|
|
الانضمام | الوصايا | محظورات الملتقى | المذاكرة | مشاركات اليوم | اجعل الحلَقات كافّة محضورة |
|
أدوات الحديث | طرائق الاستماع إلى الحديث |
|
#1
|
|||
|
|||
شذرات من كتاب « التبيان في أقسام القرآن » لابن القيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ: فهذه شَذَراتٌ التقطتُها من كتاب «التبيان في أقسام القرآن»، للإمامِ ابنِ قيِّم الجوزيَّة - تعالَى-، وأسألُ الله -عزَّ وجلَّ- أن ينفعَ بها. السِّرُّ في ذِكْرِ ثمودَ دون غيرهم من الأُممِ في سورةِ الشَّمسِ نَقَلَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ عن شيخِهِ ابنِ تيميَّةَ -رحمهما الله تعالَى- السِّرَّ في هذا؛ فقال: (وذكر في هذه السُّورةِ ثمود دون غيرهم من الأُممِ المكذِّبة؛ فقال شيخُنا: هذا -والله أعلمُ- مِن باب التَّنبيهِ بالأدنَى علَى الأعلَى؛ فإنَّه لَمْ يكُن في الأُممِ المكذِّبة أخفُّ ذنبًا وعذابًا منهم؛ إذْ لَمْ يُذْكَرْ عنهُم من الذُّنوبِ ما ذُكِرَ عن عادٍ، ومَدْينَ، وقَوْمِ لوطٍ، وغيرِهم...). وظَهَرَ للإمامِ ابنِ القيِّمِ -- معنًى آخَرَ؛ يقولُ: (قلتُ: وقد يظهرُ في تخصيصِ ثمودَ ههنا بالذِّكر دونَ غيرِهم معنًى آخَرَ؛ وهو أنَّهم رَدُّوا الهُدَى بعدَمَا تيقَّنوهُ، وكانوا مُستبصِرينَ بهِ، قد ثَلِجَتْ له صدورُهم، واستيقظَتْ له أنفسُهُم، فاختارُوا عليه العمَى والضَّلالةَ؛ كما قالَ تعالَى في وصفِهم: وأمَّا ثمودُ فهديناهُمْ فاسْتَحَبُّوا العَمَى علَى الهُدَى، وقال: وآتينَا ثَمودَ النَّاقةَ مُبْصِرةً؛ أي: مُوجبة لهم التَّبصرةَ واليقين، وإن كانَ جميع الأممِ المُهلَكَةِ هذا شأنهم؛ فإنَّ اللهَ لَمْ يُهلِكْ أُمَّةً إلاَّ بعد قيام الحُجَّة عليها؛ لكن خُصَّتْ ثمودُ من ذلك الهدى والبصيرة بمزيدٍ؛ ولهذا: لَمَّا قَرَنَهم بقومِ عادٍ؛ قال: فأمَّا عادٌ فاستكبَروا في الأرضِ بغيرِ الحقِّ وقالوا مَنْ أشدُّ مِنَّا قُوًّةً، ثمَّ قال: وأمَّا ثمودُ فهديناهُمْ فاسْتَحَبُّوا العَمَى علَى الهُدَى؛ ولهذا: أمكنَ عادًا المكابرة، وأن يقولوا لنبيِّهم: ما جِئتَنا ببيِّنةٍ، ولم يُمكن ذلك ثمود، وقد رأوا البيِّنة عِيانًا، وصارَتْ لهم بمنزلة رؤية الشَّمس والقمر؛ فردُّوا الهدى بعد تيقُّنه، والبصيرةِ التَّامَّةِ؛ فكان في تخصيصهم بالذِّكر: تحذيرٌ لكُلِّ من عرفَ الحقَّ ولم يتَّبِعْهُ، وهذا داءُ أكثر الهالكينَ، وهو أعمُّ الأدواءِ، وأغلبُها على أهلِ الأرض. واللهُ أعلم) انتهى. |
#2
|
|||
|
|||
مقابَلة (اتَّقَى) بـ(استَغْنَى) في سورةِ اللَّيلِ
قال ابنُ القيِّمِ - تعالَى-: (فإن قيلَ: كيف قابَلَ (اتقى) بـ(استغنى)، وهل يمكن العبد أن يستغنيَ عن ربِّه طَرْفةَ عَيْنٍ؟ قيل: هذا مِنْ أحسنِ المقابلةِ؛ فإنَّ المُتِّقي لَمَّا استشعرَ فقرَه، وفاقتَه، وشدَّةَ حاجتِه إلى ربِّهِ= اتَّقاه، ولم يتعرَّضْ لسخطِه، وغضبِه، ومقتِه؛ بارتكابِ ما نهاه عنه، فإنَّ مَن كان شديد الحاجةِ والضَّرورة إلى شخصٍ؛ فإنَّه يتقي غضبه وسخطه عليه غايةَ الاتِّقاءِ، ويجانبُ ما يكرهه غايةَ المجانبةِ، ويعتمدُ فعلَ ما يحبُّه ويؤثره. فقابل التَّقوى بالاستغناءِ؛ تبشيعًا لحال تارك التَّقوى، ومبالغةً في ذمِّه؛ بأن فَعَلَ فِعْلَ المُستغني عن ربِّه، لا فِعْلَ الفقيرِ المضطرِّ إليه، الَّذي لا ملجأَ له إلاَّ إليه، ولا غنى له عن فَضْلِه وجودِه وبِرِّه طَرْفةَ عَيْنٍ. فللهِ ما أحلَى هذه المقابلة! وما أجمعَ هاتين الآيتين للخيراتِ كلِّها وأسبابِها، والشرورِ كلِّها وأسبابِها!) انتهى. |
#3
|
|||
|
|||
تأمُّلاتٌ في قوله تعالَى: ﴿إنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى - وإنَّ لَنَا للآخِرَةَ والأُولَى﴾ [الليل: 12، 13]
قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (قيل: معناه: إنَّ علينا أن نبيِّن طريق الهدى من طريق الضَّلال... وقيل: المعنى: إنَّ علينا للهُدَى والإضلال... وقيل: المعنى: من سَلَكَ الهدى؛ فعلى الله سبيله؛ كقوله: وعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبيلِ، وهذا قول مجاهدٍ، وهو أصحُّ الأقوال في الآيةِ. قال الواحديُّ: علينا للهُدَى: أي: إنَّ الهدى يوصل صاحبَه إلى الله، وإلى ثوابِه وجنَّته. وهذا المعنَى في القرآنِ في ثلاثِ مواضع: ههنا، وفي النَّحل في قوله: وعلَى الله قصدُ السبيلِ، وفي الحِجْر في قوله: هذا صراطٌ عليَّ مُستقيمٌ. وهو معنًى شريفٌ جليلٌ، يدلُّ علَى أنَّ سالك طريق الهُدَى يُوصله طريقُه إلى اللهِ ولا بدَّ، والهُدَى: هو الصِّراط المستقيم، فمَن سَلَكَهُ؛ أوصلَهُ إلى اللهِ. فذَكَر الطَّريقَ، والغايةَ؛ فالطَّريقُ: الهدَى، والغايةُ: الوصولُ إلى اللهِ.فهذه أشرفُ الوسائلِ، وغايتُها أعلَى الغاياتِ. ولمَّا كان مطلوبُ السَّالكِ إلى الله تحصيلَ مصالح دنياه وآخرته؛ لَمْ يتمَّ له هذا المطلوبُ إلاَّ بتوحيدِ طلبِه، والمطلوبِ منه؛ فأعلمه -سبحانه- أنَّ سواه لا يملك من الدنيا والآخرة شيئًا، وأنَّ الدُّنيا والآخرةَ جميعًا له -وحدَهُ-، فإذا تيقن العبد ذلك؛ اجتمعَ طلبُه ومطلوبُه على من يملكُ الدُّنيا والآخرةَ -وحدَهُ-. فتضمَّنتِ الآيتانِ أربعةَ أمورٍ؛ هي المطالب العالية: ذَكر أعلَى الغاياتِ؛ وهو: الوصول إلى الله -سبحانه-، وأقربَ الطُّرق والوسائل إليه؛ وهي: طريقة الهُدَى، وتوحيدَ الطَّريقِ؛ فلا يعدل عنها إلى غيرها، وتوحيدَ المطلوبِ؛ وهو: الحقُّ؛ فلا يعدل عنه إلى غيرِهِ. فاقتبسْ هذه الأمورَ مِن مشكاة هذه الكلماتِ؛ فإنَّ هذه غاية العلم والفهم، وبالله التَّوفيقُ. والهدَى التَّامُّ: يتضمَّن توحيدَ المطلوبِ، وتوحيدَ الطَّلبِ، وتوحيدَ الطَّريق الموصلةِ. والانقطاعُ وتخلفُّ الوصولِ: يقعُ من الشركة في هذه الأمورِ، أو في بعضها. فالشركة في المطلوبِ: تُنافي التوحيدَ والإخلاصَ، والشركة في الطَّلبِ: تُنافي الصِّدق والعزيمة والشركة في الطريقِ: تنافي اتِّباع الأمرِ. فالأوَّلُ: يُوقع في الشِّرك والرِّياء، والثَّاني: يوقع في المعصية والبَطالةِ، والثالثُ: يوقع في البدعةِ ومفارقة السنَّة؛ فتأمَّلْهُ. فتوحيدُ المطلوبِ: يعصِمُ مِنَ الشِّرْكِ، وتوحيدُ الطَّلَبِ: يعصِمُ مِنَ المعصيةِ، وتوحيدُ الطَّريقِ: يعصِمُ مِنَ البِدْعةِ. والشَّيطانُ إنَّما ينصبُ فَخَّهُ بهذه الطُّرقِ الثَّلاثةِ) انتهى. |
#4
|
|||
|
|||
تفسير النَّاس يدور علَى ثلاثةِ أصولٍ
قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (وتفسير النَّاس يدور على ثلاثة أصولٍ: تفسير على اللَّفظ؛ وهو الذي ينحو إليه المتأخِّرون. وتفسير على المعنَى؛ وهو الَّذي يذكره السَّلَفُ. وتفسير على الإشارة والقياسِ؛ وهو الَّذي ينحو إليه كثيرٌ من الصُّوفيَّةِ وغيرهم. وهذا لا بأس به بأربعةِ شرائط: ألاَّ يناقِضَ معنَى الآيةِ، وأن يكون معنًى صحيحًا في نفسِهِ، وأن يكون في اللَّفظ إشعارٌ به، وأن يكون بينه وبين معنَى الآيةِ ارتباطٌ وتلازمٌ. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعةُ؛ كان استنباطًا حَسَنًا) انتهى. |
#5
|
|||
|
|||
ذكر الفعل في (أَثَرْنَ) و(وَسَطْنَ) أحسنُ من ذكرِ الاسم
قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (وكان ذكرُ الفِعْلِ في (أَثَرْنَ) و(وَسَطْنَ) أحسنَ مِن ذِكْرِ الاسْمِ؛ لأنَّه -سبحانه- قسَّم [أفعالهنَّ] إلى قِسمين: وسيلةٍ، وغايةٍ؛ فالوسيلةُ: هي العَدْوُ، وما يتبعُه مِنَ الإيراءِ والإغارةِ، والغايةُ: هي توسُّطُ الجَمْعِ وما يتبعُه مِن إثارةِ النَّقْعِ؛ فهُنَّ عادِياتٌ مورياتٌ مغيراتٌ، حتَّى يتوسَّطن الجَمْعَ، ويُثِرْنَ النَّقع، فالأوَّل شأنهنَّ الَّذي أُعدِدْنَ لَهُ، والثَّاني فِعْلُهُنَّ الَّذي انتهينَ إليهِ، والله أعلمُ) انتهى. |
#6
|
|||
|
|||
ما ألطف اقتران اسم (الودود) بـ(الرحيم) وبـ(الغفور)!
قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (وما ألطفَ اقترانَ اسم (الودود) بـ(الرَّحيم) وبـ(الغَفور)؛ فإنَّ الرَّجُلَ قد يغفرُ لِمَنْ أساءَ إليه، ولا يُحبُّه، وكذلك: قد يرحَم من لاَّ يُحِبُّ، والرَّبُّ تعالَى يغفرُ لعبدِهِ إذا تاب إليه، ويرحمُه، ويحبُّه مع ذلك؛ فإنه يحبُّ التوَّابينَ، وإذا تاب إليه عبدُهُ؛ أحبَّهُ، ولو كان منه ما كان) انتهى. أحسنُ ما قُرِنَ اسمُ (المجيد) إلى (الحميد) قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (وأحسنُ ما قُرِنَ اسمُ (المجيد) إلى (الحميد)؛ كما قالت الملائكةُ لبيت الخليلِ -عليه السَّلام-: رحمةُ اللهِ وبركاتُهُ عليكُمْ أهلَ البَيْتِ إنَّه حَميدٌ مَّجيدٌ، وكما شُرِعَ لنا في آخرِ الصَّلاة أن نُّثْنِيَ على الربِّ تعالَى بأنَّه حميدٌ مجيدٌ، وشُرِعَ في آخرِ الركعة عند الاعتدالِ أن نقولَ: (ربَّنا ولك الحمدُ، أهلَ الثَّناءِ والمجدِ). فالحمدُ والمجدُ -على الإطلاق- للهِ الحميدِ المجيدِ؛ فالحميدُ: الحبيبُ، المستحقُّ لجميع صفات الكمال، والمجيدُ: العظيم، الواسع، القادر، الغنيُّ، ذو الجلال والإكرام) انتهى. |
#7
|
|||
|
|||
سبحان الله........زادكِ علما أختاه..ونفع بكِ ودفع عنكِ كل ضير؛وساق إليكِ كل خير......
|
#8
|
|||
|
|||
البلاغة في وصف العِيشة بالرَّاضية
قال الإمامُ ابن القيِّم --: (وأمَّا (العِيشة الرَّاضِية)؛ فالوصفُ بها أحسنُ مِنَ الوَصْفِ بـ(المَرْضِيَّة)؛ فإنَّها اللاَّئقة بهم؛ فشَبَّهَ ذلك برِضَاها بِهم كما رَضُوا بها، كأنَّها رَضِيَتْ بِهِمْ ورَضُوا بِهَا، وهذا أبلغُ مِن مجرَّدِ كونِها مَرْضيَّةً فَقَط؛ فتأمَّلْهُ) انتهى. التَّعبير عن الأعمال بالسِّرّ في قوله تعالَى: ﴿يومَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ قال الإمامُ ابن القيِّم --: (وفي التَّعبير عن الأعمال بالسِّرِّ لطيفة؛ وهو أنَّ الأعمال نتائج السَّرائر الباطنةِ؛ فمَن كانت سريرتُه صالحةً؛ كان عملُه صالحًا؛ فتبدو سريرتُه على وجهِهِ نورًا وإشراقًا وحياءً، ومَن كانت سريرتُه فاسدةً؛ كان عملُه تابعًا لسريرتِه، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرتُه على وجهِه سوادًا وظلمةً وشينًا، وإن كان الَّذي يبدو عليه في الدُّنيا إنما هو عَمَلُه لا سريرتُه، فيوم القيامة تبدو عليه سريرتُه، ويكون الحكمُ والظُّهور لها) انتهى. |
#9
|
|||
|
|||
مِنْ عادةِ القرآنِ في القَسَمِ: الإقسامُ من كُلِّ جنسٍ بأعلاه
قال الإمامُ ابن القيِّم --: (... وإنَّما يُقْسِمُ -سبحانه- من كُلِّ جنسٍ بأعلاه: كما أنَّه لمَّا أقسمَ بالنُّفوسِ: أقسم بأعلاها؛ وهي: النَّفس الإنسانيَّة. ولمَّا أقسَمَ بكلامِه: أقسمَ بأشرفِه وأجلِّه؛ وهو: القرآن. ولمَّا أقسم بالعُلْويَّاتِ: أقسمَ بأشرفِها؛ وهي: السَّماءُ، وشمسُها، وقمرُها، ونجومُها. ولمَّا أقسمَ بالزَّمانِ: أقسمَ بأشرفِه؛ وهو: اللَّيالي العَشْر. وإذا أراد -سبحانه- أن يُّقسِمَ بغير ذلك؛ أدرجَهُ في العُمومِ؛ كقوله: فلا أُقْسِمُ بِما تُبصِرُونَ - وما لا تُبْصِرُونَ) انتهى. |
#10
|
|||
|
|||
البلاغة في حذف مفعول (النَّزع) و(النَّشط) في قوله تعالَى: ﴿والنَّازعاتِ غَرْقًا - والنَّاشطات نَشْطًا﴾
قال الإمامُ ابن القيِّم --: (وحَذَفَ مفعول (النَّزع) و(النَّشط)؛ لأنَّه لو ذَكَرَ ما تنزعُ وتنشطُ؛ لأوهمَ التقييدَ بهِ، وأنَّ القَسَمَ علَى نَفْسِ الأفعالِ الصَّادرة مِن هؤلاءِ الفاعلينَ؛ فلم يتعلَّقِ الغرضُ بذكرِ المفعول؛ كقوله: فأمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى ونظائره، فكان نَفْسُ النَّزْعِ هو المقصود، لا عَيْن المنزوع) انتهى. لِمَ ذَكَرَ (السَّابقات) و(المُدبِّرات) بالفاء، وما قبلها بالواو؟ قال ابنُ القيِّم - تعالَى-: (قال الجُرْجانيُّ: وذكرَ السَّابقات والمدبِّرات بالفاءِ، وما قبلها بالواوِ؛ لأنَّ ما قبلَها أقسامٌ مستأنَفة، وهذان القِسمان مُنشَآن عن الَّذي قبلهما؛ كأنَّه قال: فاللاَّتي سَبَحْنَ فسَبَقْنَ؛ كما تقولُ: قامَ فَذَهَبَ؛ أوجب الفاء أنَّ القيامَ كان سببًا للذَّهاب، ولو قلتَ: قام وذهب؛ لَمْ تجعلِ القيامَ سببًا للذَّهاب. واعترَضَ عليه الواحديُّ؛ فقال: هذا غير مُطَّردٍ في هذه الآيةِ؛ لأنَّه يبعد أن يجعلَ السَّبْق سببًا للتَّدبير، مع أنَّ السابقاتِ ليست الملائكة في قول المفسِّرين. قلتُ: الملائكةُ داخلون في السَّابقات قَطْعًا، وأمَّا اختصاص السَّابقات بالملائكةِ فهذا محتملٌ. وأمَّا قوله: (يبعد أن يكون السَّبقُ سببًا للتدبيرِ)؛ فليس كما زَعَمَ؛ بل السَّبق: المبادرةُ إلى تنفيذ ما يُؤمَر به المَلَكُ؛ فهو سبب الفِعل الذي أُمِرَ به؛ وهو التَّدبير، مع أنَّ الفاء دالَّة على التَّعقيب، وأنَّ التَّدبير يتعقَّب السَّبق بلا تراخٍ، بخلاف الأقسام الثَّلاثةِ، والله أعلم) انتهى. |
#11
|
|||
|
|||
وُجوه لُطْفِ الخطابِ ولِينِهِ في قوله : ﴿هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى - وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾
قال الإمامُ ابن القيِّم --: (ثُمَّ أمرَه أَن يخاطبَه بألينِ خطابٍ؛ فيقول له: هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى - وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى. ففي هذا مِن لطفِ الخطاب ولِينِه وجوهٌ: أحدها: إخراج الكلام مُخْرَجَ العَرْضِ، ولم يُخرِجْه مُخْرَجَ الأمرِ والإلزام، وهو ألطفُ. ونظيرُه قولُ إبراهيمَ لضيفِه المُكرَمينَ: أَلاَ تَأْكُلُونَ، ولَمْ يَقُل: كُلُوا. الثَّاني: قوله: إِلَى أَن تَزَكَّى، والتَّزَكِّي: النَّماء، والطَّهارة، والبَرَكة، والزِّيادة؛ فعرضَ عليه أمرًا يقبله كلُّ عاقلٍ، ولا يردُّه إلاَّ كلُّ أحمق جاهل. الثَّالث: قوله: تَزَكَّى، ولَمْ يَقُلْ: (أُزَكِّيكَ)؛ فأضاف التَّزكية إلى نفسِهِ، وعلَى هذا يُخاطَبُ الملوكُ. الرَّابع: قوله: وأَهْدِيَكَ؛ أي: أكون دليلاً لك، وهاديًا بين يديكَ؛ فنسب الهدايةَ إليه، والتزكِّي إلى المخاطَب؛ أي: أكون دليلاً لك، وهاديًا؛ فتزكَّى أنتَ؛ كما تقول للرَّجل: هل لَّكَ أن أدلَّكَ علَى كنزٍ تأخذُ منه ما شئتَ؟ وهذا أحسنُ مِن قولِهِ: أُعطيكَ. الخامس: قوله: إلَى رَبِّكَ فإنَّ في هذا ما يُوجِبُ قبول ما دلَّ عليه؛ وهو أنَّه يدعوه ويُوصلُه إلى ربِّه؛ فاطرِه، وخالقِه الَّذي أوجَده، وربَّاه بنِعَمِهِ -جَنينًا وصغيرًا وكبيرًا-، وآتاه المُلْكَ. وهو نوعٌ من خِطابِ الاستعطافِ، والإلزامِ؛ كما تقول لِمَنْ خرجَ عَن طاعةِ سيِّده: ألاَ تُطيعُ سيِّدَكَ، ومولاكَ، ومالكَكَ؟ وتقول للولدِ: ألا تُطيع أباكَ الذي ربَّاكَ؟ السَّادس: قوله: فَتَخْشَى؛ أي: إذا اهتديتَ إليه وعرفتَه؛ خَشِيتَهُ؛ لأنَّ مَنْ عَرَفَ اللهَ خافَهُ، ومن لَمْ يَعْرِفْهُ لَمْ يَخَفْهُ؛ فخشيتُه مقرونةٌ بمعرفتِهِ، وعلى قدر المعرفةِ تكون الخشيةُ. السَّابع: أنَّ في قوله: هَل لَّكَ فائدة لطيفة؛ وهي أنَّ المعنى: هل لكَ في ذلك حاجةٌ أو أَرَبٌ؟ ومعلوم أنَّ كُلَّ عاقلٍ يُبادِرُ إلى قبولِ ذلك؛ لأنَّ الدَّاعيَ إنَّما يدعو إلى حاجتِهِ ومصلحتِه، لا إلى حاجة الدَّاعي؛ فكأنَّه يقولُ: الحاجةُ لَكَ، وأنت المتزكِّي، وأنَّا الدَّليل لكَ، والمُرشد لك إلى أعظم مصالحِكَ) انتهى. |
#12
|
|||
|
|||
أختي عائشة -السلام عليكِ- ثقي أنني سعيدة جدا بدروسكِ هذه ...
سأتفرغ من شغلي في أقرب وقت-إن شاء الله- وأشاركك الحوار في عديد المسائل العلمية المتعلقة بلغتنا الحبيبة........بارك الله فيك وزادك علما وفهما وجعل ما تكتبين من علوم في ميزان حسناتك....نعم زكاة العلم نشره |
#13
|
|||
|
|||
الأخت الكريمة / نحوية
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أشكرُ لكِ مُتابعتكِ. بارك الله فيكِ، ويسَّر أمرَكِ. |
#14
|
|||
|
|||
أعطر تحياتي ...لكِ
ومزيدا من العلم الطيب أيتها الأخت المباركة أتمنى كل الناس يهتمون بقضايا العلم مثلك ....تقديري واحترامي |
#15
|
|||
|
|||
قولٌ قويٌّ في تفسير قوله تعالَى: ﴿بَلْ يُريدُ الإنسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ وما فيه من البلاغةِ
قال الإمامُ ابنُ القيِّم --: (وفي الآيةِ قولٌ آخَرُ؛ وهو أنَّ المعنى: بل يُريدُ الإنسان ليُكذِّب بِمَا أمامَه مِنَ البَعْثِ ويومِ القيامة. وهذا قولُ ابن زيدٍ، واختيارُ ابن قُتَيبةَ، وأبي إسحاق. قالَ هؤلاء: ودليلُ ذلك قولُه: يَسْأَلُ أيَّانَ يَوْمُ القِيامَةِ. ويُرجِّحُ هذا القولَ لَفْظَةُ (بَلْ)؛ فإنَّها تُعطي أنَّ الإنسانَ لَمْ يُؤمِن بيوم القيامةِ مع هذا البيان والحجَّة؛ بل هو مُريدٌ للتَّكذيبِ به. ويُرجِّحه -أيضًا- أنَّ السِّياقَ كُلَّه في ذمِّ المكذِّب بيوم القيامةِ، لا في ذمِّ العاصي والفاجِر. وأيضًا: فإنَّ ما قبل الآية وما بعدَها: يدُلُّ علَى المُرادِ؛ فإنَّه قالَ: أيحسَبُ الإنسانُ أن لَّن نَّجْمَعَ عِظامَهُ - بلَى قادرينَ علَى أن نُّسَوِّيَ بَنانَهُ؛ فأنكر -سبحانه- عليه حُسْبانَهُ أنَّ اللهَ لا يجمع عِظامَه، ثمَّ قرَّر قُدرتَه على ذلك، ثمَّ أنكر عليه إرادةَ التَّكذيب بيوم القيامةِ؛ فالأوَّلُ: حُسْبانٌ منه ألاَّ يُحييَهُ بعد موتِه، والثَّاني: تكذيبٌ منه بيوم البَعث، وأنَّه يُريدُ أن يُّكذِّبَ بما وضح وبانَ دليلُ وقوعِه وثبوتِه؛ فهو مريدٌ للتَّكذيب بهِ، ثمَّ أخبرَ عن تصريحِه بالتَّكذيب؛ فقال: يسألُ أيَّانَ يومُ القيامةِ؛ فالأوَّلُ: إرادةُ التَّكذيب، والثَّاني: نُطقٌ بالتَّكذيبِ، وتكلُّمٌ به. وهذا قولٌ قوِيٌّ -كما تَرَى-؛ لكن: ينبغي إفراغُ هذه الألفاظِ في قوالبِ هذا المعنَى؛ فإنَّ لفظة (يَفْجُر) إنَّما تدُلُّ علَى عَمَلِ الفُجورِ، لا علَى التَّكذيب، وحَذْفُ الموصول مَعَ ما جَرَّهُ، وإبقاءُ الصِّلةِ= خلافُ الأَصْلِ؛ فإن أصحابَ هذا القولِ قالوا: تقديرُه: ليَكْفُرَ بِما أمامَهُ، وهذا المعنَى صحيحٌ؛ لكنَّ دلالةَ هذا اللَّفظ عليه ليستْ بالبيِّنةِ. فالجوابُ: أنَّ الأمرَ كذلك؛ لكنَّ الفِعْلَ إذا ضُمِّنَ معنَى فعلٍ آخَرَ؛ لَمْ يَلْزَمْ إعطاؤُه حُكْمَهُ مِن جميعِ الوجوهِ؛ بل مِن جَلالةِ هذه اللُّغةِ العظيمةِ الشَّأْنِ وجزالتِها: أن يَّذكُرَ المتكلِّمُ فعلاً، ويُضمِّنَه معنَى فعلٍ آخَرَ، ويُجري على المضمَّنِ أحكامَهُ لفظًا، وأحكامَ الفِعْلِ الآخَرِ معنًى؛ فيكون في قوَّة ذكرِ الفِعلينِ، مع غايةِ الاختصارِ. ومَن تدبَّر هذا؛ وَجَدَهُ كثيرًا في كلامِ اللهِ . فلَفْظةُ (يَفْجُر) اقتضَتْ (أمامَهُ) بلا واسطةِ حَرْفٍ، ولا اسمٍ موصول؛ فأُعطيَتْ ما اقتضَتْهُ لفظًا، واقتضَى ما تضمَّنه الفِعْلُ من ذِكْرِ الحَرفِ والمَوْصولِ؛ فأُعْطِيَتْهُ معنًى؛ فهذا وَجْهُ هذا القولِ لفظًا ومعنًى، واللهُ أعلمُ) انتهى. |
الذين يستمعون إلى الحديث الآن : 1 ( الجلساء 0 والعابرون 1) | |
أدوات الحديث | |
طرائق الاستماع إلى الحديث | |
|
|
الأحاديث المشابهة | ||||
الحديث | مرسل الحديث | الملتقى | مشاركات | آخر مشاركة |
من الرأس إلى القدم | القعقاع | حلقة فقه اللغة ومعانيها | 7 | 08-12-2018 04:03 PM |
شرح قصيدة ( المقصور والممدود لابن دريد ) لابن هشام اللخمي - صالح العصيمي ( درس صوتي ) | لسان مبين | المكتبة الصوتية | 2 | 12-11-2009 03:36 PM |
سؤال عن كتاب " المثنى والمكنى " لابن السكيت | محبة الفصحى | أخبار الكتب وطبعاتها | 2 | 11-11-2008 09:19 PM |
للأهمية ، وللضرورة ، وللأمانة العلمية : صحح نسختك من كتاب المسائل والأجوبة لابن قتيبة | الدكتور مروان | أخبار الكتب وطبعاتها | 0 | 15-06-2008 07:37 PM |