأسماء الدالة على المسميات ، وتعليم المبادئ في المعايش والصناعات ، فكل أولئك من ركز فطرة أولى تُجْمَلُ ، فهي الجنس العام الذي استغرق المحسوس والمعقول كافة ، ولا ينفك يطلب الفاطر الأول ، فَثَمَّ من السبب ما تسلسل حتى انتهى ضرورة إلى أول لا أول قبله ، وشكرُه أن خلق ورزق ودبر ، وأنزل من الخبر والحكم ما ينصح ، فكان من ذلك توحيد قد نصح ، ربوبية بها التقدير والتأثير ، وألوهية بها الحكم والتشريع ، شكرُه هو المراد لذاته من كل وجه ، ولا يحصل إلا بشكر المخلوق ، وهو ما يراد لذاته ، من وجه ، تأويلا لما تقدم من معادن أخلاق تجمل قد ركزت ضرورة في الوجدان المصرح ، وَيُرَادُ لغير ، إذ به تأويل شكر المنعم الأول ، جل وعلا ، وهو ما قد نَصَّ عليه الوحي أمرا يصرح ، فـ : (اشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ، والأصل فيه ، كما تقدم ، الإيجاب الذي يستصحب حتى يكون ثم من القرينة ما يصرف إلى آخر من ضد دائر ، وليس ثم في هذا الموضع ما يصرف ، بل القرائن كافة لأصل الوضع الأول تشهد ، أصل الإيجاب الملزِم ، وله من التأويل آخر به شكر المنعِم من الخلق ، فلا يتم الواجب من شكر الخالق ، جل وعلا ، إلا به ، كما في الخبر آنف الذكر : "من لم يشكرِ النَّاسَ لم يشكرِ اللَّهَ" ، وهو الخبر الشرطي الذي اطرد وانعكس ، وهو ، من آخر ، مما استعير لإنشاء يُوجِبُ شكرَ المخلوق ، وتلك الذريعة إلى شكر الرب المعبود ، جل وعلا ، وثم من الجناس بين شكر الخالق وشكر المخلوق ما يجري مجرى التلازم ، فمادة اللفظ واحدة ، والمعنى قد تغاير ، فشكر الخالق ، جل وعلا ، عبادة ، وشكرة المخلوق أدب ومروءة ، وإن دخله التعبد فمن جهة التكليف الذي يأمر به لا أنه في نفسه عبادة ، فذلك ما لا يكون إلا لواحد وهو الله جل وعلا .

والله أعلى وأعلم .
منازعة مع اقتباس
منازعة


الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1)
 
أدوات الحديث
طرائق الاستماع إلى الحديث

تعليمات المشاركة
لا يمكنك ابتداء أحاديث جديدة
لا يمكنك المنازعة على الأحاديث
لا يمكنك إرفاق ملفات
لا يمكنك إصلاح مشاركاتك

رمز [IMG] متاحة
رمز HTML معطلة

التحوّل إلى

الأحاديث المشابهة
الحديث مرسل الحديث الملتقى مشاركات آخر مشاركة
عون الخالق البارئ في ضبط نظم معيار اللآلئ محمود محمد محمود مرسي أخبار الكتب وطبعاتها 0 01-03-2023 11:39 PM
تحية وشكر صالح المنقوش السملالي مُضطجَع أهل اللغة 1 11-06-2013 10:18 PM
محاضرتان لسحبان عصره ، وقس مصره : علي بن عبد الخالق القرني أبو عدي مُضطجَع أهل اللغة 0 21-07-2009 08:41 PM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة . الساعة الآن 05:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
الحقوقُ محفوظةٌ لملتقَى أهلِ اللُّغَةِ